دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
القمة العربية في الدوحة شعارها "ذبح سورية"، بقيادة القائد القطري الذي يعتمد فلسفة "المال يشتري كل شيء".. ولكل ثمنه، وبمعنى آخر، الغاز يشتري كل شيء، ومن يقيّض "الغاز" فنهايته الانفجار، والمؤسف أن العرب لا يقرأون، وإن قرأوا فهم لا يفقهون، ويغمضون أعينهم عن الوقائع.
يعيش بعض الحكام أضغاث الأحلام بأنهم صاروا قادة للأمة، وأصبحوا دولاً عظمى بحجم الإبهام.. قالوا إن "الثورات" في مصر وتونس وليبيا قد انتصرت، والواقع أن الأنظمة قد سقطت والشعوب قد استبيحت وصارت في العراء، فلا أنظمة بديلة قامت، ولا شعوب أخذت حقوقها، بل خسرت أمنها واقتصادها ووحدتها الوطنية وهويتها، ولا يريد بعض الواهمين من الحكام العرب بالاعتراف بالفشل في كل شيء، ما عدا تخريب الأوطان وسفك مزيد من الدماء، وإنهم لم يغيروا شيئاً من الآن حتى في البلاد التي "انتصروا" فيها كما يدّعون، والدليل ما حدث في القاهرة الأسبوع الماضي، حيث اضطر وزراء الخارجية العرب إلى نقل اجتماعاتهم من مقر الجامعة إلى فندق قريب من القاهرة، لتسهيل هروبهم عند حدوث أي طارئ، لأنهم لا يثقون بقدرة النظام الجديد على حماية أمنهم من جماهير "الثورة الثانية"، فإذا كانت قطر والسعودية تخافان من الثورة التي دعمتاها وصادرتاها، فكيف يمكنهم الانتقال إلى ساحة أخرى في سورية صمدت عامين كاملين، ويلعبون فيها لعبة القمار السياسي، فإما أن يربحوا ويبقوا على عروشهم، أو يخسروا فيطردهم السيد الأميركي لعدم كفاءاتهم، وعليهم دفع الثمن.
تصوروا أن قطر صارت قائداً للأمة العربية، وأن القرار العربي بذبح سورية سيصدر من مكان تحيط به القاعدة العسكرية الأميركية، ومكتب الاتصال "الإسرائيلي".
العرب في حيرة من أمرهم، فقد نجح لبنان في إسقاط مشروع تسليم المعارضة السورية لمقعد سورية في الجامعة العربية، لأنه يخالف نظام الجامعة، فهي جامعة الدول العربية وليست جامعة المعارضات العربية، ما اضطر الأعراب للضغط على ائتلاف الدوحة لتشكيل حكومة أو هيئة تنفيذية بالحد الأدنى لإعطاء مقعد سورية التمثيلي، مع العلم أن الجامعة كلها لا تقدّم ولا تؤخّر ولا تؤثر في الحالة العربية، وأصيب القطريون تحديداً بخيبة أمل، وها هم يسابقون الوقت قبل بدء الحوار السياسي والمفاوضات بين النظام والمعارضة، ويحاولون صنع شيء ما ليعطوها المقعد السوري، خصوصاً أنهم اشتروا الجامعة مدة عام كامل، علهم يستطيعون الظفر أو الربح في الأحداث السورية، وهم يرون أنهم الخاسر الأكبر، مع السعودية، في حال تمت التسوية السياسية في سورية، وسيضحّي بهم الأميركيون حفظاً لمصالحهم، كما فعلوا مع صدام حسين ومبارك والقذافي وبن علي وشاه إيران.
المشكلة أن الملوك والأمراء لا وقت لديهم لقراءة التاريخ، وإن قرأوا فهم يعتقدون بقدرتهم على تزويره أو تغييره بالشيكات المالية أو الفضائيات المزورة، لكن الواقع والتاريخ يكذبهم بأحداثه ونتائجه.
المعادلة التي بدأ الخليجيون يرونها هي أنهم سيسقطون إن بقي النظام في سورية، وإن صمدوا فسيسقط النظام، فلا مكان بين الأمة للاثنين معاً، بعدما حشدوا كل إمكانياتهم لإسقاطه بطلب أميركي - "إسرائيلي"، ونتيجة الغرور والشعور بالعظمة والقدرة من فوّهات أنابيب الغاز وآبار النفط.
والسؤال هنا: ماذا لو قرر النظام السوري الرد بالمثل على من يسفك دمه؟ وماذا لو انطفأت الكهرباء وانقطعت المياه في دول الخليج، وطبعاً المكيفات في القصور الملكية والأميرية؟
القدس وفلسطين ليستا من أولويات القمة العربية في قطر، فـ"إسرائيل" صديق وشقيق وحليف، ولا فرق من يحكم القدس؛ حاخام أو شيخ عربي يفتي بأن إسقاط الأسد أكثر ضرورة من تحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين، وبإعدام المقاومة بالفتنة المذهبية، بعدما عجزت "إسرائيل" وأميركا وحصار إيران بالنيابة عن أميركا والغرب.
ألا يدري هؤلاء الحكام أن النار بدأت بالوصول إليهم في المظاهرات وصرخات أهالي المعتقلين، وأن الحراك الشعبي يدق أبوابهم، وإن كان بطيئاً، لكنه قد بدأ بعدما انقلب الابن على أبيه، وسينقلب الشعب على أميره أو ملكه، وأميركا لا تحمي أحداً لذاته، بل تحميه بما يتوافق مع مصالحها، وبالتالي فهي تحمي من يؤمّن مصالحها بعيداً عن اسمه وشخصه وعائلته، ولذا لا أمان ولا ضمان لأحد في القاموس الأميركي.
ستحشد "قمة الغاز" في قطر السلاح والمال والفتاوى لذبح الشعب السوري، ولإراحة "إسرائيل"، وستصمد سورية كما صمدت مع حلفائها، والنتيجة مزيد من نزيف الدماء والخراب وإنهاك الأمة، بما فيها العرب الخليجيون الذين يُضرمون النار في سورية ولبنان والعراق.
الثورة في مصر أغلقت الأنفاق إلى غزة، والمقاومة في غزة وجّهت بنادقها لحماية النظام الجديد، وفق مطالب الحاضن القطري، مقابل الملايين من الدولارات الموعودة.
نداؤنا لما تبقّى من نخوة العرب وشهامتهم، أن يتوجهوا للصلح بين الإخوة المتقاتلين، لإحلال السلام والأمن، واستعادة وحدة الأمة المشتتة والمهمشة والمسيئة، فالحرب الدولية على سورية لن تنتهي بإسقاط النظام وإخضاع الشعب العربي في سورية، وإن عاندتم ستطول الحرب كما في أفغانستان والعراق، لكنها لن تبقى في سورية، بل ستتمدد إلى الجوار، وأبعد من الجوار، لتطال النفط والغاز ومن يملكهما، وفي سورية شجر وأنهار لتطفئ النار وتخففها، لكن في بلادكم رمل وصحراء وشمس حارقة ومياه بحر مالحة تهيج الجروح، فلا تستطيعون الصبر أو الصمود.. فهلا رحمتم أنفسكم وأنفسنا وما تبقى من نقاوة الإسلام الذي شوهه مشايخكم بفتاوى "نكاح الجهاد" وتكفير الناس المخالفين؟
لا تُشعلوا "داحس والغبراء" المذهبية من جديد، ولا "الجمل" ولا "صِفّين"، ولا خلافات المذاهب الأربعة مع بعضها البعض.. اتركوا الفتنة نائمة ولا توقظوها.. واتقوا الله رب العالمين.
المصدر :
الثبات/ نسيب حطيط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة