أطلق رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان قبل أكثر من أسبوع مواقف أثارت سجالا في الداخل التركي، حول إمكانية انسحاب تركيا من عملية المفاوضات لعضوية الاتحاد الأوروبي والاتجاه للانضمام إلى منظمة «شانغهاي للتعاون» التي تضم روسيا والصين وكازاخستان وأوزبكستان وطاجكستان.

ونقل عن أردوغان قوله إنه قال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في إحدى المناسبات، «اقبلونا في شانغهاي لننسحب من عملية الاتحاد الأوروبي».

وبالأمس وهو في براغ عاصمة تشيكيا، أطلق أردوغان مواقف جديدة منتقدة للاتحاد الأوروبي اختصرها بجملة «تعالوا لننه هذا الأمر. إما أن تضمونا أو أن تقولوا إنكم لا تريدوننا لنبني على الشيء مقتضاه».

وقال أردوغان، في ما نقله عنه الصحافيون الأتراك، إن «تركيا تتوجه إلى الاتحاد الأوروبي منذ 50 عاما، ونحن ننتظر على الباب. ان اللعب بنا والتلاعب علينا خلال هذه الفترة لا يمكن ان يغفر أو يتحمل. الناس تسأل: لماذا تجعلون تركيا تنتظر عند هذا الباب منذ 54 عاما؟ ما الذي خلف ما تفعلونه، وما لا تستطيعون أن تفعلوه؟».

وأضاف أردوغان «إننا نقف على قدمينا اقتصاديا. سواء ضمونا أم لا فإننا نريد استمرار هذه العلاقات. فلا تلعبوا بنا. هناك 5 ملايين تركي في الاتحاد الأوروبي. فلا تلعبوا وتعالوا لننهي هذا الأمر». واعتبر «أنهم لم يتعاملوا مع أي بلد آخر سوى تركيا بهذه الطريقة. لقد وضعوا العراقيل أمام تركيا والمشكلة من جانب الاتحاد الأوروبي. هذه العراقيل تؤذي أوروبا وليس تركيا. اليوم ليست تركيا بحاجة إلى الاتحاد الأوروبي، بل هو الذي بحاجة إلى تركيا. ونحن كحكومة لن نحيد عن هدف الاتحاد الأوروبي».

وأضاف أردوغان ان «تركيا لا تبحث عن تكتلات جديدة. لقد أشرت إلى منظمة شانغهاي. وقلق البعض من ذلك. لماذا تقلقون؟ هل شانغهاي بديل من الاتحاد الأوروبي؟ لا، الاتحاد الأوروبي تشكيل وشانغهاي تشكيل آخر مختلف. لكن تركيا ستكون في بحث عن خياراتها، لأنها تريد أن تكون قوية». وأعلن أن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، موضحا أن «54 عاما ليست قليلة. ليس من بلد صبر مثل تركيا مع الاتحاد الأوروبي. نحن صابرون، لكن إلى حدود معينة».

موقف أردوغان من الاتحاد الأوروبي والتلميح إلى خيار «منظمة شانغهاي» أثار نقاشا واسعا بين المثقفين تمحور حول أسباب إشارات أردوغان المتكررة إلى التكتلات الشرقية. ومع أن البعض اعتبر تصريحات رئيس الحكومة ورقة ضغط على أوروبا للتسريع بفتح فصول جديدة للمفاوضات مع تركيا، فإن آخرين يدعون إلى الأخذ بجدية بها، على أساس أن مواقف أردوغان تنطلق من اعتبارات ثقافية إسلامية، ومن ذلك كلامه سابقا عندما كان في علاقات جيدة مع سوريا عن منطقة من دون تأشيرات دخول أسماها «شامغين» على غرار «شنغن» الأوروبية والآن يدعو ضمنا إلى «شانغين» نسبة إلى شانغهاي.

وقد انقسم الأتراك بين مؤيد لأردوغان ومعارض، على اعتبار ان أوروبا العاجزة اقتصاديا ليست خيارا ناجحا لتركيا، فيما مجموعة الخمسة في شانغهاي تشكل كتلة اقتصادية وسوقا واسعة للاقتصاد التركي. غير ان التحفظ الأساسي كان ان أنقرة اذا أرادت ان تواصل تقدمها على صعيد الديموقراطية فليس أمامها سوى الخيار الأوروبي، وليس خيار شانغهاي، الذي يضم الصين.

ويرى البعض أن أردوغان يعرف مسبقا ان انتقال تركيا الى «مجموعة شنغهاي» لا يستقيم مع عضويتها في حلف شمال الأطلسي. ويبقى ان انتقال أنقرة بخيارها الاستراتيجي من الغرب الى الشرق ليس بالسهولة التي يعتقدها أردوغان، خصوصا ان تركيا مكبلة بقيود غربية تمنعها من التوجه شرقا مهما حاولت، من دون ثمن باهظ قد يكون من وحدتها.

ويرى سامي كوهين في صحيفة «ميللييت» ان موقف أردوغان الأخير هو أكثر من ردة فعل على أوروبا، وهو أقرب الى إنذار أو تحذير من أجل ألا تصل الأمور الى نقطة الانقطاع عن أوروبا، وان المطلوب من أوروبا الآن وقف التلاعب بتركيا وفتح الباب أمام انضمامها الى الاتحاد.

ويقول الكاتب إن دول الاتحاد بغالبيتها تريد انضمام تركيا، ولا يمكن ان تقول لا لأنقرة، لكن تركيا لا تريد مجرد فتح المفاوضات أمام فصول إضافية بل اتخاذ خطوات ملموسة تظهر ان أوروبا تريد عضوية تركيا. ولكن إذا لم تفعل أوروبا فما هو فاعل أردوغان هل سيقول لأوروبا «وداعا انتهت المسيرة» ويتخلى عن هدف الانضمام؟

ويرى كوهين أن كلام أردوغان يجب ألا يؤخذ بخفة، لأنه يمكن أن يدرس الخيارات البديلة بجدية حتى لو أدى ذلك الى تخلي تركيا عن الأهداف الاستراتيجية للجمهورية، لكن تبعا لأنه لا يمكن الاستمرار في وضع العلاقات مع أوروبا في الثلاجة، فعلى أوروبا ان تبادر خارج أي لفتة مرحلية، وتظهر تغييرا جديا لطمأنة تركيا إلى أنها ستكون عضواً في الاتحاد الأوروبي.

  • فريق ماسة
  • 2013-02-05
  • 10370
  • من الأرشيف

شنغن.. شامغين.. شانغين!

أطلق رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان قبل أكثر من أسبوع مواقف أثارت سجالا في الداخل التركي، حول إمكانية انسحاب تركيا من عملية المفاوضات لعضوية الاتحاد الأوروبي والاتجاه للانضمام إلى منظمة «شانغهاي للتعاون» التي تضم روسيا والصين وكازاخستان وأوزبكستان وطاجكستان. ونقل عن أردوغان قوله إنه قال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في إحدى المناسبات، «اقبلونا في شانغهاي لننسحب من عملية الاتحاد الأوروبي». وبالأمس وهو في براغ عاصمة تشيكيا، أطلق أردوغان مواقف جديدة منتقدة للاتحاد الأوروبي اختصرها بجملة «تعالوا لننه هذا الأمر. إما أن تضمونا أو أن تقولوا إنكم لا تريدوننا لنبني على الشيء مقتضاه». وقال أردوغان، في ما نقله عنه الصحافيون الأتراك، إن «تركيا تتوجه إلى الاتحاد الأوروبي منذ 50 عاما، ونحن ننتظر على الباب. ان اللعب بنا والتلاعب علينا خلال هذه الفترة لا يمكن ان يغفر أو يتحمل. الناس تسأل: لماذا تجعلون تركيا تنتظر عند هذا الباب منذ 54 عاما؟ ما الذي خلف ما تفعلونه، وما لا تستطيعون أن تفعلوه؟». وأضاف أردوغان «إننا نقف على قدمينا اقتصاديا. سواء ضمونا أم لا فإننا نريد استمرار هذه العلاقات. فلا تلعبوا بنا. هناك 5 ملايين تركي في الاتحاد الأوروبي. فلا تلعبوا وتعالوا لننهي هذا الأمر». واعتبر «أنهم لم يتعاملوا مع أي بلد آخر سوى تركيا بهذه الطريقة. لقد وضعوا العراقيل أمام تركيا والمشكلة من جانب الاتحاد الأوروبي. هذه العراقيل تؤذي أوروبا وليس تركيا. اليوم ليست تركيا بحاجة إلى الاتحاد الأوروبي، بل هو الذي بحاجة إلى تركيا. ونحن كحكومة لن نحيد عن هدف الاتحاد الأوروبي». وأضاف أردوغان ان «تركيا لا تبحث عن تكتلات جديدة. لقد أشرت إلى منظمة شانغهاي. وقلق البعض من ذلك. لماذا تقلقون؟ هل شانغهاي بديل من الاتحاد الأوروبي؟ لا، الاتحاد الأوروبي تشكيل وشانغهاي تشكيل آخر مختلف. لكن تركيا ستكون في بحث عن خياراتها، لأنها تريد أن تكون قوية». وأعلن أن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، موضحا أن «54 عاما ليست قليلة. ليس من بلد صبر مثل تركيا مع الاتحاد الأوروبي. نحن صابرون، لكن إلى حدود معينة». موقف أردوغان من الاتحاد الأوروبي والتلميح إلى خيار «منظمة شانغهاي» أثار نقاشا واسعا بين المثقفين تمحور حول أسباب إشارات أردوغان المتكررة إلى التكتلات الشرقية. ومع أن البعض اعتبر تصريحات رئيس الحكومة ورقة ضغط على أوروبا للتسريع بفتح فصول جديدة للمفاوضات مع تركيا، فإن آخرين يدعون إلى الأخذ بجدية بها، على أساس أن مواقف أردوغان تنطلق من اعتبارات ثقافية إسلامية، ومن ذلك كلامه سابقا عندما كان في علاقات جيدة مع سوريا عن منطقة من دون تأشيرات دخول أسماها «شامغين» على غرار «شنغن» الأوروبية والآن يدعو ضمنا إلى «شانغين» نسبة إلى شانغهاي. وقد انقسم الأتراك بين مؤيد لأردوغان ومعارض، على اعتبار ان أوروبا العاجزة اقتصاديا ليست خيارا ناجحا لتركيا، فيما مجموعة الخمسة في شانغهاي تشكل كتلة اقتصادية وسوقا واسعة للاقتصاد التركي. غير ان التحفظ الأساسي كان ان أنقرة اذا أرادت ان تواصل تقدمها على صعيد الديموقراطية فليس أمامها سوى الخيار الأوروبي، وليس خيار شانغهاي، الذي يضم الصين. ويرى البعض أن أردوغان يعرف مسبقا ان انتقال تركيا الى «مجموعة شنغهاي» لا يستقيم مع عضويتها في حلف شمال الأطلسي. ويبقى ان انتقال أنقرة بخيارها الاستراتيجي من الغرب الى الشرق ليس بالسهولة التي يعتقدها أردوغان، خصوصا ان تركيا مكبلة بقيود غربية تمنعها من التوجه شرقا مهما حاولت، من دون ثمن باهظ قد يكون من وحدتها. ويرى سامي كوهين في صحيفة «ميللييت» ان موقف أردوغان الأخير هو أكثر من ردة فعل على أوروبا، وهو أقرب الى إنذار أو تحذير من أجل ألا تصل الأمور الى نقطة الانقطاع عن أوروبا، وان المطلوب من أوروبا الآن وقف التلاعب بتركيا وفتح الباب أمام انضمامها الى الاتحاد. ويقول الكاتب إن دول الاتحاد بغالبيتها تريد انضمام تركيا، ولا يمكن ان تقول لا لأنقرة، لكن تركيا لا تريد مجرد فتح المفاوضات أمام فصول إضافية بل اتخاذ خطوات ملموسة تظهر ان أوروبا تريد عضوية تركيا. ولكن إذا لم تفعل أوروبا فما هو فاعل أردوغان هل سيقول لأوروبا «وداعا انتهت المسيرة» ويتخلى عن هدف الانضمام؟ ويرى كوهين أن كلام أردوغان يجب ألا يؤخذ بخفة، لأنه يمكن أن يدرس الخيارات البديلة بجدية حتى لو أدى ذلك الى تخلي تركيا عن الأهداف الاستراتيجية للجمهورية، لكن تبعا لأنه لا يمكن الاستمرار في وضع العلاقات مع أوروبا في الثلاجة، فعلى أوروبا ان تبادر خارج أي لفتة مرحلية، وتظهر تغييرا جديا لطمأنة تركيا إلى أنها ستكون عضواً في الاتحاد الأوروبي.

المصدر : محمد نور الدين\ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة