رعى الرئيس ميشال سليمان، أمس، اليوبيل الذهبي للقديسة رفقا في لحظة مفصلية من تاريخ لبنان. في تلك اللحظة المفصلية، كان الشمال يغرق في حرب أهلية.

 كان شبح الحرب الأهلية يرخي بظلاله الثقيلة على الطريق الجديدة التي لم يعد فيها جديد سوى أعلام «جبهة النصرة». لو أضيف ذلك إلى ما يحصل في عرسال ومحيطها، وعند الحدود اللبنانية ــــ السورية، لفهم المرء أن لبنان بات في حاجة إلى معجزة القديسة رفقا وكل القدّيسين والأئمة كي ينجو من واقعه الأمني الصعب ومستقبله الأصعب.

هكذا يشارف عهد الرئيس على نهايةٍ كان لا شك يتمنى ألا تكون على هذه الحال. سقطت سياسة النأي بالنفس أسوأ سقوط. انتقلت الحرب السورية إلى الداخل اللبناني. انقسم اللبنانيون بين مؤيد ومعارض للحكم السوري. دخل البازار العربي والدولي بقوة إلى لبنان. هكذا ينتهي عهد سليمان على خصومة مع دمشق وحزب الله وحلفائهما. هو يقول إنه يحمي استقلال لبنان، وخصومه يقولون إنه يسير تحت راية المحور الآخر لمصالح أخرى.

ماذا بعد؟

حين وصل وزير الخارجية المصري نبيل فهمي إلى بيروت أحدث مفاجأتين: أولاهما أنه شرح كيف أن الأميركيين كانوا قد طلبوا من وزراء الخارجية العرب، قبيل إعلان العدوان على سوريا، أن يوافقوا على هذا العدوان. رفضت مصر آنذاك، فضغطت واشنطن على السعودية والإمارات. اتصل وزيرا خارجية الدولتين الخليجيتين بفهمي لإقناع القاهرة بالقبول بالعدوان. رفضت مصر. وثانية المفاجآت أن الوزير المصري جاء راغباً، أيضاً، بتحسين العلاقات مع إيران. يبدو أن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، يؤدي حالياً هذا الدور. ثمة من يؤكد أن الوساطة التي أجراها سابقاً الكاتب العربي الكبير محمد حسنين هيكل لم تكن بتكليف رسمي. الآن الرغبة واضحة. يقال إن دور باسيل برعاية الجنرال عون سهّل لقاءات فهمي مع الوزير حسين الحاج حسن.

باتت إيران، الآن، محور الاهتمام. تفاهمها مع الغرب يسير على نحو جيد. صارت تتلقّى عروضاً جيدة من دول معنية بالملف السوري. قطر في الطليعة. في طهران وجهة نظر مهمة الآن مفادها أن أي حديث عن مستقبل لبنان، وخصوصاً الرئاسة فيه، يجب أن يكون ثمرة تفاهمات إقليمية. تريد القيادة الإيرانية أن تكون سوريا حاضرة وكذلك السعودية. في مثل هذا التفكير رسالة واضحة. إعادة سوريا على الخط، وبقوة، تعني أن كل الدول الغربية الراغبة بالدخول في البازار الرئاسي اللبناني يجب أن تفاوض دمشق أيضاً. هذا وحده كفيل برفع مستوى العلاقات الأمنية الحالية مع القيادة السورية إلى مستوى الحوار الدبلوماسي. فرنسا في طليعة المعنيين بالرسائل. باريس تؤدي دوراً بعيداً عن الأضواء بتكليف أميركي. منطق التحالف الحالي بين إيران وسوريا وحزب الله يفرض بقاء سوريا لاعباً أساسياً في الملف اللبناني مهما تغيّرت الأحوال. حتى الآن، طهران ودمشق متفقتان على إيلاء الملف اللبناني لحليفهما حزب الله. هما يقبلان بما يقرره السيد حسن نصرالله.

لنتصوّر الآن مستقبل الأشهر المقبلة.

الاشتباك الإرهابي مع الجيش اللبناني مرشح للتفاقم. كل من يهرب من سوريا عبر الحدود يتسلل صوب لبنان. وعلى الأراضي اللبنانية خلايا نائمة. يراها بعض المسؤولين نائمة ويمر بقربها كي لا يزعج نومها تعاطفاً. يلاحقها آخرون ليقبضوا عليها قبل أن تستيقظ. لا شيء يغيّر المعادلة سوى ضغط دولي كبير حالياً لجعل مكافحة الإرهاب أولوية من العراق إلى سوريا فلبنان. صار الإرهاب أهمّ من مستقبل الرئيس بشار الأسد. لا عجب، إذاً، أن يبدأ السفير الأميركي السابق روبرت فورد وقبله وزير الخارجية جون كيري بالترويج لبقاء الأسد. لا بأس أن يقول الباحث السعودي أنور عشقي إن باراك أوباما يأتي إلى السعودية لإقناع الملك ببقاء الأسد، بذريعة أن الرئيس السوري سيغيّر تحالفه مع إيران وحزب الله. عشقي، بالمناسبة، كان مستشاراً للأمير بندر بن سلطان حين كان الأخير سفيراً للمملكة في واشنطن. الأسد باقٍ. أميركا ستقبل. ماذا عن لبنان؟

منذ فترة صار الجيش السوري يخترق الحدود ملاحقاً مسلّحين يتهمهم بالإرهاب. الأمر سيتكرّر ويتوسّع. قرار القضاء على الإرهاب لا عودة عنه في دمشق. لعله صار يتمتع بضوء أخضر غير معلن من قبل المؤسسات العسكرية في الغرب. التعاون الأمني واضح، وربما أكثر مما يعتقد البعض. بعد فترة سيجد الجيش اللبناني نفسه أمام حالة إرهابية ستكبر. سيلاحق ويقاتل. ينجح في أماكن ويفشل في أخرى. الأكيد أن ثمة صعوبة كبيرة في أن يقضي وحده على كل الخلايا المنتشرة في لبنان. لا شك في أنه سيتعرّض للتفجير والسيارات المفخّخة والهجمات على الحواجز. الغرب يريد تجنيب لبنان كأس الإرهاب. يريد، أيضاً، رئيساً توافقياً للجمهورية، أو ــ على الأقل ــ رئيساً لإدارة الأزمة. سوريا ستحضر بقوة.

عند الحدود لا شيء سيمنع تعاون الجيشين اللبناني والسوري لاحقاً. هذا سيفرض نفسه، عاجلاً أو آجلاً. قد يصبح الأمر ضرورة في بعض الداخل اللبناني في المناطق الحدودية. سيصبح ضرورة.

لا رغبة لدى القيادة السورية بالتورط مجدداً في لبنان. يقول مسؤول كبير: «طوينا هذه الصفحة منذ زمن طويل، ولا نرغب مطلقاً بالعودة إلى مكان خرجنا منه بقرار استراتيجي». لكن لا رغبة، أيضاً، بإبقاء الحدود اللبنانية منطلقاً لضرب الداخل السوري. «لن نوفّر أي جهد لملاحقة الإرهاب عبر كل الحدود. الآخرون لم يحترموا الحدود حين سفكوا الدم السوري»، يقول المسؤول نفسه الذي يؤكد أن التعاون مع الجيش اللبناني ليس سيئاً في الوقت الراهن

لم يحسن لبنان، في عهد الرئيس سليمان، إقامة علاقة واضحة مع القيادة السورية. ليس ذنبه. تحوّلات المنطقة أكبر من أن تستوعبها أطراف ضعيفة كلبنان. التقارير الغربية كانت تنهمر لدرجة اعتقد البعض أن سقوط النظام قد يتم قبل نهاية قراءة التقرير. المهم ألّا يُفاجأ اللبنانيون إذا جاءهم يوماً مسؤول أميركي محاولاً إقناعهم بالتعاون مع الجيش السوري. قد يحصل هذا. يبدو أنه سيحصل. في لبنان القديسة رفقا ملجأ الراغبين بمستقبل أفضل لا شك. لكن بين إيران والغرب وروسيا ترتسم ملامح مستقبل آخر.

  • فريق ماسة
  • 2014-03-23
  • 10795
  • من الأرشيف

هل يعود الجيش السوري إلى لبنان؟

رعى الرئيس ميشال سليمان، أمس، اليوبيل الذهبي للقديسة رفقا في لحظة مفصلية من تاريخ لبنان. في تلك اللحظة المفصلية، كان الشمال يغرق في حرب أهلية.  كان شبح الحرب الأهلية يرخي بظلاله الثقيلة على الطريق الجديدة التي لم يعد فيها جديد سوى أعلام «جبهة النصرة». لو أضيف ذلك إلى ما يحصل في عرسال ومحيطها، وعند الحدود اللبنانية ــــ السورية، لفهم المرء أن لبنان بات في حاجة إلى معجزة القديسة رفقا وكل القدّيسين والأئمة كي ينجو من واقعه الأمني الصعب ومستقبله الأصعب. هكذا يشارف عهد الرئيس على نهايةٍ كان لا شك يتمنى ألا تكون على هذه الحال. سقطت سياسة النأي بالنفس أسوأ سقوط. انتقلت الحرب السورية إلى الداخل اللبناني. انقسم اللبنانيون بين مؤيد ومعارض للحكم السوري. دخل البازار العربي والدولي بقوة إلى لبنان. هكذا ينتهي عهد سليمان على خصومة مع دمشق وحزب الله وحلفائهما. هو يقول إنه يحمي استقلال لبنان، وخصومه يقولون إنه يسير تحت راية المحور الآخر لمصالح أخرى. ماذا بعد؟ حين وصل وزير الخارجية المصري نبيل فهمي إلى بيروت أحدث مفاجأتين: أولاهما أنه شرح كيف أن الأميركيين كانوا قد طلبوا من وزراء الخارجية العرب، قبيل إعلان العدوان على سوريا، أن يوافقوا على هذا العدوان. رفضت مصر آنذاك، فضغطت واشنطن على السعودية والإمارات. اتصل وزيرا خارجية الدولتين الخليجيتين بفهمي لإقناع القاهرة بالقبول بالعدوان. رفضت مصر. وثانية المفاجآت أن الوزير المصري جاء راغباً، أيضاً، بتحسين العلاقات مع إيران. يبدو أن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، يؤدي حالياً هذا الدور. ثمة من يؤكد أن الوساطة التي أجراها سابقاً الكاتب العربي الكبير محمد حسنين هيكل لم تكن بتكليف رسمي. الآن الرغبة واضحة. يقال إن دور باسيل برعاية الجنرال عون سهّل لقاءات فهمي مع الوزير حسين الحاج حسن. باتت إيران، الآن، محور الاهتمام. تفاهمها مع الغرب يسير على نحو جيد. صارت تتلقّى عروضاً جيدة من دول معنية بالملف السوري. قطر في الطليعة. في طهران وجهة نظر مهمة الآن مفادها أن أي حديث عن مستقبل لبنان، وخصوصاً الرئاسة فيه، يجب أن يكون ثمرة تفاهمات إقليمية. تريد القيادة الإيرانية أن تكون سوريا حاضرة وكذلك السعودية. في مثل هذا التفكير رسالة واضحة. إعادة سوريا على الخط، وبقوة، تعني أن كل الدول الغربية الراغبة بالدخول في البازار الرئاسي اللبناني يجب أن تفاوض دمشق أيضاً. هذا وحده كفيل برفع مستوى العلاقات الأمنية الحالية مع القيادة السورية إلى مستوى الحوار الدبلوماسي. فرنسا في طليعة المعنيين بالرسائل. باريس تؤدي دوراً بعيداً عن الأضواء بتكليف أميركي. منطق التحالف الحالي بين إيران وسوريا وحزب الله يفرض بقاء سوريا لاعباً أساسياً في الملف اللبناني مهما تغيّرت الأحوال. حتى الآن، طهران ودمشق متفقتان على إيلاء الملف اللبناني لحليفهما حزب الله. هما يقبلان بما يقرره السيد حسن نصرالله. لنتصوّر الآن مستقبل الأشهر المقبلة. الاشتباك الإرهابي مع الجيش اللبناني مرشح للتفاقم. كل من يهرب من سوريا عبر الحدود يتسلل صوب لبنان. وعلى الأراضي اللبنانية خلايا نائمة. يراها بعض المسؤولين نائمة ويمر بقربها كي لا يزعج نومها تعاطفاً. يلاحقها آخرون ليقبضوا عليها قبل أن تستيقظ. لا شيء يغيّر المعادلة سوى ضغط دولي كبير حالياً لجعل مكافحة الإرهاب أولوية من العراق إلى سوريا فلبنان. صار الإرهاب أهمّ من مستقبل الرئيس بشار الأسد. لا عجب، إذاً، أن يبدأ السفير الأميركي السابق روبرت فورد وقبله وزير الخارجية جون كيري بالترويج لبقاء الأسد. لا بأس أن يقول الباحث السعودي أنور عشقي إن باراك أوباما يأتي إلى السعودية لإقناع الملك ببقاء الأسد، بذريعة أن الرئيس السوري سيغيّر تحالفه مع إيران وحزب الله. عشقي، بالمناسبة، كان مستشاراً للأمير بندر بن سلطان حين كان الأخير سفيراً للمملكة في واشنطن. الأسد باقٍ. أميركا ستقبل. ماذا عن لبنان؟ منذ فترة صار الجيش السوري يخترق الحدود ملاحقاً مسلّحين يتهمهم بالإرهاب. الأمر سيتكرّر ويتوسّع. قرار القضاء على الإرهاب لا عودة عنه في دمشق. لعله صار يتمتع بضوء أخضر غير معلن من قبل المؤسسات العسكرية في الغرب. التعاون الأمني واضح، وربما أكثر مما يعتقد البعض. بعد فترة سيجد الجيش اللبناني نفسه أمام حالة إرهابية ستكبر. سيلاحق ويقاتل. ينجح في أماكن ويفشل في أخرى. الأكيد أن ثمة صعوبة كبيرة في أن يقضي وحده على كل الخلايا المنتشرة في لبنان. لا شك في أنه سيتعرّض للتفجير والسيارات المفخّخة والهجمات على الحواجز. الغرب يريد تجنيب لبنان كأس الإرهاب. يريد، أيضاً، رئيساً توافقياً للجمهورية، أو ــ على الأقل ــ رئيساً لإدارة الأزمة. سوريا ستحضر بقوة. عند الحدود لا شيء سيمنع تعاون الجيشين اللبناني والسوري لاحقاً. هذا سيفرض نفسه، عاجلاً أو آجلاً. قد يصبح الأمر ضرورة في بعض الداخل اللبناني في المناطق الحدودية. سيصبح ضرورة. لا رغبة لدى القيادة السورية بالتورط مجدداً في لبنان. يقول مسؤول كبير: «طوينا هذه الصفحة منذ زمن طويل، ولا نرغب مطلقاً بالعودة إلى مكان خرجنا منه بقرار استراتيجي». لكن لا رغبة، أيضاً، بإبقاء الحدود اللبنانية منطلقاً لضرب الداخل السوري. «لن نوفّر أي جهد لملاحقة الإرهاب عبر كل الحدود. الآخرون لم يحترموا الحدود حين سفكوا الدم السوري»، يقول المسؤول نفسه الذي يؤكد أن التعاون مع الجيش اللبناني ليس سيئاً في الوقت الراهن لم يحسن لبنان، في عهد الرئيس سليمان، إقامة علاقة واضحة مع القيادة السورية. ليس ذنبه. تحوّلات المنطقة أكبر من أن تستوعبها أطراف ضعيفة كلبنان. التقارير الغربية كانت تنهمر لدرجة اعتقد البعض أن سقوط النظام قد يتم قبل نهاية قراءة التقرير. المهم ألّا يُفاجأ اللبنانيون إذا جاءهم يوماً مسؤول أميركي محاولاً إقناعهم بالتعاون مع الجيش السوري. قد يحصل هذا. يبدو أنه سيحصل. في لبنان القديسة رفقا ملجأ الراغبين بمستقبل أفضل لا شك. لكن بين إيران والغرب وروسيا ترتسم ملامح مستقبل آخر.

المصدر : الأخبار / سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة