برغم بلوغ الموقف الأميركي والأوروبي والعربي، الحائط المسدود، في التعامل مع الأزمة السورية المتفاقمة، وعدم تبلور أية خطة بديلة لمؤتمر جنيف الحمال الأوجه، فإن استمرار الأزمة بدأ يلقي بظله الثقيل على دول الجوار، من دون استثناء، ولا سيما تركيا التي كانت تفترض أنها محصنة، واذا بالنيران تنتقل الى الداخل التركي، تفجيرات وشرارات أمنية متنقلة، فضلا عن اتخاذ الخطاب الطائفي حدة غير مسبوقة في المجتمع التركي منذ عقود طويلة.

حتى أن النائب وليد جنبلاط، اعترف بأن الرئيس السوري بشار الأسد نجح بنقل الأزمة الى تركيا وهو يستطيع نقلها الى لبنان اذا قرر ذلك، ومن هنا خطورة الوقوع في فخ الفراغ الحكومي، فيما تصر قوى لبنانية وازنة في المعارضة، على دفن الرأس في الرمال وإيهام نفسها بأن تملك من الوقائع ما يشي عكس ذلك، وتقول ان معركة دمشق صارت على الأبواب والنظام سيسقط قبل نهاية العام الحالي «وان غدا لناظره قريب»!

ومع انتهاء الانتخابات الرئاسية الاميركية وفوز باراك أوباما بولاية رئاسية ثانية، سيكون فيها أكثر تحررا من الولاية الأولى، يبدأ العد العكسي لاحتمال «مغادرة القوتين العظميين (الولايات المتحدة وروسيا) دائرة المراوحة القاتلة في الملف السوري، وتتعزز بالتالي فرصة البحث الجدي عن تسوية اقليمية شاملة لن تقتصر على سوريا وحدها بل قد تطال ملفات اخرى ذات دينامية خاصة وأهمية ملحة للدول الكبرى» على حد تعبير مصدر ديبلوماسي لبناني بارز.

ويلفت المصدر الانتباه الى أنه بمعزل عن الضجيج التركي حول استقدام بطاريات «باتريوت» الى منطقة الحدود مع سوريا واستمرار المناوشات المتقطعة، فإن الموقف التركي فاجأ كثيرين بحديثه عن حل في سوريا في ظل الرئيس بشار الاسد، «وهذا تغيير في الموقف التركي، أقله السياسي لا الميداني، كنتيجة طبيعية للموقف الروسي الذي يزداد صلابة كلما أمعن الغرب وحلفاؤه في المنطقة بتأجيج الحملة العسكرية والامنية والسياسية ضد النظام السوري، وليس أدل على ذلك موقف وزير خارجية روسيا سيرغيه لافروف في عمان بعد اجتماعه بعدد من رموز المعارضة السورية هناك».

ويكشف المصدر معلومات مفادها «ان رسالة روسية مباشرة أبلغها الرئيس فلاديمير بوتين الى نظيره الاميركي باراك اوباما وعدد من القادة الاوروبيين، أُتبعت برسالة تحمل المضمون ذاته أبلغها وزير خارجيته سيرغي لافروف خلال اجتماعه بوزراء خارجية الاتحاد الاوروبي، تتضمن الآتي: «اذا أردتم إسقاط الرئيس الاسد، فإنكم محكومون بممر إلزامي في الكرملين بإسقاط فلاديمير بوتين اولا»، وبعد هذه الرسالة الحاسمة تم نصب صواريخ روسية باتجاه تركيا وألغيت زيارة بوتين الى أنقرة في الشهر الماضي».

ويوضح المصدر «ان هذا الموقف الروسي دفع القيادة التركية الى إعادة تقييم موقفها السياسي من الازمة السورية، وجاء كلامها عن الحل في سوريا في ظل الاسد وهو يعني ان الاخير هو من يقرر مصيره في حال الوصول الى تسوية سياسية، فإذا تمكن الاسد من انتزاع ثقة الشعب في انتخابات رئاسية ديموقراطية، حينها يكون المخرج بأن الشعب السوري يريد ذلك، أما اذ أنتجت الانتخابات معادلات سياسية جديدة في سوريا، فأيضا يرضخ الجميع للإرادة الشعبية بمن فيهم الرئيس الأسد».

ويتحدث المصدر «عن خلاف كبير بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ووزير خارجيته احمد داود اوغلو صاحب نظرية «صفر مشاكل مع الجوار»، لان أركان «حزب العدالة والتنمية» يلومون أردوغان على السياسة الخاطئة التي ورّطه بها اوغلو كما ورّط الحزب، وصارت تتعالى الأصوات داخله ضد سياسة اوغلو على قاعدة أن سياسة «صفر مشاكل» جلبت القلق لتركيا مع كل محيطها».

وأشار المصدر الى ان «إرباك أردوغان في الداخل التركي نتيجة المخاطر التي جلبتها السياسة التركية تجاه سوريا، دفعه للاستنجاد بالدور الايراني الفاعل في المنطقة من ضمن اللجنة الثلاثية التي تضم ايران ومصر (انسحبت منها السعودية)، وكل ذلك في محاولة لالتقاط الأنفاس وتحسين وضعه الداخلي، خصوصا ان تصاعد احتجاج أركان «حزب العدالة والتنمية» على السياسة الخارجية التي يقودها أوغلو جاء بعد نشر روسيا صواريخها باتجاه الاراضي التركية».

ويقول المصدر انه «جرت العادة على مدى سنة ونصف السنة، أن يأتي موفد ايراني تلو الموفد الى أنقرة للبحث مع المسؤولين الأتراك في المخارج الممكنة للأزمة السورية، وكان رد أوغلو الدائم أن لا حل خارج معادلة إطاحة الأسد أو تنحيه، فيعود كل مسؤول ايراني الى بلاده خالي الوفاض، أما اليوم فقد انقلبت المعادلة، وها هي أنقرة تلح على الايرانيين الجلوس الى طاولة واحدة للبحث عن مخارج، ولكن الايرانيين باتوا يتعاملون مع الأمر بطريقة مختلفة».

ويلفت المصدر الديبلوماسي الانتباه الى ان «قيادات لبنانية، لا سيما في صفوف المعارضة، باتت في مناخ أن الموقف التركي يتحول تدريجيا، وبالتالي عليها إعادة تقييم مواقفها تبعا للمستجدات الاقليمية، وخصوصا ارتفاع حظوظ التسويات والمقايضات، بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الاميركية، ما يؤشر الى أن الامور متجهة الى تفاهم روسي ـ أميركي بمشاركة من عواصم دولية وإقليمية فاعلة ينتج تسوية ما للأزمة السورية ولملفات اخرى، أبرزها الملف الايراني».

ويضع المصدر ذاته «الحالة الانفعالية التي سادت «فريق 14 آذار» اثر اغتيال اللواء وسام الحسن، في خانة سعيه الى تحقيق إنجاز سريع يؤمن له موقعه ويحفظ دوره في أي معادلة اقليمية جديدة، وبدلا من ان تحقق مكاسب نوعية خسرت حتى تموضع النائب وليد جنبلاط الذي أمّن لهذه القوى حضورا غير مباشر في السلطة عبر حماية مواقعها ومصالحها، إلا ان هذا الحرص الجنبلاطي تمت مبادلته بخفة سياسية غير مسبوقة تتحمل قوى المعارضة وحدها مسؤولية تصحيح هذا التصرف اللامسؤول مع زعيم لبناني يتحكم اليوم بمعادلة الأكثرية والاقلية».

* المصدر: السفير

  • فريق ماسة
  • 2012-11-08
  • 10378
  • من الأرشيف

بوتين لاوباما: اذا أردتم إسقاط الرئيس الاسد فإنكم محكومون بممر إلزامي في الكرملين بإسقاط فلاديمير بوتين أولا

برغم بلوغ الموقف الأميركي والأوروبي والعربي، الحائط المسدود، في التعامل مع الأزمة السورية المتفاقمة، وعدم تبلور أية خطة بديلة لمؤتمر جنيف الحمال الأوجه، فإن استمرار الأزمة بدأ يلقي بظله الثقيل على دول الجوار، من دون استثناء، ولا سيما تركيا التي كانت تفترض أنها محصنة، واذا بالنيران تنتقل الى الداخل التركي، تفجيرات وشرارات أمنية متنقلة، فضلا عن اتخاذ الخطاب الطائفي حدة غير مسبوقة في المجتمع التركي منذ عقود طويلة. حتى أن النائب وليد جنبلاط، اعترف بأن الرئيس السوري بشار الأسد نجح بنقل الأزمة الى تركيا وهو يستطيع نقلها الى لبنان اذا قرر ذلك، ومن هنا خطورة الوقوع في فخ الفراغ الحكومي، فيما تصر قوى لبنانية وازنة في المعارضة، على دفن الرأس في الرمال وإيهام نفسها بأن تملك من الوقائع ما يشي عكس ذلك، وتقول ان معركة دمشق صارت على الأبواب والنظام سيسقط قبل نهاية العام الحالي «وان غدا لناظره قريب»! ومع انتهاء الانتخابات الرئاسية الاميركية وفوز باراك أوباما بولاية رئاسية ثانية، سيكون فيها أكثر تحررا من الولاية الأولى، يبدأ العد العكسي لاحتمال «مغادرة القوتين العظميين (الولايات المتحدة وروسيا) دائرة المراوحة القاتلة في الملف السوري، وتتعزز بالتالي فرصة البحث الجدي عن تسوية اقليمية شاملة لن تقتصر على سوريا وحدها بل قد تطال ملفات اخرى ذات دينامية خاصة وأهمية ملحة للدول الكبرى» على حد تعبير مصدر ديبلوماسي لبناني بارز. ويلفت المصدر الانتباه الى أنه بمعزل عن الضجيج التركي حول استقدام بطاريات «باتريوت» الى منطقة الحدود مع سوريا واستمرار المناوشات المتقطعة، فإن الموقف التركي فاجأ كثيرين بحديثه عن حل في سوريا في ظل الرئيس بشار الاسد، «وهذا تغيير في الموقف التركي، أقله السياسي لا الميداني، كنتيجة طبيعية للموقف الروسي الذي يزداد صلابة كلما أمعن الغرب وحلفاؤه في المنطقة بتأجيج الحملة العسكرية والامنية والسياسية ضد النظام السوري، وليس أدل على ذلك موقف وزير خارجية روسيا سيرغيه لافروف في عمان بعد اجتماعه بعدد من رموز المعارضة السورية هناك». ويكشف المصدر معلومات مفادها «ان رسالة روسية مباشرة أبلغها الرئيس فلاديمير بوتين الى نظيره الاميركي باراك اوباما وعدد من القادة الاوروبيين، أُتبعت برسالة تحمل المضمون ذاته أبلغها وزير خارجيته سيرغي لافروف خلال اجتماعه بوزراء خارجية الاتحاد الاوروبي، تتضمن الآتي: «اذا أردتم إسقاط الرئيس الاسد، فإنكم محكومون بممر إلزامي في الكرملين بإسقاط فلاديمير بوتين اولا»، وبعد هذه الرسالة الحاسمة تم نصب صواريخ روسية باتجاه تركيا وألغيت زيارة بوتين الى أنقرة في الشهر الماضي». ويوضح المصدر «ان هذا الموقف الروسي دفع القيادة التركية الى إعادة تقييم موقفها السياسي من الازمة السورية، وجاء كلامها عن الحل في سوريا في ظل الاسد وهو يعني ان الاخير هو من يقرر مصيره في حال الوصول الى تسوية سياسية، فإذا تمكن الاسد من انتزاع ثقة الشعب في انتخابات رئاسية ديموقراطية، حينها يكون المخرج بأن الشعب السوري يريد ذلك، أما اذ أنتجت الانتخابات معادلات سياسية جديدة في سوريا، فأيضا يرضخ الجميع للإرادة الشعبية بمن فيهم الرئيس الأسد». ويتحدث المصدر «عن خلاف كبير بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ووزير خارجيته احمد داود اوغلو صاحب نظرية «صفر مشاكل مع الجوار»، لان أركان «حزب العدالة والتنمية» يلومون أردوغان على السياسة الخاطئة التي ورّطه بها اوغلو كما ورّط الحزب، وصارت تتعالى الأصوات داخله ضد سياسة اوغلو على قاعدة أن سياسة «صفر مشاكل» جلبت القلق لتركيا مع كل محيطها». وأشار المصدر الى ان «إرباك أردوغان في الداخل التركي نتيجة المخاطر التي جلبتها السياسة التركية تجاه سوريا، دفعه للاستنجاد بالدور الايراني الفاعل في المنطقة من ضمن اللجنة الثلاثية التي تضم ايران ومصر (انسحبت منها السعودية)، وكل ذلك في محاولة لالتقاط الأنفاس وتحسين وضعه الداخلي، خصوصا ان تصاعد احتجاج أركان «حزب العدالة والتنمية» على السياسة الخارجية التي يقودها أوغلو جاء بعد نشر روسيا صواريخها باتجاه الاراضي التركية». ويقول المصدر انه «جرت العادة على مدى سنة ونصف السنة، أن يأتي موفد ايراني تلو الموفد الى أنقرة للبحث مع المسؤولين الأتراك في المخارج الممكنة للأزمة السورية، وكان رد أوغلو الدائم أن لا حل خارج معادلة إطاحة الأسد أو تنحيه، فيعود كل مسؤول ايراني الى بلاده خالي الوفاض، أما اليوم فقد انقلبت المعادلة، وها هي أنقرة تلح على الايرانيين الجلوس الى طاولة واحدة للبحث عن مخارج، ولكن الايرانيين باتوا يتعاملون مع الأمر بطريقة مختلفة». ويلفت المصدر الديبلوماسي الانتباه الى ان «قيادات لبنانية، لا سيما في صفوف المعارضة، باتت في مناخ أن الموقف التركي يتحول تدريجيا، وبالتالي عليها إعادة تقييم مواقفها تبعا للمستجدات الاقليمية، وخصوصا ارتفاع حظوظ التسويات والمقايضات، بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الاميركية، ما يؤشر الى أن الامور متجهة الى تفاهم روسي ـ أميركي بمشاركة من عواصم دولية وإقليمية فاعلة ينتج تسوية ما للأزمة السورية ولملفات اخرى، أبرزها الملف الايراني». ويضع المصدر ذاته «الحالة الانفعالية التي سادت «فريق 14 آذار» اثر اغتيال اللواء وسام الحسن، في خانة سعيه الى تحقيق إنجاز سريع يؤمن له موقعه ويحفظ دوره في أي معادلة اقليمية جديدة، وبدلا من ان تحقق مكاسب نوعية خسرت حتى تموضع النائب وليد جنبلاط الذي أمّن لهذه القوى حضورا غير مباشر في السلطة عبر حماية مواقعها ومصالحها، إلا ان هذا الحرص الجنبلاطي تمت مبادلته بخفة سياسية غير مسبوقة تتحمل قوى المعارضة وحدها مسؤولية تصحيح هذا التصرف اللامسؤول مع زعيم لبناني يتحكم اليوم بمعادلة الأكثرية والاقلية». * المصدر: السفير

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة