بالرغم من انه اصبح من الصعوبة بمكان على العربي في اي وطن من الاوطان، ان يتعامل مع ‘حدث’ انعقاد القمم العربية بما يستحق من ‘جدية سواء بالغضب او بالامتنان’، الا اننا سنحاول جاهدين مجتهدين، ومقبلين لا مدبرين.

الى الكويت هذه المرة، تداعى العرب المستعربة والعربان، والعرب الآمرة والمتآمرة والمستأمرة بامر الروس او الامريكان، ليعقدوا قمتهم الخامسة والعشرين ضمن معطيات غير مسبوقة في تاريخهم، يجعلها جديرة بعنوان ‘قمة انقاذ ما لا يمكن انقاذه’، بالرغم من ان مكان الانعقاد لم يكن ممكنا ان يكون افضل. فالكويت عضو فاعل في مجلس التعاون الخليجي الذي شهد الحلقة الاخيرة من ‘تنويعات’ الانقسامات العربية، والاهم انه بلد مشهود له عندما يتعلق الامر بجهود الوساطة، بفضل اميره الشيخ صباح الاحمد الصباح الذي يملك نحو نصف قرن من الخبرة في العمل الدبلوماسي.

فاذا فشلت قمة الكويت في جسر هذه الهوة المتسعة، وهي فشلت بالفعل قبل ان تنعقد، حسبما يجمع المراقبون بل وحسب تصريحات رسمية من وزراء عرب، فمن الصعب تصور ان ينجح غيرها.

وبكلمات اخرى فان ما يشاهده (او لا يشاهده) اكثر من ثلث مليار انسان هم تعداد امة العرب على شاشات الفضائيات اليوم ليس سوى فرصة لالتقاط صور للزعماء العرب، وهي اصبحت المناسبة الوحيدة التي تجعلهم يقفون في صف واحد.

لقد فقدت القمم العربية القدرة على ان تكون مجرد حدث اعلامي، بل اصبحت اقرب مسرحيات عبثية مملة، بعد ان غابت عنها مفاجآت معمر القذافي وحركاته السيكوباتية، ومحاضرات بشار الاسد الماراثونية على اناس كان بعضهم ‘زعماء ملهمين’ بالفعل حينما كان مازال طفلا، او قهقهات مبارك وعلي صالح السمجة، بينما حضرت في الخلفية صور التراجيديا العربية: بلاد تتمزق وشعوب تذبح وتشرد، واخرى يبتلعها النسيان بعد ان كانت ‘قضية الامة المركزية’.

وحيث ان في بعض اليأس ‘راحة’، لن يخيب امل احد في نتائج هذه القمة، ولكن ربما يسمح هذا للمراقب ان يخرج من الصف ليلقي بنظرة متأنية على مشهد القمة.

اولا: يظهر المقعد السوري فارغا بعد ان تعذر الاتفاق على من يملؤه وسط انقسامات واتهامات متبادلة بشأن الدول التي ايدت او عارضت منحه للائتلاف المعارض الذي لا يقل انقساما وتصدعا.

وايا كانت التفاصيل، فان صورة هذا المقعد ستمثل اعترافا ماديا بل وتاريخيا بفشل النظام الرسمي العربي في الاتفاق على موقف متماسك او حقيقي تجاه المأساة السورية.

وتجسد هذا الفشل العربي المزمن مجددا امس الاول في مطالبة وزراء الخارجية لمجلس الامن بـ’الاضطلاع بمسؤوليته’ تجاه ازمة سوريا، (كأنهم لم يسمعوا من قبل عن الفيتو الروسي الصيني المتربص)، لكنهم لا يقولون ما فعلوه هم او ما يمكن ان يفعلوه لانقاذ هذا الشعب العربي.

وللتغطية على هذا الفشل من المتوقع ان تصدر عن القمة وعود براقة جديدة بالمساعدات الاقتصادية للاجئين السوريين. وعود يعرف الجميع ان اغلبها سيبقى وعودا.

ثانيا: من المفارقة ان يغيب عن جدول اعمال قمة عربية تنعقد في دولة خليجية، الملف الاكثر سخونة خليجيا، اي التدهور السياسي الاخير الذي ادى الى سحب سفراء السعودية والامارات والبحرين من قطر، واصبح يهدد مستقبل مجلس التعاون. وكذلك من الملفت ان يقتصر تمثيل دولة الامارات، مع التقدير، على حاكم امارة الفجيرة. ويدل هذا بوضوح على ان الخلافات الخليجية هي اكثر تعقيدا مما تبدو.

ومن المؤسف ان بعض البلاد العربية المنخرطة في تجمعات اقليمية لم تتعلم ابدا من نظيراتها، فالاتحاد الاوروبي كثيرا ما شهد من الخلافات ما وصل الى حد التلاسن والتهديد بالانسحابات بل وبفرض العقوبات، الا ان دوله لم تمتنع ابدا عن الحوار وحضور الاجتماعات في اصعب الاوقات.

ثالثا: هذه اول قمة عربية تنعقد بعد ان نالت ايران في اتفاق جنيف اعترافا دوليا يشرعن كونها ‘دولة نووية’ وقوة اقليمية عظمى. بل ان مقر القمة ليس بعيدا عن مفاعل بوشهر، وبعض مكونات البرنامج النووي الايراني. فالى متى سيبقى العرب خارج العصر النووي؟ يبدو ان هذا السؤال لم يعتبره الزعماء من الاهمية بمكان ليكون محورا اساسيا تنتج عنه قرارات للتنفيذ وليس ليتراكم عليها الغبار.

واخيرا وبالرغم من انها في حقيقتها قمة وجود لا قمة خلافات او حدود، الا انها للاسف قمة بلا زعامات حقيقية قادرة على مواجهة تحديات تاريخية ومصيرية.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-03-24
  • 11655
  • من الأرشيف

‘قمة العربان’ في الكويت: انقاذ ‘ما لا يمكن انقاذه’

بالرغم من انه اصبح من الصعوبة بمكان على العربي في اي وطن من الاوطان، ان يتعامل مع ‘حدث’ انعقاد القمم العربية بما يستحق من ‘جدية سواء بالغضب او بالامتنان’، الا اننا سنحاول جاهدين مجتهدين، ومقبلين لا مدبرين. الى الكويت هذه المرة، تداعى العرب المستعربة والعربان، والعرب الآمرة والمتآمرة والمستأمرة بامر الروس او الامريكان، ليعقدوا قمتهم الخامسة والعشرين ضمن معطيات غير مسبوقة في تاريخهم، يجعلها جديرة بعنوان ‘قمة انقاذ ما لا يمكن انقاذه’، بالرغم من ان مكان الانعقاد لم يكن ممكنا ان يكون افضل. فالكويت عضو فاعل في مجلس التعاون الخليجي الذي شهد الحلقة الاخيرة من ‘تنويعات’ الانقسامات العربية، والاهم انه بلد مشهود له عندما يتعلق الامر بجهود الوساطة، بفضل اميره الشيخ صباح الاحمد الصباح الذي يملك نحو نصف قرن من الخبرة في العمل الدبلوماسي. فاذا فشلت قمة الكويت في جسر هذه الهوة المتسعة، وهي فشلت بالفعل قبل ان تنعقد، حسبما يجمع المراقبون بل وحسب تصريحات رسمية من وزراء عرب، فمن الصعب تصور ان ينجح غيرها. وبكلمات اخرى فان ما يشاهده (او لا يشاهده) اكثر من ثلث مليار انسان هم تعداد امة العرب على شاشات الفضائيات اليوم ليس سوى فرصة لالتقاط صور للزعماء العرب، وهي اصبحت المناسبة الوحيدة التي تجعلهم يقفون في صف واحد. لقد فقدت القمم العربية القدرة على ان تكون مجرد حدث اعلامي، بل اصبحت اقرب مسرحيات عبثية مملة، بعد ان غابت عنها مفاجآت معمر القذافي وحركاته السيكوباتية، ومحاضرات بشار الاسد الماراثونية على اناس كان بعضهم ‘زعماء ملهمين’ بالفعل حينما كان مازال طفلا، او قهقهات مبارك وعلي صالح السمجة، بينما حضرت في الخلفية صور التراجيديا العربية: بلاد تتمزق وشعوب تذبح وتشرد، واخرى يبتلعها النسيان بعد ان كانت ‘قضية الامة المركزية’. وحيث ان في بعض اليأس ‘راحة’، لن يخيب امل احد في نتائج هذه القمة، ولكن ربما يسمح هذا للمراقب ان يخرج من الصف ليلقي بنظرة متأنية على مشهد القمة. اولا: يظهر المقعد السوري فارغا بعد ان تعذر الاتفاق على من يملؤه وسط انقسامات واتهامات متبادلة بشأن الدول التي ايدت او عارضت منحه للائتلاف المعارض الذي لا يقل انقساما وتصدعا. وايا كانت التفاصيل، فان صورة هذا المقعد ستمثل اعترافا ماديا بل وتاريخيا بفشل النظام الرسمي العربي في الاتفاق على موقف متماسك او حقيقي تجاه المأساة السورية. وتجسد هذا الفشل العربي المزمن مجددا امس الاول في مطالبة وزراء الخارجية لمجلس الامن بـ’الاضطلاع بمسؤوليته’ تجاه ازمة سوريا، (كأنهم لم يسمعوا من قبل عن الفيتو الروسي الصيني المتربص)، لكنهم لا يقولون ما فعلوه هم او ما يمكن ان يفعلوه لانقاذ هذا الشعب العربي. وللتغطية على هذا الفشل من المتوقع ان تصدر عن القمة وعود براقة جديدة بالمساعدات الاقتصادية للاجئين السوريين. وعود يعرف الجميع ان اغلبها سيبقى وعودا. ثانيا: من المفارقة ان يغيب عن جدول اعمال قمة عربية تنعقد في دولة خليجية، الملف الاكثر سخونة خليجيا، اي التدهور السياسي الاخير الذي ادى الى سحب سفراء السعودية والامارات والبحرين من قطر، واصبح يهدد مستقبل مجلس التعاون. وكذلك من الملفت ان يقتصر تمثيل دولة الامارات، مع التقدير، على حاكم امارة الفجيرة. ويدل هذا بوضوح على ان الخلافات الخليجية هي اكثر تعقيدا مما تبدو. ومن المؤسف ان بعض البلاد العربية المنخرطة في تجمعات اقليمية لم تتعلم ابدا من نظيراتها، فالاتحاد الاوروبي كثيرا ما شهد من الخلافات ما وصل الى حد التلاسن والتهديد بالانسحابات بل وبفرض العقوبات، الا ان دوله لم تمتنع ابدا عن الحوار وحضور الاجتماعات في اصعب الاوقات. ثالثا: هذه اول قمة عربية تنعقد بعد ان نالت ايران في اتفاق جنيف اعترافا دوليا يشرعن كونها ‘دولة نووية’ وقوة اقليمية عظمى. بل ان مقر القمة ليس بعيدا عن مفاعل بوشهر، وبعض مكونات البرنامج النووي الايراني. فالى متى سيبقى العرب خارج العصر النووي؟ يبدو ان هذا السؤال لم يعتبره الزعماء من الاهمية بمكان ليكون محورا اساسيا تنتج عنه قرارات للتنفيذ وليس ليتراكم عليها الغبار. واخيرا وبالرغم من انها في حقيقتها قمة وجود لا قمة خلافات او حدود، الا انها للاسف قمة بلا زعامات حقيقية قادرة على مواجهة تحديات تاريخية ومصيرية.  

المصدر : رأي القدس


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة