هناك من رأى بأن أمريكا قد ربحت المواجهة الأخيرة حيث "أرغمت" سورية على تسليم سلاحها الكيميائي من دون أن تُضطر لإطلاق صاروخ واحد من صواريخ "التوما هوك " من بوارجها الحربية.

أما الحقيقة فهي أن السلاح الكيميائي لم يكن قط هماً أمريكياً بقدر ما كان تدمير سورية هو الغاية رغبةً لشطبها من المعادلة السياسية في المنطقة، وهذا كله في إطار استراتيجية تهدف إلى تفريغ دول الطوق العربي ـ المحيطة (بإسرائيل) ـ من اي امكانية، وسوريا، والمقاومة في لبنان هما آخر الحلقات.

نعم ليس السلاح الكيميائي هدف بحد ذاته، وحيث تدرك أمريكا بأن اسلحة الردع الاستراتيجي على أنواعها ـ نووي، كيميائي أو بيولوجي ـ لم توجد لتستعمل بقدر تأثيرها النفسي على الخصم ؛ هذا التأثير هو العمود الفقري الذي تنبني عليه استراتيجة الردع، أو الردع المضاد فيما يشكل بهذه الحالة ما يدعى: "الرعب المتبادل". والحقيقة أن أقصى ما فعله هذا "الرعب المتبادل" أيام الثنائية القطبية الأمريكية ـ السوفيتية هو أنه حال دون وقوع مواجهة نووية بينهما. لكن من ناحية آخرى فإن امتلاك أمريكا لأسلحة الردع الإستراتيجي لم يحم مصالحها من التهديد ولم (يردع) على سبيل المثال الشعب الكوري عن منازلتها منتصف القرن الماضي حتى قارب على هزيمة الحلف الأطلسي! كما ولم يدخل في حسابات الشعب الفيتنامي وهو يخوض حربه ضد أمريكا النووية!.

التأكد من استخدام السلاح الكيميائي

خسرت أمريكا في فيتنام 58 ألف قتيل، و 153303 جرحى, ومع هذا لم تستعمل أياً من اسلحة الردع الاستراتيجي التي تمتلكها، وقبلها فرنسا التي لم تستعمل أي سلاح ردع استراتيجي لفك الحصار عن حاميتها في ديان بيان فو المعركة الحاسمة التي خسرت فيها الآلاف من جنودها بين قتيل وأسير، والتي أدت إلى انسحابها المهين من الهند الصينية في عام 1954. ولماذا نذهب بعيداً في الأمثلة وامتلاك "اسرائيل" للسلاح النووي لم يحمها ولم يحل دون خوض سوريا ومصر لحرب تشرين / اكتوبر. وإذا كان من قائل بأن هذه المواجهات قد جرت آنذاك في ظل الثنائية القطبية، فإننا نذكر هنا بأنه وبالرغم من الإنكفاء الروسي فيما بعد كقطب فاعل على الساحة الدولية، خاضت المقاومة في لبنان المواجهة الكبرى قي وجه " إسرائيل "عام 2006 في معارك لم يعرف الكيان الغاصب مثيلاً لها منذ قيامه عام 1948 ملحقة به خسائر كبيرة، والأبلغ النتائج السياسية لهذه المواجهة الملحمية، ومن أبرزها سقوط دور "إسرائيل" كدركي أمريكي مُعدّ "لتأديب العرب"!.

وأخيراً فإن اسلحة الدمار الشامل التي تملك منها أمريكا أنواعاً شتى لم يحمها من الهزيمة في العراق أو من أفغانستان.كما لم يحمِ الاتحاد السوفييتي من قبل من الهزيمة في افغانستان ثم السقوط فيما بعد والتفتت والتحاق بعض أجزائه بالحلف الأطلسي بكل ما في ذلك من تحديات أو مخاطر على أمن روسيا الإتحادية من واجهتها الأوروبية.

بناءً على المراجعة السابقة لا يشكل سحب السلاح الكيميائي من يد سوريا تأثيرات كبيرة من الناحية العملية، كما أن استحواذ سوريا على هذا السلاح أمر ممكن إذا ما انحشرت في (الخيار صفر)... هذا لأنها جزء من منظومة إقليمية دولية. وهذا هو بالواقع رصيدها في الردع، والذي يحول دون استهدافها من قبل خصمها بأي سلاح استراتيجي. لكن ما هو جدير بالبحث يقع في المستويات الأدنى حيث الملاعب السياسية، التي يخشى أن لا تقدم نتائج حاسمة. بل معلقة ينكفىء فيها التهديد الأمريكي المفتوح إلى نصف مغلق على تسويات مرحلية ذات طابع تخديري، وليست ذات أثر استراتيجي في إطار (الصراع على سوريا) هذا بانتظار ظروف أفضل لأمريكا تتيح لها استئناف المواجهة لحسم الصراع من وجهة نظرها إن لم يكن بالعسكر فعلى الأقل بتسوية سياسية وهو ما تناور من أجله حالياً!.

رب قائل بأن أمريكا ليست مستعدة لخوض حروب أخرى بالنظر إلى مديونيتها إلى تزايدت حتى تجاوزت سقف 16.4 تريليون دولار، وهذه حقيقة، بل ونضيف إليها ما خلفته من آثار نفسية حروبها في افغانستان والعراق داخل الرأي العام الأمريكي رافضاً لأي مغامرة عسكرية جديدة وهذه حقيقة أخرى.. لكن كل هذه الاعتبارات تشكل النصف المليء من الكأس، والنصف الآخر أن تأثيرها محدود ما دام أن واشنطن تخوض حربها ضد سوريا بالإنابة، أو كما تسميها "الحرب النظيفة". حيث التمويل اللازم يتولاه عرب الخليج من دون أن تضطر لصرف دولار واحد من خزانتها، والوقود دماء سورية أو أخرى من دول اسلامية دون أن تضطر إلى استخدام جندي واحد من جنودها كما جرت العادة في السابق. وفي ظل هذه المعطيات غير الضاغطة على أمريكا، تأتي هذه الأخيرة لاستثمار ما يسمى "عملية سحب السلاح الكيميائي من سوريا" عبر "المفتشين الدولين "، أقلها عملية جمع المعلومات حيث لا نسقط هنا فرضية أن البعض غير القليل من هؤلاء هم عيون أمريكية تستكمل على الأرض المهمة التي تقوم بها الأقمار الصناعية وطائرات التجسس الأمريكية با حثة عن مخازن الصواريخ البالستية السورية التي تقلق "اسرائيل" . يقابله ما تقوم به أمريكا من تدريبات خاصة لما يُسمى بالجيش الحر في الأردن وتركيا.. والحقيقة أنه تحت بند "التفتيش" يكمن ألف شيطان لابتزاز سوريا، كل هذا وصولاً لفرض (حلٍ) ترضى عنه أمريكا ليس أقله إختراق الواقع السوري سياسياً وعسكرياً وفي تسوية يجري الهمس بها.. تسوية شبيهة بما حدث في لبنان، ولهذا حديث آخر.

  • فريق ماسة
  • 2013-10-08
  • 9535
  • من الأرشيف

السلاح الكيميائي لم يكن هماً أمريكياً إنما تدمير سورية لشطبها من المعادلة السياسية

هناك من رأى بأن أمريكا قد ربحت المواجهة الأخيرة حيث "أرغمت" سورية على تسليم سلاحها الكيميائي من دون أن تُضطر لإطلاق صاروخ واحد من صواريخ "التوما هوك " من بوارجها الحربية. أما الحقيقة فهي أن السلاح الكيميائي لم يكن قط هماً أمريكياً بقدر ما كان تدمير سورية هو الغاية رغبةً لشطبها من المعادلة السياسية في المنطقة، وهذا كله في إطار استراتيجية تهدف إلى تفريغ دول الطوق العربي ـ المحيطة (بإسرائيل) ـ من اي امكانية، وسوريا، والمقاومة في لبنان هما آخر الحلقات. نعم ليس السلاح الكيميائي هدف بحد ذاته، وحيث تدرك أمريكا بأن اسلحة الردع الاستراتيجي على أنواعها ـ نووي، كيميائي أو بيولوجي ـ لم توجد لتستعمل بقدر تأثيرها النفسي على الخصم ؛ هذا التأثير هو العمود الفقري الذي تنبني عليه استراتيجة الردع، أو الردع المضاد فيما يشكل بهذه الحالة ما يدعى: "الرعب المتبادل". والحقيقة أن أقصى ما فعله هذا "الرعب المتبادل" أيام الثنائية القطبية الأمريكية ـ السوفيتية هو أنه حال دون وقوع مواجهة نووية بينهما. لكن من ناحية آخرى فإن امتلاك أمريكا لأسلحة الردع الإستراتيجي لم يحم مصالحها من التهديد ولم (يردع) على سبيل المثال الشعب الكوري عن منازلتها منتصف القرن الماضي حتى قارب على هزيمة الحلف الأطلسي! كما ولم يدخل في حسابات الشعب الفيتنامي وهو يخوض حربه ضد أمريكا النووية!. التأكد من استخدام السلاح الكيميائي خسرت أمريكا في فيتنام 58 ألف قتيل، و 153303 جرحى, ومع هذا لم تستعمل أياً من اسلحة الردع الاستراتيجي التي تمتلكها، وقبلها فرنسا التي لم تستعمل أي سلاح ردع استراتيجي لفك الحصار عن حاميتها في ديان بيان فو المعركة الحاسمة التي خسرت فيها الآلاف من جنودها بين قتيل وأسير، والتي أدت إلى انسحابها المهين من الهند الصينية في عام 1954. ولماذا نذهب بعيداً في الأمثلة وامتلاك "اسرائيل" للسلاح النووي لم يحمها ولم يحل دون خوض سوريا ومصر لحرب تشرين / اكتوبر. وإذا كان من قائل بأن هذه المواجهات قد جرت آنذاك في ظل الثنائية القطبية، فإننا نذكر هنا بأنه وبالرغم من الإنكفاء الروسي فيما بعد كقطب فاعل على الساحة الدولية، خاضت المقاومة في لبنان المواجهة الكبرى قي وجه " إسرائيل "عام 2006 في معارك لم يعرف الكيان الغاصب مثيلاً لها منذ قيامه عام 1948 ملحقة به خسائر كبيرة، والأبلغ النتائج السياسية لهذه المواجهة الملحمية، ومن أبرزها سقوط دور "إسرائيل" كدركي أمريكي مُعدّ "لتأديب العرب"!. وأخيراً فإن اسلحة الدمار الشامل التي تملك منها أمريكا أنواعاً شتى لم يحمها من الهزيمة في العراق أو من أفغانستان.كما لم يحمِ الاتحاد السوفييتي من قبل من الهزيمة في افغانستان ثم السقوط فيما بعد والتفتت والتحاق بعض أجزائه بالحلف الأطلسي بكل ما في ذلك من تحديات أو مخاطر على أمن روسيا الإتحادية من واجهتها الأوروبية. بناءً على المراجعة السابقة لا يشكل سحب السلاح الكيميائي من يد سوريا تأثيرات كبيرة من الناحية العملية، كما أن استحواذ سوريا على هذا السلاح أمر ممكن إذا ما انحشرت في (الخيار صفر)... هذا لأنها جزء من منظومة إقليمية دولية. وهذا هو بالواقع رصيدها في الردع، والذي يحول دون استهدافها من قبل خصمها بأي سلاح استراتيجي. لكن ما هو جدير بالبحث يقع في المستويات الأدنى حيث الملاعب السياسية، التي يخشى أن لا تقدم نتائج حاسمة. بل معلقة ينكفىء فيها التهديد الأمريكي المفتوح إلى نصف مغلق على تسويات مرحلية ذات طابع تخديري، وليست ذات أثر استراتيجي في إطار (الصراع على سوريا) هذا بانتظار ظروف أفضل لأمريكا تتيح لها استئناف المواجهة لحسم الصراع من وجهة نظرها إن لم يكن بالعسكر فعلى الأقل بتسوية سياسية وهو ما تناور من أجله حالياً!. رب قائل بأن أمريكا ليست مستعدة لخوض حروب أخرى بالنظر إلى مديونيتها إلى تزايدت حتى تجاوزت سقف 16.4 تريليون دولار، وهذه حقيقة، بل ونضيف إليها ما خلفته من آثار نفسية حروبها في افغانستان والعراق داخل الرأي العام الأمريكي رافضاً لأي مغامرة عسكرية جديدة وهذه حقيقة أخرى.. لكن كل هذه الاعتبارات تشكل النصف المليء من الكأس، والنصف الآخر أن تأثيرها محدود ما دام أن واشنطن تخوض حربها ضد سوريا بالإنابة، أو كما تسميها "الحرب النظيفة". حيث التمويل اللازم يتولاه عرب الخليج من دون أن تضطر لصرف دولار واحد من خزانتها، والوقود دماء سورية أو أخرى من دول اسلامية دون أن تضطر إلى استخدام جندي واحد من جنودها كما جرت العادة في السابق. وفي ظل هذه المعطيات غير الضاغطة على أمريكا، تأتي هذه الأخيرة لاستثمار ما يسمى "عملية سحب السلاح الكيميائي من سوريا" عبر "المفتشين الدولين "، أقلها عملية جمع المعلومات حيث لا نسقط هنا فرضية أن البعض غير القليل من هؤلاء هم عيون أمريكية تستكمل على الأرض المهمة التي تقوم بها الأقمار الصناعية وطائرات التجسس الأمريكية با حثة عن مخازن الصواريخ البالستية السورية التي تقلق "اسرائيل" . يقابله ما تقوم به أمريكا من تدريبات خاصة لما يُسمى بالجيش الحر في الأردن وتركيا.. والحقيقة أنه تحت بند "التفتيش" يكمن ألف شيطان لابتزاز سوريا، كل هذا وصولاً لفرض (حلٍ) ترضى عنه أمريكا ليس أقله إختراق الواقع السوري سياسياً وعسكرياً وفي تسوية يجري الهمس بها.. تسوية شبيهة بما حدث في لبنان، ولهذا حديث آخر.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة