هجوم خلية “الدولة الاسلامية” “الاستشهادية” على مخفر حدودي سعودي في عرعر تطور خطير ينبيء بحرب صعبة في المستقبل المنظور اسلحتها اعلامية فكرية قبل ان تكون امنية وعسكرية.. لماذ؟

 في غمرة انشغال المملكة العربية السعودية، حكومة وشعبا، بصحة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز (92 عاما) المتدهورة، اكد بيان رسمي مقتل ثلاثة جنود بينهم عميد يدعى عودة معوض البلوي في هجوم نفذه اربعة عناصر على نقطة حدودية في منطقة عرعر المحاذية للعراق.

المهاجمون قتلوا جميعا برصاص قوات الامن السعودية، احدهما فجر نفسه بحزام ناسف رافضا الاستسلام، بينما اصيب اثنان من القوات الامنية السعودية.

الهجوم يعتبر الاول من نوعه على الحدود الشمالية للمملكة، حيث حشدت الحكومة السعودية اكثر من ثلاثة آلاف جندي على طولها الذي يبلغ 814 كيلومترا مما يبعث على القلق بالنسبة الى السلطات السعودية لان علاقاتها مع العراق، الجار الشمالي، ليست على ما يرام حيث سحبت الحكومة العراقية جميع قواتها على الجانب الآخر من الحدود، مضافا الى ذلك منطقة الانبار المحاذية للسعودية بات معظمها تحت سيطرة “الدولة الاسلامية” وقواتها، وتجد الاخيرة تعاطفا كبيرا بين اهالي المنطقة السنة المذهب.

***

ما زالت دوافع هذه الخلية للتسلل عبر حدود المملكة، والاصطدام بقوات الامن غير معروفة، لكن المؤكد انها “خلية انتحارية” ارادت زعزعة امن واستقرار المملكة، ف ابو بكر البغدادي زعيم “داعش” اصدر شريطا على”اليوتيوب” قبل شهر تقريبا طالب فيه مواطني “بلاد الحرمين” بالثورة على نظامهم الفاسد، والانضمام الى دولته، وتبني عقيدتها الجهادية.

ادبيات “داعش” تؤكد ان الهدف الاول لها هو استعادة الحجاز، واعلان المدينة المنورة او مكة المكرمة عاصمة لدولة الخلافة التي تريد اقامتها على مناطق شاسعة من العالم تمتد من الصين حتى فيينا وما بعدها، ولذلك من غير المستبعد ان تشهد المرحلة المقبلة المزيد من هذه الهجمات.

ولم يكن من قبيل الصدفة ان يعّرف “الخليفة” البغدادي نفسه بأنه ابراهيم عواد ابراهيم البدري الحسني القرشي السامرائي، مؤكدا نسبه الى آل البيت من ناحية، وقبيلة قريش من ناحية اخرى.

ومن يطّلع على العقيدة والايديولوجية التي ترتكز اليها “داعش” يجد انها عودة الى جذور الوهابية وفكر الامام محمد بن عبد الوهاب في صيغته “الطهرية” الاولى، الامر الذي يشكل نقطة جذب للشباب السعوديين الذين كشفت استطلاعات رأي على مواقع التواصل الاجتماعي ان 92 بالمئة منهم يؤيدون “الدولة الاسلامية” وعقيدتها المتشددة، ووعدت السلطات السعودية التي شككت رسميا بنتائج هذا الاستطلاع باجراء استفتاء علمي يشرف عليه اكاديميون في اوساط الشباب للرد على الاستطلاع المذكور، ولكنه لم يصدر حتى كتابة هذه السطور.

السلطات السعودية باتت تقاتل على جبهتين في آن واحد، الاولى داخلية والثانية خارجية، ومن الصعب ترجيح ايهما اخطر من الاخرى، فكلاهما مصدر قلق وخوف، فماذا يمكن ان تفعل قوات الامن بمهاجمين في الداخل او قادمين من الخارج يرتدون الاحزمة الناسفة، ويريدون تفجير انفسهم على الاستسلام والاسر، ومصممون على القتال حتى السقوط “كشهداء” والصعود الى دار البقاء؟

التقديرات شبه الرسمية تقول ان هناك اكثر من 5000 سعودي يقاتلون في صفوف “داعش”، وينخرط معظمهم في “الفرق الاستشهادية”، وهناك من يقدر العدد بأكثر من سبعة آلاف، ومن غير المفاجيء ان تكون خلية الهجوم على عرعر يوم امس مكونة من هؤلاء.

 الملك عبد الله بن عبد العزيز اكد اكثر من مرة في خطاباته، سواء التي قرأها بنفسه، او قُرأت بالنيابة عنه، في المناسبات الرسمية مثل عيدي الفطر والاضحى، طالب العلماء والدعاة ورجال الدين بالتصدي لما اسماه بالفكر الضال، ولكن التجاوب مع هذه الدعوة ظلت محدودة، والشيء نفسه يقال عن محاولات السلطات السعودية السيطرة على وسائل التواصل  الاجتماعي مثل “التويتر” و”الفيسبوك” حيث ينشط انصار “الدولة” بشكل غير عادي.

المعركة السعودية مع “الدولة الاسلامية” لها جوانب امنية واعلامية وفكرية، ويبدو انه من الصعب كسبها بسهولة، وبالحد الادنى من الخسائر، فمن يتابع الانشطة الاعلامية للدولة، المرئية منها والمقروءة والمسموعة، وما تتضمنه من فكر وحرفية عالية، يدرك هذه الصعوبة، ولا نبالغ اذا قلنا، نحن الذين درسنا هذه الانشطة طوال الاشهر العشرة الماضية على الاقل، ان انتاج هذه الدولة الاعلامي يتفوق على نظيره الامريكي الهوليودي، ناهيك عن الاعلام السعودي، الرسمي منه وغير الرسمي، مما يؤكد ان عقولا جبارة اكتسبت خبرات غربية متقدمة تقف خلفه وتوجهه.

استراتيجية “الدولة الاسلامية” في السعودية او غيرها تقوم على الرعب والترهيب، وزعزعة الاستقرار، فاطلاق النار على مواطن دانمركي في احد شوارع الرياض، او ذبح امريكية في مركز تسوق مركزي في ابو ظبي، او ارسال خمسة رجال منقبين الى الحدود السعودية الجنوبية مع اليمن، كلها تصب في هذا المضمار.

***

وعندما نقول ان معركة المملكة ليست سهلة مع “الدولة الاسلامية” لا ننسى ان نتوقف عند انهيار اسعار النفط، وانخفاض الدخل السعودي السنوي بأكثر من خمسين في المئة، واذا صحت نبوءة السيد علي النعيمي بأن الاسعار قد تصل الى عشرين دولارا للبرميل، فان هذا سيصب في مصلحة “داعش” وقد يسهل او يسرع عملية تجنيدها للشباب السعودي المحبط، خاصة اذا علمنا ان نسبة البطالة في اوساط هؤلاء تصل الى اكثر من ثلاثين في المئة في الوقت الراهن.

“خلية عرعر” وهجومها غير المفاجيء يقرع جرس انذار شديد الصدى في اوساط الحكومة السعودية ويؤكد ان الخطر يتضخم، ويدخل المناطق الحرجة المحرمة التي ظلت “محصنة” طوال السنوات الثمانين من عمر المملكة.

السلطات السعودية عملت طوال السنوات الاربع الماضية الى ابعاد العنف والارهاب عن عنقها وحدودها، وصدرت الشباب المتطرف والمحبط الى دول الجوار وخاصة العراق وسورية، وصدرت المليارات سواء لدعم “الثورات” في دول (سورية والعراق) او لاجهاضها (مصر واليمن) في دول الجوار، ولكن يبدو ان هذه الاستراتيجية المتناقضة والعصية على الفهم بدأت تعطي ثمارا دموية معاكسة، فهل بدأ السحر ينقلب على السحرة.

ندرك جيدا ان السلطات السعودية تجرم السحر وتعدم السحرة، ولكن لم نجد توصيفا افضل من هذا للمستقبل المنظور.

هيئة كبار العلماء في السعودية ادانت هذا “الحادث الارهابي” بعد دقائق من وقوعه، وايدت القبضة الحديدية للدولة في مواجهة هذا “الفكر الضال”، ونعتقد ان السلطات تحتاج الى ما هو اكثر من الادانة في معركتها الحالية، واول خطوة في هذا الصدد ترتيب بيتها من الداخل، واختيار حاكم قوي، ونشر قيم العدالة والمساواة والحكم الرشيد، والاصلاحات السياسية، والتعلم من دروس بعض دول الجوار؟
  • فريق ماسة
  • 2015-01-05
  • 9014
  • من الأرشيف

هجوم خلية “داعش ” الانتحارية على مخفر حدودي سعودي تطور خطير ينبيء بحرب صعبة...

هجوم خلية “الدولة الاسلامية” “الاستشهادية” على مخفر حدودي سعودي في عرعر تطور خطير ينبيء بحرب صعبة في المستقبل المنظور اسلحتها اعلامية فكرية قبل ان تكون امنية وعسكرية.. لماذ؟  في غمرة انشغال المملكة العربية السعودية، حكومة وشعبا، بصحة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز (92 عاما) المتدهورة، اكد بيان رسمي مقتل ثلاثة جنود بينهم عميد يدعى عودة معوض البلوي في هجوم نفذه اربعة عناصر على نقطة حدودية في منطقة عرعر المحاذية للعراق. المهاجمون قتلوا جميعا برصاص قوات الامن السعودية، احدهما فجر نفسه بحزام ناسف رافضا الاستسلام، بينما اصيب اثنان من القوات الامنية السعودية. الهجوم يعتبر الاول من نوعه على الحدود الشمالية للمملكة، حيث حشدت الحكومة السعودية اكثر من ثلاثة آلاف جندي على طولها الذي يبلغ 814 كيلومترا مما يبعث على القلق بالنسبة الى السلطات السعودية لان علاقاتها مع العراق، الجار الشمالي، ليست على ما يرام حيث سحبت الحكومة العراقية جميع قواتها على الجانب الآخر من الحدود، مضافا الى ذلك منطقة الانبار المحاذية للسعودية بات معظمها تحت سيطرة “الدولة الاسلامية” وقواتها، وتجد الاخيرة تعاطفا كبيرا بين اهالي المنطقة السنة المذهب. *** ما زالت دوافع هذه الخلية للتسلل عبر حدود المملكة، والاصطدام بقوات الامن غير معروفة، لكن المؤكد انها “خلية انتحارية” ارادت زعزعة امن واستقرار المملكة، ف ابو بكر البغدادي زعيم “داعش” اصدر شريطا على”اليوتيوب” قبل شهر تقريبا طالب فيه مواطني “بلاد الحرمين” بالثورة على نظامهم الفاسد، والانضمام الى دولته، وتبني عقيدتها الجهادية. ادبيات “داعش” تؤكد ان الهدف الاول لها هو استعادة الحجاز، واعلان المدينة المنورة او مكة المكرمة عاصمة لدولة الخلافة التي تريد اقامتها على مناطق شاسعة من العالم تمتد من الصين حتى فيينا وما بعدها، ولذلك من غير المستبعد ان تشهد المرحلة المقبلة المزيد من هذه الهجمات. ولم يكن من قبيل الصدفة ان يعّرف “الخليفة” البغدادي نفسه بأنه ابراهيم عواد ابراهيم البدري الحسني القرشي السامرائي، مؤكدا نسبه الى آل البيت من ناحية، وقبيلة قريش من ناحية اخرى. ومن يطّلع على العقيدة والايديولوجية التي ترتكز اليها “داعش” يجد انها عودة الى جذور الوهابية وفكر الامام محمد بن عبد الوهاب في صيغته “الطهرية” الاولى، الامر الذي يشكل نقطة جذب للشباب السعوديين الذين كشفت استطلاعات رأي على مواقع التواصل الاجتماعي ان 92 بالمئة منهم يؤيدون “الدولة الاسلامية” وعقيدتها المتشددة، ووعدت السلطات السعودية التي شككت رسميا بنتائج هذا الاستطلاع باجراء استفتاء علمي يشرف عليه اكاديميون في اوساط الشباب للرد على الاستطلاع المذكور، ولكنه لم يصدر حتى كتابة هذه السطور. السلطات السعودية باتت تقاتل على جبهتين في آن واحد، الاولى داخلية والثانية خارجية، ومن الصعب ترجيح ايهما اخطر من الاخرى، فكلاهما مصدر قلق وخوف، فماذا يمكن ان تفعل قوات الامن بمهاجمين في الداخل او قادمين من الخارج يرتدون الاحزمة الناسفة، ويريدون تفجير انفسهم على الاستسلام والاسر، ومصممون على القتال حتى السقوط “كشهداء” والصعود الى دار البقاء؟ التقديرات شبه الرسمية تقول ان هناك اكثر من 5000 سعودي يقاتلون في صفوف “داعش”، وينخرط معظمهم في “الفرق الاستشهادية”، وهناك من يقدر العدد بأكثر من سبعة آلاف، ومن غير المفاجيء ان تكون خلية الهجوم على عرعر يوم امس مكونة من هؤلاء.  الملك عبد الله بن عبد العزيز اكد اكثر من مرة في خطاباته، سواء التي قرأها بنفسه، او قُرأت بالنيابة عنه، في المناسبات الرسمية مثل عيدي الفطر والاضحى، طالب العلماء والدعاة ورجال الدين بالتصدي لما اسماه بالفكر الضال، ولكن التجاوب مع هذه الدعوة ظلت محدودة، والشيء نفسه يقال عن محاولات السلطات السعودية السيطرة على وسائل التواصل  الاجتماعي مثل “التويتر” و”الفيسبوك” حيث ينشط انصار “الدولة” بشكل غير عادي. المعركة السعودية مع “الدولة الاسلامية” لها جوانب امنية واعلامية وفكرية، ويبدو انه من الصعب كسبها بسهولة، وبالحد الادنى من الخسائر، فمن يتابع الانشطة الاعلامية للدولة، المرئية منها والمقروءة والمسموعة، وما تتضمنه من فكر وحرفية عالية، يدرك هذه الصعوبة، ولا نبالغ اذا قلنا، نحن الذين درسنا هذه الانشطة طوال الاشهر العشرة الماضية على الاقل، ان انتاج هذه الدولة الاعلامي يتفوق على نظيره الامريكي الهوليودي، ناهيك عن الاعلام السعودي، الرسمي منه وغير الرسمي، مما يؤكد ان عقولا جبارة اكتسبت خبرات غربية متقدمة تقف خلفه وتوجهه. استراتيجية “الدولة الاسلامية” في السعودية او غيرها تقوم على الرعب والترهيب، وزعزعة الاستقرار، فاطلاق النار على مواطن دانمركي في احد شوارع الرياض، او ذبح امريكية في مركز تسوق مركزي في ابو ظبي، او ارسال خمسة رجال منقبين الى الحدود السعودية الجنوبية مع اليمن، كلها تصب في هذا المضمار. *** وعندما نقول ان معركة المملكة ليست سهلة مع “الدولة الاسلامية” لا ننسى ان نتوقف عند انهيار اسعار النفط، وانخفاض الدخل السعودي السنوي بأكثر من خمسين في المئة، واذا صحت نبوءة السيد علي النعيمي بأن الاسعار قد تصل الى عشرين دولارا للبرميل، فان هذا سيصب في مصلحة “داعش” وقد يسهل او يسرع عملية تجنيدها للشباب السعودي المحبط، خاصة اذا علمنا ان نسبة البطالة في اوساط هؤلاء تصل الى اكثر من ثلاثين في المئة في الوقت الراهن. “خلية عرعر” وهجومها غير المفاجيء يقرع جرس انذار شديد الصدى في اوساط الحكومة السعودية ويؤكد ان الخطر يتضخم، ويدخل المناطق الحرجة المحرمة التي ظلت “محصنة” طوال السنوات الثمانين من عمر المملكة. السلطات السعودية عملت طوال السنوات الاربع الماضية الى ابعاد العنف والارهاب عن عنقها وحدودها، وصدرت الشباب المتطرف والمحبط الى دول الجوار وخاصة العراق وسورية، وصدرت المليارات سواء لدعم “الثورات” في دول (سورية والعراق) او لاجهاضها (مصر واليمن) في دول الجوار، ولكن يبدو ان هذه الاستراتيجية المتناقضة والعصية على الفهم بدأت تعطي ثمارا دموية معاكسة، فهل بدأ السحر ينقلب على السحرة. ندرك جيدا ان السلطات السعودية تجرم السحر وتعدم السحرة، ولكن لم نجد توصيفا افضل من هذا للمستقبل المنظور. هيئة كبار العلماء في السعودية ادانت هذا “الحادث الارهابي” بعد دقائق من وقوعه، وايدت القبضة الحديدية للدولة في مواجهة هذا “الفكر الضال”، ونعتقد ان السلطات تحتاج الى ما هو اكثر من الادانة في معركتها الحالية، واول خطوة في هذا الصدد ترتيب بيتها من الداخل، واختيار حاكم قوي، ونشر قيم العدالة والمساواة والحكم الرشيد، والاصلاحات السياسية، والتعلم من دروس بعض دول الجوار؟

المصدر : راي اليوم/ عبد الباري عطوان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة