دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تدل المؤشرات الميدانية والسياسية في المشهد السوري على اتجاه الأحداث نحو مفاصل مهمة ونوعية تسقط الأهداف الأميركية والإسرائيلية التي تقود الحلف المتورط في العدوان على سورية بمكوناته العالمية والإقليمية كافة.
أولا: حدث تحول حاسم في الاستقطاب السياسي والشعبي داخل سورية من خلال التبدل الظاهر في موقف القطاعات الجماهيرية التي كانت تصنف في أدبيات المعارضات السورية والخبراء الغربيين على أنها بيئة حاضنة للتمرد المسلح ولعصابات الإرهاب ، وهذا ما عبرت عنه تظاهرات كبيرة وحاشدة طالبت بخروج المسلحين وبدخول الجيش العربي السوري في بلدات ومدن من أرياف دمشق و درعا و إدلب وحلب وحماه ترددت أسماؤها كمعاقل لتشكيلات المعارضات المسلحة منذ العام الماضي.
سر هذا التحول بات معروفا فعصابات الإرهاب أطاحت بجميع رموز المكونات الاجتماعية الطبيعية واستنزفت الاقتصاد والأمن والاستقرار وأثارت القلق والخوف، و الحصيلة اليوم أن بعض السوريين الذين قدموا الحماية و الدعم للعصابات المسلحة في فترة سابقة إما لأنهم صدقوا منصة العدوان الإعلامي ومفرداتها أو لأنهم خافوا من التهديدات بقتل عائلاتهم والتنكيل بهم ، قرروا بعد التجربة أن يشقوا عصا الطاعة على هذا الواقع وان يكسروا الصمت.
على هذا النحو يتعاظم المناخ السوري الذي يضم غالبية ساحقة تدعم الرئيس بشار الأسد والدولة الوطنية السورية والجيش العربي السوري وهذا بذاته هو المؤشر الحقيقي و الأهم على اقتراب النصر.
ثانيا: التماسك والقدرة الظاهرين في الحركة القتالية للجيش العربي السوري يوفران له تفوقا كبيرا في الميدان ، على الرغم من حجم الإمكانات الهائلة التي يدفع بها حلف العدوان بقيادة الولايات المتحدة وانطلاقا من الأراضي التركية ومن لبنان والأردن ، وعلى الرغم من مواصلة تجنيد وحشد تشكيلات التكفير في كل أنحاء العالم للزج بها إلى سورية ، ويبدو في هذا المجال أن الجيش السوري الذي يمتلك كفاءات قتالية هامة يتحدث عنها الخبراء في العالم بإعجاب كبير ، يدير المعارك بتكتيكات لا يمكن استباقها ويحتفظ بعناصر المفاجأة ضد تجمعات الإرهابيين وأوكارهم مستفيدا من الاحتضان الشعبي ومن تعاون المواطنين الذين استفزهم حلف العدوان الأجنبي على بلادهم ، وباتوا يدركون بقوة أن عودة الاستقرار والتفكير بأي إصلاح في أحوالهم ، رهن بانتصار جيشهم على المؤامرة ويبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة تعيشان حالة من القلق حول تعاظم قدرة الجيش السوري الذي أرادتا تدميره وتفكيكه كأولوية حاسمة لخطة الحرب على سورية ، بل إن معهد موشي دايان للدراسات أصدر تقريرا يقول إن المعضلة الخطيرة هي أن الجيش السوري جدد قوته في هذه الأزمة ، وسيكون كما كان في السابق القوة الرئيسية لمنظومة القرار الوطني في سورية وحيث سيكون العداء لإسرائيل أولوية حاضرة في كل الحسابات السورية.
ثالثا: على إيقاع التحول الشعبي والتبدل الميداني تحررت أطراف عديدة من معارضة الداخل وبعض معارضي الخارج من الضغط والابتزاز الذين منعا تجاوب هذه الأطراف مع دعوات الحوار ، ويبدو من الحراك الجاري داخل سورية أن خطوات لا يستهان بها هي قيد التشكل على هذا الصعيد وربما قبل نهاية أيلول الحالي بالتوازي مع تقدم عمليات الجيش السوري.
لا ينفي هذا التحول انتهازية الكثير من الأطراف المعنية في رحلتي الذهاب و الإياب من حيث دوافعها و منطقها ، ولكن الأساس هو أن إحساسها برجحان كفة الدولة الوطنية والجيش العربي السوري هو الذي يحركها للتجاوب مع المساعي الروسية والصينية والإيرانية لإقناعها بجدوى الحوار الوطني مع الدولة من غير شروط مسبقة ، وهذا هو التبدل السياسي الأهم الذي يشير إلى أن هذه الأطراف رضخت لحقيقة أن الرهان على إسقاط الدولة السورية والرئيس السوري هو رهان خاسر تماما كمثل الرهان على الغزو الأطلسي لسورية.
رابعا: استهلكت الولايات المتحدة ودول الناتو وإسرائيل وحكومات تركيا والسعودية وقطر جميع الأوراق المتاحة في خطة العدوان على سورية وهي لم تعد تملك على الأرجح فرصة إنتاج مفاجآت جديدة تراهن من خلالها على تصعيد الأحداث والاقتراب من غايتها المعروفة أي تفكيك الدولة السورية وتدمير قدراتها.
فعلى صعيد العصابات المقاتلة على الأرض كان تحريك الجناح العسكري للأخوان المسلمين آخر الأوراق وهو ما تم في معركتي دمشق وحلب بعد تفجير مبنى مكتب الأمن القومي ، ويبدو واضحا أن عدم القدرة على المزيد من الحشد داخل المجتمع السوري دفع بحلف العدوان إلى ممارسة أقصى طاقة في الحشد من فصائل التكفير من الشيشان إلى أفغانستان فليبيا وغيرها وقد بات مصير المقاتلين الأجانب على الأرض السورية معروفا في المواجهة مع الجيش الذي يستعد لإحكام قبضته على معظم الأراضي السورية ومواصلة مطاردة الفلول التي ستبقى في بعض الأوكار لتحريك الإرهاب الفردي لفترة قد تطول ولكنها لن تؤثر في المعادلات الكبرى للصراع.
سقط مشروع المناطق العازلة وسقطت أفكار الممرات لأن ملايين السوريين الذين مستهم الأحداث تصرفوا بوعي وطني ونزحوا داخل سورية تشبثا بأرضهم وبوطنهم فأفشلوا الرهان الاستعماري والخليجي على تعظيم مشكلة النزوح لاختراع ذرائع يمكن الضغط بها على مجلس الأمن الدولي.
خامسا إن كميات السلاح التي شحنت مؤخرا إلى سورية ومجموعات الإرهابيين التي تم إدخالها من تركيا لا تخفي في الواقع مأزق حكومة الوهم العثماني التي ارتد عليها كيدها فإذا هي غارقة في مواجهة صعبة مع ثوار حزب العمال الكردستاني ويضعها المزيد من الأتراك في قفص الاتهام بالمذهبية وإثارة الفتنة الداخلية وبنسف الاقتصاد التركي ومصالحه بفعل القطيعة مع سورية أما الأطراف الأخرى المتورطة في الحرب فلكل منها مأزقه بعدما نجحت قمة عدم الانحياز في تظهير صورة جديدة للموضوع السوري ولآلية التعامل معه دوليا وإقليميا وهكذا شطب الطحلب القطري من الصورة وبدأت الدول الكبرى الفاعلة إقليميا في التكيف مع ضرورات الخروج من مأزق العدوان على سورية وهو ما لا تستره أيضا مكابرات مرسي وأمراء العائلة السعودية بعدما اضطرت الرياض والقاهرة واسطنبول إلى قبول الشراكة مع طهران وبالتأكيد بموافقة أميركية ضمن ما سمي مجموعة الاتصال التي اقترح الإيرانيون ان تضاف إليه كل من حكومتي العراق وفنزويلا ولعله في ذلك ما يرسم أول الطريق السياسي لإعلان الفشل الأميركي وفشل الأدوات والعملاء في استهداف الدولة السورية.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة