كانت صفقة الاسلحة التشيكية التي عقدها عبد الناصر اواسط الخمسينات بداية انتقال مصر من المعسكر الغربي الى المعسكر السوفياتي.

 فهل تكون صفقة الاسلحة الروسية التي عقدها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مع موسكو بداية لانتقال العراق من المعسكر الاميركي الى المعسكر الروسي الذي بدأ يتبلور مع حضور الاستقطاب الاقليمي والدولي حول الأزمة السورية؟

كل المؤشرات تدل على ان المالكي يسعى الى اعادة بعث الحياة في العلاقات التاريخية التي كانت تربط موسكو وبغداد في فترة الستينات والسبعينات وصولاً الى الثمانينات وانهيار الاتحاد السوفياتي ودخول الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في مغامرة اجتياح الكويت. وثمة ظروف اقليمية ودولية تساعد على احياء العلاقات العراقية - الروسية، من الازمة السورية والمضاعفات المترتبة على دول الجوار من جرائها. ومن الواضح ان الموقفين الروسي والعراقي منسجمان الى ابعد الحدود في ما يتعلق بتوصيف الازمة ومن ثم بالحلول المقترحة للمعالجة.

ولعل التروي العراقي حيال الازمة السورية وعدم الانسجام في المواقف مع بقية الدول العربية وتركيا، عمّق الهوة التي تفصل اصلاً بين بغداد من جهة والولايات المتحدة ومصر ودول مجلس التعاون وتركيا من جهة أخرى. فالعراق يشعر بوطأة الازمة عليه ويحاول تدارك قيام دولة متشددة في جواره قد تعيد احياء الصراع المذهبي في الداخل العراقي. ولا تبتعد موسكو كثيراً عن هاجس تشكيل سوريا منطلقاً لموجة من التطرف الديني ستتردد اصداؤها في القوقاز وداخل روسيا. وهذا ما يتجاوز كثيراً قضية الحفاظ على قاعدة عسكرية شبه مهجورة في طرطوس.

فالهم الاصولي يؤرق موسكو بالقدر الذي يؤرق بغداد. ولا يبدو ان الهجوم الذي شنه المالكي على تركيا ووصفه تصرفاتها بـ"الوقحة" من قلب موسكو، الا دليلاً على الاستياء العارم الذي يشعر به رئيس الوزراء العراقي من السياسة التركية حيال بلاده اولاً وحيال الازمة السورية. وقبل موسكو استرعى الانتباه ان الحكومة العراقية طلبت من تركيا انهاء وجودها العسكري في شمال العراق الذي تستغله انقرة من اجل شن هجمات على مقاتلي "حزب العمال الكردستاني". ولم يتأخر الجواب الاميركي - التركي على زيارة المالكي ومؤشرات الانسجام الروسي - العراقي، فكان اعتراض طائرة الركاب المدنية السورية الآتية من موسكو، بمثابة رسالة احتجاج مزدوجة الى بغداد وموسكو.

وبالتزامن مع الموقف التركي، كان وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا يؤكد من مقر حلف شمال الاطلسي في بروكسيل انباء صحافية عن وجود جنود اميركيين في الاردن بالقرب من الحدود السورية تحت غطاء مساعدة اللاجئين السورين الهاربين من القتال ولمراقبة الاسلحة الكيميائية السورية. وكأن بانيتا أراد بهذا الاعلان افهام المالكي ان الولايات المتحدة تملك بدائل من العراق في احتضان وجودها العسكري.

 

النهار

  • فريق ماسة
  • 2012-10-13
  • 6211
  • من الأرشيف

العراق عاد إلى روسيا

كانت صفقة الاسلحة التشيكية التي عقدها عبد الناصر اواسط الخمسينات بداية انتقال مصر من المعسكر الغربي الى المعسكر السوفياتي.  فهل تكون صفقة الاسلحة الروسية التي عقدها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مع موسكو بداية لانتقال العراق من المعسكر الاميركي الى المعسكر الروسي الذي بدأ يتبلور مع حضور الاستقطاب الاقليمي والدولي حول الأزمة السورية؟ كل المؤشرات تدل على ان المالكي يسعى الى اعادة بعث الحياة في العلاقات التاريخية التي كانت تربط موسكو وبغداد في فترة الستينات والسبعينات وصولاً الى الثمانينات وانهيار الاتحاد السوفياتي ودخول الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في مغامرة اجتياح الكويت. وثمة ظروف اقليمية ودولية تساعد على احياء العلاقات العراقية - الروسية، من الازمة السورية والمضاعفات المترتبة على دول الجوار من جرائها. ومن الواضح ان الموقفين الروسي والعراقي منسجمان الى ابعد الحدود في ما يتعلق بتوصيف الازمة ومن ثم بالحلول المقترحة للمعالجة. ولعل التروي العراقي حيال الازمة السورية وعدم الانسجام في المواقف مع بقية الدول العربية وتركيا، عمّق الهوة التي تفصل اصلاً بين بغداد من جهة والولايات المتحدة ومصر ودول مجلس التعاون وتركيا من جهة أخرى. فالعراق يشعر بوطأة الازمة عليه ويحاول تدارك قيام دولة متشددة في جواره قد تعيد احياء الصراع المذهبي في الداخل العراقي. ولا تبتعد موسكو كثيراً عن هاجس تشكيل سوريا منطلقاً لموجة من التطرف الديني ستتردد اصداؤها في القوقاز وداخل روسيا. وهذا ما يتجاوز كثيراً قضية الحفاظ على قاعدة عسكرية شبه مهجورة في طرطوس. فالهم الاصولي يؤرق موسكو بالقدر الذي يؤرق بغداد. ولا يبدو ان الهجوم الذي شنه المالكي على تركيا ووصفه تصرفاتها بـ"الوقحة" من قلب موسكو، الا دليلاً على الاستياء العارم الذي يشعر به رئيس الوزراء العراقي من السياسة التركية حيال بلاده اولاً وحيال الازمة السورية. وقبل موسكو استرعى الانتباه ان الحكومة العراقية طلبت من تركيا انهاء وجودها العسكري في شمال العراق الذي تستغله انقرة من اجل شن هجمات على مقاتلي "حزب العمال الكردستاني". ولم يتأخر الجواب الاميركي - التركي على زيارة المالكي ومؤشرات الانسجام الروسي - العراقي، فكان اعتراض طائرة الركاب المدنية السورية الآتية من موسكو، بمثابة رسالة احتجاج مزدوجة الى بغداد وموسكو. وبالتزامن مع الموقف التركي، كان وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا يؤكد من مقر حلف شمال الاطلسي في بروكسيل انباء صحافية عن وجود جنود اميركيين في الاردن بالقرب من الحدود السورية تحت غطاء مساعدة اللاجئين السورين الهاربين من القتال ولمراقبة الاسلحة الكيميائية السورية. وكأن بانيتا أراد بهذا الاعلان افهام المالكي ان الولايات المتحدة تملك بدائل من العراق في احتضان وجودها العسكري.   النهار

المصدر : سميح صعب\ النهار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة