ما زال الغموض يلف تفاصيل كمين العتيبة الذي نفذه الجيش السوري أمس الأول شرق الصرف الصحي في المنطقة، والذي سقط جراءه ما يقارب 175 مسلحاً، رفضت جميع الفصائل الإسلامية في الغوطة الشرقية، مثل «جيش الإسلام» و«جبهة النصرة»، أن تتبنّى انتماءهم إليها دفعاً للحرج من فداحة الكمين والخسارة الناتجة منه، وهو ما استغلّه تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) ليشن حملة ضد الطرفين، متهماً إياهما بفساد القيادة والاستهتار بحياة «المجاهدين».

وقد أشارت معلومات حصلت عليها «السفير» من مصدر ميداني معارض إلى أن غالبية قتلى الكمين ينتمون إلى «لواء الشباب الصادقين» و«جبهة النصرة» و«لواء الإسلام».

ودلالات الكمين الشائكة وارتباطاته بمعركة الجنوب في درعا أو بمعركة القلمون في يبرود، تشبه إلى حد بعيد موقع مدينة العتيبة ذاتها، باعتباره عقد اتصالات متشابكة. حيث تعتبر العتيبة نقطة تحكّم بعدة طرق من الغوطة واليها، خاصة أن معظم الطرق صحراوية لا معالم لها، والعتيبة هي المحطة الأولى لطريق الإمداد الذي ينطلق من الغوطة، ليتفرع إما شمالاً أو جنوباً، شمالاً باتجاه البادية، وتحديداً السخنة والقريتين، ومن محطات محور الشمال خناصر في حلب. لذلك ارتفع صراخ الجماعات المسلحة بعد سيطرة الجيش السوري على السخنة - خناصر - العتيبة. فالعتيبة تعتبر معبراً مشتركاً للوسط السوري مع الشمال والجنوب، ومحطة أيضاً ما بين الشمال والجنوب، ومن يسيطر على العتيبة تصبح له أفضلية دفاعية وهجومية.

وقد صرح قائد «جيش الإسلام» زهران علوش أن إجمالي عدد قتلى المسلحين بسبب الكمائن على طريق العتيبة بلغ أكثر من 500. يذكر أن آخر كمين وقع في تلك المنطقة أواخر تشرين الأول الماضي وسقط جراءه عشرات القتلى والجرحى. لكن هذه المحاولات المتكررة لسلوك الطريق نفسه، رغم المخاطر الناجمة عنه والخسائر الكبيرة التي تتكبدها الجماعات المسلحة بسبب كمائن الجيش السوري عليه، يشير على نحو قاطع إلى مدى أهمية هذا الطريق، وعدم قدرتهم على الاستغناء عنه.

ومن بين سيناريوهات معركة الجنوب المزمعة، استهداف المحور الشرقي من أجل إحياء خط إمداد الغوطة الشرقية، حيث يفترض أن يبدأ الهجوم بالسيطرة على بلدة ازرع في ريف درعا، والتي يتمركز في محيطها «اللواء ١٢» و«الفوج ١٧٥»، بموازاة هجوم يستهدف المناطق المتاخمة للطريق الدولي في اللجاة المتاخمة لمحافظة السويداء. وإذا تحققت الخطوة الأولى، وهنا نتحدث عن معارك لن تكون سهلة على الطرفين، يقضي السيناريو المتوقع بالالتفاف شرقاً للدخول في عمق اللجاة والاتجاه إلى بعض قرى اللجاة التابعة لمحافظة السويداء. وفي حال تحقق هذه الخطوة يكون قد تحقق نصف الطريق إلى الغوطة، حيث تبقى معارك العتيبة وحران العواميد.

لكن خبراء عسكريين يرون أنه لا مصلحة ميدانية عسكرية للفصائل المسلحة بالدخول في معركة العتيبة من جهة البادية، حيث الكلام عن أرض جرداء لا تضاريس ولا موانع طبيعية، وهنا اليد العليا ستكون للسلاح الثقيل، من المدفع والهاون إلى صواريخ أرض - أرض، بالتكامل مع طائرات الاستطلاع التي تجوب المنطقة، لذلك بحسب الخبراء فإن احتمال نجاح هذا السيناريو ضعيف.

ورغم أنه أصبح بحكم المؤكد أن الأرتال التي تستهدفها كمائن الجيش السوري في منطقة العتيبة، تتجه باتجاه البادية، إلا أنه من الصعب معرفة وجهتها الحقيقية بعد ذلك. فقد تتجه لقطع الطريق الدولي الواصل إلى مدينة دير الزور، وهو احتمال ضعيف في هذه المرحلة، خصوصاً بعد خسارة المسلحين في صدد ومهين منذ أشهر قليلة. وقد تكون الغاية منها تأمين خطوط الإمداد والمواصلات بين درعا والبادية ومنها إلى الغوطة، وهو ما يربط مباشرة بين ما يحدث في العتيبة من تحرك أرتال للفصائل المسلحة ومن كمائن ينصبها الجيش السوري، ومعركة الجنوب والتحضير لها.

ويبقى الاحتمال الثالث، وهو أن تكون وجهة هذه الأرتال نحو وادي الناصرية بهدف فتح معركة في جبهة شرق القلمون، حيث بإمكان هذه الأرتال في حال نجاحها في الوصول إلى البادية أن تتجه إلى جيرود أو إلى جبل عطية الشرقي وصولاً إلى بساتينها، وأن تباشر من هناك هجوماً من شأنه تخفيف الضغط عن المسلحين في يبرود، الذين باتوا محاصرين بالكامل، بانتظار ما تسفر عنه معركة اقتحام المدينة التي تعتبر آخر المعاقل الكبيرة للمسلحين في القلمون.

والأرجح أن ما يجري في العتيبة لا علاقة له بمعركة الجنوب، وإنما هو محاولات حثيثة من قبل المسلحين لفتح خطوط إمداد تتيح لهم كسر الحصار المفروض على الغوطة الشرقية منذ آذار الماضي.

ويعزز ذلك أن عدة حوادث وقعت خلال الفترة الماضية، مثل إحباط محاولة نقل ذخيرة من السويداء إلى الغوطة الشرقية في ناحية الصورة الصغيرة التابعة لشهبا بالسويداء، وكذلك تسخين المحور الشرقي في درعا، عبر هجمات تمثلت في مهاجمة بلدة شقرا، ومهاجمة بلدة محجة في محاولة لتشتيت الانتباه، وأيضاً مهاجمة نقطة عسكرية شرق محجة، وأخيراً مهاجمة كتيبة الكيمياء شرق بصر الحرير، حيث إن ربط هذه الحوادث بعضها مع بعض يشير بوضوح إلى محاولات حثيثة ومستمرة، بمعزل عن أي معركة في الجنوب، لإحياء خط إمداد، ولو على المستوى الأمني، أي بوتيرة أخف على زمن طويل، لكن كمين العتيبة قد يكون من ضمن الرسائل الموجهة عبره أنه لا إمداد أمني ولا استخباراتي ولا عسكري.

وهذا ما يجعل من العتيبة والغوطة الشرقية عملا منفصلا عن الجبهات الأخرى، لكن من دون أن يعني ذلك أن لا دور للعتيبة في معركة الجنوب المرتقبة، فقد يكون الهدف شق طريق في قرى اللجاة للوصول الى البادية لفتح طريق يصل إلى شرق العتيبة.

  • فريق ماسة
  • 2014-02-27
  • 12212
  • من الأرشيف

الكمين الدموي في العتيبة: ما هي وجهة المسلحين؟

ما زال الغموض يلف تفاصيل كمين العتيبة الذي نفذه الجيش السوري أمس الأول شرق الصرف الصحي في المنطقة، والذي سقط جراءه ما يقارب 175 مسلحاً، رفضت جميع الفصائل الإسلامية في الغوطة الشرقية، مثل «جيش الإسلام» و«جبهة النصرة»، أن تتبنّى انتماءهم إليها دفعاً للحرج من فداحة الكمين والخسارة الناتجة منه، وهو ما استغلّه تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) ليشن حملة ضد الطرفين، متهماً إياهما بفساد القيادة والاستهتار بحياة «المجاهدين». وقد أشارت معلومات حصلت عليها «السفير» من مصدر ميداني معارض إلى أن غالبية قتلى الكمين ينتمون إلى «لواء الشباب الصادقين» و«جبهة النصرة» و«لواء الإسلام». ودلالات الكمين الشائكة وارتباطاته بمعركة الجنوب في درعا أو بمعركة القلمون في يبرود، تشبه إلى حد بعيد موقع مدينة العتيبة ذاتها، باعتباره عقد اتصالات متشابكة. حيث تعتبر العتيبة نقطة تحكّم بعدة طرق من الغوطة واليها، خاصة أن معظم الطرق صحراوية لا معالم لها، والعتيبة هي المحطة الأولى لطريق الإمداد الذي ينطلق من الغوطة، ليتفرع إما شمالاً أو جنوباً، شمالاً باتجاه البادية، وتحديداً السخنة والقريتين، ومن محطات محور الشمال خناصر في حلب. لذلك ارتفع صراخ الجماعات المسلحة بعد سيطرة الجيش السوري على السخنة - خناصر - العتيبة. فالعتيبة تعتبر معبراً مشتركاً للوسط السوري مع الشمال والجنوب، ومحطة أيضاً ما بين الشمال والجنوب، ومن يسيطر على العتيبة تصبح له أفضلية دفاعية وهجومية. وقد صرح قائد «جيش الإسلام» زهران علوش أن إجمالي عدد قتلى المسلحين بسبب الكمائن على طريق العتيبة بلغ أكثر من 500. يذكر أن آخر كمين وقع في تلك المنطقة أواخر تشرين الأول الماضي وسقط جراءه عشرات القتلى والجرحى. لكن هذه المحاولات المتكررة لسلوك الطريق نفسه، رغم المخاطر الناجمة عنه والخسائر الكبيرة التي تتكبدها الجماعات المسلحة بسبب كمائن الجيش السوري عليه، يشير على نحو قاطع إلى مدى أهمية هذا الطريق، وعدم قدرتهم على الاستغناء عنه. ومن بين سيناريوهات معركة الجنوب المزمعة، استهداف المحور الشرقي من أجل إحياء خط إمداد الغوطة الشرقية، حيث يفترض أن يبدأ الهجوم بالسيطرة على بلدة ازرع في ريف درعا، والتي يتمركز في محيطها «اللواء ١٢» و«الفوج ١٧٥»، بموازاة هجوم يستهدف المناطق المتاخمة للطريق الدولي في اللجاة المتاخمة لمحافظة السويداء. وإذا تحققت الخطوة الأولى، وهنا نتحدث عن معارك لن تكون سهلة على الطرفين، يقضي السيناريو المتوقع بالالتفاف شرقاً للدخول في عمق اللجاة والاتجاه إلى بعض قرى اللجاة التابعة لمحافظة السويداء. وفي حال تحقق هذه الخطوة يكون قد تحقق نصف الطريق إلى الغوطة، حيث تبقى معارك العتيبة وحران العواميد. لكن خبراء عسكريين يرون أنه لا مصلحة ميدانية عسكرية للفصائل المسلحة بالدخول في معركة العتيبة من جهة البادية، حيث الكلام عن أرض جرداء لا تضاريس ولا موانع طبيعية، وهنا اليد العليا ستكون للسلاح الثقيل، من المدفع والهاون إلى صواريخ أرض - أرض، بالتكامل مع طائرات الاستطلاع التي تجوب المنطقة، لذلك بحسب الخبراء فإن احتمال نجاح هذا السيناريو ضعيف. ورغم أنه أصبح بحكم المؤكد أن الأرتال التي تستهدفها كمائن الجيش السوري في منطقة العتيبة، تتجه باتجاه البادية، إلا أنه من الصعب معرفة وجهتها الحقيقية بعد ذلك. فقد تتجه لقطع الطريق الدولي الواصل إلى مدينة دير الزور، وهو احتمال ضعيف في هذه المرحلة، خصوصاً بعد خسارة المسلحين في صدد ومهين منذ أشهر قليلة. وقد تكون الغاية منها تأمين خطوط الإمداد والمواصلات بين درعا والبادية ومنها إلى الغوطة، وهو ما يربط مباشرة بين ما يحدث في العتيبة من تحرك أرتال للفصائل المسلحة ومن كمائن ينصبها الجيش السوري، ومعركة الجنوب والتحضير لها. ويبقى الاحتمال الثالث، وهو أن تكون وجهة هذه الأرتال نحو وادي الناصرية بهدف فتح معركة في جبهة شرق القلمون، حيث بإمكان هذه الأرتال في حال نجاحها في الوصول إلى البادية أن تتجه إلى جيرود أو إلى جبل عطية الشرقي وصولاً إلى بساتينها، وأن تباشر من هناك هجوماً من شأنه تخفيف الضغط عن المسلحين في يبرود، الذين باتوا محاصرين بالكامل، بانتظار ما تسفر عنه معركة اقتحام المدينة التي تعتبر آخر المعاقل الكبيرة للمسلحين في القلمون. والأرجح أن ما يجري في العتيبة لا علاقة له بمعركة الجنوب، وإنما هو محاولات حثيثة من قبل المسلحين لفتح خطوط إمداد تتيح لهم كسر الحصار المفروض على الغوطة الشرقية منذ آذار الماضي. ويعزز ذلك أن عدة حوادث وقعت خلال الفترة الماضية، مثل إحباط محاولة نقل ذخيرة من السويداء إلى الغوطة الشرقية في ناحية الصورة الصغيرة التابعة لشهبا بالسويداء، وكذلك تسخين المحور الشرقي في درعا، عبر هجمات تمثلت في مهاجمة بلدة شقرا، ومهاجمة بلدة محجة في محاولة لتشتيت الانتباه، وأيضاً مهاجمة نقطة عسكرية شرق محجة، وأخيراً مهاجمة كتيبة الكيمياء شرق بصر الحرير، حيث إن ربط هذه الحوادث بعضها مع بعض يشير بوضوح إلى محاولات حثيثة ومستمرة، بمعزل عن أي معركة في الجنوب، لإحياء خط إمداد، ولو على المستوى الأمني، أي بوتيرة أخف على زمن طويل، لكن كمين العتيبة قد يكون من ضمن الرسائل الموجهة عبره أنه لا إمداد أمني ولا استخباراتي ولا عسكري. وهذا ما يجعل من العتيبة والغوطة الشرقية عملا منفصلا عن الجبهات الأخرى، لكن من دون أن يعني ذلك أن لا دور للعتيبة في معركة الجنوب المرتقبة، فقد يكون الهدف شق طريق في قرى اللجاة للوصول الى البادية لفتح طريق يصل إلى شرق العتيبة.

المصدر : السفير /عبدالله سليمان علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة