اثناء زيارته لموسكو، التقى احمد الجربا بعدد من السوريين المعارضين ليس على الطريقة الاميركية، ولا على الطريقة العثمانية، ناهيك بالطريقة القبلية.

 رئيس الائتلاف، وبحسب ما نقل مراسل تلفزيوني لبناني يعمل هناك، اشتكى من ادارة باراك اوباما. قال «حقا لا ندري الى اين تذهب بنا اميركا».

علّق احد الحضور «يبدو انها ستذهب بنا الى افغانستان او الى جهنم». تدخل آخر قائلاً «بطبيعة الحال، اسطنبول ليست تل ابيب، ولكن لعلنا كلنا قرأنا في التاريخ عن لواء الاسكندرون، وعن النير العثماني، وعن مشانق ساحة المرجة، فهل تعتقد ان رجب طيب اردوغان او احمد داود اوغلو اكثر رأفة بنا من جمال باشا السفاح؟»

بدا الجربا داخل الحصار، والذين التقوه رأوا فيه الشخصية الواهية التي لا يمكن ان تصلح حتى للمرحلة الانتقالية، وان لاحظ احدهم ان المأزق الذي يواجهه الرجل هو مأزق المعارضة كلها. علّق على الذي جرى في جنيف-2. لنتصور مباراة بالمصارعة الحرة بين مصارع بوزن الصقر وآخر بوزن الريشة. أليس هذا ما حصل بين وليد المعلم واحمد الجربا؟

لا ريب انه يرأس قطيعا من الدمى التي من اجناس مختلفة، ومن هويات (واهواء) مختلفة، وانه لا وجود حتى لظله على الارض السورية، حتى ان لهجته ليست سورية. الروس قالوا انه رجل دمث وانه اكثر واقعية بكثير من سلفه احمد معاذ الخطيب الذي اذ راح يطرح شروطاً لزيارة موسكو، بعثوا اليه برسالة مفادها: هل تعلم ان نابليون بونابرت وادولف هتلر سقطا ( من التاريخ) على ابواب هذه المدينة؟ الروس اوصدوا الباب في وجهه، فذهب مع الريح…

سيرغي لافروف قال الكثير وبقي الكثير ليقوله، وسألوا الجربا ما اذا كان يحب سوريا فعلا، وما اذا كان يقبل بأن تستمر الحرب هناك لمائة عام، وما اذا كان يرتضي ان تتجزأ بلاده وتوزع بين دول الجوار او تقع تحت الوصاية (التركية تحديدا). قيل الكثير في اروقة وزارة الخارجية. ويتردد ان الجربا كان اكثر ارتياحا في موسكو من وجوده في اسطنبول او باريس. ظهر من المحادثات، بما فيها المحادثات الجانبية، ان الروس اكثر دراية بالتفاصيل السورية اكثر من العرب انفسهم ، بل وحتى من السوريين انفسهم.

اكدوا للرجل ان اهل النظام يدركون حدود الازمة التي تعيشها بلادهم، وان النظام يحتاج الى اعادة هيكلة، والى تحديث بنيته الفلسفية، وهو لا يستطيع، في حال من الاحوال، اغفال القوى التي تدعو الى احداث تغيير في آليات السلطة باتجاه ارساء معايير للديمقراطية تؤمن التوازن بين مختلف مكونات الشعب السوري..

هذا لا ينفي النظر الى الارض. الجربا لاحظ ان الروس يتكلمون بمنتهى الوضوح. لا مكان هنا للالتباس، ولا للتراقص، على الطريقة الاميركية، ولا مكان للغطرسة والمراوغة على الطريقة التركية. وحين يتعهدون يلتزمون تعهداتهم، ودون ان يبقى خفيا اصرارهم على ان الشعب في ولقد تردد ان برهان غليون سأل ما اذا كان ذلك يعني ان على الائتلاف ان يسلم بانتخاب بشار الاسد لولاية ثالثة. وكان رد من مخائيل بوغدانوف «لماذا لا تترشح دكتور غليون للرئاسة؟».

ما استنتجه الروس ان الجربا على دراية بأنه ليس رجل المرحلة. لا كاريزما، ولا ديناميكية، ولا فاعلية، ولا ثقافة، ولا لهجة شامية او حلبية، كما انه على دراية بأن المعارضة ارتطمت فعلا بالحائط، وانها تحتاج الى من يشد إزرها بمنأى عن مفهوم التبعية الذي يصر عليه اردوغان ويصر عليه العرب…

في موسكو قالوا ان الجربا لم يكن ليأتي لولا الضوء الاخضر السعودي، فالرياض نفسها على بينة من تفاصيل الاعصار الاصولي الذي يضرب سوريا، وبعدما بات واضحا ان السعوديين يعتبرون ان الاميركيين طعنوهم في الظهر في ذروة اندفاعهم لتقويض "النظام السوري" ، عبر الضربة العسكرية اياها، واحلال نظام بديل يكون على ارتباط تام بالمملكة…

لم تكن زيارة الجربا لتعكس فقط رغبة المعارضة في ان تجد لها سبيلا بعدما ضاعت في التضاريس الاقليمية والدولية، وانما ايضا رغبة قوى اخرى يتردد انها لم تعد تشعر بالارتياح لتواجد الائتلاف في تركيا التي اتهمتها صحف قريبة من السلطة في الرياض بأنها تسعى لتفعيل علاقاتها مع طهران ظناً منها انها بذلك تربك المملكة العربية السعودية التي تساند الحكم الحالي في مصر وضد «الاخوان المسلمين».

ولكن ألم يظهر لافروف وكأنه يجلس الى رجال من ورق؟ في الواقع ان الديبلوماسي المحنك كان ينظر الى ما وراء اكتاف هؤلاء الرجال، اي انه كان يجالس الذين يتولون ادارتهم والذين اكتشفوا انهم قد يقعون في الحلقة الجهنمية التي دفعوا سوريا اليها.

 

موسكو تعتبر ان التنظيمات الارهابية تهدد بابتلاع سوريا، وهذا ما تثبته الوقائع على الارض، ودون ان تستطيع «جبهة النصرة» اقناع احد، وهي المرتبطة مباشرة بأيمن الظواهري، انها انما ابدلت السواطير بالقفازات الحريرية، فهي لا تختلف في التفكير كما في الاداء عن تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق و الشام»(داعش).

ولم يعد خفيا ان لافروف حذر الجربا وصحبه بأن «الجبهة الاسلامية» ليست سوى امتداد ايديولوجي لتنظيم «القاعدة»، وان الذي يعملون على تظهيرها على انها البديل المخملي لاكلة لحوم البشر انما يدفعون المعارضة غير المعسكرة الى اللحظة القاتلة، فلا فارق البتة بين تلك الظواهر الراديكالية، ودون ان يكون منطقيا ان يتمحور هاجس المعارضة على تقويض النظام، او اقصاء رئيس النظام، فيما هي تمتطي حصان طروادة..

بوضوح قال لافروف «لا للجبهة الاسلامية»، وليسمع من يسمع. بالاحرى ليفهم من يفهم، وان كانت هناك بعض المؤشرات على ان دولا داعمة للخيار العسكري بدأت في التقهقر لان طبيعة الحرب الدائرة في سوريا لم تعد تنتج سوى «اصحاب الارواح المقفلة» الذين لا بد ان يرتدوا نحو الجهات التي عملت على تصنيعهم. ما حدث في افغانستان هو النموذج…

الاولوية لاجتثاث الارهاب. بالتزامن مع حوار من اجل بلورة مفهوم الشراكة لا مفهوم من يحل محل من. هذه قصة تجاوزتها الارض. الجربا ذهب الى موسكو وقد ظهر الضياع على وجهه. لافروف اسدى النصيحة له ولمن يقفون معه ووراءه: انزلوا عن حصان طروادة…

حتى اشعار آخر، آخر، رجال من ورق!!

  • فريق ماسة
  • 2014-02-05
  • 12949
  • من الأرشيف

لافروف للجربا: إنزلوا عن حصان طروادة!

اثناء زيارته لموسكو، التقى احمد الجربا بعدد من السوريين المعارضين ليس على الطريقة الاميركية، ولا على الطريقة العثمانية، ناهيك بالطريقة القبلية.  رئيس الائتلاف، وبحسب ما نقل مراسل تلفزيوني لبناني يعمل هناك، اشتكى من ادارة باراك اوباما. قال «حقا لا ندري الى اين تذهب بنا اميركا». علّق احد الحضور «يبدو انها ستذهب بنا الى افغانستان او الى جهنم». تدخل آخر قائلاً «بطبيعة الحال، اسطنبول ليست تل ابيب، ولكن لعلنا كلنا قرأنا في التاريخ عن لواء الاسكندرون، وعن النير العثماني، وعن مشانق ساحة المرجة، فهل تعتقد ان رجب طيب اردوغان او احمد داود اوغلو اكثر رأفة بنا من جمال باشا السفاح؟» بدا الجربا داخل الحصار، والذين التقوه رأوا فيه الشخصية الواهية التي لا يمكن ان تصلح حتى للمرحلة الانتقالية، وان لاحظ احدهم ان المأزق الذي يواجهه الرجل هو مأزق المعارضة كلها. علّق على الذي جرى في جنيف-2. لنتصور مباراة بالمصارعة الحرة بين مصارع بوزن الصقر وآخر بوزن الريشة. أليس هذا ما حصل بين وليد المعلم واحمد الجربا؟ لا ريب انه يرأس قطيعا من الدمى التي من اجناس مختلفة، ومن هويات (واهواء) مختلفة، وانه لا وجود حتى لظله على الارض السورية، حتى ان لهجته ليست سورية. الروس قالوا انه رجل دمث وانه اكثر واقعية بكثير من سلفه احمد معاذ الخطيب الذي اذ راح يطرح شروطاً لزيارة موسكو، بعثوا اليه برسالة مفادها: هل تعلم ان نابليون بونابرت وادولف هتلر سقطا ( من التاريخ) على ابواب هذه المدينة؟ الروس اوصدوا الباب في وجهه، فذهب مع الريح… سيرغي لافروف قال الكثير وبقي الكثير ليقوله، وسألوا الجربا ما اذا كان يحب سوريا فعلا، وما اذا كان يقبل بأن تستمر الحرب هناك لمائة عام، وما اذا كان يرتضي ان تتجزأ بلاده وتوزع بين دول الجوار او تقع تحت الوصاية (التركية تحديدا). قيل الكثير في اروقة وزارة الخارجية. ويتردد ان الجربا كان اكثر ارتياحا في موسكو من وجوده في اسطنبول او باريس. ظهر من المحادثات، بما فيها المحادثات الجانبية، ان الروس اكثر دراية بالتفاصيل السورية اكثر من العرب انفسهم ، بل وحتى من السوريين انفسهم. اكدوا للرجل ان اهل النظام يدركون حدود الازمة التي تعيشها بلادهم، وان النظام يحتاج الى اعادة هيكلة، والى تحديث بنيته الفلسفية، وهو لا يستطيع، في حال من الاحوال، اغفال القوى التي تدعو الى احداث تغيير في آليات السلطة باتجاه ارساء معايير للديمقراطية تؤمن التوازن بين مختلف مكونات الشعب السوري.. هذا لا ينفي النظر الى الارض. الجربا لاحظ ان الروس يتكلمون بمنتهى الوضوح. لا مكان هنا للالتباس، ولا للتراقص، على الطريقة الاميركية، ولا مكان للغطرسة والمراوغة على الطريقة التركية. وحين يتعهدون يلتزمون تعهداتهم، ودون ان يبقى خفيا اصرارهم على ان الشعب في ولقد تردد ان برهان غليون سأل ما اذا كان ذلك يعني ان على الائتلاف ان يسلم بانتخاب بشار الاسد لولاية ثالثة. وكان رد من مخائيل بوغدانوف «لماذا لا تترشح دكتور غليون للرئاسة؟». ما استنتجه الروس ان الجربا على دراية بأنه ليس رجل المرحلة. لا كاريزما، ولا ديناميكية، ولا فاعلية، ولا ثقافة، ولا لهجة شامية او حلبية، كما انه على دراية بأن المعارضة ارتطمت فعلا بالحائط، وانها تحتاج الى من يشد إزرها بمنأى عن مفهوم التبعية الذي يصر عليه اردوغان ويصر عليه العرب… في موسكو قالوا ان الجربا لم يكن ليأتي لولا الضوء الاخضر السعودي، فالرياض نفسها على بينة من تفاصيل الاعصار الاصولي الذي يضرب سوريا، وبعدما بات واضحا ان السعوديين يعتبرون ان الاميركيين طعنوهم في الظهر في ذروة اندفاعهم لتقويض "النظام السوري" ، عبر الضربة العسكرية اياها، واحلال نظام بديل يكون على ارتباط تام بالمملكة… لم تكن زيارة الجربا لتعكس فقط رغبة المعارضة في ان تجد لها سبيلا بعدما ضاعت في التضاريس الاقليمية والدولية، وانما ايضا رغبة قوى اخرى يتردد انها لم تعد تشعر بالارتياح لتواجد الائتلاف في تركيا التي اتهمتها صحف قريبة من السلطة في الرياض بأنها تسعى لتفعيل علاقاتها مع طهران ظناً منها انها بذلك تربك المملكة العربية السعودية التي تساند الحكم الحالي في مصر وضد «الاخوان المسلمين». ولكن ألم يظهر لافروف وكأنه يجلس الى رجال من ورق؟ في الواقع ان الديبلوماسي المحنك كان ينظر الى ما وراء اكتاف هؤلاء الرجال، اي انه كان يجالس الذين يتولون ادارتهم والذين اكتشفوا انهم قد يقعون في الحلقة الجهنمية التي دفعوا سوريا اليها.   موسكو تعتبر ان التنظيمات الارهابية تهدد بابتلاع سوريا، وهذا ما تثبته الوقائع على الارض، ودون ان تستطيع «جبهة النصرة» اقناع احد، وهي المرتبطة مباشرة بأيمن الظواهري، انها انما ابدلت السواطير بالقفازات الحريرية، فهي لا تختلف في التفكير كما في الاداء عن تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق و الشام»(داعش). ولم يعد خفيا ان لافروف حذر الجربا وصحبه بأن «الجبهة الاسلامية» ليست سوى امتداد ايديولوجي لتنظيم «القاعدة»، وان الذي يعملون على تظهيرها على انها البديل المخملي لاكلة لحوم البشر انما يدفعون المعارضة غير المعسكرة الى اللحظة القاتلة، فلا فارق البتة بين تلك الظواهر الراديكالية، ودون ان يكون منطقيا ان يتمحور هاجس المعارضة على تقويض النظام، او اقصاء رئيس النظام، فيما هي تمتطي حصان طروادة.. بوضوح قال لافروف «لا للجبهة الاسلامية»، وليسمع من يسمع. بالاحرى ليفهم من يفهم، وان كانت هناك بعض المؤشرات على ان دولا داعمة للخيار العسكري بدأت في التقهقر لان طبيعة الحرب الدائرة في سوريا لم تعد تنتج سوى «اصحاب الارواح المقفلة» الذين لا بد ان يرتدوا نحو الجهات التي عملت على تصنيعهم. ما حدث في افغانستان هو النموذج… الاولوية لاجتثاث الارهاب. بالتزامن مع حوار من اجل بلورة مفهوم الشراكة لا مفهوم من يحل محل من. هذه قصة تجاوزتها الارض. الجربا ذهب الى موسكو وقد ظهر الضياع على وجهه. لافروف اسدى النصيحة له ولمن يقفون معه ووراءه: انزلوا عن حصان طروادة… حتى اشعار آخر، آخر، رجال من ورق!!

المصدر : الديار /نبيه البرجي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة