صحيح أنّ المؤشّرات الإيجابية على مستوى الأزمة السورية بدأت بالظهور، إلّا أنّ ذلك لا يعني توقّع إنجاز الحلول قريباً.

فالإدارة الاميركية التي تعمل على التمهيد جيّداً للقاء القمّة مع الرئيس الروسي، تحضّر ملفّاتها أيضاً لتحقيق تقدّم على مستوى المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية كي يشكّل ذلك مدخلاً جيّداً للمفاوضات الأصعب مع إيران. كلّ ذلك بات معروفاً مع ما يعني في بعض أوجهه أنّ المفاوضات تحتاج الى شدّ حبال ومناورات ورفعِ السقف و"قنابل دخانية"، وهو ما يتناقض مع الإشارات الإيجابية الجاري تبادلها في هذه المرحلة.

فصحيح أنّ وزير الخارجية الايراني علي أكبر صالحي أعلن أنّ إيران تدرس المقترحات الاميركية بشأن المفاوضات المباشرة مع طهران بإيجابية، وصحيح أنّ نائب وزير الخارجية الاسرائيلي "المتشدّد" داني ايالون نفى معارضة حكومته لهذه المفاوضات المباشرة، إلّا أنّ إيران ستأخذ وقتها قبل الشروع بهذه المفاوضات المباشرة لحين تلمس الافق الاميركي الحقيقي لمشروعها الجديد، طالما إنّ الظروف تعمل لغير صالح واشنطن في المنطقة.

فالأحداث التي اندلعت في افريقيا وفرضت على باريس التدخّل عسكريّاً في مالي إنّما فرضت تعديلات اساسية على مسار الأحداث في المنطقة.

فالقلق من التنظيمات المتطرّفة والتي كانت قد فرضت نفسها على فريق المعارضة السورية، دفع الغرب الى "تقنين" مستوى التسليح لهذه المجموعات خشية انتقال هذه الاسلحة الى مناطق اخرى حسّاسة، واستخدامها ضدّ المصالح الأميركية.

لكنّ هذا "التقنين"، مضافاً إليه "جاذبية" مواجهة الجنود الفرنسيين، دفع بقوافل المتشدّدين الى تعديل مسارهم من سوريا باتّجاه مالي. وحسب أوساط ديبلوماسية معنيّة فإنّ بعض مخيّمات التدريب التابعة لهذه المجموعات والموجودة في اليمن، باشرت بتوريد "مجاهديها" باتّجاه افريقيا بدل سوريا. ففي القارّة السوداء بيئة حاضنة لهؤلاء لا سيّما في افريقيا الشمالية، وحيث ما تزال ليبيا تلعب دور "مخزن الأسلحة" لهذه المجموعات على مستوى كامل المنطقة.

لذلك تبدو فرنسا ومن خلفِها واشنطن بحاجة لتأمين ظهر قوّاتها في افريقيا من إيران التي تملك مواقع "لوجستية" مهمّة في السودان ساهمت في المراحل الماضية في تأمين وصول السلاح الى حركتَي حماس والجهاد الإسلامي في غزّة. أو بتعبير أوضح قيام طهران بتوسيع دائرة المواجهة لإغراق القوات الفرنسية في رمال المنطقة.

 

وفي حين امتلكت باريس بعض المؤشّرات حول وجود نيّة لطهران لاستغلال "المأزق" الافريقي، فإنّها فوجئت بالمبادرة التي قام بها النظام السوري لمساعدة باريس في أفريقيا، وعلى طريقة "عصا" إيران في أفريقيا و"جزرة" سوريا على مستوى التنظيمات الإسلامية.

ذلك أنّ النظام السوري ارسل الى فرنسا عبر الاردن خلاصة التحقيقات التي أجراها مع معتقلين و"جهاديين" إسلاميين جرى اعتقالهم خلال المعارك الدائرة، وتحمل معلومات وُصفت بأنّها قيّمة حول تركيباتهم، تبدو باريس بأمسّ الحاجة اليها في معاركها في مالي.

وصحيح انّ نقل هذه المعلومات حصل بمبادرة سوريّة ذاتية ومن دون حصول تواصل مباشر مع الفرنسيين، إلّا أنّه شكّل عامل إغراء كبير لباريس التي تعاني أصلاً في حربها الافريقية من الأزمة الاقتصادية الخانقة، ما جعلها مثلاً مضطرّة لنقل جنودها بسرعة الى مالي من خلال استئجار طائرات مدنيّة، ما كشف عن تراجع الجهوزية العسكرية نتيجة الأزمة الاقتصادية.

لكنّ سياسة العصا الايرانية والجزرة السورية، قابلتها واشنطن بسياسة مماثلة. فالنظام السوري الذي حقّق تقدّماً عسكريّاً واضحاً لا سيّما في ريف دمشق، ما مكّن الرئيس السوري من الظهورعلانية أكثر من مرّة في المدة الاخيرة، إنّما استطاع تحقيق تفوّقه العسكري نتيجة حصوله على تقنية جديدة سمحت له بنقل شيفرة شبكة "الثريا" وشبكة الانترنت واللتين تشكّلان وسيلة التواصل الآمن بين المعارضين. وبذلك نجح الجيش السوري في تحديد مواقع القيادات العملانية للمعارضين وتوجيه ضربات مباشرة لهم.

وهو ما أدّى مثلا الى اكتشاف عمليات التسلّل من لبنان وتنفيذ كمائن ناجحة. وأدّى ذلك المعطى الى قلب مسار المعارك لصالح النظام. ولذلك نفّذت إسرائيل ضربتها الجوّية بالتعاون مع واشنطن لأحد المراكز الاساسية لهذه التقنية بهدف المحافظة على التوازن العسكري بين الطرفين ولو بالحدّ الادنى.

وتعتقد مراكز الدراسات الاميركية انّ للغارة هدفاً آخر وهو فتح الأجواء السورية امام المقاتلات الاسرائيلية، بحيث تصبح قادرة في مرحلة ما على اغتيال الرئيس السوري في حال تعقّدت المفاوضات.

وفي موازاة ذلك، لم تكن روسيا بعيدة بدورها عن سياسة العصا والجزرة. فالمجموعات اليسارية التركية والتي تضمّ الكثير من المتطرّفين، سجّلت نشاطات كثيرة خلال المرحلة الاخيرة، كان أبرزها على الاطلاق التفجير الانتحاري الذي طاول السفارة الاميركية في تركيا، إضافة الى الهجوم الذي تعرّضت له أطقُم الباتريوت التي كانت موضع انتقاد عنيف من قِبل هذه المجموعات اليسارية.

كذلك سجّل إطلاق قنابل دخانية على جنود الناتو وإحراق الأعلام الاميركية. وحذّر "معهد واشنطن" الذي كشف هذه المعلومات من تبنّي وترويج أجهزة الإعلام في إيران وروسيا لتلك الانشطة، ما قد يحفّز قوى أخرى لإحداث اضطرابات أخرى في تركيا وتعزيز مفهوم عدم الاستقرار.

كلّ ذلك يؤشّر الى انّ الايجابية التي ظهرت خلال الايّام الماضية إنّما فرضتها الظروف الضاغطة التي تسود ساحات المواجهة، ولو أنّ المسار العام يتّجه نحو المفاوضات لإنجاز تسويات، ما قد يستلزم في بعض المراحل ظهور التشدّد من جديد، لكن في إطار لعبة التفاوض وتعزيز الأوراق، وليس في إطار الذهاب بالمواجهات الى النهاية.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-02-05
  • 10558
  • من الأرشيف

واشنطن وموسكو وطهران ودمشق: سياسة "العصا والجزرة"

 صحيح أنّ المؤشّرات الإيجابية على مستوى الأزمة السورية بدأت بالظهور، إلّا أنّ ذلك لا يعني توقّع إنجاز الحلول قريباً. فالإدارة الاميركية التي تعمل على التمهيد جيّداً للقاء القمّة مع الرئيس الروسي، تحضّر ملفّاتها أيضاً لتحقيق تقدّم على مستوى المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية كي يشكّل ذلك مدخلاً جيّداً للمفاوضات الأصعب مع إيران. كلّ ذلك بات معروفاً مع ما يعني في بعض أوجهه أنّ المفاوضات تحتاج الى شدّ حبال ومناورات ورفعِ السقف و"قنابل دخانية"، وهو ما يتناقض مع الإشارات الإيجابية الجاري تبادلها في هذه المرحلة. فصحيح أنّ وزير الخارجية الايراني علي أكبر صالحي أعلن أنّ إيران تدرس المقترحات الاميركية بشأن المفاوضات المباشرة مع طهران بإيجابية، وصحيح أنّ نائب وزير الخارجية الاسرائيلي "المتشدّد" داني ايالون نفى معارضة حكومته لهذه المفاوضات المباشرة، إلّا أنّ إيران ستأخذ وقتها قبل الشروع بهذه المفاوضات المباشرة لحين تلمس الافق الاميركي الحقيقي لمشروعها الجديد، طالما إنّ الظروف تعمل لغير صالح واشنطن في المنطقة. فالأحداث التي اندلعت في افريقيا وفرضت على باريس التدخّل عسكريّاً في مالي إنّما فرضت تعديلات اساسية على مسار الأحداث في المنطقة. فالقلق من التنظيمات المتطرّفة والتي كانت قد فرضت نفسها على فريق المعارضة السورية، دفع الغرب الى "تقنين" مستوى التسليح لهذه المجموعات خشية انتقال هذه الاسلحة الى مناطق اخرى حسّاسة، واستخدامها ضدّ المصالح الأميركية. لكنّ هذا "التقنين"، مضافاً إليه "جاذبية" مواجهة الجنود الفرنسيين، دفع بقوافل المتشدّدين الى تعديل مسارهم من سوريا باتّجاه مالي. وحسب أوساط ديبلوماسية معنيّة فإنّ بعض مخيّمات التدريب التابعة لهذه المجموعات والموجودة في اليمن، باشرت بتوريد "مجاهديها" باتّجاه افريقيا بدل سوريا. ففي القارّة السوداء بيئة حاضنة لهؤلاء لا سيّما في افريقيا الشمالية، وحيث ما تزال ليبيا تلعب دور "مخزن الأسلحة" لهذه المجموعات على مستوى كامل المنطقة. لذلك تبدو فرنسا ومن خلفِها واشنطن بحاجة لتأمين ظهر قوّاتها في افريقيا من إيران التي تملك مواقع "لوجستية" مهمّة في السودان ساهمت في المراحل الماضية في تأمين وصول السلاح الى حركتَي حماس والجهاد الإسلامي في غزّة. أو بتعبير أوضح قيام طهران بتوسيع دائرة المواجهة لإغراق القوات الفرنسية في رمال المنطقة.   وفي حين امتلكت باريس بعض المؤشّرات حول وجود نيّة لطهران لاستغلال "المأزق" الافريقي، فإنّها فوجئت بالمبادرة التي قام بها النظام السوري لمساعدة باريس في أفريقيا، وعلى طريقة "عصا" إيران في أفريقيا و"جزرة" سوريا على مستوى التنظيمات الإسلامية. ذلك أنّ النظام السوري ارسل الى فرنسا عبر الاردن خلاصة التحقيقات التي أجراها مع معتقلين و"جهاديين" إسلاميين جرى اعتقالهم خلال المعارك الدائرة، وتحمل معلومات وُصفت بأنّها قيّمة حول تركيباتهم، تبدو باريس بأمسّ الحاجة اليها في معاركها في مالي. وصحيح انّ نقل هذه المعلومات حصل بمبادرة سوريّة ذاتية ومن دون حصول تواصل مباشر مع الفرنسيين، إلّا أنّه شكّل عامل إغراء كبير لباريس التي تعاني أصلاً في حربها الافريقية من الأزمة الاقتصادية الخانقة، ما جعلها مثلاً مضطرّة لنقل جنودها بسرعة الى مالي من خلال استئجار طائرات مدنيّة، ما كشف عن تراجع الجهوزية العسكرية نتيجة الأزمة الاقتصادية. لكنّ سياسة العصا الايرانية والجزرة السورية، قابلتها واشنطن بسياسة مماثلة. فالنظام السوري الذي حقّق تقدّماً عسكريّاً واضحاً لا سيّما في ريف دمشق، ما مكّن الرئيس السوري من الظهورعلانية أكثر من مرّة في المدة الاخيرة، إنّما استطاع تحقيق تفوّقه العسكري نتيجة حصوله على تقنية جديدة سمحت له بنقل شيفرة شبكة "الثريا" وشبكة الانترنت واللتين تشكّلان وسيلة التواصل الآمن بين المعارضين. وبذلك نجح الجيش السوري في تحديد مواقع القيادات العملانية للمعارضين وتوجيه ضربات مباشرة لهم. وهو ما أدّى مثلا الى اكتشاف عمليات التسلّل من لبنان وتنفيذ كمائن ناجحة. وأدّى ذلك المعطى الى قلب مسار المعارك لصالح النظام. ولذلك نفّذت إسرائيل ضربتها الجوّية بالتعاون مع واشنطن لأحد المراكز الاساسية لهذه التقنية بهدف المحافظة على التوازن العسكري بين الطرفين ولو بالحدّ الادنى. وتعتقد مراكز الدراسات الاميركية انّ للغارة هدفاً آخر وهو فتح الأجواء السورية امام المقاتلات الاسرائيلية، بحيث تصبح قادرة في مرحلة ما على اغتيال الرئيس السوري في حال تعقّدت المفاوضات. وفي موازاة ذلك، لم تكن روسيا بعيدة بدورها عن سياسة العصا والجزرة. فالمجموعات اليسارية التركية والتي تضمّ الكثير من المتطرّفين، سجّلت نشاطات كثيرة خلال المرحلة الاخيرة، كان أبرزها على الاطلاق التفجير الانتحاري الذي طاول السفارة الاميركية في تركيا، إضافة الى الهجوم الذي تعرّضت له أطقُم الباتريوت التي كانت موضع انتقاد عنيف من قِبل هذه المجموعات اليسارية. كذلك سجّل إطلاق قنابل دخانية على جنود الناتو وإحراق الأعلام الاميركية. وحذّر "معهد واشنطن" الذي كشف هذه المعلومات من تبنّي وترويج أجهزة الإعلام في إيران وروسيا لتلك الانشطة، ما قد يحفّز قوى أخرى لإحداث اضطرابات أخرى في تركيا وتعزيز مفهوم عدم الاستقرار. كلّ ذلك يؤشّر الى انّ الايجابية التي ظهرت خلال الايّام الماضية إنّما فرضتها الظروف الضاغطة التي تسود ساحات المواجهة، ولو أنّ المسار العام يتّجه نحو المفاوضات لإنجاز تسويات، ما قد يستلزم في بعض المراحل ظهور التشدّد من جديد، لكن في إطار لعبة التفاوض وتعزيز الأوراق، وليس في إطار الذهاب بالمواجهات الى النهاية.  

المصدر : جوني منير -


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة