مع تطور الأزمة السورية وتسربها الى الجوار، عبر أشكال مختلفة، تكبر المخاوف لدى بعض اللبنانيين من إمكان تراجع قدرة سياسة النأي بالنفس على حماية الحد الادنى المتوافر من الاستقرار في الوقت الحاضر، لا سيما بعد الإشارات الخطيرة المنبعثة من الحدود السورية - التركية، حيث سُجلت تطورات دراماتيكية كانت بمثابة جرس إنذار، سمع رنينه في الدول المحيطة التي تتأثر أكثر من غيرها بـ«فالق الأزمة السورية».

ويبدو ان لبنان ليس وحده المعني بالحد من تأثير ما يحصل في سورية على ساحته، بل ان سلّم الأولويات المعتمد حاليا لدى مراكز القرار في العالم، جعل عواصم دولية عدة تركز على ضرورة تحييد لبنان عن تفاعلات المواجهة الحاصلة في سورية، وهذا ما سمعه مسؤولون لبنانيون من شخصيات ديبلوماسية بارزة في مناسبات مختلفة في الآونة الأخيرة.

والأرجح ان الغرب يريد أن تبقى الأنظار موجهة حاليا الى سورية أساساً، في إطار تكثيف الضغط على نظامها ومحاولة منعه من التقاط أنفاسه، وبالتالي تسعى الدوائر الغريية الى عدم تشتيت الانتباه عن الملف السوري، وتعمل في اتجاه احتواء كل ما يمكن ان يخفف التركيز الدولي على هذا الملف.

حتى عندما فجّر فيلم «براءة المسلمين» غضبا واسعا في العالمين العربي والاسلامي، سارعت مراكز القرار في الغرب الى الطلب من بعض الانظمة العربية عدم تكبير القضية والعمل على احتوائها حتى لا تحرف الاهتمام عن سورية، ما يفسر على الارجح امتناع أنظمة محددة عن الانخراط في الحملة الواسعة التي شُنت على الفيلم.

وأثناء لقاء جمع مرجعاً لبنانياً مع سفراء الاتحاد الاوروبي في بيروت مؤخرا، لاحظ المرجع أن الأسئلة التي وُجهت إليه كانت تتمحور حول سبل تحصين الساحة اللبنانية في مواجهة تداعيات الازمة السورية، وان السفراء كانوا مهتمين بتأكيد دعم سياسة النأي بالنفس.

وعلى الضفة الدولية الاخرى، تبدي روسيا كذلك اهتماما بمنع امتداد الحريق السوري الى لبنان، وتفيد المعلومات بأن وزير الخارجية سيرغي لافروف أكد لمرجع لبناني التقاه مؤخرا حرص موسكو على الاستقرار الداخلي، وأبلغه انه تداول في هذه المسألة مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال اجتماع بينهما. وتوجه لافروف الى المرجع بالقول: «قبل قليل.. كان وليد المعلم يجلس مكانك، وأنا أبلغته موقفا واضحا بضرورة العمل للحوؤل دون تمدد مفاعيل الازمة السورية الى لبنان».

وأبعد من الدائرة اللبنانية، يؤكد زوار روسيا أن موسكو لن تتخلى عن النظام السوري، بل هي صلبة في دعمها له، ولسان حالها يقول الآتي:

ـ إذا تخلينا عن النظام، فإن أي نظام آخر في المستقبل لن يتحالف معنا، ولن يثق فينا، خشية من المساومة عليه.

ـ ان سورية هي الدولة الوحيدة في العالم العربي التي نملك فيها قواعد عسكرية، ونحن لن نفرّط بهذه العلاقة الاستراتيجية معها.

ـ ان أحدا لا يملك تصورا واضحا لمرحلة ما بعد بشار الأسد، ومع ذلك يريدون منا أن نشارك في رحلة نحو المجهول.

ـ في حال وصول «الإخوان المسلمين» إلى الحكم في سورية، فإن ذلك سيترك تأثيرات سلبية على المصالح الحيوية الروسية في المنطقة.

ـ لا يحق لأحد في هذا العالم، مهما كان حجمه، أن يفترض انه يستطيع تغيير هذا النظام أو ذاك، لمجرد أنه لا يعجبه أو لا يلبي مصالحه، وموسكو معنية بمنع هذا الانفلات، والأمر لا يتعلق هنا بشخص الرئيس بشار الأسد بل بالمبدأ، «فمن يقرر تغيير النظام في سورية اليوم يستطع تغيير النظام في روسيا مستقبلا».

ويبدو واضحا أن روسيا نجحت في تضييق هامش التحرك أمام خصومها، ويشير مسؤول لبناني بارز التقى في الفترة الأخيرة عددا من الشخصيات الغربية، الى أن أحدا منها لا يملك ردودا واضحة على أسئلة أساسية، من نوع: متى سيسقط النظام السوري، كيف، وماذا بعده؟

ويحذر المسؤول من انه إذا سقطت سورية في فخ التقسيم، فإن المنطقة كلها سيطالها التفتيت، لا سيما أن الكثير من دولها يعاني في تركيبته من نقاط ضعف، بحيث يكفي أن تهب الرياح من سورية حتى تتصدع دول الجوار من الاردن الى تركيا مرورا بالعراق ولبنان.

ويلاحظ المسؤول أن من أبرز نقاط الضعف في لبنان، على سبيل المثال، هشاشة صيغة الحكم فيه وهزالة بنية الدولة، لافتا الانتباه الى أن اتفاق الطائف هو مرحلة وليس نهاية المطاف، وبالتالي هناك حاجة الى البحث بهدوء في صيغة متطورة وثابتة تمنح لبنان الاستقرار الحقيقي والمناعة القوية، قبل أن يقع الانفجار الكبير، علما ان كل الطروحات المتداولة حتى الآن هي أكثر سوءا من «الطائف».

ويعرب المسؤول عن أسفه لكون الحكم في لبنان تحول الى تجاذب بين مقاطعات طائفية ومذهبية، موجودة على الارض وداخل مجلس الوزراء، حيث تتصارع على المصالح والنفوذ، منبهاً الى انه لا يجوز ان تستمر الامور على هذا النحو من التحلل.

وخلافا لما يعتقده البعض، يؤكد المسؤول اللبناني، الذي لا ينتمي الى فريقي 8 أو 14 آذار»، ان «حزب الله» يشكل أحد عناصر الاستقرار في هذه المرحلة، وهو صاحب مصلحة في هذا الاستقرار، مبديا دعمه للمقاومة ضد العدو الإسرائيلي وتوجيه السلاح نحوه حصرا، أما استخدام أي سلاح في الداخل فمرفوض، كما ان استخدامه للدفاع عن مصالح أي دولة أخرى انطلاقا من لبنان مرفوض ايضا.

ويؤكد المسؤول البارز انه متفائل بالمستقبل ويرى ان هناك أفقا مفتوحا أمام لبنان، لكن ما يقلقه هو المشروع الاسرائيلي الهادف الى تقسيم المنطقة وتفتيتها والذي يبدو أنه يحاول ان يأخذ مداه في سوريا، بهدف تذويب الجولان نهائياً وتأسيس دويلات إثنية ومذهبية تبرر وجود إسرائيل.. والخطر كل الخطر أن هذا المشروع الاسرائيلي قد يتماهى مع مصالح بعض الدول الكبرى من دون استثناء.
  • فريق ماسة
  • 2012-10-04
  • 7851
  • من الأرشيف

موسكو: من يفرض تغييراً في سورية.. يستطع أن يغيّر في روسيا

مع تطور الأزمة السورية وتسربها الى الجوار، عبر أشكال مختلفة، تكبر المخاوف لدى بعض اللبنانيين من إمكان تراجع قدرة سياسة النأي بالنفس على حماية الحد الادنى المتوافر من الاستقرار في الوقت الحاضر، لا سيما بعد الإشارات الخطيرة المنبعثة من الحدود السورية - التركية، حيث سُجلت تطورات دراماتيكية كانت بمثابة جرس إنذار، سمع رنينه في الدول المحيطة التي تتأثر أكثر من غيرها بـ«فالق الأزمة السورية». ويبدو ان لبنان ليس وحده المعني بالحد من تأثير ما يحصل في سورية على ساحته، بل ان سلّم الأولويات المعتمد حاليا لدى مراكز القرار في العالم، جعل عواصم دولية عدة تركز على ضرورة تحييد لبنان عن تفاعلات المواجهة الحاصلة في سورية، وهذا ما سمعه مسؤولون لبنانيون من شخصيات ديبلوماسية بارزة في مناسبات مختلفة في الآونة الأخيرة. والأرجح ان الغرب يريد أن تبقى الأنظار موجهة حاليا الى سورية أساساً، في إطار تكثيف الضغط على نظامها ومحاولة منعه من التقاط أنفاسه، وبالتالي تسعى الدوائر الغريية الى عدم تشتيت الانتباه عن الملف السوري، وتعمل في اتجاه احتواء كل ما يمكن ان يخفف التركيز الدولي على هذا الملف. حتى عندما فجّر فيلم «براءة المسلمين» غضبا واسعا في العالمين العربي والاسلامي، سارعت مراكز القرار في الغرب الى الطلب من بعض الانظمة العربية عدم تكبير القضية والعمل على احتوائها حتى لا تحرف الاهتمام عن سورية، ما يفسر على الارجح امتناع أنظمة محددة عن الانخراط في الحملة الواسعة التي شُنت على الفيلم. وأثناء لقاء جمع مرجعاً لبنانياً مع سفراء الاتحاد الاوروبي في بيروت مؤخرا، لاحظ المرجع أن الأسئلة التي وُجهت إليه كانت تتمحور حول سبل تحصين الساحة اللبنانية في مواجهة تداعيات الازمة السورية، وان السفراء كانوا مهتمين بتأكيد دعم سياسة النأي بالنفس. وعلى الضفة الدولية الاخرى، تبدي روسيا كذلك اهتماما بمنع امتداد الحريق السوري الى لبنان، وتفيد المعلومات بأن وزير الخارجية سيرغي لافروف أكد لمرجع لبناني التقاه مؤخرا حرص موسكو على الاستقرار الداخلي، وأبلغه انه تداول في هذه المسألة مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال اجتماع بينهما. وتوجه لافروف الى المرجع بالقول: «قبل قليل.. كان وليد المعلم يجلس مكانك، وأنا أبلغته موقفا واضحا بضرورة العمل للحوؤل دون تمدد مفاعيل الازمة السورية الى لبنان». وأبعد من الدائرة اللبنانية، يؤكد زوار روسيا أن موسكو لن تتخلى عن النظام السوري، بل هي صلبة في دعمها له، ولسان حالها يقول الآتي: ـ إذا تخلينا عن النظام، فإن أي نظام آخر في المستقبل لن يتحالف معنا، ولن يثق فينا، خشية من المساومة عليه. ـ ان سورية هي الدولة الوحيدة في العالم العربي التي نملك فيها قواعد عسكرية، ونحن لن نفرّط بهذه العلاقة الاستراتيجية معها. ـ ان أحدا لا يملك تصورا واضحا لمرحلة ما بعد بشار الأسد، ومع ذلك يريدون منا أن نشارك في رحلة نحو المجهول. ـ في حال وصول «الإخوان المسلمين» إلى الحكم في سورية، فإن ذلك سيترك تأثيرات سلبية على المصالح الحيوية الروسية في المنطقة. ـ لا يحق لأحد في هذا العالم، مهما كان حجمه، أن يفترض انه يستطيع تغيير هذا النظام أو ذاك، لمجرد أنه لا يعجبه أو لا يلبي مصالحه، وموسكو معنية بمنع هذا الانفلات، والأمر لا يتعلق هنا بشخص الرئيس بشار الأسد بل بالمبدأ، «فمن يقرر تغيير النظام في سورية اليوم يستطع تغيير النظام في روسيا مستقبلا». ويبدو واضحا أن روسيا نجحت في تضييق هامش التحرك أمام خصومها، ويشير مسؤول لبناني بارز التقى في الفترة الأخيرة عددا من الشخصيات الغربية، الى أن أحدا منها لا يملك ردودا واضحة على أسئلة أساسية، من نوع: متى سيسقط النظام السوري، كيف، وماذا بعده؟ ويحذر المسؤول من انه إذا سقطت سورية في فخ التقسيم، فإن المنطقة كلها سيطالها التفتيت، لا سيما أن الكثير من دولها يعاني في تركيبته من نقاط ضعف، بحيث يكفي أن تهب الرياح من سورية حتى تتصدع دول الجوار من الاردن الى تركيا مرورا بالعراق ولبنان. ويلاحظ المسؤول أن من أبرز نقاط الضعف في لبنان، على سبيل المثال، هشاشة صيغة الحكم فيه وهزالة بنية الدولة، لافتا الانتباه الى أن اتفاق الطائف هو مرحلة وليس نهاية المطاف، وبالتالي هناك حاجة الى البحث بهدوء في صيغة متطورة وثابتة تمنح لبنان الاستقرار الحقيقي والمناعة القوية، قبل أن يقع الانفجار الكبير، علما ان كل الطروحات المتداولة حتى الآن هي أكثر سوءا من «الطائف». ويعرب المسؤول عن أسفه لكون الحكم في لبنان تحول الى تجاذب بين مقاطعات طائفية ومذهبية، موجودة على الارض وداخل مجلس الوزراء، حيث تتصارع على المصالح والنفوذ، منبهاً الى انه لا يجوز ان تستمر الامور على هذا النحو من التحلل. وخلافا لما يعتقده البعض، يؤكد المسؤول اللبناني، الذي لا ينتمي الى فريقي 8 أو 14 آذار»، ان «حزب الله» يشكل أحد عناصر الاستقرار في هذه المرحلة، وهو صاحب مصلحة في هذا الاستقرار، مبديا دعمه للمقاومة ضد العدو الإسرائيلي وتوجيه السلاح نحوه حصرا، أما استخدام أي سلاح في الداخل فمرفوض، كما ان استخدامه للدفاع عن مصالح أي دولة أخرى انطلاقا من لبنان مرفوض ايضا. ويؤكد المسؤول البارز انه متفائل بالمستقبل ويرى ان هناك أفقا مفتوحا أمام لبنان، لكن ما يقلقه هو المشروع الاسرائيلي الهادف الى تقسيم المنطقة وتفتيتها والذي يبدو أنه يحاول ان يأخذ مداه في سوريا، بهدف تذويب الجولان نهائياً وتأسيس دويلات إثنية ومذهبية تبرر وجود إسرائيل.. والخطر كل الخطر أن هذا المشروع الاسرائيلي قد يتماهى مع مصالح بعض الدول الكبرى من دون استثناء.

المصدر : السفير / عماد مرمل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة