دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
دخلت إسرائيل بقوة على خط الأزمة السورية، وبعد نحو سنتين من حالة مراقبة الأوضاع الميدانية، و"النأي بالنفس" عما يجري في سورية استهدف الطيران الإسرائيلي مركزا للبحوث العلمية والعسكرية في منطقة جمرايا حسب إعلان دمشق، وموكبا للأسلحة المنقولة إلى حزب الله حسب مصادر غربية. ولا يمكن عزل الغارة عما نقلته صحيفة "صاندي تايمز" من أن إسرائيل تفكر في إقامة حزام أمني في داخل الأراضي السورية على طول الحدود بعمق 16 كيلومترا، وما أوردته صحيفة "معاريف" بأن الجيش الإسرائيلي بدأ في تشييد جدار حدودي هو الأكثر تطورا في العالم بطول60 كيلومترا في أراضي الجولان، إضافة إلى نشر أنظمة دفاع "القبة الحديدية" على الجبهة الشمالية.
احراج النظام...
الاستهداف الإسرائيلي للأراضي السورية ليس الأول من نوعه فقد سبقته اعتداءات عدة أهمها ضرب موقع قرب دير الزور يشتبه في أنه مفاعل نووي، والغارة على منطقة عين الصاحب، وتحليق الطيران فوق القصر الجمهوري في اللاذقية، إضافة إلى الاشتباه بتصفية بعض الشخصيات.
لكنه هذه الغارة هي الأصعب بالنسبة للنظام من حيث التوقيت، والقرار الذي يجب أن يتخذ للرد عليها. ومن المؤكد أن الغارة في هذا الإطار أحرجت صناع القرار في النظام السوري، ووضعتهم في موقف لا يحسدون عليه ففي حال الرد على الغارة فإن هناك مخاوف جدية من ردّ إسرائيلي يتسبب في جرها إلى معركة هي آخر ما تتمناه حاليا، إذ تتركز الجهود لمنع تقدم الجيش الحر والمعارضة المسلحة، وبالتأكيد فإن دخول إسرائيل على الخط يعطل النظام عن هدفه الأساسي في الوقت الراهن. وفي حال عدم الرد فإن المعارضة سوف تستغل الوضع في إدانة النظام، والتأكيد على أنه يستطيع فقط محاربة أبناء بلده.
وعلى الرغم من ذلك فإن الموقف الرسمي لم يتغير عن السابق وأكد أن النظام قادر على الرد لكنه يحتفظ بهذا الحق في المكان والزمان المناسبين، وأضاف أن الغارة تؤكد دعم إسرائيل للمعارضة، وسارع النظام إلى الربط بين الغارة وخيوط "المؤامرة الكونية" التي تتعرض لها البلاد، وتستهدف دورها الممانع.
انتهاز اللحظة المناسبة للضربة...
باستثناء الاعتراف الضمني لوزير الدفاع إيهود باراك بتوجيه الضربة، فإن الجيش لم يقر بمسؤوليته عن الغارة. ويشي عدم الإعتراف بأن الغارة يمكن ألا تكون الأخيرة.
والواضح أن إسرائيل أرادت توجيه رسائل واضحة إلى النظام السوري بأن نقل الأسلحة إلى حزب الله خط أحمر لا يمكن أن تسمح به، وأنها مستعدة لتكرار الضربة إن اقتضت الحاجة. ولا يقتصر التهديد على نقل الأسلحة الكيماوية فقط بل يتعداه إلى نقل الأسلحة الصاروخية أرض- أرض أو صواريخ أرض - جو.
وكما استغلت إسرائيل الأوضاع الصعبة للنظام فإنها أيضا أخذت بعين الاعتبار عدم قدرة حزب الله على رد شامل بسبب تعقيدات الأوضاع الداخلية في لبنان وقرب الانتخابات، وبعثت برسالة مفادها أنها مستعدة لمواجهته، ولن تتوانى عن توجيه ضربة له في حال تلقيه أسلحة من سورية أو أي محاولة من قبل الحزب على توجيه ضربة إلى الأراضي الإسرائيلية دفاعا عن إيران أو لخلط الأوراق في حال اقتراب سقوط النظام في سورية.
ومن السذاجة الربط بين الغارة والتلويح بضرب المشروع النووي الإيراني، لأن الهدف قريب من الحدود، ولا تتضمن تعقيدات كتلك التي تواجه ضربة إسرائيلية للمواقع النووية، لكن تل أبيب استغلت الأزمة الاقتصادية في إيران، واقتراب موعد الانتخابات، والحديث عن توجه أمريكي جديد في التعامل مع إيران بعد تعيين كيري في الخارجية.
موازنة صعبة بين الربح والخسارة
يرى بعض المحللين أن إسرائيل قامت بالغارة المذكورة على جمرايا لتوجيه رسائل أيضا إلى المعارضة السورية المسلحة بأنها سوف تضرب عندما ترى ضرورة في ذلك.
ومن المؤكد أن إسرائيل تخشى من تحول الحدود الهادئة منذ نحو أربعة عقود إلى مشكلة أمنية لها، وخصوصا أن هناك مجموعات معارضة مسلحة باتت على بعد كيلومترات عدة عن حدودها.
ورغم خوفها من الانفلات الأمني فإنها مقتنعة بأن سقوط نظام الرئيس بشار الأسد مفيد جدا خصوصا أنه يفكك محور إيران –سورية- حزب الله، ويشكل ضربة قوية لإيران لأنها تفقد حليفا أدخلها بقوة إلى معادلة الصراع مع إسرائيل وكان وفيا لها طوال العقود الثلاثة الأخيرة. كما أن سقوط الأسد يفتح على تراجع تسليح حزب الله، ودوره في لبنان، لأن أي نظام جديد لن يبني علاقات تحالف مع إيران وحزب الله الذي أخفق في التحول إلى حزب سياسي بعد سنوات تحرير الجنوب، كما أن النصر العسكري الكبير في حرب تموز 2006 تحول خسارة استراتيجية مع تبني القرار 1701 وانتشار قوات اليونيفيل في الجنوب، ما يعني أن أي معركة لن تكون ضمن القواعد السابقة لحرب تموز بمبدأ ضربات صغيرة متبادلة يمكن احتواء آثارها بل ضمن حرب شاملة.
ويصب سقوط الأسد في مصلحة إسرائيل في حال تطور الأمور وفق سيناريو تقسيم البلاد، وضعف دور الحكومة المركزية، وانعدام قدرة الجيش على الرد بحرب تقليدية على إسرائيل.
لكن المخيف بالنسبة لإسرائيل هو تسرب الأسلحة إلى المجموعات الجهادية المسلحة، وتحول الجولان إلى جبهة مشتعلة، أو حالة الانفلات الأمني التي تسمح بتسرب بعض المجموعات المسلحة إلى إسرائيل، وهو ما يفسر مسارعتها منذ أحداث مسيرة العودة في مايو 2011، إلى إعادة النظر في ترتيبات الأمن على الحدود خصوصا أن مئات الفلسطينيين استطاعوا قطع الشريط الحدودي والوصول إلى قرية مجدل شمس في الجولان المحتل والصلاة فيها، حتى أن أحد الشبان الفلسطينيين وصل حينها إلى يافا.
استعداد لليوم التالي لسقوط الأسد
ويبدو أن إسرائيل باتت أكثر قناعة بقرب سقوط نظام الرئيس الأسد، ولهذا رغبت في توجيه رسائل إلى جميع الأطراف المعنية وباشرت في عملية تحصين نفسها من حالة انفلات أمني على الحدود قبل سقوط الأسد أو في اليوم التالي لانهيار النظام، عبر الغارة الجوية ونشر منظومات الدفاع الصاروخي "القبة الحديدية" في الشمالي، وإعادة زرع الألغام، وبناء جدار أمني على طول الحدود بكلفة تصل 67 مليون دولار، ومن المتوقع أن يكشف عن مواصفاته في الأسبوع الحالي والتي تسرب منها أن طول الجدار يبلغ 6 أمتار، ومزود بمجسات إلكترونية. ويبقى الأخطر ما كشفته صحيفة "صاندي تايمز" عن أن إسرائيل تفكر في إقامة حزام أمني بعرض 16 كيلومترا للدفاع عن نفسها في وجه "الثوار الأصوليين" وهي تشبه مافعلته في لبنان عقب غزو 1978، وتبرر مصادر إسرائيلية إقامة المنطقة العازلة بالخوف من خطر الصواريخ.
وأيا كانت الأسباب والدوافع للعدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية، فإنه يكشف عن المآلات الصعبة لسورية بعد نحو عامين من الحراك الشعبي الذي تحول صراعا عسكريا دمر البنية التحتية للبلاد، وأحدث شروخا عميقة في بنية المجتمع تنذر بحرب أهلية طويلة. وإذا كانت إسرائيل أكبر المستفيدين من تدمير سورية على أيدي أبنائها فإن مستقبل سورية مهدد باستباحة أراضيها وأجوائها وتحولها إلى ورقة بأيدي أطراف أجنبية بعدما كانت لاعبا إقليميا مهما، وأيا كان الطرف المنتصر في الصراع فإنه سوف يكون عاجزا لفترة طويلة عن الدفاع عن حدود البلاد، وإرساء السلم الأهلي، وإعادة بناء ما دمرته الحرب.
المصدر :
سامر الياس\ روسيا اليوم
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة