خرجت إسرائيل الرسمية والشعبية عن طورها لمقابلة مساعي الرئيس الأميركي باراك أوباما للتودد إليها وبادلته إعلامياً وشعبياً وداً بود. وبرغم كل التصريحات التي أطلقها أوباما تأكيداً على التزامه بأمن إسرائيل وازدهارها وتطورها، وابتعاده عن كل ما يشوّش العلاقات معها، ظل الكثيرون ينتظرون خطابه أمام الطلبة في «مباني الأمة» في القدس الغربية المحتلة، والذي اعتبروه التعويض عن خطاب التقرّب من الإسلام والعرب الذي ألقاه في القاهرة قبل ثلاثة أعوام. وقد قفز أوباما عن لغم الاستيطان وكونه عقبة أمام السلام بمطالبته أثناء زيارته إلى رام الله باستئناف المفاوضات «من دون شروط مسبقة» لتجسيد الحق الفلسطيني بدولة مستقلة.

وقد انتظر حشد من الطلبة الإسرائيليين خطاب أوباما الذي أراده أن ينطلق «من فوق رؤوس السياسيين» ليوجه رسالة «من القلب إلى المواطنين». وأمام الطلبة اعتبر أوباما أن هذا الخطاب هو الحدث المركزي في زيارته. وقال إنه فخور بتحويل عيد الفصح اليهودي إلى تقليد في البيت الأبيض «تتعلم منه ابنتاي التقاليد» عن التحرر من العبودية. فقصة الهجرة بالنسبة للأميركيين الأفارقة، كما قال، هي «التعبير الأشد جوهرية عن الخروج من الاستعباد والعبودية إلى الحرية».

«بالنسبة للشعب اليهودي، الرحلة إلى دولة إسرائيل الموعودة وجدت بين أجيال لا تُعد. وتخللتها عقود من المعاناة والمنفى، والمذابح وحتى الإبادة. وبالرغم من ذلك كله، حافظ الشعب اليهودي على هويته الفريدة وتقاليده، فضلاً عن شوقه الطويل للعودة إلى الوطن»، هكذا تحدث أوباما عن حق الإسرائيليين بأرض فلسطين. وتابع «وفي وقت حقق فيه اليهود نجاحات مذهلة في أنحاء عديدة من العالم، فإن حلم الحرية وجد أخيراً تعبيره الكامل في فكرة الصهيونية – أن تكون حراً في وطنك».

وعن ميزة العلاقات الأميركية الإسرائيلية، قال إنها نشأت «بعد إحدى عشرة دقيقة» من قيام إسرائيل عبر اعتراف أميركا بها، وهي تتطور منذ ذلك الوقت بسبب  القيم المشتركة. وأعرب عن فرحه بأن العلاقات الأمنية بين بلاده وإسرائيل لم تكن أبداً أقوى مما هي عليه اليوم. بل إنه ذهب أبعد من ذلك ليشير إلى أن «أي دراما بيني وبين صديقي بيبي (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو) خلال السنوات لم تكن سوى لعبة لإيجاد مواد لإيريتز نيهيديرت (برنامج إسرائيلي تلفزيوني ساخر)».

الأمن والسلام والازدهار، ثلاثة مواضيع اعتبر أوباما أنه يجب التركيز عليها في تطور العلاقات بين الدولتين. وعن الأمن، عبّر أوباما عن فرحه بالروابط الأمنية القوية بين الدولتين، خصوصاً على الصعيد العسكري، إلا أنه ميّز بين الأمن العام والأمن الفردي للإسرائيليين، قائلاً «عندما أفكر بأمن إسرائيل، أفكر بالأطفال... بأعمار بناتي، عندما يذهبون إلى النوم ليلاً خائفين من سقوط صاروخ في غرفتهم»، في إشارة إلى صواريخ المقاومة في غزة، ولذلك، «استثمرنا في منظومة القبة الحديدية... ولذلك دافعنا عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولهذا أيضاَ لدى إسرائيل الحق في أن ترى حماس تنبذ العنف وتعترف بحق إسرائيل في الوجود».

وتحدث عن حادثة تفجير حافلة السياح الإسرائيليين في بلغاريا، وقال «لذلك يجب على كل دولة تقدر العدالة أن تعتبر حزب الله – وهو فعلاً – منظمة إرهابية. لأن العالم لا يستطيع أن يتحمل منظمة تقتل المدنيين الأبرياء، وتجمع الصواريخ لإطلاقها على المدن، وتدعم مذبحة الرجال والنساء والأطفال في سوريا».

ومن هنا، بدأ الحديث عن الأزمة السورية، وبيّن «لقد وضحت لـ(الرئيس السوري) بشار الأسد ومن ينفذ أوامره، أننا لن نحتمل استخدام الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري أو نقلها إلى الإرهابيين. العالم كله يشهد، وسنحملكم المسؤولية... على الأسد أن يرحل ليبدأ مستقبل سوريا».

وربط الرئيس الأميركي بين الهولوكوست والمشروع النووي الإيراني، وقال «عندما أفكر بأمن إسرائيل، أفكر بالأشخاص الذين عاشوا الهولوكست ويواجهون احتمال حصول حكومة إيرانية طالبت بتدمير إسرائيل على السلاح النووي. إن ذلك لا يشكل تحدياً لإسرائيل فقط، بل للعالم أجمع، ومن بينه الولايات المتحدة». وأضاف إن «الحكومة الإيرانية اليوم تخضع للضغط أكثر من أي وقت مضى، وهذا الضغط يتزايد. إنها معزولة. اقتصادها في حالة صعبة. قيادتها مقسمة. وموقعها في المنطقة وفي العالم يضعف بشكل مستمر». ولكنه شدد على أنه لا يزال هناك وقت للديبلوماسية، وهي «الطريقة الأفضل للتأكد من تخلي الحكومة الإيرانية عن السلاح النووي، كما أن السلام مفضل أكثر بكثير من الحرب»، موضحاً «كرئيس، قلت للعالم إن كل الخيارات مطروحة على الطاولة لتحقيق أهدافنا. أميركا ستفعل ما عليها لمنع إيران من التسلح نووياً».

وأكد أوباما أن إسرائيل باقية، و«من دون خطأ، هؤلاء الذي يؤمنون بإيديولوجية ترفض حق إسرائيل في الوجود، فليرفضوا أيضاً الأرض تحتهم والسماء من فوقهم... لأن إسرائيل باقية». ولكن أين سيكون مستقبلها؟ يسأل الرئيس الأميركي، ليدخل في حديثه إلى وجوب المجازفة من أجل تحقيق السلام. واعتبر أن أفضل سبيل للدفاع عن إسرائيل هو تغييب الحروب، مطالباً الحكومة باستغلال موجة الثورات العربية عبر تأكيد الالتزام بالسلام. واعتبر أن التقدم مع الفلسطينيين وسيلة هائلة القوة للبدء بذلك إلى جانب تهميش المتطرفين. وأكد للشباب الإسرائيلي أن لديهم شريكاً للسلام في الجانب الفلسطيني، وأن فرصة السلام متوفرة.

أما الدول العربية، بالنسبة للرئيس الأميركي، فعليها «التكيف مع عالم قد تغيّر فعلاً... وقد حان الوقت لأن يخطو العالم العربي إلى الأمام تجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل»، بحسب قوله.

وفي نظر الرئيس الأميركي، فإن إسرائيل أقوى دولة في المنطقة ويمكنها القيام بالمخاطرة المدروسة. وقال إن على الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، ويجب على الإسرائيليين الإقرار بأن الاستيطان عقبة أمام السلام.

وأقرّ أنه سيقدم اليوم الجمعة على خطوة تاريخية بزيارة قبر مؤسس الصهيونية ثيودور هرتسل وقبر رئيس الوزراء السابق اسحق رابين. وهو الذي سيزور اليوم أيضاً كنيسة المهد في بيت لحم، قبل أن يتوجّه إلى الأردن للقاء الملك عبد الله الثاني.

وكان أوباما قد زار مقر السلطة الفلسطينية في رام الله بشكل مختصر، وبقي حوالي خمس ساعات اقتصرت على اجتماعات رسمية وزيارة لمركز شبابي في البيرة. وخلافاً للأجواء التي سادت زيارة أوباما إلى رام الله، حفلت زيارته إلى القدس المحتلة بطابع احتفالي بارز. فقد زار «متحف إسرائيل»، حيث اطلع على «مخطوطات البحر الميت» وعلى معرض تجديدات التكنولوجيا الإسرائيلية. وتودّد أوباما، الذي رافقه نتنياهو، إلى مجموعة من المعوقين الإسرائيليين.

وأشار أوباما، في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى وجوب استئناف المفاوضات مع إسرائيل من دون شروط مسبقة. وتشكل هذه العبارة ذروة الاستفزاز للفلسطينيين، الذين يرون في عدم تجميد الاستيطان سماحاً لإسرائيل بمواصلة الاستيطان تحت ستار المفاوضات.

وذكر معلقون فلسطينيون أنه منذ خطاب أوباما في القاهرة زاد عدد المستوطنين في الضفة الغربية أكثر خمسين ألفاً عما كانوا قبل الخطاب، الذي طالب بوقف الاستيطان ووعد بحل ودولة فلسطينية خلال عام. ولاحظ مراقبون أن استخدام أوباما لتعبير استئناف المفاوضات «من دون شروط مسبقة» وجّه رسالة علنية قوية للسلطة بعدم المطالبة بالضغط من أجل اشتراط وقف الاستيطان.

وأشارت أنباء فلسطينية إلى خيبة أمل في أوساط السلطة من الزيارة، حيث أنهم كانوا يتوقعون صيغة مقبولة تعيد الطرفين إلى طاولة المفاوضات، وليس خطوات بناء ثقة كالتي تدعو إليها وتكتفي بها أميركا. وعبّر الرئيس عباس في كلامه أمام أوباما عن أن الصيغة المطلوبة هي التي تدعو لبناء دولة فلسطينية على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

ومع ذلك ردّ أوباما على أحد الأسئلة، بأن البناء الاستيطاني الإسرائيلي في المنطقة «إي 1» بين القدس وأريحا لا ينسجم مع حل الدولتين. واعترف بأنه أبلغ نتنياهو رأيه بأن المستوطنات تضرّ بفرص تحقيق السلام، مشدداً على حق الفلسطينيين في إنهاء الاحتلال وإنشاء دولتهم، ولكنه لم يشر إلى طريق تحقيق ذلك سوى العودة إلى المفاوضات.

وقال أوباما إنه يشعر بالرضى «لأنني كنت هنا قبل خمس سنوات ومن المريح رؤية التقدم والتحديات. وأنا أعود إلى الضفة الغربية لأن الولايات المتحدة ملتزمة بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة. فمن حق الفلسطينيين أن يكون لهم مستقبل آمل، من حقهم احترام حقوقهم وأن يكون غدهم أفضل من اليوم. وأن يكون لأولادهم حياة احترام وفرص. ببساطة من حق الفلسطينيين دولة خاصة بهم. الولايات المتحدة تواصل دعم هذه الجهود لكونها الداعم المركزي الأكبر للسلطة الفلسطينية». ومع ذلك ميّز أوباما بين السلطة الفلسطينية في رام الله وسلطة حماس في غزة، التي اعتبرها « ترفض التخلي عن طريق العنف. فما يهمّ حماس أكثر هو فرض أنماطها المتشددة وليس تحسين حياة الفلسطينيين. إنها تريد مهاجمة إسرائيل وليس بناء فلسطين. وقد رأينا الهجوم هذا الصباح على سديروت ونحن ندينه»، في إشارة إلى إطلاق صاروخين من قطاع غزة إلى الأراضي المحتلة، تبناهما لاحقاً «مجلس شورى المجاهدين».

وأعاد أوباما التأكيد على التزام بلاده بحل الدولتين الذي رأى أنه مصلحة مشتركة للإسرائيليين والفلسطينيين، لافتاً إلى أنه تباحث مع أبو مازن حول الاستيطان وقضية الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية، وحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة في القدس.

وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد كشفت النقاب عن وثيقة مواقف فلسطينية، تظهر استعداد الرئيس عباس للتعهد أمام أوباما بعدم اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية إذا لم تبدأ إسرائيل البناء في المنطقة «إي 1» بين القدس وأريحا. وقد صاغت دائرة المفاوضات في منظمة التحرير هذه الوثيقة، وأرسلت عبر البريد الإلكتروني عبر أحد مساعدي رئيس الدائرة صائب عريقات. وتشير الوثيقة إلى أن أحداً لا يربح أكثر من الفلسطينيين إذا استؤنفت المفاوضات ولا أحد يخسر من غيابها أكثر منهم. وتوضح أن عباس مستعد للقبول بتجميد «هادئ» للاستيطان من دون إعلان رسمي، ولكن بالتزام بوقف الاستيطان.

من جهة أخرى، أشارت «هآرتس» إلى أن أوباما ونتنياهو عمدا في مباحثاتهما إلى التأكيد على عناصر التوافق والابتعاد عن إثارة نقاط الخلاف. وأوضحت أن الموضوع الفلسطيني لم يحتل سوى جانب هامشي من ساعات اللقاء الثلاث الأولى التي تمّت بين الرجلين، وأن المداولات تركزت حول سوريا وإيران. وقد طلب الرئيس الأميركي من نتنياهو في لقائهما الأول العمل على إنهاء الأزمة في العلاقات مع تركيا. وقالت إن مسؤولاً أميركياً كبيراً أكد أن الأمر طرح وأن الولايات المتحدة تريد علاقات قوية مع كل من إسرائيل وتركيا، ولذلك فإن أوباما حث نتنياهو على «السعي لتطبيع العلاقات مع تركيا».

ولكن صحيفة «معاريف» أوضحت أنه برغم الودّ الظاهر والابتسامات لم تتحقق تفاهمات جديدة حول إيران، خصوصاً حول الخط الأحمر الذي تريده أميركا أو هامش الحرية الذي يريده نتنياهو.

  • فريق ماسة
  • 2013-03-21
  • 9996
  • من الأرشيف

أوباما في قلب فلسطين: الحرية تجسّدت في الصهيونية!

خرجت إسرائيل الرسمية والشعبية عن طورها لمقابلة مساعي الرئيس الأميركي باراك أوباما للتودد إليها وبادلته إعلامياً وشعبياً وداً بود. وبرغم كل التصريحات التي أطلقها أوباما تأكيداً على التزامه بأمن إسرائيل وازدهارها وتطورها، وابتعاده عن كل ما يشوّش العلاقات معها، ظل الكثيرون ينتظرون خطابه أمام الطلبة في «مباني الأمة» في القدس الغربية المحتلة، والذي اعتبروه التعويض عن خطاب التقرّب من الإسلام والعرب الذي ألقاه في القاهرة قبل ثلاثة أعوام. وقد قفز أوباما عن لغم الاستيطان وكونه عقبة أمام السلام بمطالبته أثناء زيارته إلى رام الله باستئناف المفاوضات «من دون شروط مسبقة» لتجسيد الحق الفلسطيني بدولة مستقلة. وقد انتظر حشد من الطلبة الإسرائيليين خطاب أوباما الذي أراده أن ينطلق «من فوق رؤوس السياسيين» ليوجه رسالة «من القلب إلى المواطنين». وأمام الطلبة اعتبر أوباما أن هذا الخطاب هو الحدث المركزي في زيارته. وقال إنه فخور بتحويل عيد الفصح اليهودي إلى تقليد في البيت الأبيض «تتعلم منه ابنتاي التقاليد» عن التحرر من العبودية. فقصة الهجرة بالنسبة للأميركيين الأفارقة، كما قال، هي «التعبير الأشد جوهرية عن الخروج من الاستعباد والعبودية إلى الحرية». «بالنسبة للشعب اليهودي، الرحلة إلى دولة إسرائيل الموعودة وجدت بين أجيال لا تُعد. وتخللتها عقود من المعاناة والمنفى، والمذابح وحتى الإبادة. وبالرغم من ذلك كله، حافظ الشعب اليهودي على هويته الفريدة وتقاليده، فضلاً عن شوقه الطويل للعودة إلى الوطن»، هكذا تحدث أوباما عن حق الإسرائيليين بأرض فلسطين. وتابع «وفي وقت حقق فيه اليهود نجاحات مذهلة في أنحاء عديدة من العالم، فإن حلم الحرية وجد أخيراً تعبيره الكامل في فكرة الصهيونية – أن تكون حراً في وطنك». وعن ميزة العلاقات الأميركية الإسرائيلية، قال إنها نشأت «بعد إحدى عشرة دقيقة» من قيام إسرائيل عبر اعتراف أميركا بها، وهي تتطور منذ ذلك الوقت بسبب  القيم المشتركة. وأعرب عن فرحه بأن العلاقات الأمنية بين بلاده وإسرائيل لم تكن أبداً أقوى مما هي عليه اليوم. بل إنه ذهب أبعد من ذلك ليشير إلى أن «أي دراما بيني وبين صديقي بيبي (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو) خلال السنوات لم تكن سوى لعبة لإيجاد مواد لإيريتز نيهيديرت (برنامج إسرائيلي تلفزيوني ساخر)». الأمن والسلام والازدهار، ثلاثة مواضيع اعتبر أوباما أنه يجب التركيز عليها في تطور العلاقات بين الدولتين. وعن الأمن، عبّر أوباما عن فرحه بالروابط الأمنية القوية بين الدولتين، خصوصاً على الصعيد العسكري، إلا أنه ميّز بين الأمن العام والأمن الفردي للإسرائيليين، قائلاً «عندما أفكر بأمن إسرائيل، أفكر بالأطفال... بأعمار بناتي، عندما يذهبون إلى النوم ليلاً خائفين من سقوط صاروخ في غرفتهم»، في إشارة إلى صواريخ المقاومة في غزة، ولذلك، «استثمرنا في منظومة القبة الحديدية... ولذلك دافعنا عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولهذا أيضاَ لدى إسرائيل الحق في أن ترى حماس تنبذ العنف وتعترف بحق إسرائيل في الوجود». وتحدث عن حادثة تفجير حافلة السياح الإسرائيليين في بلغاريا، وقال «لذلك يجب على كل دولة تقدر العدالة أن تعتبر حزب الله – وهو فعلاً – منظمة إرهابية. لأن العالم لا يستطيع أن يتحمل منظمة تقتل المدنيين الأبرياء، وتجمع الصواريخ لإطلاقها على المدن، وتدعم مذبحة الرجال والنساء والأطفال في سوريا». ومن هنا، بدأ الحديث عن الأزمة السورية، وبيّن «لقد وضحت لـ(الرئيس السوري) بشار الأسد ومن ينفذ أوامره، أننا لن نحتمل استخدام الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري أو نقلها إلى الإرهابيين. العالم كله يشهد، وسنحملكم المسؤولية... على الأسد أن يرحل ليبدأ مستقبل سوريا». وربط الرئيس الأميركي بين الهولوكوست والمشروع النووي الإيراني، وقال «عندما أفكر بأمن إسرائيل، أفكر بالأشخاص الذين عاشوا الهولوكست ويواجهون احتمال حصول حكومة إيرانية طالبت بتدمير إسرائيل على السلاح النووي. إن ذلك لا يشكل تحدياً لإسرائيل فقط، بل للعالم أجمع، ومن بينه الولايات المتحدة». وأضاف إن «الحكومة الإيرانية اليوم تخضع للضغط أكثر من أي وقت مضى، وهذا الضغط يتزايد. إنها معزولة. اقتصادها في حالة صعبة. قيادتها مقسمة. وموقعها في المنطقة وفي العالم يضعف بشكل مستمر». ولكنه شدد على أنه لا يزال هناك وقت للديبلوماسية، وهي «الطريقة الأفضل للتأكد من تخلي الحكومة الإيرانية عن السلاح النووي، كما أن السلام مفضل أكثر بكثير من الحرب»، موضحاً «كرئيس، قلت للعالم إن كل الخيارات مطروحة على الطاولة لتحقيق أهدافنا. أميركا ستفعل ما عليها لمنع إيران من التسلح نووياً». وأكد أوباما أن إسرائيل باقية، و«من دون خطأ، هؤلاء الذي يؤمنون بإيديولوجية ترفض حق إسرائيل في الوجود، فليرفضوا أيضاً الأرض تحتهم والسماء من فوقهم... لأن إسرائيل باقية». ولكن أين سيكون مستقبلها؟ يسأل الرئيس الأميركي، ليدخل في حديثه إلى وجوب المجازفة من أجل تحقيق السلام. واعتبر أن أفضل سبيل للدفاع عن إسرائيل هو تغييب الحروب، مطالباً الحكومة باستغلال موجة الثورات العربية عبر تأكيد الالتزام بالسلام. واعتبر أن التقدم مع الفلسطينيين وسيلة هائلة القوة للبدء بذلك إلى جانب تهميش المتطرفين. وأكد للشباب الإسرائيلي أن لديهم شريكاً للسلام في الجانب الفلسطيني، وأن فرصة السلام متوفرة. أما الدول العربية، بالنسبة للرئيس الأميركي، فعليها «التكيف مع عالم قد تغيّر فعلاً... وقد حان الوقت لأن يخطو العالم العربي إلى الأمام تجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل»، بحسب قوله. وفي نظر الرئيس الأميركي، فإن إسرائيل أقوى دولة في المنطقة ويمكنها القيام بالمخاطرة المدروسة. وقال إن على الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، ويجب على الإسرائيليين الإقرار بأن الاستيطان عقبة أمام السلام. وأقرّ أنه سيقدم اليوم الجمعة على خطوة تاريخية بزيارة قبر مؤسس الصهيونية ثيودور هرتسل وقبر رئيس الوزراء السابق اسحق رابين. وهو الذي سيزور اليوم أيضاً كنيسة المهد في بيت لحم، قبل أن يتوجّه إلى الأردن للقاء الملك عبد الله الثاني. وكان أوباما قد زار مقر السلطة الفلسطينية في رام الله بشكل مختصر، وبقي حوالي خمس ساعات اقتصرت على اجتماعات رسمية وزيارة لمركز شبابي في البيرة. وخلافاً للأجواء التي سادت زيارة أوباما إلى رام الله، حفلت زيارته إلى القدس المحتلة بطابع احتفالي بارز. فقد زار «متحف إسرائيل»، حيث اطلع على «مخطوطات البحر الميت» وعلى معرض تجديدات التكنولوجيا الإسرائيلية. وتودّد أوباما، الذي رافقه نتنياهو، إلى مجموعة من المعوقين الإسرائيليين. وأشار أوباما، في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى وجوب استئناف المفاوضات مع إسرائيل من دون شروط مسبقة. وتشكل هذه العبارة ذروة الاستفزاز للفلسطينيين، الذين يرون في عدم تجميد الاستيطان سماحاً لإسرائيل بمواصلة الاستيطان تحت ستار المفاوضات. وذكر معلقون فلسطينيون أنه منذ خطاب أوباما في القاهرة زاد عدد المستوطنين في الضفة الغربية أكثر خمسين ألفاً عما كانوا قبل الخطاب، الذي طالب بوقف الاستيطان ووعد بحل ودولة فلسطينية خلال عام. ولاحظ مراقبون أن استخدام أوباما لتعبير استئناف المفاوضات «من دون شروط مسبقة» وجّه رسالة علنية قوية للسلطة بعدم المطالبة بالضغط من أجل اشتراط وقف الاستيطان. وأشارت أنباء فلسطينية إلى خيبة أمل في أوساط السلطة من الزيارة، حيث أنهم كانوا يتوقعون صيغة مقبولة تعيد الطرفين إلى طاولة المفاوضات، وليس خطوات بناء ثقة كالتي تدعو إليها وتكتفي بها أميركا. وعبّر الرئيس عباس في كلامه أمام أوباما عن أن الصيغة المطلوبة هي التي تدعو لبناء دولة فلسطينية على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. ومع ذلك ردّ أوباما على أحد الأسئلة، بأن البناء الاستيطاني الإسرائيلي في المنطقة «إي 1» بين القدس وأريحا لا ينسجم مع حل الدولتين. واعترف بأنه أبلغ نتنياهو رأيه بأن المستوطنات تضرّ بفرص تحقيق السلام، مشدداً على حق الفلسطينيين في إنهاء الاحتلال وإنشاء دولتهم، ولكنه لم يشر إلى طريق تحقيق ذلك سوى العودة إلى المفاوضات. وقال أوباما إنه يشعر بالرضى «لأنني كنت هنا قبل خمس سنوات ومن المريح رؤية التقدم والتحديات. وأنا أعود إلى الضفة الغربية لأن الولايات المتحدة ملتزمة بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة. فمن حق الفلسطينيين أن يكون لهم مستقبل آمل، من حقهم احترام حقوقهم وأن يكون غدهم أفضل من اليوم. وأن يكون لأولادهم حياة احترام وفرص. ببساطة من حق الفلسطينيين دولة خاصة بهم. الولايات المتحدة تواصل دعم هذه الجهود لكونها الداعم المركزي الأكبر للسلطة الفلسطينية». ومع ذلك ميّز أوباما بين السلطة الفلسطينية في رام الله وسلطة حماس في غزة، التي اعتبرها « ترفض التخلي عن طريق العنف. فما يهمّ حماس أكثر هو فرض أنماطها المتشددة وليس تحسين حياة الفلسطينيين. إنها تريد مهاجمة إسرائيل وليس بناء فلسطين. وقد رأينا الهجوم هذا الصباح على سديروت ونحن ندينه»، في إشارة إلى إطلاق صاروخين من قطاع غزة إلى الأراضي المحتلة، تبناهما لاحقاً «مجلس شورى المجاهدين». وأعاد أوباما التأكيد على التزام بلاده بحل الدولتين الذي رأى أنه مصلحة مشتركة للإسرائيليين والفلسطينيين، لافتاً إلى أنه تباحث مع أبو مازن حول الاستيطان وقضية الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية، وحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة في القدس. وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد كشفت النقاب عن وثيقة مواقف فلسطينية، تظهر استعداد الرئيس عباس للتعهد أمام أوباما بعدم اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية إذا لم تبدأ إسرائيل البناء في المنطقة «إي 1» بين القدس وأريحا. وقد صاغت دائرة المفاوضات في منظمة التحرير هذه الوثيقة، وأرسلت عبر البريد الإلكتروني عبر أحد مساعدي رئيس الدائرة صائب عريقات. وتشير الوثيقة إلى أن أحداً لا يربح أكثر من الفلسطينيين إذا استؤنفت المفاوضات ولا أحد يخسر من غيابها أكثر منهم. وتوضح أن عباس مستعد للقبول بتجميد «هادئ» للاستيطان من دون إعلان رسمي، ولكن بالتزام بوقف الاستيطان. من جهة أخرى، أشارت «هآرتس» إلى أن أوباما ونتنياهو عمدا في مباحثاتهما إلى التأكيد على عناصر التوافق والابتعاد عن إثارة نقاط الخلاف. وأوضحت أن الموضوع الفلسطيني لم يحتل سوى جانب هامشي من ساعات اللقاء الثلاث الأولى التي تمّت بين الرجلين، وأن المداولات تركزت حول سوريا وإيران. وقد طلب الرئيس الأميركي من نتنياهو في لقائهما الأول العمل على إنهاء الأزمة في العلاقات مع تركيا. وقالت إن مسؤولاً أميركياً كبيراً أكد أن الأمر طرح وأن الولايات المتحدة تريد علاقات قوية مع كل من إسرائيل وتركيا، ولذلك فإن أوباما حث نتنياهو على «السعي لتطبيع العلاقات مع تركيا». ولكن صحيفة «معاريف» أوضحت أنه برغم الودّ الظاهر والابتسامات لم تتحقق تفاهمات جديدة حول إيران، خصوصاً حول الخط الأحمر الذي تريده أميركا أو هامش الحرية الذي يريده نتنياهو.

المصدر : حلمي موسى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة