المشهد مهين بكل المقاييس، أكثر من 200 مسلّح لـ"ألوية صقور الشام" التي يقودها رئيس مجلس شورى "الجبهة الإسلامية" أبو عيسى الشيخ، يتسابقون إلى إعلان توبتهم أمام قيادات تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، ويتعهدون بعدم قتال "الدولة" مجدداً.

حدث هذا في منطقة الشاعر في ريف حماه عندما وقع هؤلاء المسلحون أسرى في قبضة "داعش"، وذلك بعد سلسلة من الاشتباكات والسيارات المفخخة التي اصطادت عدداً من كبار قادة "صقور الشام" في المنطقة.

وما يزيد من وطأة المشهد أن أبا عيسى الشيخ نفسه كان منذ أيام يغرد على حسابه على "تويتر" متحدياً "داعش" بالقول "مفخخاتكم لن ترهبنا"، وإذ به يرضخ بعد أول جولة من جولات "الخوارج"، كما يسميهم، ويذعن مستسلماً لهم.

وسرّبت مصادر "داعش" صورة عن وثيقة موقعة من نائب قائد "صقور الشام" أبي يوسف تنص على الاتفاق على وقف الاقتتال مع "الدولة الإسلامية"، ويتعهد كل طرف ألا يعتدي على الطرف الآخر بأي وجه من الوجوه. والبند الأهم، والذي قد تترتب عليه تداعيات على تماسك مكونات "الجبهة الإسلامية"، هو التعهد بعد الاتفاق بعدم مؤازرة أي طرف آخر من الفصائل الموجودة على أرض الشام "التي تقاتل في سبيل الله" بأي صورة من صور المؤازرة.

وفي حال ثبوت صحة الوثيقة، أو عدم التنصل منها من قبل "صقور الشام"، فلن تكون مشكلة الشيخ الوحيدة هي تفسير توصيفه لجماعة "داعش" بأنهم "خوارج"، ومن ثم الإقرار في الوثيقة بأنهم "يقاتلون في سبيل الله"، فالمشكلة الأكبر بالنسبة له ستكون كيف بإمكانه الالتزام بعدم مؤازرة شركائه في "الجبهة الإسلامية" وهم يخوضون حرباً شرسة ضد "داعش" على جبهات عديدة، تمتد من حلب إلى إدلب وصولاً إلى دير الزور.

وقد كان أول تداعيات هذا الاتفاق، قيام عناصر تابعين لـ"جبهة ثوار سوريا" بقيادة جمال معروف، بإطلاق النار على عناصر من "صقور الشام"، في إشارة إلى عدم رضا معروف عن الاتفاق. ويعتبر جمال معروف مبدئياً من أكبر الخاسرين جراء هذا الاتفاق، لأن رتل "الدولة الإسلامية" في منطقة شاعر إنما يستهدف مقارّه أساساً، ولا يخفي قادة "داعش" أنهم ينوون مهاجمة مقارّ جمال معروف في عقر داره في إدلب.

وليس هذا وحسب، فالعناصر التائبون من "ألوية صقور الشام" لم يتمكنوا من الخروج من منطقة الشاعر إلا بحماية من عناصر "داعش"، الذين واكبوهم حتى خرجوا من المنطقة بأمان.

وميدانياً، وعلى صعيد الحرب الدائرة بين الفصائل "الجهادية" بعضها ضد بعض، شهدت مدينة الميادين في ريف دير الزور عملية انتحارية بسيارة مفخخة، نفذها أبو الزبير العراقي، واستهدفت أحد مقارّ "حركة أحرار الشام" في المدينة، سقط جراءها عشرات القتلى والجرحى. وقد أشارت مصادر إعلامية إلى أن المقر المستهدف كان يضم اجتماعاً لقيادات من "أحرار الشام" لتدارس كيفية التصدي لـ"داعش" بعد سيطرته على مقارّ "جبهة النصرة" وحقل كونيكو النفطي.

وكانت "الجبهة الإسلامية" قد أعلنت إفشالها عدداً من العمليات الانتحارية التي كانت تستهدف حواجز ومقارّ لها في مناطق متفرقة بين حلب ودير الزور، وعرضت صور لجثتين قالت إنهما لانتحاريين تمكن عناصرها من قتلهما قبل قيامهما بتفجير أحزمتهما الناسفة.

من جهة أخرى، تلقّى "داعش" دعماً معنوياً كبيراً بعد الانتكاسة التي تعرض لها بعد شهادة الشيخ السعودي عبدالله المحيسني، الذي حوّل مبادرته "مبادرة أمة" إلى منصة للهجوم على "داعش" والمطالبة بالانشقاق عنه والانضمام إلى الفصائل الأخرى، وخاصة "جبهة النصرة".

وقد جاء الدعم من قطاع غزة، حيث أصدر "مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس" بياناً اعتبر فيه أن "عدم إنصاف الدولة الإسلامية هو سبب الاقتتال في الشام"، مضيفاً "كان الواجب على المسلمين نصرته وتثبيت أركانه".

ووصف البيان من يحارب "الدولة الإسلامية" بأنهم "أقوام ارتكزوا في الفتنة، وتحالفوا مع الأميركيين والروافض". وإذ أكد البيان على "دعوة (زعيم القاعدة) الشيخ أيمن الظواهري من وجوب اجتماع المجاهدين في الشام في دولة إسلامية يتفقون فيها في ما بينهم، وأنهم آثمون ما لم يتفقوا على تنصيب أمير يقودهم"، إلا أنه أشار إلى أن "أمراء الدولة الإسلامية قد ثبت صدقهم وقدرتهم على إدارة المعارك" في تلميح واضح إلى أن زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي هو الشخص المناسب لقيادة "الدولة الإسلامية".

وكان لافتاً أن يطلق البيان على البغدادي لقب "أمير المؤمنين"، ما يثير التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين "مجلس شورى المجاهدين" و"الدولة الإسلامية"، لا سيما في ظل ورود معلومات عن قيام "مجلس الشورى" في وقت سابق بمبايعة البغدادي. ورغم أن البيعة بقيت سرية بحسب المعلومات، إلا أن إطلاق لقب "أمير المؤمنين" على البغدادي في البيان قد يكون مؤشراً قوياً على حدوث البيعة بالفعل. علاوة على أنه وردت في البيان عبارة ""قادتنا وأمراءنا في الدولة الإسلامية".

وبغض النظر عن البيعة من عدمها، فالعلاقة بين سلفيي غزة و"داعش" قوية وتزداد صلابة. ومنذ حوالي شهر ونصف الشهر توافدت إلى سوريا أعداد من سلفيي غزة بايعوا جميعهم البغدادي، وتبين أن معظمهم كان من "حركة جند أنصار الله" التي حاربتها حركة حماس وحاصرت العشرات من عناصرها في مسجد ابن تيمية في العام 2009 قبل أن تطلق سراحهم في ما بعد.

ومن أبرز الأسماء التي وصلت إلى سوريا خلال تشرين الثاني الماضي "أبو كرم" و"أبو مسلم"، علماً أن أبو كرم يعتبر من القيادات البارزة في الجماعة وكان المرافق الشخصي ومحل ثقة زعيم الجماعة أبو النور المقدسي (عبد اللطيف موسى) الذي قتل في حادثة المسجد.

  • فريق ماسة
  • 2014-02-05
  • 13824
  • من الأرشيف

"شورى المجاهدين" في غزة يدعم البغدادي "داعش" يفرض معادلته على "صقور الشام"

المشهد مهين بكل المقاييس، أكثر من 200 مسلّح لـ"ألوية صقور الشام" التي يقودها رئيس مجلس شورى "الجبهة الإسلامية" أبو عيسى الشيخ، يتسابقون إلى إعلان توبتهم أمام قيادات تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، ويتعهدون بعدم قتال "الدولة" مجدداً. حدث هذا في منطقة الشاعر في ريف حماه عندما وقع هؤلاء المسلحون أسرى في قبضة "داعش"، وذلك بعد سلسلة من الاشتباكات والسيارات المفخخة التي اصطادت عدداً من كبار قادة "صقور الشام" في المنطقة. وما يزيد من وطأة المشهد أن أبا عيسى الشيخ نفسه كان منذ أيام يغرد على حسابه على "تويتر" متحدياً "داعش" بالقول "مفخخاتكم لن ترهبنا"، وإذ به يرضخ بعد أول جولة من جولات "الخوارج"، كما يسميهم، ويذعن مستسلماً لهم. وسرّبت مصادر "داعش" صورة عن وثيقة موقعة من نائب قائد "صقور الشام" أبي يوسف تنص على الاتفاق على وقف الاقتتال مع "الدولة الإسلامية"، ويتعهد كل طرف ألا يعتدي على الطرف الآخر بأي وجه من الوجوه. والبند الأهم، والذي قد تترتب عليه تداعيات على تماسك مكونات "الجبهة الإسلامية"، هو التعهد بعد الاتفاق بعدم مؤازرة أي طرف آخر من الفصائل الموجودة على أرض الشام "التي تقاتل في سبيل الله" بأي صورة من صور المؤازرة. وفي حال ثبوت صحة الوثيقة، أو عدم التنصل منها من قبل "صقور الشام"، فلن تكون مشكلة الشيخ الوحيدة هي تفسير توصيفه لجماعة "داعش" بأنهم "خوارج"، ومن ثم الإقرار في الوثيقة بأنهم "يقاتلون في سبيل الله"، فالمشكلة الأكبر بالنسبة له ستكون كيف بإمكانه الالتزام بعدم مؤازرة شركائه في "الجبهة الإسلامية" وهم يخوضون حرباً شرسة ضد "داعش" على جبهات عديدة، تمتد من حلب إلى إدلب وصولاً إلى دير الزور. وقد كان أول تداعيات هذا الاتفاق، قيام عناصر تابعين لـ"جبهة ثوار سوريا" بقيادة جمال معروف، بإطلاق النار على عناصر من "صقور الشام"، في إشارة إلى عدم رضا معروف عن الاتفاق. ويعتبر جمال معروف مبدئياً من أكبر الخاسرين جراء هذا الاتفاق، لأن رتل "الدولة الإسلامية" في منطقة شاعر إنما يستهدف مقارّه أساساً، ولا يخفي قادة "داعش" أنهم ينوون مهاجمة مقارّ جمال معروف في عقر داره في إدلب. وليس هذا وحسب، فالعناصر التائبون من "ألوية صقور الشام" لم يتمكنوا من الخروج من منطقة الشاعر إلا بحماية من عناصر "داعش"، الذين واكبوهم حتى خرجوا من المنطقة بأمان. وميدانياً، وعلى صعيد الحرب الدائرة بين الفصائل "الجهادية" بعضها ضد بعض، شهدت مدينة الميادين في ريف دير الزور عملية انتحارية بسيارة مفخخة، نفذها أبو الزبير العراقي، واستهدفت أحد مقارّ "حركة أحرار الشام" في المدينة، سقط جراءها عشرات القتلى والجرحى. وقد أشارت مصادر إعلامية إلى أن المقر المستهدف كان يضم اجتماعاً لقيادات من "أحرار الشام" لتدارس كيفية التصدي لـ"داعش" بعد سيطرته على مقارّ "جبهة النصرة" وحقل كونيكو النفطي. وكانت "الجبهة الإسلامية" قد أعلنت إفشالها عدداً من العمليات الانتحارية التي كانت تستهدف حواجز ومقارّ لها في مناطق متفرقة بين حلب ودير الزور، وعرضت صور لجثتين قالت إنهما لانتحاريين تمكن عناصرها من قتلهما قبل قيامهما بتفجير أحزمتهما الناسفة. من جهة أخرى، تلقّى "داعش" دعماً معنوياً كبيراً بعد الانتكاسة التي تعرض لها بعد شهادة الشيخ السعودي عبدالله المحيسني، الذي حوّل مبادرته "مبادرة أمة" إلى منصة للهجوم على "داعش" والمطالبة بالانشقاق عنه والانضمام إلى الفصائل الأخرى، وخاصة "جبهة النصرة". وقد جاء الدعم من قطاع غزة، حيث أصدر "مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس" بياناً اعتبر فيه أن "عدم إنصاف الدولة الإسلامية هو سبب الاقتتال في الشام"، مضيفاً "كان الواجب على المسلمين نصرته وتثبيت أركانه". ووصف البيان من يحارب "الدولة الإسلامية" بأنهم "أقوام ارتكزوا في الفتنة، وتحالفوا مع الأميركيين والروافض". وإذ أكد البيان على "دعوة (زعيم القاعدة) الشيخ أيمن الظواهري من وجوب اجتماع المجاهدين في الشام في دولة إسلامية يتفقون فيها في ما بينهم، وأنهم آثمون ما لم يتفقوا على تنصيب أمير يقودهم"، إلا أنه أشار إلى أن "أمراء الدولة الإسلامية قد ثبت صدقهم وقدرتهم على إدارة المعارك" في تلميح واضح إلى أن زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي هو الشخص المناسب لقيادة "الدولة الإسلامية". وكان لافتاً أن يطلق البيان على البغدادي لقب "أمير المؤمنين"، ما يثير التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين "مجلس شورى المجاهدين" و"الدولة الإسلامية"، لا سيما في ظل ورود معلومات عن قيام "مجلس الشورى" في وقت سابق بمبايعة البغدادي. ورغم أن البيعة بقيت سرية بحسب المعلومات، إلا أن إطلاق لقب "أمير المؤمنين" على البغدادي في البيان قد يكون مؤشراً قوياً على حدوث البيعة بالفعل. علاوة على أنه وردت في البيان عبارة ""قادتنا وأمراءنا في الدولة الإسلامية". وبغض النظر عن البيعة من عدمها، فالعلاقة بين سلفيي غزة و"داعش" قوية وتزداد صلابة. ومنذ حوالي شهر ونصف الشهر توافدت إلى سوريا أعداد من سلفيي غزة بايعوا جميعهم البغدادي، وتبين أن معظمهم كان من "حركة جند أنصار الله" التي حاربتها حركة حماس وحاصرت العشرات من عناصرها في مسجد ابن تيمية في العام 2009 قبل أن تطلق سراحهم في ما بعد. ومن أبرز الأسماء التي وصلت إلى سوريا خلال تشرين الثاني الماضي "أبو كرم" و"أبو مسلم"، علماً أن أبو كرم يعتبر من القيادات البارزة في الجماعة وكان المرافق الشخصي ومحل ثقة زعيم الجماعة أبو النور المقدسي (عبد اللطيف موسى) الذي قتل في حادثة المسجد.

المصدر : السفير /عبدالله سليمان علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة