مهما أوتيت من جوامع الكلم ولو كان وحياً، فلن تستطيع إقناع وهابيي الفطرة أو وهابيي النفط، بأنّ إيران ليست حليفة أمريكا من تحت الطاولة، وأنّ العداء فوقها هو مجرد مخطط للضحك على ذقون الساذجين من العرب والمسلمين، فالوهابيون بالفطرة هم بحاجة لتعزيز فطرتهم وصقلها بالأحقاد وترميمها بالجهل، فيُسخر لهم النفط فقراء النفوس على صعيدين، الديني والسياسي، فيتكفل الدينيون الدنيويون بتصوير الصراع على أنه استمرار لمعركة القادسية، وأنّ كسرا يرتدي العمامة تمويهاً، وقرر الانتقام لملكه الضائع من الاسلام بالتخفي في عباءة علي، وهذا ما يفسر مهاجمة عمر وأبو بكر وعائشة والقائمة الشهيرة، وأما على الصعيد السياسي فتتكفل نخبة سياسية بتصوير الأمر على أنّ التدخل الإيراني في الوطن العربي أمرٌ مسلّمٌ به ولا يحتاج لنقاش، وأنه يعود للأطماع الإيرانية أولاً، لأنّ إيران بطبيعتها تسعى للهيمنة، وثانياً لضعف النظام العربي، وهذا ما يستوجب ربيعاً عربياً، يضع حداً للهيمنة الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان واليمن والبحرين وغزة، ولكن إذا نظرنا لخارطة هذه الدول وواقعها، ومدينة غزة وواقعها، فماذا سنرى.

سنرى أنّ الأمر لا يبتعد عن كونه تسخير أمريكي للنفط بعائداته وفتاويه، لتحقيق المشروع الصهيوني، فالملاحظ أنّ هذه النخوة الإسلاموعروبية في مواجهة الهيمنة الإيرانية، تكاد لا تُرى بالعين المجردة في مواجهة الهيمنة الأمريكية والصلف الصهيوني، هل لأنهم رأوا في أوباما شبيهاً لابن الخطاب عدلاً، ونتن ياهو شبيهاً لأبي بكر حسماً، ولكن هذا تجنٍ وشطط، والأمر لا يعدو عن كون السعودية تريد للعرب والمسلمين سلاماً دائماً، ولا يقف في وجه هذا النعيم إلا إيران، فحين تستسلم غزة، ويقوم حزب الله بتسليم سلاحه لدولته وليس لـ(إسرائيل)، ويرحل الأسد فيأتي نظام يعلن انتهاء الصراع العربي الصهيوني، ويقبل اليمنيون بالخطة السعودية لحكم اليمن، ويقبل البحرينيون بالملك الطفرة ونسله للأبد، ورئيس وزراء عراقي يمهد للتقسيم ويقبل الوجود الأمريكي دون حتى تأفف، "ولا تقل لهما أُفٍ" أمريكا و(إسرائيل)، وهذا صحيح التفسير الوهابي للإسلام، أوليست هذه خلاصات ما تريده السعودية، ورهطها النفطي من التدخل في كل هذه المناطق، إذاً لا تجنٍ ولا شطط.

ولكن أهم الملاحظات وأشدها قسوة، هو أنّ الدينيين الدنيويين الوهابيين لا يخاطبون فقط من جهِل فظنّ أنه وهابياً، بل من جهِل وظنّ نفسه عدواً للوهابية، وفي هذا النقطة ليس مهماً ماذا تكون جيناتك الوراثية، فسيّان إن مُنِحتها من أبوين سنيين أو شيعيين، والسياسيون النخبويون النفطيون أيضاً كذلك يفعلون، فهم يدركون أنّ للناس غرائز، وهي مرتبطة ارتباطاً شرطياً بمنسوب العقل، فكلما تدنى منسوب العقلانية ارتفع منسوب الغرائزية، وكلما ارتقى منسوب العقلانية، تدنى منسوب الغرائزية، وهنا لا أقصد لوناً معيناً من الدينيين الموسومين بالنفط جهاراً، بل كل من اتخذ من غرائزية الرعاع والدهماء محفظة للجيب وسلماً للشهرة، فعلى سبيل المثال، يقوم قائد الجمهورية الإسلامية في إيران بتحريم شتم رموز "أهل السنة"، وكذلك يفعل السيد نصرالله، والمرجع السيستاني والمرجع فضل الله، وغيرهم الكثير، وهو سلوك ينم عن غاية المسؤولية وذروة الإدراك، ولكن هذا لا يمنع بعض الغرائزيين من ممارسة إيمانه ومعتقداته سباباً وشتماً وكأنها الصورة الأبلج للإيمان، وهذا بالضبط وقود الوهابية، فلا أسعد من وهابيٍ دينيٍ أو سياسي بهذه الأشكال، لأنها مصدر استرزاقه، ولا أتعس من مسلمٍ أو عربيٍ اعتبر نفسه من جماهير المقاومة الأسمى، فرأى في خندقه وهابيين أراذل، ومصدراً حيوياً لاسترزاق وهابيين آخرين

لا شك بأننا تطورنا بشكلٍ عكسي، وهذا أحد مظاهر التخلف والانحطاط الذي لا نكتفي بمعايشته بل والاستمتاع به، فمن خير أمة إلى مجرد أمة، ومن مجرد أمة إلى مجرد شعوب، ومن مجرد شعوب إلى مجرد قبائل وعشائر، ومن مجرد قبائل وعشائر إلى مجرد مذاهب، فأي دركٍ أسفل ينتظرنا بعد درك المذهبية ولا أسفل بعده إلا باطن الأرض، وفي باطن الأرض لا تعيش إلا الديدان، فماذا سيقول المحتكرون للحقيقة وللجنة لربهم، من العجلة في الطريق إليك أصبحنا ديداناً، فلم نعرف كيف نخاطب مَن فوقها، ليس مهماً ما سيقولوه، المهم نحن ماذا سنفعل، أخشى أيضاً أن نتبع المحتكرون فنمسي ديداناً، تقتات على السذاجة في النظر للتاريخ والسطحية في رؤية الحاضر والمستقبل، وفي النهاية قال لي يوماً شيخٌ كبير، لا يُعتبر عندي وجيهاً أي حديثٍ أو تفسيرٍ إلا ما أجمعت عليه الأمة بمراجعها السنية والشيعية.

  • فريق ماسة
  • 2015-01-06
  • 10138
  • من الأرشيف

مقاومون لكن وهابيون

مهما أوتيت من جوامع الكلم ولو كان وحياً، فلن تستطيع إقناع وهابيي الفطرة أو وهابيي النفط، بأنّ إيران ليست حليفة أمريكا من تحت الطاولة، وأنّ العداء فوقها هو مجرد مخطط للضحك على ذقون الساذجين من العرب والمسلمين، فالوهابيون بالفطرة هم بحاجة لتعزيز فطرتهم وصقلها بالأحقاد وترميمها بالجهل، فيُسخر لهم النفط فقراء النفوس على صعيدين، الديني والسياسي، فيتكفل الدينيون الدنيويون بتصوير الصراع على أنه استمرار لمعركة القادسية، وأنّ كسرا يرتدي العمامة تمويهاً، وقرر الانتقام لملكه الضائع من الاسلام بالتخفي في عباءة علي، وهذا ما يفسر مهاجمة عمر وأبو بكر وعائشة والقائمة الشهيرة، وأما على الصعيد السياسي فتتكفل نخبة سياسية بتصوير الأمر على أنّ التدخل الإيراني في الوطن العربي أمرٌ مسلّمٌ به ولا يحتاج لنقاش، وأنه يعود للأطماع الإيرانية أولاً، لأنّ إيران بطبيعتها تسعى للهيمنة، وثانياً لضعف النظام العربي، وهذا ما يستوجب ربيعاً عربياً، يضع حداً للهيمنة الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان واليمن والبحرين وغزة، ولكن إذا نظرنا لخارطة هذه الدول وواقعها، ومدينة غزة وواقعها، فماذا سنرى. سنرى أنّ الأمر لا يبتعد عن كونه تسخير أمريكي للنفط بعائداته وفتاويه، لتحقيق المشروع الصهيوني، فالملاحظ أنّ هذه النخوة الإسلاموعروبية في مواجهة الهيمنة الإيرانية، تكاد لا تُرى بالعين المجردة في مواجهة الهيمنة الأمريكية والصلف الصهيوني، هل لأنهم رأوا في أوباما شبيهاً لابن الخطاب عدلاً، ونتن ياهو شبيهاً لأبي بكر حسماً، ولكن هذا تجنٍ وشطط، والأمر لا يعدو عن كون السعودية تريد للعرب والمسلمين سلاماً دائماً، ولا يقف في وجه هذا النعيم إلا إيران، فحين تستسلم غزة، ويقوم حزب الله بتسليم سلاحه لدولته وليس لـ(إسرائيل)، ويرحل الأسد فيأتي نظام يعلن انتهاء الصراع العربي الصهيوني، ويقبل اليمنيون بالخطة السعودية لحكم اليمن، ويقبل البحرينيون بالملك الطفرة ونسله للأبد، ورئيس وزراء عراقي يمهد للتقسيم ويقبل الوجود الأمريكي دون حتى تأفف، "ولا تقل لهما أُفٍ" أمريكا و(إسرائيل)، وهذا صحيح التفسير الوهابي للإسلام، أوليست هذه خلاصات ما تريده السعودية، ورهطها النفطي من التدخل في كل هذه المناطق، إذاً لا تجنٍ ولا شطط. ولكن أهم الملاحظات وأشدها قسوة، هو أنّ الدينيين الدنيويين الوهابيين لا يخاطبون فقط من جهِل فظنّ أنه وهابياً، بل من جهِل وظنّ نفسه عدواً للوهابية، وفي هذا النقطة ليس مهماً ماذا تكون جيناتك الوراثية، فسيّان إن مُنِحتها من أبوين سنيين أو شيعيين، والسياسيون النخبويون النفطيون أيضاً كذلك يفعلون، فهم يدركون أنّ للناس غرائز، وهي مرتبطة ارتباطاً شرطياً بمنسوب العقل، فكلما تدنى منسوب العقلانية ارتفع منسوب الغرائزية، وكلما ارتقى منسوب العقلانية، تدنى منسوب الغرائزية، وهنا لا أقصد لوناً معيناً من الدينيين الموسومين بالنفط جهاراً، بل كل من اتخذ من غرائزية الرعاع والدهماء محفظة للجيب وسلماً للشهرة، فعلى سبيل المثال، يقوم قائد الجمهورية الإسلامية في إيران بتحريم شتم رموز "أهل السنة"، وكذلك يفعل السيد نصرالله، والمرجع السيستاني والمرجع فضل الله، وغيرهم الكثير، وهو سلوك ينم عن غاية المسؤولية وذروة الإدراك، ولكن هذا لا يمنع بعض الغرائزيين من ممارسة إيمانه ومعتقداته سباباً وشتماً وكأنها الصورة الأبلج للإيمان، وهذا بالضبط وقود الوهابية، فلا أسعد من وهابيٍ دينيٍ أو سياسي بهذه الأشكال، لأنها مصدر استرزاقه، ولا أتعس من مسلمٍ أو عربيٍ اعتبر نفسه من جماهير المقاومة الأسمى، فرأى في خندقه وهابيين أراذل، ومصدراً حيوياً لاسترزاق وهابيين آخرين لا شك بأننا تطورنا بشكلٍ عكسي، وهذا أحد مظاهر التخلف والانحطاط الذي لا نكتفي بمعايشته بل والاستمتاع به، فمن خير أمة إلى مجرد أمة، ومن مجرد أمة إلى مجرد شعوب، ومن مجرد شعوب إلى مجرد قبائل وعشائر، ومن مجرد قبائل وعشائر إلى مجرد مذاهب، فأي دركٍ أسفل ينتظرنا بعد درك المذهبية ولا أسفل بعده إلا باطن الأرض، وفي باطن الأرض لا تعيش إلا الديدان، فماذا سيقول المحتكرون للحقيقة وللجنة لربهم، من العجلة في الطريق إليك أصبحنا ديداناً، فلم نعرف كيف نخاطب مَن فوقها، ليس مهماً ما سيقولوه، المهم نحن ماذا سنفعل، أخشى أيضاً أن نتبع المحتكرون فنمسي ديداناً، تقتات على السذاجة في النظر للتاريخ والسطحية في رؤية الحاضر والمستقبل، وفي النهاية قال لي يوماً شيخٌ كبير، لا يُعتبر عندي وجيهاً أي حديثٍ أو تفسيرٍ إلا ما أجمعت عليه الأمة بمراجعها السنية والشيعية.

المصدر : ايهاب زكي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة