دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
خلافاً لموقفها المعهود منذ سنوات، قلبت الصحافة الإسرائيلية الصفحة، وتحدثت من جديد عن الواقع الفلسطيني بوصفه قنبلة موقوتة. فجدار الفصل العنصري الذي أنشأته إسرائيل سمح ليس فقط لقيادتها، وإنما أيضاً لجمهورها وإعلامها، بتجاهل الوضع الفلسطيني، خصوصاً في الضفة الغربية. فقد كان تفجر الصدامات الصاروخية والبرية بين الحين والآخر على حدود قطاع غزة يُذكّر الإسرائيليين باحتمالات انفجار الوضع، فيندفعون للاحتياط منه في الملاجئ ومنظومات الدفاع ضد الصواريخ. غير أن الوضع في الضفة الغربية كان مريحاً لدرجة التجاهل شبه التام حتى لمأزق السلطة الفلسطينية الاقتصادي، وذلك بعد حوالي عقدين من تجاهل المأزق السياسي والتلاعب به.
وقد حذر كثيرون في مناطق السلطة وفي إسرائيل أيضاً، من العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن استمرار هذا التجاهل. فإن فكرة الوضع الراهن وإمكانيات الحفاظ عليه سقطت منذ زمن، لكنها عادت إلى الحياة في ظل حكومة يمينية إسرائيلية، وتردد سلطوي فلسطيني نابع من خشية أصلية من فقدان السيطرة على زمام الأمور.
وهكذا، وبرغم سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية في الضفة الغربية، بقي الشارع الفلسطيني شبه صامت تجاه أزمته. وحتى عندما حاول التحرك، تضامناً مع ثورات محيطه العربي أو تشبهاً بها حيناً، أو تضامناً مع قطاع غزة، كان يصطدم بمحاولات السلطة احتواءه أو قمعه.
وفي السنوات الأخيرة، حاولت السلطة الفلسطينية حصر أشكال المجابهة في مواقع نضالية محددة، وخصوصاً ضد جدار الفصل العنصري أو البؤر الاستيطانية، وفي سعيها لكسر الجمود السياسي عبر التحركات في المؤسسات الدولية. ولكن المنطق النضالي ذا الطابع الجماهيري، بقي بعيداً عن توجهاتها لسبب بسيط وهو الخشية من عدم القدرة على السيطرة عليه.
ومن الجائز أن عودة الوضع إلى الانفجار حالياً بسبب إضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام واستشهاد آخر تحت التعذيب يشير إلى أن هذا القطاع ظل أبرز عنصر توحيدي وتحريضي على الإطلاق. ومن الجائز أيضاً أن هذا الأمر هو الوحيد الذي يشكل تقريباً عنصر إحراج للسلطة ذاتها، ويدفعها للتعاون مع الاحتجاجات الشعبية نظراً لتوحد الخطاب.
وبديهي أن أي تماثل بين السلطة والجمهور الفلسطيني في الموقف من أي قضايا يدفع إسرائيل للاحتجاج واعتبار ذلك نوعاً من الانتهاك لقواعد الاتفاق تارة، بل تآمراً على إسرائيل تارة أخرى. وهذا هو الموقف الذي اتخذته إسرائيل ضمنياً من تنامي ظواهر الاحتجاج السياسي الأخيرة في الضفة الغربية، وخشيتها من أن يقود ذلك إما إلى انتفاضة ثالثة أو إلى إعادة تفجير الصدام مع قطاع غزة.
وقد اتهمت أوساط إسرائيلية مقربة من حكومة بنيامين نتنياهو السلطة الفلسطينية بتدبير الاحتجاجات الأخيرة ومظاهر التضامن مع الأسرى المضربين. وجاء هذا الاتهام على أرضية تقدير إسرائيلي سابق بأن قيادة السلطة في رام الله لن تترك زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما المرتقبة الشهر المقبل من دون أن تعمد إلى تسخين الميدان.
وتعتقد إسرائيل أن تسخين الميدان فلسطينياً سيدفع الرئيس الأميركي وإدارته إلى عدم الاكتفاء بدور الناصح لإسرائيل، بل الإقدام على خطوات عملية لتحريك العملية السياسية.
وربما لهذا السبب سارعت حكومة نتنياهو، على الأغلب بضغط أميركي، لإعادة دفع أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية على أمل تخفيف الاحتقان من ناحية، ولإظهار الرغبة في إرضاء الأميركيين من ناحية أخرى.
ومن البديهي الإشارة إلى أن أحداً في إسرائيل لا يعتقد أن خطوة نتنياهو هذه كافية، لا على الصعيد الإسرائيلي ولا على الصعيدين الأميركي والأوروبي. فالأزمة الراهنة، في نظر الكثيرين، هي مزيج من نتائج أزمات على صعد مختلفة سياسية واقتصادية بالرغم من أن مفجرها الراهن وطني بامتياز.
وقد دفع هذا الواقع العديد من المعلقين للمقارنة ما بين استشهاد الأسير عرفات جرادات تحت التعذيب وشرارات تفجير الانتفاضتين الأولى والثانية. بل ان بعضهم أشار إلى التواتر الزمني للانتفاضات الفلسطينية مرة كل 13 عاماً تقريباً للتأكيد أن ما نشهده هو بداية الانتفاضة الثالثة. وربما أن هذا الاعتقاد هو ما دفع المعلقين الإسرائيليين للاختلاف حول ما ينبغي فعله.
ويركز أنصار اليمين على البعد الاقتصادي مطالبين بتقديم تسهيلات تحول دون انفجار الوضع. ولكن أنصار السلام يؤمنون بأن المشكلة تكمن في غياب مبادرة إسرائيلية لتحريك العملية السياسية. ويذهب بعض المعلقين من ذوي الميول العسكرية إلى حد المطالبة بتقديم بوادر حسن نية للسلطة الفلسطينية أساسها الإفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين.
عموما، وأياً يكن الحال، فإن الإسرائيليين يختلفون في ما بينهم حول مآل التحركات الحالية وهل ستقود إلى انتفاضة ثالثة، أم أنها ستتراجع وتضمحل خلال أيام أو أسابيع قريبة. ولكن غالبية المعلقين يجزمون بأن الاحتجاجات الحالية تنبع من غياب أفق سياسي، كما يعكسون نوعاً من الإحباط والخيبة من احتمالات تغيير الواقع بالطرق التي تريدها السلطة الفلسطينية. وعند ربط ما يجري في الضفة الغربية حالياً بما يمكن أن تؤثر فيه على الوضع في غزة والأردن وربما مصر، فإن علامات الاستفهام تزداد والشكوك تكبر حول قدرة نتنياهو على معالجة الأمر بحبوب التهدئة.
المصدر :
السفير \ الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة