دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم تستهلك «جماعة الإخوان» (لا اقول «الإخوان المسلمين») اكثر من سنة في حكم مصر حتى افتضح امرها وظهرت على حقيقتها امام الراي العام العالمي والعربي الاسلامي بانها حركة تتقنع بعنوان اسلامي وتمارس خلافه وفقا لدين جمعت قواعده ومعالمه ووضعت اسسه العملية، بما يجيز لها ان تكفر من لا ينصاع لها وتقتل من يعارضها وتقصي من تجد فيه خطرا على مشروعها وتمالئ من تتصور انه قد يسدي اليها خدمة او يؤمن لها منفعة تسهل ارساء مشروعها. ولم تستطع جماعة الإخوان ان تصمد امام الاعصار الشعبي المصري الذي عصف في الشارع مرتين، مرة من اجل الاطاحة بحكم الإخوان ومرة من اجل تفويض الجيش والقوات المسلحة المصرية بمعالجة ظواهر الارهاب التي احترفها الإخوان ومارسوها ضد الشعب والدولة والقيم والحقوق الانسانية.
لقد سقط «الإخوان» في مصر قبل ان يتمكنوا من تنفيذ التزاماتهم في الصفقة التي عقدوها مع اميركا والتي تتضمن فيما تضمنت تصفية القضية الفلسطينية وتقديم جزء من سيناء ليكون الوطن البديل بعد ضمه الى قطاع غزة، واتاحة الفرصة لاقامة 4 قواعد عسكرية اميركية كبرى على الارض المصرية (قاعدة بحرية عند التقاء الاحمر بالمتوسط، وقاعدة جوية وقاعدتين بريتين تكون واحدة منهما بمثابة معسكر التدريب الاهم في منطقة الشرق الاوسط) وجاء سقوطهم قبل ان يتمكنوا من التصرف بقناة السويس وجعل الملاحة فيها خاضعة كليا للقرار الاميركي بادارة مباشرة وغير مباشرة عبر الوكيل القطري كما كان التعهد.
لقد كان السقوط المدوي لحكم «جماعة الإخوان» في مصر فرصة للشعب المصري جعلته ينجو من كارثة استراتيجية كانت ستلزمه بالكثير الكثير من الوقت والطاقات للتفلت من اثارها وتداعياتها على سيادته واستقلاله وامنه القومي وموقع مصر الاستراتيجي فضلا عن رفاه الشعب واحتياجاته لحياة كريمة آمنة. ولهذا استحق الشعب المصري كل التهاني والمباركة بعد ان كسر قيد الإخوان وتفلت من نظامهم الذي كان سيقضي على مصر ومستقبلها لو استمر واستطال. ولكن عرف الشعبكيف يرفض وعرف الجيش كيف ينحاز للشعب ويحمي ارادته وخياره فكانت النجاة التي تستوجب التهنئة بالسلامة من خطر الإخوان.
وبعد هذا السقوط واثر فرض الشعب قراره، وبروز الجيش حاميا للقرار، كان من الطبيعي ان يعترف ويؤيد هذا الحدث كل من يتمسك بمنطق السيادة الوطنية، والاستقلال الوطني، وحق الشعب في اختيار حكامه اعمالا لقواعد الديمقراطية والحرية،ثم كان ضرورياً ان يستتبع هذا الاعتراف باعادة تقييم المواقف من تنظيم الإخوان وجماعتها العاملة في ما تبقى من بلدان الحريق العربي بصورة عامة وفي سورية بصورة خاصة، اذ ان افتضاح امر الإخوان في مصر ورفض الشعب المصري لهم كان يفرض ان يستخلص محتضنو الحالات المماثلة العبر ويتراجعوا عن دعم الحركات الارهابية المسلحة التي يعتبر الإخوان واشباههم من السلفيين الوهابيين التكفيرين عمودها الفقري لا بل يعتبرون جسمها الرئيسي.
لكن الذي حصل على ارض الواقع كان خلافا للمنطق وقواعده، لان لدعاة المشروع - الصهيواميركي منطقاً لا يعرفه المنطق، فمنطقهم هو ما تقود اليه مصالحهم، منطق لا يعرف عدلاً اوموضوعية، منطق لا يعترف ولا يحترم عقل الاخر، وهولا يرى الا نفعيته البراغماتية رائدا لسلوكه وموجها لحركته.
فعلى الصعيد الغربي الاطلسي، شاهدنا في البدء رفضا للاسقاط ثم ذهولاً لحدوثه ثم محاولة لاستدارك الوضع ثم مناورة لاعادة الإخوان الى الحكم، ولما لم تفلح كل هذه المحاولات، صعّد الاميركي والاوروبي في الموقف فرفضوا التدابير التي اتخذتها السلطة الانتقالية المؤقتة في مصر من اجل حفظ امن الوطن، رفضا من شأنه القول «دعوا الإخوان يحرقون مصر، ويعطلون الحياة فيها ويدفعون شعبها الى حرب اهلية عسى ان يمكن ذلك من تقسيمها، اوعلى الاقل احداث دخان يحجب الانظار عن مشروع تقسيم ليبيا وتصفية القضية الفلسطينية بالطريقة التي ذكرت خطوطها العريضة اعلاه».
لهذا رفض الاطلسيون حالة الطوارئ في مصر التي اعلنت لحماية الناس ولم يحترم الغرب ارادة 35 مليون مصري خرجوا للشوارع في ابهى صورة للديمقراطية الشعبية المباشرة، لان الغرب لا يحترم الا مصالحه واهدافه الاستراتيجية. رفض الغرب المس بالإخوان المسلمين مدعيا احترام صناديق الاقتراع والشرعية، لكنه وعلى المقلب الاخر وفي سورية يعمل ضد ما نطقت به صناديق الاقتراع مدعيا (الغرب) وبنفاق ظاهر انه يعمل من اجل الاستجابة للارادة الشعبية وانه يدعم الجماعات الارهابية المسلحة من اجل ارساء هذه الارادة. (على اي حال هو ينافق في هذا ايضا لان الارادة الشعبية السورية هي ضد المسلحين الى الحد الذي تحشد الكثير من ابناء الشعب في لجان شعبية وفي تشكيلات ضمن جيش الدفاع الوطني لقتال هؤلاء الارهابيين المرتزقة، شعب يقاتل دفاعا عن الانفس والاعراض والممتلكات او باختصار دفاعا عن الوطن). وحقيقة موقف الغرب انه مع مصالحه ضد الحكومة في سورية، ومع مصالحه مع حكومة الإخوان في مصر اما الارادة الشعبية فلا وزن لها في الحاليين.اما على الصعيد الخليجي عامة والسعودي الوهابي خاصة، فان التناقض في السلوك جاء ادهى وامر، حيث ان السعودية دعمت وايدت اسقاط الإخوان في مصر خلافا للموقف الاميركي الظاهر ، ووضعت بتصرف السلطة الانتقالية المؤقتة المصرية اعلامها ودعمها السياسي ومدتها باموال طائلة لتمكنها من تجاوز الضائقة التي سببتها سياسة الإخوان، وفي الوقت نفسه تستمر السعودية وبشكل تصاعدي في القاء كل ثقلها في سورية الى جانب مسلحي الإخوان والسلفيين والتكفيريين الذين يقتلون الشعب السوري ويدمرون ممتلكاته وينتهكون اعراضه. وهنا يطرح السؤال الكبير كيف تدعم السعودية الدولة في مصر ضد ارهاب الإخوان، وهي نفسها تدعم الارهابين من الإخوان وسواهم في سورية ضد الدولة؟ سؤال مثير بحاجة الى تفسير وتشتد الحاجة الى التفسير حرصا على الشعب المصري وحقوقه. وبعده يكون السؤال التالي المهم كيف يمكن ان يفهم هذا «التناقض الظاهري» بين الموقفين الاميركي والسعودي من تطورات الحالة المصرية؟ والكل يعلم مدى الارتهان والتبعية السعودية للقرار الاميركي.
ان منطق الامور يقود الى القول بانه لوكانت السعودية جادة في نصرة الشعوب والديمقراطية والارادة الشعبية لكانت مارست ذلك في البحرين وامتنعت عن ارسال جنودها لقمع الحركة المطلبية السلمية فيها، كما انها كانت وقفت الى جانب الحكومة السورية في حربها ضد الارهاب ومنظماته التي ادرجت على لائحة الارهاب الاميركي والاوروبي ولما كانت لجأت الى اسرائيل وعقدت معها الصفقات لتسليح هؤلاء. اما سلوكها في مصر فانه جاء خديعة من الخدع الاميركية الكبرى فرضها فشل الإخوان ما استتبع تغيير الادوات ونقل الملف من الثنائي الإخواني قطر- تركيا الى الاحادية السعودية الوهابية ولهذا توزعت الادوار في المنظومة الجديدة بين اميركا حامل العصا والسعودية حامل الجزرة، خطة خبيثة تريد منها اميركا ان تحتوي التحرك الشعبي المصري مرة ثانية كما احتوت عبر الإخوان التحرك الاول في 25 يناير - كانون الثاني 2011، وتكون السعودية والحركة السلفية الوهابية التي تقود هي البديل لحركة الإخوان الفاشلة الساقطة في مصر، وهنا تكون الخشية الكبرى على مصر وسيادتها واستقلالها.
اننا وفي الوقت الذي نغبط فيه الشعب المصري على وعيه وشجاعته في اسقاط حكم الإخوان الذين وصفتهم جماعة من فقهاء الدين والشرع الاسلامي في مصر بانهم «إخوان مرتدون عن الاسلام»، نرى ان تحذر مصر من سياسة الوهابيين، وان لا تركن لادوات اميركا وان تعلم انها ليست وحيدة في مواجهة الاستعمار الجديد بادواته وصيغه المتعددة من إخوانية ووهابية وسلفية تكفيرية تقودها الماسونية والصهيونية، بل ان قوى المقاومة والسيادة والحرية والاستفلال الصحيح الى جانبها ، ولم يكن ما جرى من احباط للسعي الاميركي في مجلس الامن لوضع مصر تحت الفصل السابع واجهاضه على يد روسيا مؤخرا الا اول الغيث.
المصدر :
د. أمين حطيط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة