رئيس "الائتلاف السوري المعارض" أحمد الجربا كان مندفعاً ربما زيادة عن اللزوم، ولم يتنبَّه أن سقفه العالي في افتتاح مؤتمر "جنيف2" وبعد انتهاء المؤتمر كان محكوماً بـ"سقف مستعار" يعتلي قاعة المؤتمرات، وأن كيري ولافروف وضعَا هذا السقف بالتوافق الكامل منذ ستة أشهر لفرملة الأمور كلما خرجت عن المسار المرسوم.

الجربا لم يفقه أيضاً أن سياسة العصا التي مارستها عليه أميركا لحضور المؤتمر وفكَّكت "ائتلافه" جاءت مقرونة بجزرة أعطته دفعة معنويات لجهة وعود أميركية في بداية المؤتمر، بأن يكون "جنيف1" هو قاعدة التفاوض، ووعود في نهاية "جنيف2" بتسليح المعارضة السورية "المعتدلة" بسلاح خفيف وآخر مضاد للدروع لبقايا "الجيش الحر" المشتَّتين بين التنظيمات الأخرى، والذين من المستحيل الوصول إليهم لإيصال "الأمانة الأميركية"، علماً أن أميركا تراجعت عن وعود التسليح وفق مصادر دبلوماسية في الخارجية الأميركية، وكيري اعترف على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ أن السياسة الأميركية فشلت في سورية ولا بدَّ من إعادة تقييمها وتقويمها.

انتهى "جنيف2" بنتائج أكثر من متوقَّعة، لأن أقصى التوقعات كانت أن يمهِّد لمؤتمر آخر، لكن المفاجئ أن الوفد الرسمي السوري لم يُعطِ جواباً فورياً على الحضور في 10 شباط/ فبراير، بينما وفد "الائتلاف" جزم فوراً بالحضور، دون أن ينتظر ترميم نفسه أولاً، بعد الانقسامات الحادّة التي قصمت بُنيته وجعلته بنظر "الائتلافيين" المُنسحبين غير قانوني وغير مخوَّل بتمثيل من انسحب، وثانياً لجهة النصيحة الأميركية - الروسية - العربية بضرورة توسيع الوفد قبل العودة إلى جنيف، لأن صمّ الآذان عن معارضة الداخل التي لا تعترف بـ"الائتلاف"، وتجاهل القوى المسلّحة الأخرى من جماعة "داعش" و"النصرة" و"الجبهة الإسلامية" لكلِّ ما يمتُّ بصلة لجنيف، يجعل من موقف الائتلاف صعباً للغاية وفاقداً لأي وزن تمثيلي على الأرض، وبالتالي في مواجهة الوفد الرسمي السوري في أي مؤتمر مقبل، مع تسرُّب معلومات عن إمكانية تأجيل "جنيف3" بضعة أيام، على وقع إقالة نائب الإبراهيمي في الوفد الأممي إلى سورية ناصر القُدوة، وظهور عُقَد جديدة ترتبط بالتغييرات الميدانية التي قد تقضي على أيِّ مقومات نجاح لأي جنيف في الوقت الحاضر.

قد يكون الجربا نطق بجملة مفيدة وواقعية وحيدة في خطابه بعد انتهاء مؤتمر "جنيف2"، وهي أن تشكيل الهيئة الانتقالية "سيمهِّد للبدء" بانتزاع الصلاحيات من الأسد تمهيداً لعزله، فيما يبدو أن الجربا قد تخلّى عن أوهامه لاستلام السلطة بمجرَّد وصوله إلى جنيف، ولعلَّ طرح عقد اجتماع للمعارضات السورية في القاهرة هو الحلّ الواقعي الوحيد الذي ينتشل هذه المعارضات من واقعها، مع الإشارة إلى أن محاولة جمعها شبه مستحيلة، وفي حال اجتمعت فإنها ستزداد تشرذماً وتعود الأمور إلى نقطة الصفر.

رغم إدراكه بواقع الأرض، وسواء تقبَّل الواقع أم تنكَّر له، على الجربا أن يُدرك سبب هرولة أردوغان إلى إيران بعيد انتهاء "جنيف2"، وأن وقع دعسات "داعش" على الحدود السورية – التركية يقضُّ المضاجع على بوابة أوروبا، وأن الدول الثلاثين التي تحلَّقت في "جنيف2" لإيجاد حل للأزمة السورية هي مجتمعة رهينة أمير "داعش" أبو بكر البغدادي من الأنبار العراقية إلى الشمال السوري وصولاً إلى عمق الجنوب التركي قريباً، وأن مكافحة الإرهاب تأتي في البند الأول والأخير لأي جنيف مقبل، وأن مباحثات جانبية مع النظام السوري تسعى إليها أميركا ومعها دول الغرب للتعاون في هذا الشأن.

ومع توجُّه الجربا إلى موسكو، فهو أمام خيارين وكلاهما مُرّ، الأول أن جنيف ولو طال مسلسل حلقاته، فإن سورية أمام استحقاق داهم في حزيران للتمديد للأسد سنتين إذا تعذَّر إجراء انتخابات، وأن أقصى ما يُمكن أن تحصل عليه المُعارضة في حال توحّدت، المشاركة في حكومة وطنية تحت رئاسة الأسد، والخيار الثاني، أن تُعلن بقايا "الحُر" عودتها إلى أحضان الجيش النظامي لمقاتلة التنظيمات التي لا تعترف أصلاً بالكيانات السياسية، وبالديمقراطية التي جعلتها معارضة الخارج "قميص عثمانها"، وأن تُعاد كُرَة المعارضين إلى ملعب تنسيقيات الداخل لمناقشة الأمور المطلبية، وكفى انفصالاً عن الواقع لـ"الجربا وشركاه"، لأن نظام الأسد بات عربياً وإقليمياً ودولياً مطلباً لمكافحة الإرهاب، وعلى كل مفاوضات الهلوسة السابقة واللاحقة مع نزلاء الفنادق، الرحمة والسلام.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-02-05
  • 12169
  • من الأرشيف

جنيف.. مفاوضات الهلوسة في رِحاب الفنادق

رئيس "الائتلاف السوري المعارض" أحمد الجربا كان مندفعاً ربما زيادة عن اللزوم، ولم يتنبَّه أن سقفه العالي في افتتاح مؤتمر "جنيف2" وبعد انتهاء المؤتمر كان محكوماً بـ"سقف مستعار" يعتلي قاعة المؤتمرات، وأن كيري ولافروف وضعَا هذا السقف بالتوافق الكامل منذ ستة أشهر لفرملة الأمور كلما خرجت عن المسار المرسوم. الجربا لم يفقه أيضاً أن سياسة العصا التي مارستها عليه أميركا لحضور المؤتمر وفكَّكت "ائتلافه" جاءت مقرونة بجزرة أعطته دفعة معنويات لجهة وعود أميركية في بداية المؤتمر، بأن يكون "جنيف1" هو قاعدة التفاوض، ووعود في نهاية "جنيف2" بتسليح المعارضة السورية "المعتدلة" بسلاح خفيف وآخر مضاد للدروع لبقايا "الجيش الحر" المشتَّتين بين التنظيمات الأخرى، والذين من المستحيل الوصول إليهم لإيصال "الأمانة الأميركية"، علماً أن أميركا تراجعت عن وعود التسليح وفق مصادر دبلوماسية في الخارجية الأميركية، وكيري اعترف على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ أن السياسة الأميركية فشلت في سورية ولا بدَّ من إعادة تقييمها وتقويمها. انتهى "جنيف2" بنتائج أكثر من متوقَّعة، لأن أقصى التوقعات كانت أن يمهِّد لمؤتمر آخر، لكن المفاجئ أن الوفد الرسمي السوري لم يُعطِ جواباً فورياً على الحضور في 10 شباط/ فبراير، بينما وفد "الائتلاف" جزم فوراً بالحضور، دون أن ينتظر ترميم نفسه أولاً، بعد الانقسامات الحادّة التي قصمت بُنيته وجعلته بنظر "الائتلافيين" المُنسحبين غير قانوني وغير مخوَّل بتمثيل من انسحب، وثانياً لجهة النصيحة الأميركية - الروسية - العربية بضرورة توسيع الوفد قبل العودة إلى جنيف، لأن صمّ الآذان عن معارضة الداخل التي لا تعترف بـ"الائتلاف"، وتجاهل القوى المسلّحة الأخرى من جماعة "داعش" و"النصرة" و"الجبهة الإسلامية" لكلِّ ما يمتُّ بصلة لجنيف، يجعل من موقف الائتلاف صعباً للغاية وفاقداً لأي وزن تمثيلي على الأرض، وبالتالي في مواجهة الوفد الرسمي السوري في أي مؤتمر مقبل، مع تسرُّب معلومات عن إمكانية تأجيل "جنيف3" بضعة أيام، على وقع إقالة نائب الإبراهيمي في الوفد الأممي إلى سورية ناصر القُدوة، وظهور عُقَد جديدة ترتبط بالتغييرات الميدانية التي قد تقضي على أيِّ مقومات نجاح لأي جنيف في الوقت الحاضر. قد يكون الجربا نطق بجملة مفيدة وواقعية وحيدة في خطابه بعد انتهاء مؤتمر "جنيف2"، وهي أن تشكيل الهيئة الانتقالية "سيمهِّد للبدء" بانتزاع الصلاحيات من الأسد تمهيداً لعزله، فيما يبدو أن الجربا قد تخلّى عن أوهامه لاستلام السلطة بمجرَّد وصوله إلى جنيف، ولعلَّ طرح عقد اجتماع للمعارضات السورية في القاهرة هو الحلّ الواقعي الوحيد الذي ينتشل هذه المعارضات من واقعها، مع الإشارة إلى أن محاولة جمعها شبه مستحيلة، وفي حال اجتمعت فإنها ستزداد تشرذماً وتعود الأمور إلى نقطة الصفر. رغم إدراكه بواقع الأرض، وسواء تقبَّل الواقع أم تنكَّر له، على الجربا أن يُدرك سبب هرولة أردوغان إلى إيران بعيد انتهاء "جنيف2"، وأن وقع دعسات "داعش" على الحدود السورية – التركية يقضُّ المضاجع على بوابة أوروبا، وأن الدول الثلاثين التي تحلَّقت في "جنيف2" لإيجاد حل للأزمة السورية هي مجتمعة رهينة أمير "داعش" أبو بكر البغدادي من الأنبار العراقية إلى الشمال السوري وصولاً إلى عمق الجنوب التركي قريباً، وأن مكافحة الإرهاب تأتي في البند الأول والأخير لأي جنيف مقبل، وأن مباحثات جانبية مع النظام السوري تسعى إليها أميركا ومعها دول الغرب للتعاون في هذا الشأن. ومع توجُّه الجربا إلى موسكو، فهو أمام خيارين وكلاهما مُرّ، الأول أن جنيف ولو طال مسلسل حلقاته، فإن سورية أمام استحقاق داهم في حزيران للتمديد للأسد سنتين إذا تعذَّر إجراء انتخابات، وأن أقصى ما يُمكن أن تحصل عليه المُعارضة في حال توحّدت، المشاركة في حكومة وطنية تحت رئاسة الأسد، والخيار الثاني، أن تُعلن بقايا "الحُر" عودتها إلى أحضان الجيش النظامي لمقاتلة التنظيمات التي لا تعترف أصلاً بالكيانات السياسية، وبالديمقراطية التي جعلتها معارضة الخارج "قميص عثمانها"، وأن تُعاد كُرَة المعارضين إلى ملعب تنسيقيات الداخل لمناقشة الأمور المطلبية، وكفى انفصالاً عن الواقع لـ"الجربا وشركاه"، لأن نظام الأسد بات عربياً وإقليمياً ودولياً مطلباً لمكافحة الإرهاب، وعلى كل مفاوضات الهلوسة السابقة واللاحقة مع نزلاء الفنادق، الرحمة والسلام.  

المصدر : أمين أبو راشد - الثبات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة