يبدو أنّ حلم العدو الصهيوني الاستراتيجي بتدمير ثلاثة جيوش عربية هي الجيش المصري والجيش العراقي والجيش السوري، كي يتسنّى لجيشه السيطرة الكاملة على المنطقة، قد ذهب أدراج الرياح.

 ففي الحالة السورية وعلى رغم تدخله في أكثر من موقع مباشرة ومداورة عبر عملائه، للقضاء في مرحلة أولى على منصّات الدفاع الجوي والرادارات والمطارات ومقرّات الاستطلاع والاستعلام، بل أكثر من ذلك قيامه بشنّ غارات جوية استهدفت بحسب قوله البنية الصاروخية الحديثة لهذا الدفاع، لم يزل الجيش العربي السوري في هذا المجال يحافظ على قدراته سليمة ومتكاملة.

إنّ حرمان الجيش السوري من مظلة الوقاية الجوية يجعل هذا الجيش معرّضاً لضربات قوية من قبل سلاح الجو «الإسرائيلي»، وهو ما كان يسعى إليه هذا العدو من خلال دفع العصابات المسلحة للتركيز على هذه المنشأات.

إن أي عملية مسح ميداني ومراجعة دقيقة لمسار عمليات هذه العصابات، تظهر بكلّ وضوح الأهداف المرسومة لها بغية تنفيذها. غير انّ حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر. صمد الجيش في أكثر من موقع ومكان وحافظ على القدرة والمبادرة بما يتناسب مع تطلعاته المستقبلية وأفقد العدو الصهيوني استكمال مشروعه القاضي بتدمير الجيش السوري عبر شنّ حرب مباغتة يحضّر لها كلّ المبرّرات.

على نقيض الأحلام الصهيونية، الجيش العربي السوري ومن خلال خوضه معارك وضعت فيها أميركا و«إسرائيل» ومعظم الدول الأوروبية خبراتها وإدارتها بشكل مباشر، استطاع التكيّف مع الوقائع العسكرية على الأرض. إنّ المرونة التي تحلّت بها القيادة العسكرية، كما السياسية، جعلت الأعداء يرسمون طريق خسارتهم بأنفسهم. لقد جرّبت أميركا وحلفاؤها كلّ الوسائل والطرق لفتح ثغرة في بنية الجيش السوري وعجزت، لا من خلال الانشقاقات، ولا من خلال فتح ممرات آمنة، ولا من خلال السيطرة على منطقة تكون قادرة على مسك زمام السيطرة، ولا من خلال التركيز على العاصمة السورية دمشق، بل باءت كلّ هذه المحاولات بالفشل.

انطلاقاً مما تقدم، ما هي أهمّ المكتسبات التي راكمها الجيش في هذه المعمعة الكبرى؟

أولاً: التحوّل على المستوى التكتيكي من نظام القتال الشرقي الذي يعتمد على غزارة النيران والتقدم بانساق، إلى نظام يعتمد الحركة السريعة والالتفافات الواسعة حول الأهداف، مع الحفاظ على غزارة النيران والتفوّق النسبي في حالة الهجوم والاحتفاظ باحتياط مناسب.

ثانياً: ترك المبادرة العملانية للقيادات الوسطى بمعالجة الحالات الخاصة وبحسب الأوضاع المستجدة، توفيراً للوقت وتسهيلاً للمهمة وتخفيف العبء عن كاهل القيادة المركزية.

ثالثاً: القدرة على التعامل مع عدوّ متنوّع المشارب العلمية في الفكر العسكري، كما هو متنوّع على مستوى بيئة القتال، من حرب الشوارع والأماكن المبنية، إلى قتال الغابات إلى المناطق السهلية والمناطق الجبلية، إلى المناطق المحصّنة، إلى تدمير العقد العنكبوتية الدفاعية.

رابعاً: الانضباط العالي بأوامر الرمي وبخاصة الأسلحة الثقيلة، مع تناسب الأهداف والوسائل، والتركيز على أهداف نُقَطية عند الحاجة، توفيراً للاستهلاك بمصروف الذخيرة.

خامساً: اكتساب خبرة عالية بالدفاع على المستويات كافة، وهو ما يؤهّل الجيش السوري لخوض معركة دفاعية، انْ كان بالدفاع المرن أو الدفاع بالعمق، وبخاصة على مستوى تحضير المواقع الدفاعية وعمل وحدات الهندسة بشكل يتكامل مع القدرات النارية والحركة المطلوبة.

بالخلاصة، إنّ اكتساب المرونة والخبرة الميدانية والتعاطي مع تنوّع أنظمة القتال، والأساليب المبتكرة للحالات الخاصة، أعطت هذا الجيش عملياً، ميزة تفتقدها معظم جيوش العالم حتى الكبيرة منها. يبقى القول انّ تجديد بنية الجيش على مستوى الأفراد والرتباء والضباط، مع هذه الخبرة المكتسبة من الميدان، سيجعله من أرقى وأقوى الجيوش، وهو سيكون جيش المواجهة الحقيقية مع عدو الأمة الداخلي والخارجي.

  • فريق ماسة
  • 2014-03-24
  • 13430
  • من الأرشيف

الجيش العربي السوري: وتراكم الخبرة

 يبدو أنّ حلم العدو الصهيوني الاستراتيجي بتدمير ثلاثة جيوش عربية هي الجيش المصري والجيش العراقي والجيش السوري، كي يتسنّى لجيشه السيطرة الكاملة على المنطقة، قد ذهب أدراج الرياح.  ففي الحالة السورية وعلى رغم تدخله في أكثر من موقع مباشرة ومداورة عبر عملائه، للقضاء في مرحلة أولى على منصّات الدفاع الجوي والرادارات والمطارات ومقرّات الاستطلاع والاستعلام، بل أكثر من ذلك قيامه بشنّ غارات جوية استهدفت بحسب قوله البنية الصاروخية الحديثة لهذا الدفاع، لم يزل الجيش العربي السوري في هذا المجال يحافظ على قدراته سليمة ومتكاملة. إنّ حرمان الجيش السوري من مظلة الوقاية الجوية يجعل هذا الجيش معرّضاً لضربات قوية من قبل سلاح الجو «الإسرائيلي»، وهو ما كان يسعى إليه هذا العدو من خلال دفع العصابات المسلحة للتركيز على هذه المنشأات. إن أي عملية مسح ميداني ومراجعة دقيقة لمسار عمليات هذه العصابات، تظهر بكلّ وضوح الأهداف المرسومة لها بغية تنفيذها. غير انّ حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر. صمد الجيش في أكثر من موقع ومكان وحافظ على القدرة والمبادرة بما يتناسب مع تطلعاته المستقبلية وأفقد العدو الصهيوني استكمال مشروعه القاضي بتدمير الجيش السوري عبر شنّ حرب مباغتة يحضّر لها كلّ المبرّرات. على نقيض الأحلام الصهيونية، الجيش العربي السوري ومن خلال خوضه معارك وضعت فيها أميركا و«إسرائيل» ومعظم الدول الأوروبية خبراتها وإدارتها بشكل مباشر، استطاع التكيّف مع الوقائع العسكرية على الأرض. إنّ المرونة التي تحلّت بها القيادة العسكرية، كما السياسية، جعلت الأعداء يرسمون طريق خسارتهم بأنفسهم. لقد جرّبت أميركا وحلفاؤها كلّ الوسائل والطرق لفتح ثغرة في بنية الجيش السوري وعجزت، لا من خلال الانشقاقات، ولا من خلال فتح ممرات آمنة، ولا من خلال السيطرة على منطقة تكون قادرة على مسك زمام السيطرة، ولا من خلال التركيز على العاصمة السورية دمشق، بل باءت كلّ هذه المحاولات بالفشل. انطلاقاً مما تقدم، ما هي أهمّ المكتسبات التي راكمها الجيش في هذه المعمعة الكبرى؟ أولاً: التحوّل على المستوى التكتيكي من نظام القتال الشرقي الذي يعتمد على غزارة النيران والتقدم بانساق، إلى نظام يعتمد الحركة السريعة والالتفافات الواسعة حول الأهداف، مع الحفاظ على غزارة النيران والتفوّق النسبي في حالة الهجوم والاحتفاظ باحتياط مناسب. ثانياً: ترك المبادرة العملانية للقيادات الوسطى بمعالجة الحالات الخاصة وبحسب الأوضاع المستجدة، توفيراً للوقت وتسهيلاً للمهمة وتخفيف العبء عن كاهل القيادة المركزية. ثالثاً: القدرة على التعامل مع عدوّ متنوّع المشارب العلمية في الفكر العسكري، كما هو متنوّع على مستوى بيئة القتال، من حرب الشوارع والأماكن المبنية، إلى قتال الغابات إلى المناطق السهلية والمناطق الجبلية، إلى المناطق المحصّنة، إلى تدمير العقد العنكبوتية الدفاعية. رابعاً: الانضباط العالي بأوامر الرمي وبخاصة الأسلحة الثقيلة، مع تناسب الأهداف والوسائل، والتركيز على أهداف نُقَطية عند الحاجة، توفيراً للاستهلاك بمصروف الذخيرة. خامساً: اكتساب خبرة عالية بالدفاع على المستويات كافة، وهو ما يؤهّل الجيش السوري لخوض معركة دفاعية، انْ كان بالدفاع المرن أو الدفاع بالعمق، وبخاصة على مستوى تحضير المواقع الدفاعية وعمل وحدات الهندسة بشكل يتكامل مع القدرات النارية والحركة المطلوبة. بالخلاصة، إنّ اكتساب المرونة والخبرة الميدانية والتعاطي مع تنوّع أنظمة القتال، والأساليب المبتكرة للحالات الخاصة، أعطت هذا الجيش عملياً، ميزة تفتقدها معظم جيوش العالم حتى الكبيرة منها. يبقى القول انّ تجديد بنية الجيش على مستوى الأفراد والرتباء والضباط، مع هذه الخبرة المكتسبة من الميدان، سيجعله من أرقى وأقوى الجيوش، وهو سيكون جيش المواجهة الحقيقية مع عدو الأمة الداخلي والخارجي.

المصدر : وليد زيتوني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة