بقعة جغرافية تمتد على مئات الكيلومترات المربعة، حدودها من جبال الزبداني مروراً بسهول رنكوس إلى جبال الحلايم المحاذية لرأس بعلبك والقاع اللبنانيتين، على طول جرود عرسال.

  هنا تُشيّد «دولة القلمون الإسلامية» التي يقتسم سلطتها رأسا حربة الجهاد السوري. يضع جنود أبي بكر البغدادي الحجر الأساس لدولتهم، تمهيداً لما يسمونه «غزوة لبنان».

 معدودة هي حواجز الجيش التي تجتازها في طريقك إلى الجرود العرسالية. من آخر معلم للدولة اللبنانية، يودّعك حاجز الجيش الأخير في وادي حميد. ومن هناك، تُصبح لاشعورياً في كنف «داعش»، فحاكمو الجبال الجرداء هنا جنود «داعش» ومقاتلو «جبهة النصرة» الذين يقتسمون حُكم هذه البقعة الجغرافية. الإمرة على الجبال هنا يقتسمها «أميران». وفي مقابل أمير «النصرة» الأشهر، أبو مالك التلّي، يتربّع جهادي أردني شاب على إمرة «داعش» في القلمون، هو أبو الوليد المقدسي. والأخير يمتاز عن سابقيه بتحصيله الشرعي الوافي رغم صغر سنّه (لا يتجاوز عمره الـ31 عاماً). وهنا، يلتزم إخوة الجهاد الذين أباح بعضهم دم بعض في كل سوريا، «حقن الدماء» في دولتهم الوليدة.

 يُجمع زوّار هذه المنطقة، من أهالي عسكريين ووسطاء مفاوضين وعابري سبيل، على أن الأمر لمسلّحي الجرود. لا وجود لعسكر نظامي سوري أو لُبناني. سلطة الدولة اللبنانية تنتهي عند حاجز وادي حميد حيث تبدأ سلطة الجهاديين. ولا تكاد تودع عناصر الجيش حيث يُرفرف العلم اللبناني حتى يستقبلك جهاديو «الدولة» وأصحاب الرايات السود. ورغم الحرب المعلنة بين قيادة «الدولتين»، إلا أن الجنود في الميدان يلتزمون نوعاً من الهدنة، ما دام لا أحد يتجاوز «حدود الآخر». حاجز الجيش اللبناني، بحسب والد العسكري المخطوف وائل حمص، الشيخ حمزة حمص، يمنع المرور من الجرود وإليها ابتداءً من الخامسة مساءً وحتى الخامسة صباحاً، لدواعٍ أمنية، علماً بأن الطريق تبقى سالكة للجهاديين وعابري السبيل، تسلّلاً، من على بُعد رمية حجرٍ من الموقع العسكري الرسمي.

 ورغم اجتياز الحاجز الذي يؤذن بانتهاء سلطة الدولة اللبنانية، تنتشر في «الدولة المجاورة» منازل لعراسلة، لبنانيون باتوا يقيمون على هامش الدولتين، تماماً كما كانوا في السابق بين لبنان وسوريا مع فارق وحيد، أنهم قبل عام 2011، كانوا أسياد الحدود. في هذه الجبال الوعرة تمر بحواجز أيضاً، يمتلك الإمرة عليها جنود «الدولة الجارة» التي يعرفها اللبنانيون باسم «داعش». يتمتعون بصلاحية مُطلقة لفعل أي شيء. مئات منهم حوّلوا الجبال إلى منازل آمنة لهم، تقيهم خطر القصف. يسيّرون الدوريات، و»يغتنمون» ما وقع تحت أيديهم من آليات ومحروقات وأغذية. أقاموا نظامهم الخاص ليُحكّموا شريعتهم. قانون جائر بنظر كثيرين، لكنه في عُرفهم، مستمد من الشريعة السماوية.

ورغم توزّع المسلحين على كتائب إسلامية مختلفة، والتي لا يزال بعضها يُسمّى «الجيش الحر» للتمييز بينها، إلا أنّ الفصيلين الأقوى هنا هما «جبهة النصرة» و«داعش». يقتسم هذان التنظيمان النفوذ بالتساوي، تبعاً لتوزع البقع الجغرافية التي يسيطران عليها. فـ«جبهة النصرة» تبسط سيطرتها على الحدود الممتدة من جرود الزبداني إلى جرود رنكوس، ومن جرود عسال الورد إلى حدود جرود عرسال. يتوزع في المنطقة مسلحون من فصائل مختلفة تقودهم غرفة عمليات بإمرة «النصرة». في المقابل، تنفرد «داعش» في حُكم مناطق شاسعة باتت تتضمن معظم جرود عرسال (من عجرم إلى وادي الزمراني، وهي المنطقة نفسها التي يُطلق عليها الرعاة جبال الحلايم، ويقع ضمنها وادي ميرا الذي يُتداول اسمه كمنطقة يستهدفها الجيش السوري بالقصف). فتنظيم «اعش»، يرفض وجود جماعات خارجة عن سيطرته في نطاق سلطته، علماً بأن مسلّحيه باتوا يسيطرون أيضاً على المنطقة المحاذية لجرود رأس بعلبك والقاع، البلدتان اللبنانيتان اللتان ينتمي سكانهما إلى الطائفة المسيحية، واللتان ترى الأجهزة الأمنية أنهما الأكثر عرضة للتهديد.

 لا يختلف اثنان على أن «داعش» هنا لا تزال في مرحلة إعداد وتجهيز. ويسعى قادتها إلى تجميع المقاتلين تمهيداً للتوسّع في المرحلة المقبلة. يُستشهد على ذلك بأنه لم تُسجّل أي عملية عسكرية لمسلّحي «داعش» باتجاه الأراضي اللبنانية، منذ اقتحام عرسال في الأول من آب الماضي، باستثناء تلك المعارك التي خاضوها ضد بعض فصائل «الجيش الحرّ».

 فهل يُصبح تمدد «داعش» باتجاه الأراضي اللبنانية أمراً واقعاً، ولا سيما أنه يأتي في ظل المعلومات الأمنية التي تتحدث عن نية «داعش» مهاجمة قرى البقاع الأوسط حيث تفترض وجود بيئة حاضنة لها؟ في هذا السياق، يقلل الشيخ مصطفى الحجيري في حديث مع «الأخبار» من أي خطر داهم محتمل باتجاه قرى البقاع الأوسط في القريب العاجل، لكنه يقول: «لا يخفى على أحد وداعش تُعلن في كل يوم أنه ما إن تُصبح جاهزة سوف تدخل إلى لبنان»، علماً بأن الشيخ المعروف بـ«أبو طاقية» يستبعد إمكانية حصول ذلك، لأن قراراً بهذا الحجم تتحكم به دول لا جماعات، فضلاً عن إشارة الحجيري إلى أن المنطقة المحاذية لقرى البقاع الأوسط تقع ضمن نطاق سيطرة «النصرة». فهل يصدق توقع الحجيري، أم أن «داعش» كعادتها في سوريا والعراق، في الاستراتيجيا تترقّب وتعدّ العدة بصمت حتى تتمكّن، ثم تهاجم؟ وفي النهاية، يقع لبنان ضمن خريطة «داعش»، والتنظيم الذي يقوده أبو بكر البغدادي لا يعترف بحدود، وبات أنصاره يرددون أخيراً «من ديالى إلى بيروت».

  • فريق ماسة
  • 2015-01-05
  • 13751
  • من الأرشيف

خريطة تقريبية تظهر انتشار "داعش" و"النصرة" على الحدود...بقلم رضوان مرتضى

بقعة جغرافية تمتد على مئات الكيلومترات المربعة، حدودها من جبال الزبداني مروراً بسهول رنكوس إلى جبال الحلايم المحاذية لرأس بعلبك والقاع اللبنانيتين، على طول جرود عرسال.   هنا تُشيّد «دولة القلمون الإسلامية» التي يقتسم سلطتها رأسا حربة الجهاد السوري. يضع جنود أبي بكر البغدادي الحجر الأساس لدولتهم، تمهيداً لما يسمونه «غزوة لبنان».  معدودة هي حواجز الجيش التي تجتازها في طريقك إلى الجرود العرسالية. من آخر معلم للدولة اللبنانية، يودّعك حاجز الجيش الأخير في وادي حميد. ومن هناك، تُصبح لاشعورياً في كنف «داعش»، فحاكمو الجبال الجرداء هنا جنود «داعش» ومقاتلو «جبهة النصرة» الذين يقتسمون حُكم هذه البقعة الجغرافية. الإمرة على الجبال هنا يقتسمها «أميران». وفي مقابل أمير «النصرة» الأشهر، أبو مالك التلّي، يتربّع جهادي أردني شاب على إمرة «داعش» في القلمون، هو أبو الوليد المقدسي. والأخير يمتاز عن سابقيه بتحصيله الشرعي الوافي رغم صغر سنّه (لا يتجاوز عمره الـ31 عاماً). وهنا، يلتزم إخوة الجهاد الذين أباح بعضهم دم بعض في كل سوريا، «حقن الدماء» في دولتهم الوليدة.  يُجمع زوّار هذه المنطقة، من أهالي عسكريين ووسطاء مفاوضين وعابري سبيل، على أن الأمر لمسلّحي الجرود. لا وجود لعسكر نظامي سوري أو لُبناني. سلطة الدولة اللبنانية تنتهي عند حاجز وادي حميد حيث تبدأ سلطة الجهاديين. ولا تكاد تودع عناصر الجيش حيث يُرفرف العلم اللبناني حتى يستقبلك جهاديو «الدولة» وأصحاب الرايات السود. ورغم الحرب المعلنة بين قيادة «الدولتين»، إلا أن الجنود في الميدان يلتزمون نوعاً من الهدنة، ما دام لا أحد يتجاوز «حدود الآخر». حاجز الجيش اللبناني، بحسب والد العسكري المخطوف وائل حمص، الشيخ حمزة حمص، يمنع المرور من الجرود وإليها ابتداءً من الخامسة مساءً وحتى الخامسة صباحاً، لدواعٍ أمنية، علماً بأن الطريق تبقى سالكة للجهاديين وعابري السبيل، تسلّلاً، من على بُعد رمية حجرٍ من الموقع العسكري الرسمي.  ورغم اجتياز الحاجز الذي يؤذن بانتهاء سلطة الدولة اللبنانية، تنتشر في «الدولة المجاورة» منازل لعراسلة، لبنانيون باتوا يقيمون على هامش الدولتين، تماماً كما كانوا في السابق بين لبنان وسوريا مع فارق وحيد، أنهم قبل عام 2011، كانوا أسياد الحدود. في هذه الجبال الوعرة تمر بحواجز أيضاً، يمتلك الإمرة عليها جنود «الدولة الجارة» التي يعرفها اللبنانيون باسم «داعش». يتمتعون بصلاحية مُطلقة لفعل أي شيء. مئات منهم حوّلوا الجبال إلى منازل آمنة لهم، تقيهم خطر القصف. يسيّرون الدوريات، و»يغتنمون» ما وقع تحت أيديهم من آليات ومحروقات وأغذية. أقاموا نظامهم الخاص ليُحكّموا شريعتهم. قانون جائر بنظر كثيرين، لكنه في عُرفهم، مستمد من الشريعة السماوية. ورغم توزّع المسلحين على كتائب إسلامية مختلفة، والتي لا يزال بعضها يُسمّى «الجيش الحر» للتمييز بينها، إلا أنّ الفصيلين الأقوى هنا هما «جبهة النصرة» و«داعش». يقتسم هذان التنظيمان النفوذ بالتساوي، تبعاً لتوزع البقع الجغرافية التي يسيطران عليها. فـ«جبهة النصرة» تبسط سيطرتها على الحدود الممتدة من جرود الزبداني إلى جرود رنكوس، ومن جرود عسال الورد إلى حدود جرود عرسال. يتوزع في المنطقة مسلحون من فصائل مختلفة تقودهم غرفة عمليات بإمرة «النصرة». في المقابل، تنفرد «داعش» في حُكم مناطق شاسعة باتت تتضمن معظم جرود عرسال (من عجرم إلى وادي الزمراني، وهي المنطقة نفسها التي يُطلق عليها الرعاة جبال الحلايم، ويقع ضمنها وادي ميرا الذي يُتداول اسمه كمنطقة يستهدفها الجيش السوري بالقصف). فتنظيم «اعش»، يرفض وجود جماعات خارجة عن سيطرته في نطاق سلطته، علماً بأن مسلّحيه باتوا يسيطرون أيضاً على المنطقة المحاذية لجرود رأس بعلبك والقاع، البلدتان اللبنانيتان اللتان ينتمي سكانهما إلى الطائفة المسيحية، واللتان ترى الأجهزة الأمنية أنهما الأكثر عرضة للتهديد.  لا يختلف اثنان على أن «داعش» هنا لا تزال في مرحلة إعداد وتجهيز. ويسعى قادتها إلى تجميع المقاتلين تمهيداً للتوسّع في المرحلة المقبلة. يُستشهد على ذلك بأنه لم تُسجّل أي عملية عسكرية لمسلّحي «داعش» باتجاه الأراضي اللبنانية، منذ اقتحام عرسال في الأول من آب الماضي، باستثناء تلك المعارك التي خاضوها ضد بعض فصائل «الجيش الحرّ».  فهل يُصبح تمدد «داعش» باتجاه الأراضي اللبنانية أمراً واقعاً، ولا سيما أنه يأتي في ظل المعلومات الأمنية التي تتحدث عن نية «داعش» مهاجمة قرى البقاع الأوسط حيث تفترض وجود بيئة حاضنة لها؟ في هذا السياق، يقلل الشيخ مصطفى الحجيري في حديث مع «الأخبار» من أي خطر داهم محتمل باتجاه قرى البقاع الأوسط في القريب العاجل، لكنه يقول: «لا يخفى على أحد وداعش تُعلن في كل يوم أنه ما إن تُصبح جاهزة سوف تدخل إلى لبنان»، علماً بأن الشيخ المعروف بـ«أبو طاقية» يستبعد إمكانية حصول ذلك، لأن قراراً بهذا الحجم تتحكم به دول لا جماعات، فضلاً عن إشارة الحجيري إلى أن المنطقة المحاذية لقرى البقاع الأوسط تقع ضمن نطاق سيطرة «النصرة». فهل يصدق توقع الحجيري، أم أن «داعش» كعادتها في سوريا والعراق، في الاستراتيجيا تترقّب وتعدّ العدة بصمت حتى تتمكّن، ثم تهاجم؟ وفي النهاية، يقع لبنان ضمن خريطة «داعش»، والتنظيم الذي يقوده أبو بكر البغدادي لا يعترف بحدود، وبات أنصاره يرددون أخيراً «من ديالى إلى بيروت».

المصدر : الماسة السورية / الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة