«اصنع وحشاً مرعباً، امنحه زمناً كافياً لبثّ الهلع بين النّاس، ثم استحضر بطلك الخارق وأنقذهم جميعاً». بهذه العبارات المقتضبة يشرح جو شاستر، مبتكر شخصيّة سوبرمان، وصفته السحريَّة لصناعة الأسطورة. لا يبدو المشهد مختلفاً كثيراً حين يتعلّق الأمر بإعلام المعارضة السوريّة. اجتاح وحش الحرب حيّ بابا عمرو الحمصيّ في بدايات الصّراع الدائر في سوريا منذ أربع سنوات تقريباً. حصل على متسعٍ زمنيّ كافٍ لصناعة المصيبة، ثمّ استُحضِر الناشط خالد أبو صلاح وتمّ تنصيبه ناطقاً باسم المستضعفين، وصارت إفاداته قِبلةً لجميع فضائيات الأرض، قبل أن يصير فعلاً ماضياً في حسابات الإعلامَين المحليّ والعربيّ على حدّ سواء، ويختفي تماماً عن الشاشة.

عرضت قناة «الجزيرة»، تقريراً، يعود تاريخه إلى 6 شباط 2012، تحدّثت فيه عن بطولات أبو صلاح، مقدّمة إيّاه بصورةٍ طوباوية توشك أن تشكّل معادلاً عصرياً لشخصيّة السّيد المسيح، قبل أن يحلّ «البدويّ الحمصيّ»، كما سمّاه التقرير، ضيفاً على المؤتمر الثالث، الّذي عقده «أصدقاء الشعب السوري» في باريس، مستكملاً بذلك شرط النجومية الّذي اشتغلت ماكينات الإعلام على صناعته مطوّلاً، قبل أن يتمّ تغييبه عن الشّاشات في زمنٍ قياسيّ.

هادي العبد الله لم يكن أحسن حالاً. عضو «الهيئة العامة للثورة السّوريّة» كان قد عمد، خلال سنة من تاريخ الحرب، إلى تغيير صوته في جميع اتصالاته ومداخلاته التي قدّمها لصالح الفضائيات العربيّة، ثمّ عاد ليكشف عن هويّته كاملةً. انتقل بعدها إلى مرحلة النشاط الميدانيّ المصوّر وقدّم عدّة تقارير راحت تفقد مصداقيّتها تباعاً لدى جمهور المعارضة، بسبب المغالطات الكثيرة التي قدّمها العبدلله على أنّها وقائع مثبتة، وكحال سابقه، أُقصي النّاشط الحمصيّ عن منابر المعارضة بعد حين، وتتحدّث بعض المصادر المطّلعة على الشّأن السوري، عن انتساب العبد الله إلى صفوف «جبهة النصرة».

ضمن السّياق ذاته، يجيء اسم عبيدة بطل الذي حجز لنفسه مساحتين مستقلّتين في ذاكرة السّوريين. الأولى كانت رياضية الهوى، فعشّاق كرة القدم المحليّة كانوا شهوداً على نشاطٍ استثنائيّ قدمه عبيدة أثناء عمله ضمن فريق الإعداد الخاص ببرنامج «الكرة بملعبك» الّذي قدّمه الإعلاميّ لطفي الأسطواني لصالح تلفزيون «الدنيا» قبل الأزمة. أمّا الثانية فأخذت شكل نشاطٍ ميدانيّ قدّم من خلاله بطل جملة تقارير إعلامية لصالح قناة «أورينت نيوز» الّتي اشتغلت على دعم فصائل المعارضة المسلّحة بصورةٍ معلنةٍ منذ ميلادها الثاني بعد أن أُغلقت مكاتبها في دمشق غير مرّة. يُذكر أن تنظيم «داعش» كان قد اقتحم المكتب الخاص للقناة المذكورة في تلّ رفعت بتاريخ 25/3/2013 واعتقل بطل وصادر ما كان بحوزته من معدّات وأجهزة.

يعرّف يمان السّيد عن نفسه بأنّه مراسل قناة «أورينت نيوز» في دمشق وريفها، ويقول لـ «السفير»: «كنت طالباً في كليّة الإعلام بجامعة دمشق، لعبت كرة القدم لصالح نادي الوحدة، انضممت إلى صفوف الثورة في بداية الحراك السلمي، عملت في السرّ إلى حين استشهاد شقيقي قبل عامين، ثمّ انتقلت للنشاط العلني من خلال عقدٍ وقّعته مع شبكة «أورينت نيوز». ويضيف السّيد شارحاً مزايا العقد المُوقَع: «يشتمل العقد على بندٍ يمنح ذوي المراسل تعويضاتٍ شهرية في حال استشهاده، لسنا نطمح إلى أكثر من ذلك فنحن أصحاب قضيّة». وعن رؤيته للسلوك السّلعيّ الذي تمارسه منابر المعارضة بحقّ النشطاء الميدانيين يقول السّيد: «هذه الأمور طبيعية في ظلّ الأزمة التي تمرّ بها البلاد».

ربما لم يكن الراحل جو شاستر ليجد صعوبةً تُذكر في إقصاء سوبرمان والبحث عن بدائل عصرية تناسب جمهور الصّنف، والإفادة من سلوك الفضائيات العربية، التي خلقت مراسلين آنيين ثمّ أقصتهم بعصاً سحريّة، كانت ستكون متاحةً له، من دون أيّ شقاءٍ يُذكر.

  • فريق ماسة
  • 2015-01-05
  • 10854
  • من الأرشيف

مراسلون «نجوم» في الساحة السوريّة... أين هم اليوم؟

«اصنع وحشاً مرعباً، امنحه زمناً كافياً لبثّ الهلع بين النّاس، ثم استحضر بطلك الخارق وأنقذهم جميعاً». بهذه العبارات المقتضبة يشرح جو شاستر، مبتكر شخصيّة سوبرمان، وصفته السحريَّة لصناعة الأسطورة. لا يبدو المشهد مختلفاً كثيراً حين يتعلّق الأمر بإعلام المعارضة السوريّة. اجتاح وحش الحرب حيّ بابا عمرو الحمصيّ في بدايات الصّراع الدائر في سوريا منذ أربع سنوات تقريباً. حصل على متسعٍ زمنيّ كافٍ لصناعة المصيبة، ثمّ استُحضِر الناشط خالد أبو صلاح وتمّ تنصيبه ناطقاً باسم المستضعفين، وصارت إفاداته قِبلةً لجميع فضائيات الأرض، قبل أن يصير فعلاً ماضياً في حسابات الإعلامَين المحليّ والعربيّ على حدّ سواء، ويختفي تماماً عن الشاشة. عرضت قناة «الجزيرة»، تقريراً، يعود تاريخه إلى 6 شباط 2012، تحدّثت فيه عن بطولات أبو صلاح، مقدّمة إيّاه بصورةٍ طوباوية توشك أن تشكّل معادلاً عصرياً لشخصيّة السّيد المسيح، قبل أن يحلّ «البدويّ الحمصيّ»، كما سمّاه التقرير، ضيفاً على المؤتمر الثالث، الّذي عقده «أصدقاء الشعب السوري» في باريس، مستكملاً بذلك شرط النجومية الّذي اشتغلت ماكينات الإعلام على صناعته مطوّلاً، قبل أن يتمّ تغييبه عن الشّاشات في زمنٍ قياسيّ. هادي العبد الله لم يكن أحسن حالاً. عضو «الهيئة العامة للثورة السّوريّة» كان قد عمد، خلال سنة من تاريخ الحرب، إلى تغيير صوته في جميع اتصالاته ومداخلاته التي قدّمها لصالح الفضائيات العربيّة، ثمّ عاد ليكشف عن هويّته كاملةً. انتقل بعدها إلى مرحلة النشاط الميدانيّ المصوّر وقدّم عدّة تقارير راحت تفقد مصداقيّتها تباعاً لدى جمهور المعارضة، بسبب المغالطات الكثيرة التي قدّمها العبدلله على أنّها وقائع مثبتة، وكحال سابقه، أُقصي النّاشط الحمصيّ عن منابر المعارضة بعد حين، وتتحدّث بعض المصادر المطّلعة على الشّأن السوري، عن انتساب العبد الله إلى صفوف «جبهة النصرة». ضمن السّياق ذاته، يجيء اسم عبيدة بطل الذي حجز لنفسه مساحتين مستقلّتين في ذاكرة السّوريين. الأولى كانت رياضية الهوى، فعشّاق كرة القدم المحليّة كانوا شهوداً على نشاطٍ استثنائيّ قدمه عبيدة أثناء عمله ضمن فريق الإعداد الخاص ببرنامج «الكرة بملعبك» الّذي قدّمه الإعلاميّ لطفي الأسطواني لصالح تلفزيون «الدنيا» قبل الأزمة. أمّا الثانية فأخذت شكل نشاطٍ ميدانيّ قدّم من خلاله بطل جملة تقارير إعلامية لصالح قناة «أورينت نيوز» الّتي اشتغلت على دعم فصائل المعارضة المسلّحة بصورةٍ معلنةٍ منذ ميلادها الثاني بعد أن أُغلقت مكاتبها في دمشق غير مرّة. يُذكر أن تنظيم «داعش» كان قد اقتحم المكتب الخاص للقناة المذكورة في تلّ رفعت بتاريخ 25/3/2013 واعتقل بطل وصادر ما كان بحوزته من معدّات وأجهزة. يعرّف يمان السّيد عن نفسه بأنّه مراسل قناة «أورينت نيوز» في دمشق وريفها، ويقول لـ «السفير»: «كنت طالباً في كليّة الإعلام بجامعة دمشق، لعبت كرة القدم لصالح نادي الوحدة، انضممت إلى صفوف الثورة في بداية الحراك السلمي، عملت في السرّ إلى حين استشهاد شقيقي قبل عامين، ثمّ انتقلت للنشاط العلني من خلال عقدٍ وقّعته مع شبكة «أورينت نيوز». ويضيف السّيد شارحاً مزايا العقد المُوقَع: «يشتمل العقد على بندٍ يمنح ذوي المراسل تعويضاتٍ شهرية في حال استشهاده، لسنا نطمح إلى أكثر من ذلك فنحن أصحاب قضيّة». وعن رؤيته للسلوك السّلعيّ الذي تمارسه منابر المعارضة بحقّ النشطاء الميدانيين يقول السّيد: «هذه الأمور طبيعية في ظلّ الأزمة التي تمرّ بها البلاد». ربما لم يكن الراحل جو شاستر ليجد صعوبةً تُذكر في إقصاء سوبرمان والبحث عن بدائل عصرية تناسب جمهور الصّنف، والإفادة من سلوك الفضائيات العربية، التي خلقت مراسلين آنيين ثمّ أقصتهم بعصاً سحريّة، كانت ستكون متاحةً له، من دون أيّ شقاءٍ يُذكر.

المصدر : السفير / رامي كوسا


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة