بوصلة الإعلام بما يخص الحدث السوري كانت تتجه إلى العاصمة المصرية القاهرة للبحث عن «تسريبات» تصدر عن هذا المعارض أو ذاك، فالحديث عن «موسكو1» كان يشغل السياسات العالمية و الصالات المغلقة في العواصم العالمية و العربية، فأي حل للأزمة السورية من خلال العمل السياسي مرفوض من قبل الدول الداعمة للإرهاب، فالهدف في سوريا منذ بداية أزمتها لم يكن ينحص بنشر الديمقراطية الأمريكية، ولا يقف عند خطوط الغاز التي يمكن لأمريكا من خلالها أن تعيد تشكيل العالم سياسياً و جغرافياً، وعلى ذلك كانت دمشق تبدي موافقتها حيال أي عملية سياسية قد تطرح حتى و إن كانت ضبابية كمبادرة المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا، و للميدان الذي يسعى «دي مستورا» لتجميد القتال فيه موازينه في الحسابات السياسية و تحديد شكل ما سيطرح على طاولة العمل السياسي سواء كان من خلال حوار أو أي صيغة أخرى.

ميدانياً كانت جوبر تشهد عمليات عسكرية تصعيدية من قبل الميليشيات واجهتها القوات السورية بعمليات نوعية و دقيقة، ومن المفيد أن القوات السورية في جبهة جوبر تحديداً و نتجية لتعقيدة هذه الجبهة بما أحدث فيها من أنفاق استخدمت أسلحة لم تستخدمها في مناطق أخرى، مثل كاسحة الألغام (UR77 ) و القنابل المظلية المضادة للأنفاق، و ابتكر الجيش العربي السوري أساليب جديدة للقتال أسقط من خلالها فعالية سلاح الأنفاق الذي تستعمله الميليشيات المسلحة، فعمل على تفخيخ بعضها وكمن عند فوهات بعضها الآخر، و أغرق بعضها بالماء، ومع ذلك كانت الأنفاق الجديدة التي تحفر بسرعة كبيرة من قبل المسلحين نتيجة امتلاكهم معدات متطورة أولاً، و نتيجة لسهولة الحفر في التربة الزراعية في مناطق الغوطة الدمشقية، وهذا ما عقد المشهد الميداني في جوبر دون غيرها من المناطق، فالمعارك العنيفة التي شهدتها جوبر، كانت ستؤدي لتطهير أي من المناطق السورية، لكن طبيعة تداخل هذه المنطقة مع مناطق أخرى، إضافة إلى قربها من دمشق مكن المسلحين من استهداف الأحياء الدمشقية القريبة باستخدام مقذوفات مدفعي و جهنم، لتكون جوبر واحدة من التحديات الكبرى بالنسبة للجيش العربي السوري، و واحدة من الاوراق التي تلعب بها الدول الداعمة للإرهاب على طاولة السياسة، ومع انطلاق عملية درع العاصمة في أطواقه المتعددة بقيت جوبر هي العقدة، إذ أن المسلحين يتحصنون فيها بشكل جيد تحت الأرض، و في حسابات الجغرافية العسكري ستفتح جوبر باب الغوطة الشرقية على مصرعيه ليكون سقوط الميليشيات المرتبطة بالسعودية بمعظمها كأحجار الدومينو، و نتيجة لأن العمليات العسكرية في جوبر أخذت طابع الاستمرارية فإن عنصر المفاجأة بات غير مؤثر لتوقع الميليشيات أن القوات السورية مستمرة بهجومها.

ليصل الحدث إلى ليلة رأس السنة، فالفريق الذي لم يرتدي بزته العسكرية طيلة فترة الأزمة السورية، توجه ليلة رأس السنة إلى جوبر بخطوة فاجأت الصديق قبل العدو، و لم تكن زيارة الرئيس الأسد إلى نقاط متقدمة في منطقة جوبر مجرد زيارة تفقدية، ولم يكن قد وضع في حساباته أن تكون هذه الزيارة مثار جدل و عواصف إعلامية تثيرها القنوات الموالية للميليشيات المسلحة و الممولة من قبل الكيانات الخليجية. لكن الأسد نزل بنفسه إلى الميدان ليكون مقاتلاً، فنصب فخاخه في جوبر، و بحسب المعلومات الأكيدة الواصلة من دوما أن عناصر الميليشيات المسلحة أصيبوا بصدمة، وبدأ الحديث في شوارع مناطق الغوطة يدور عن انسحابات كبرى في صفوف الميليشيات و قد يكون «زهران علوش» قائد ميليشيا «جيش الإسلام» خارج الغوطة بكونه مختفى عن الأنظار، ليكون اليوم التالي من زيارة الأسد إلى جوبر «يوم الجحيم»، بالنسبة لعناصر الميليشيات الذين خرجوا من الحفر و الأنفاق بخطوة تشير إلى محاولة البحث عن نصر ميداني بأي طريقة حتى و إن كان التقدم لمسافة أمتار فقط، و ضمن هذه الأجواء كانت سلاحي المشاة و المدرعات في الجيش العربي قد أعدا السدود النارية بوجه تقدم الميليشيات، فيما ركزت عناصر الإستطلاع على مخارج الأنفاق ليتم رصد عدد كبير منها و تعامل كل من سلاحي المدفعية و الجو مع وفرته العمليات الاستخبارية من معلومات، ليجر المسلحين نحو الجيوب الأخيرة في جوبر، لتكون وفق المصطلح العسكري «جيوب قتل» بحيث بقي أمام المسلحين خيارين لا ثالث لهما، الموت أو الإستسلام.

كما عمد الجيش العربي السوري إلى تأمين محور «جسر زملكا» و مارس استراتيجية لم تستخدم قبلاً في العمل العسكري داخل جوبر، إذ عمد الجيش بحسب تأكيد مصدر عسكري إلى أن التقدم على محور المواصلات كان عبر قات تقدمت بخطوط متباعدة وليس بنسق جغرافي واحد، الأمر الذي أربك المسلحين و أوقعهم في الفخاخ التي نصبها الجيش العربي السوري و وجههم نحو المكان الذي يريده الجيش ليكون الحصار مطبقاً في الأبنية المتبقية في آخر مناطق جوبر، و استفاد الجيش من هجمية خروج المسلحين من الأنفاق، كما إن زيارة الرئيس السوري استفزت المسلحين على ما يبدو فعمد إلى زيادة تقدمهم نحو جوبر، و بكون الممرات الآمنة المتبقية لهم باتت محصورة نحو الحي، كان للجيش السوري ما كان، و تشير المعلومات الواردة من جوبر إلى أن العملية ستأخذ شكلها النهائي خلال أيام لن تكون بالكثيرة.

ما حدث في جوبر في الأيام القليلة الماضية يدلل على أن الأسد بعقلية عسكرية استمثر الغباء السياسي لأعداء سوريا ليستفزهم بزيارة حاولت وسائل الإعلام المواليه لهذه الكيانات أن تنفذها و تكذبها، فيما حاولت أجهزة المخابرات المشغلة لهذه الميليشيات وخاصة السعودية أن تخلق انتصاراً من العدم، لكن فخاخ الأسد كانت ناجحة.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2015-01-06
  • 12810
  • من الأرشيف

جحيم جوبر.. السعودية دفعت بمسلحيها نحو فخاخ الأسد

بوصلة الإعلام بما يخص الحدث السوري كانت تتجه إلى العاصمة المصرية القاهرة للبحث عن «تسريبات» تصدر عن هذا المعارض أو ذاك، فالحديث عن «موسكو1» كان يشغل السياسات العالمية و الصالات المغلقة في العواصم العالمية و العربية، فأي حل للأزمة السورية من خلال العمل السياسي مرفوض من قبل الدول الداعمة للإرهاب، فالهدف في سوريا منذ بداية أزمتها لم يكن ينحص بنشر الديمقراطية الأمريكية، ولا يقف عند خطوط الغاز التي يمكن لأمريكا من خلالها أن تعيد تشكيل العالم سياسياً و جغرافياً، وعلى ذلك كانت دمشق تبدي موافقتها حيال أي عملية سياسية قد تطرح حتى و إن كانت ضبابية كمبادرة المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا، و للميدان الذي يسعى «دي مستورا» لتجميد القتال فيه موازينه في الحسابات السياسية و تحديد شكل ما سيطرح على طاولة العمل السياسي سواء كان من خلال حوار أو أي صيغة أخرى. ميدانياً كانت جوبر تشهد عمليات عسكرية تصعيدية من قبل الميليشيات واجهتها القوات السورية بعمليات نوعية و دقيقة، ومن المفيد أن القوات السورية في جبهة جوبر تحديداً و نتجية لتعقيدة هذه الجبهة بما أحدث فيها من أنفاق استخدمت أسلحة لم تستخدمها في مناطق أخرى، مثل كاسحة الألغام (UR77 ) و القنابل المظلية المضادة للأنفاق، و ابتكر الجيش العربي السوري أساليب جديدة للقتال أسقط من خلالها فعالية سلاح الأنفاق الذي تستعمله الميليشيات المسلحة، فعمل على تفخيخ بعضها وكمن عند فوهات بعضها الآخر، و أغرق بعضها بالماء، ومع ذلك كانت الأنفاق الجديدة التي تحفر بسرعة كبيرة من قبل المسلحين نتيجة امتلاكهم معدات متطورة أولاً، و نتيجة لسهولة الحفر في التربة الزراعية في مناطق الغوطة الدمشقية، وهذا ما عقد المشهد الميداني في جوبر دون غيرها من المناطق، فالمعارك العنيفة التي شهدتها جوبر، كانت ستؤدي لتطهير أي من المناطق السورية، لكن طبيعة تداخل هذه المنطقة مع مناطق أخرى، إضافة إلى قربها من دمشق مكن المسلحين من استهداف الأحياء الدمشقية القريبة باستخدام مقذوفات مدفعي و جهنم، لتكون جوبر واحدة من التحديات الكبرى بالنسبة للجيش العربي السوري، و واحدة من الاوراق التي تلعب بها الدول الداعمة للإرهاب على طاولة السياسة، ومع انطلاق عملية درع العاصمة في أطواقه المتعددة بقيت جوبر هي العقدة، إذ أن المسلحين يتحصنون فيها بشكل جيد تحت الأرض، و في حسابات الجغرافية العسكري ستفتح جوبر باب الغوطة الشرقية على مصرعيه ليكون سقوط الميليشيات المرتبطة بالسعودية بمعظمها كأحجار الدومينو، و نتيجة لأن العمليات العسكرية في جوبر أخذت طابع الاستمرارية فإن عنصر المفاجأة بات غير مؤثر لتوقع الميليشيات أن القوات السورية مستمرة بهجومها. ليصل الحدث إلى ليلة رأس السنة، فالفريق الذي لم يرتدي بزته العسكرية طيلة فترة الأزمة السورية، توجه ليلة رأس السنة إلى جوبر بخطوة فاجأت الصديق قبل العدو، و لم تكن زيارة الرئيس الأسد إلى نقاط متقدمة في منطقة جوبر مجرد زيارة تفقدية، ولم يكن قد وضع في حساباته أن تكون هذه الزيارة مثار جدل و عواصف إعلامية تثيرها القنوات الموالية للميليشيات المسلحة و الممولة من قبل الكيانات الخليجية. لكن الأسد نزل بنفسه إلى الميدان ليكون مقاتلاً، فنصب فخاخه في جوبر، و بحسب المعلومات الأكيدة الواصلة من دوما أن عناصر الميليشيات المسلحة أصيبوا بصدمة، وبدأ الحديث في شوارع مناطق الغوطة يدور عن انسحابات كبرى في صفوف الميليشيات و قد يكون «زهران علوش» قائد ميليشيا «جيش الإسلام» خارج الغوطة بكونه مختفى عن الأنظار، ليكون اليوم التالي من زيارة الأسد إلى جوبر «يوم الجحيم»، بالنسبة لعناصر الميليشيات الذين خرجوا من الحفر و الأنفاق بخطوة تشير إلى محاولة البحث عن نصر ميداني بأي طريقة حتى و إن كان التقدم لمسافة أمتار فقط، و ضمن هذه الأجواء كانت سلاحي المشاة و المدرعات في الجيش العربي قد أعدا السدود النارية بوجه تقدم الميليشيات، فيما ركزت عناصر الإستطلاع على مخارج الأنفاق ليتم رصد عدد كبير منها و تعامل كل من سلاحي المدفعية و الجو مع وفرته العمليات الاستخبارية من معلومات، ليجر المسلحين نحو الجيوب الأخيرة في جوبر، لتكون وفق المصطلح العسكري «جيوب قتل» بحيث بقي أمام المسلحين خيارين لا ثالث لهما، الموت أو الإستسلام. كما عمد الجيش العربي السوري إلى تأمين محور «جسر زملكا» و مارس استراتيجية لم تستخدم قبلاً في العمل العسكري داخل جوبر، إذ عمد الجيش بحسب تأكيد مصدر عسكري إلى أن التقدم على محور المواصلات كان عبر قات تقدمت بخطوط متباعدة وليس بنسق جغرافي واحد، الأمر الذي أربك المسلحين و أوقعهم في الفخاخ التي نصبها الجيش العربي السوري و وجههم نحو المكان الذي يريده الجيش ليكون الحصار مطبقاً في الأبنية المتبقية في آخر مناطق جوبر، و استفاد الجيش من هجمية خروج المسلحين من الأنفاق، كما إن زيارة الرئيس السوري استفزت المسلحين على ما يبدو فعمد إلى زيادة تقدمهم نحو جوبر، و بكون الممرات الآمنة المتبقية لهم باتت محصورة نحو الحي، كان للجيش السوري ما كان، و تشير المعلومات الواردة من جوبر إلى أن العملية ستأخذ شكلها النهائي خلال أيام لن تكون بالكثيرة. ما حدث في جوبر في الأيام القليلة الماضية يدلل على أن الأسد بعقلية عسكرية استمثر الغباء السياسي لأعداء سوريا ليستفزهم بزيارة حاولت وسائل الإعلام المواليه لهذه الكيانات أن تنفذها و تكذبها، فيما حاولت أجهزة المخابرات المشغلة لهذه الميليشيات وخاصة السعودية أن تخلق انتصاراً من العدم، لكن فخاخ الأسد كانت ناجحة.    

المصدر : محمود عبد اللطيف – عربي برس


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة