بطرس حرب مطلوب للعدالة. لولا الحصانة النيابية لكان قد لوحق جزائياً، وربما مكبلاً بالأصفاد. كتاب القاضي حاتم ماضي إلى وزير العدل حمل لغة قوية، مهددة، ساخرة من النائب الذي يريد التفخيخ لنفسه ولو بالقوة. استخف حرب بماضي. والأخير يقول: أدّعي عليه وعلى من هو أكبر منه

شهيد حيّ بـ«القوة». يريد لذاك الصاعق في المصعد أن يكون معداً له فقط بـ«القوة». لننتظر حكم القضاء؟ أبداً... أنا وحدي المستهدف... وبـ«القوة». هكذا بدا النائب بطرس حرب، أمس، في كتاب المدّعي العام لدى محكمة التمييز القاضي حاتم ماضي. بيان قوي وحاد، فيه الكثير من الغمز، وفيه برأس الصفحة: «الادّعاء على حرب، وطلب رفع الحصانة النيابية عنه تمهيداً لملاحقته جزائياً».

وقع الخبر كان صادماً على حرب، فخرج مصرّحاً: «من سخرية القدر أن يسمح قاضٍ لنفسه بأن يطلب ملاحقتي جزائياً». تخلى حرب عن رداء رجل القانون. هو محامٍ. يفخر بأنه من أكثر النواب تشريعاً على مدى أكثر من 4 عقود. غاب عنه أن المدّعي هنا هو على رأس النيابات في السلطة القضائية. هو يعرف، أكثر من غيره، صلاحيات النائب العام، وأنه يمكنه الادّعاء على أيّ كان.

وصل إلى القاضي ماضي خبر استخفاف حرب بطلبه. قال: «من يعتقد بطرس حرب نفسه ليكون أعلى من القضاء؟ بصفته ماذا يستخف بغيره؟ إن كان هذا مقبولاً من جميع المسؤولين في الدولة، فحسناً، ليغلقوا العدلية والمؤسسات، وبلاها هذه الدولة من الأصل!». هذه الكلمات توحي بأنّ قائلها في حالة غضب. لكن، في الواقع، كان ماضي بارد الأعصاب. هادئاً وفي بعض الأحيان ساخراً. حجم اللوحة المعلقة في مكتبه يجعلها بارزة: «لا تغضب».

ماضي وجّه كتابه إلى وزير العدل شكيب قرطباوي. لم يتسنّ للوزير، حتى مساء أمس، التمعن في قراءته. عنوان الكتاب: «طلب ملاحقة النائب الشيخ بطرس حرب قضائياً». وفي المتن أن السبب هو ادعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية على المدعو محمود الحايك، للاشتباه فيه بأنه «كان يحاول تفخيخ المصعد في البناء الذي يحتوي على عدة شقق سكنية، منها شقة تخص وزير الدفاع فايز غصن، وعلى عدة مؤسسات تجارية ومكاتب، ومنها مكتب للنائب النائب المحامي بطرس حرب، يرتاده من وقت لآخر». وبعد الادعاء على حايك، أدلى حرب بتصريح صحافي نشرته صحيفة «المستقبل» بتاريخ 2/2/2013 (الصفحة 3) ونشرته أيضاً صحيفة «الجمهورية» بتاريخ 2/2/2013 (الصفحة 10)، وأدلى بتصريح متلفز إلى قناة «MTV»، بُثَّ في نشرة أخبار الساعة الثامنة.

وسجَّل القضاء على حرب أنه قال في تصريحاته العبارات الآتية: «وقد ساعد تدخل رئيس الجمهورية في حسم الموضوع»... و«أشكر فخامة الرئيس على تدخله....» و«إن بعض الهيئات القضائية كانت متواطئة مع حزب الله، وتسعى بكل جهد إلى إرضائه على حساب العدالة...». إن ما أورده حرب، بحسب كتاب ماضي، لجهة شخص رئيس الجمهورية أو مقامه، أو لجهة الإشارة إلى بعض الهيئات القضائية «ليس فقط عارياً من الصحة، بل هو مختلق برمته». مختلق يعني أن هذا الكلام كذب. يعني أن حرب يكذب. هنا كان كتاب ماضي في أقوى فصوله. ويضيف موضحاً: «فمن جهة أولى أن فخامة رئيس الجمهوية لم يتدخل يوماً مع أي جهة قضائية في مسار الملفات العالقة لديها، وخصوصاً في ملف القضية التي يحتكر سعادة النائب الكريم نسبتها إليه وحده». بالنسبة إلى ماضي فإن تصريح حرب «يشكل إساءة متعمدة إلى شخص فخامة رئيس الجمهورية ومقامه، لأنه أظهرهما فريقاً منحازاً إليه وهما ليسا كذلك على الإطلاق». في هذا الإطار، أكّد ماضي لـ«الأخبار» أنه اتصل برئيس الجمهورية، وسأله عما إذا كان كلام حرب فيه شيء من الصدقية، فكان الجواب بالنفي، ولذلك «رأيت أن هذا فعل تجنٍّ وتقويل الرئيس ما لم يقله، إلى درجة أنه كاد يوقع بين الرئيس وحزب الله، ونحن في غنى عن هذا».

من جهة ثانية، أورد ماضي في كتابه أن القضاء «لا يتواطأ مع أحد، كائناً من كان، على حساب العدالة، وكلام سعادة النائب المعاكس ــ وهو غير صحيح طبعاً ــ يشكل إهانة وازدراء للقضاء أو لبعض هيئاته، فضلاً عن أنه يشكل رسالة تهويل غير مسبوقة». ومما أوضحه ماضي، من خارج كتابه، أنه «في عهده لن يكون مقبولاً التهجم على القضاء أو المسّ بسمعته، حماية الرئيس والقضاء هي من أبرز مهماتي، ولن يكون هناك استنسابية في هذا، سألاحق الجميع في هذا مهما علا شأنهم». هذا ما أوضحه لـ«الأخبار» في لقاء معه داخل مكتبه. الاتصالات كانت تنهمر عليه من كل حدب وصوب. إنه الشيخ بطرس حرب، يعني «مش هينة». وهو نفسه «مش هين» أيضاً، إذ يقال إنه وجّه تهديدات، من نوع ما، إلى قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا.

أخيراً، خلص ماضي في كتابه إلى طلب رفع الحصانة عن حرب، لافتاً إلى أن الحصانة «إنما وجدت لتمكين النائب من ممارسة وكالته عن الأمة التي يمثلها بحرية، فإن هذه الحصانة تسقط حكماً عندما ينحرف هذا النائب في قوله أو فعله عن هذا الهدف ابتغاء لمصلحة شخصية أو فردية ضيقة، كما هو الحال حاضراً». هكذا، بطرس حرب «منحرف» نيابياً.

إذاً، الكتاب أصبح بعهدة قرطباوي، الذي سيرسله بدوره إلى الأمانة العامة لمجلس النواب، لتصبح القضية لدى رئيس المجلس نبيه بري. يذكر أن الأشهر الماضية شهدت حالة مماثلة؛ إذ أحيل طلب رفع الحصانة عن النائب معين المرعبي، بعد تهجمه على الجيش، على بري أيضاً، ولكن يبدو أنه وضع في الدرج ولم يعد أحد يتكلم فيه. في الواقع، مسألة رفع الحصانة عن النواب إجراء غير مألوف في لبنان. فبعد اتفاق الطائف، لم تُرفَع الحصانة إلا عن نائب واحد هو النائب السابق يحيى شمص الذي اتُّهِم بالاتجار بالمخدرات، علماً بأن المطلعين على تلك القضية يؤكدون أن رفع الحصانة مرتبط بخلاف بين شمص واللواء السوري غازي كنعان. يعرف القاضي ماضي أن هذا الإجراء ليس مألوفاً، لكنه يأمل أن يصبح كذلك، وخاصة «في الحالات التي لا يمكن السكوت عنها».

واعترض عدد من نواب فريق 14 آذار وسياسييه على كتاب ماضي. وأضاف حرب، في مقابلة تلفزيونية، متحدثاً عن ماضي: «رح خلّيه يندم». وأشار إلى أنه سيطلب من الرئيس نبيه برّي رفع الحصانة عنه ليتمكن من مواجهة المدعي العام التمييزي.

  • فريق ماسة
  • 2013-02-04
  • 11414
  • من الأرشيف

القضاء اللبناني يطلب رفع الحصانة عن حرب

بطرس حرب مطلوب للعدالة. لولا الحصانة النيابية لكان قد لوحق جزائياً، وربما مكبلاً بالأصفاد. كتاب القاضي حاتم ماضي إلى وزير العدل حمل لغة قوية، مهددة، ساخرة من النائب الذي يريد التفخيخ لنفسه ولو بالقوة. استخف حرب بماضي. والأخير يقول: أدّعي عليه وعلى من هو أكبر منه شهيد حيّ بـ«القوة». يريد لذاك الصاعق في المصعد أن يكون معداً له فقط بـ«القوة». لننتظر حكم القضاء؟ أبداً... أنا وحدي المستهدف... وبـ«القوة». هكذا بدا النائب بطرس حرب، أمس، في كتاب المدّعي العام لدى محكمة التمييز القاضي حاتم ماضي. بيان قوي وحاد، فيه الكثير من الغمز، وفيه برأس الصفحة: «الادّعاء على حرب، وطلب رفع الحصانة النيابية عنه تمهيداً لملاحقته جزائياً». وقع الخبر كان صادماً على حرب، فخرج مصرّحاً: «من سخرية القدر أن يسمح قاضٍ لنفسه بأن يطلب ملاحقتي جزائياً». تخلى حرب عن رداء رجل القانون. هو محامٍ. يفخر بأنه من أكثر النواب تشريعاً على مدى أكثر من 4 عقود. غاب عنه أن المدّعي هنا هو على رأس النيابات في السلطة القضائية. هو يعرف، أكثر من غيره، صلاحيات النائب العام، وأنه يمكنه الادّعاء على أيّ كان. وصل إلى القاضي ماضي خبر استخفاف حرب بطلبه. قال: «من يعتقد بطرس حرب نفسه ليكون أعلى من القضاء؟ بصفته ماذا يستخف بغيره؟ إن كان هذا مقبولاً من جميع المسؤولين في الدولة، فحسناً، ليغلقوا العدلية والمؤسسات، وبلاها هذه الدولة من الأصل!». هذه الكلمات توحي بأنّ قائلها في حالة غضب. لكن، في الواقع، كان ماضي بارد الأعصاب. هادئاً وفي بعض الأحيان ساخراً. حجم اللوحة المعلقة في مكتبه يجعلها بارزة: «لا تغضب». ماضي وجّه كتابه إلى وزير العدل شكيب قرطباوي. لم يتسنّ للوزير، حتى مساء أمس، التمعن في قراءته. عنوان الكتاب: «طلب ملاحقة النائب الشيخ بطرس حرب قضائياً». وفي المتن أن السبب هو ادعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية على المدعو محمود الحايك، للاشتباه فيه بأنه «كان يحاول تفخيخ المصعد في البناء الذي يحتوي على عدة شقق سكنية، منها شقة تخص وزير الدفاع فايز غصن، وعلى عدة مؤسسات تجارية ومكاتب، ومنها مكتب للنائب النائب المحامي بطرس حرب، يرتاده من وقت لآخر». وبعد الادعاء على حايك، أدلى حرب بتصريح صحافي نشرته صحيفة «المستقبل» بتاريخ 2/2/2013 (الصفحة 3) ونشرته أيضاً صحيفة «الجمهورية» بتاريخ 2/2/2013 (الصفحة 10)، وأدلى بتصريح متلفز إلى قناة «MTV»، بُثَّ في نشرة أخبار الساعة الثامنة. وسجَّل القضاء على حرب أنه قال في تصريحاته العبارات الآتية: «وقد ساعد تدخل رئيس الجمهورية في حسم الموضوع»... و«أشكر فخامة الرئيس على تدخله....» و«إن بعض الهيئات القضائية كانت متواطئة مع حزب الله، وتسعى بكل جهد إلى إرضائه على حساب العدالة...». إن ما أورده حرب، بحسب كتاب ماضي، لجهة شخص رئيس الجمهورية أو مقامه، أو لجهة الإشارة إلى بعض الهيئات القضائية «ليس فقط عارياً من الصحة، بل هو مختلق برمته». مختلق يعني أن هذا الكلام كذب. يعني أن حرب يكذب. هنا كان كتاب ماضي في أقوى فصوله. ويضيف موضحاً: «فمن جهة أولى أن فخامة رئيس الجمهوية لم يتدخل يوماً مع أي جهة قضائية في مسار الملفات العالقة لديها، وخصوصاً في ملف القضية التي يحتكر سعادة النائب الكريم نسبتها إليه وحده». بالنسبة إلى ماضي فإن تصريح حرب «يشكل إساءة متعمدة إلى شخص فخامة رئيس الجمهورية ومقامه، لأنه أظهرهما فريقاً منحازاً إليه وهما ليسا كذلك على الإطلاق». في هذا الإطار، أكّد ماضي لـ«الأخبار» أنه اتصل برئيس الجمهورية، وسأله عما إذا كان كلام حرب فيه شيء من الصدقية، فكان الجواب بالنفي، ولذلك «رأيت أن هذا فعل تجنٍّ وتقويل الرئيس ما لم يقله، إلى درجة أنه كاد يوقع بين الرئيس وحزب الله، ونحن في غنى عن هذا». من جهة ثانية، أورد ماضي في كتابه أن القضاء «لا يتواطأ مع أحد، كائناً من كان، على حساب العدالة، وكلام سعادة النائب المعاكس ــ وهو غير صحيح طبعاً ــ يشكل إهانة وازدراء للقضاء أو لبعض هيئاته، فضلاً عن أنه يشكل رسالة تهويل غير مسبوقة». ومما أوضحه ماضي، من خارج كتابه، أنه «في عهده لن يكون مقبولاً التهجم على القضاء أو المسّ بسمعته، حماية الرئيس والقضاء هي من أبرز مهماتي، ولن يكون هناك استنسابية في هذا، سألاحق الجميع في هذا مهما علا شأنهم». هذا ما أوضحه لـ«الأخبار» في لقاء معه داخل مكتبه. الاتصالات كانت تنهمر عليه من كل حدب وصوب. إنه الشيخ بطرس حرب، يعني «مش هينة». وهو نفسه «مش هين» أيضاً، إذ يقال إنه وجّه تهديدات، من نوع ما، إلى قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا. أخيراً، خلص ماضي في كتابه إلى طلب رفع الحصانة عن حرب، لافتاً إلى أن الحصانة «إنما وجدت لتمكين النائب من ممارسة وكالته عن الأمة التي يمثلها بحرية، فإن هذه الحصانة تسقط حكماً عندما ينحرف هذا النائب في قوله أو فعله عن هذا الهدف ابتغاء لمصلحة شخصية أو فردية ضيقة، كما هو الحال حاضراً». هكذا، بطرس حرب «منحرف» نيابياً. إذاً، الكتاب أصبح بعهدة قرطباوي، الذي سيرسله بدوره إلى الأمانة العامة لمجلس النواب، لتصبح القضية لدى رئيس المجلس نبيه بري. يذكر أن الأشهر الماضية شهدت حالة مماثلة؛ إذ أحيل طلب رفع الحصانة عن النائب معين المرعبي، بعد تهجمه على الجيش، على بري أيضاً، ولكن يبدو أنه وضع في الدرج ولم يعد أحد يتكلم فيه. في الواقع، مسألة رفع الحصانة عن النواب إجراء غير مألوف في لبنان. فبعد اتفاق الطائف، لم تُرفَع الحصانة إلا عن نائب واحد هو النائب السابق يحيى شمص الذي اتُّهِم بالاتجار بالمخدرات، علماً بأن المطلعين على تلك القضية يؤكدون أن رفع الحصانة مرتبط بخلاف بين شمص واللواء السوري غازي كنعان. يعرف القاضي ماضي أن هذا الإجراء ليس مألوفاً، لكنه يأمل أن يصبح كذلك، وخاصة «في الحالات التي لا يمكن السكوت عنها». واعترض عدد من نواب فريق 14 آذار وسياسييه على كتاب ماضي. وأضاف حرب، في مقابلة تلفزيونية، متحدثاً عن ماضي: «رح خلّيه يندم». وأشار إلى أنه سيطلب من الرئيس نبيه برّي رفع الحصانة عنه ليتمكن من مواجهة المدعي العام التمييزي.

المصدر : محمد نزال\ الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة