تعرض المجلس الوطني السوري المعارض لنكسة كبيرة أمس، حيث انفجر الخلاف السياسي المستعر بين الأطراف المنضوية فيه، ما يهدد مصير المجلس ومستقبله، الذي اعتبرته مجموعة «أصدقاء الشعب السوري» في اسطنبول في نيسان الماضي «ممثلا شرعيا للسوريين ومحاورا رئيسيا للمعارضة مع المجتمع الدولي». وقد يوجه الخلاف داخل المجلس، الذي تهيمن عليه جماعة «الإخوان المسلمين»، ضربة قاضية لصورة المعارضة الخارجية، التي تظهر يوما بعد يوم أنها لا تزال متشرذمة إلى درجة كبيرة.

وفي باريس كتب مراسل «السفير» محمد بلوط ان الخلاف على التمديد لبرهان غليون في رئاسة المجلس الوطني خرج إلى العلن. غليون لا يريد البقاء رئيسا للمجلس الوطني، ويضع «استقالته على الطاولة العربية، ولتجتمع المعارضة السورية ولتخرج من حلقة التنازع والانقسام».

وقال غليون، في بيان، «أثارت نتائج انتخابات الرئاسة داخل المجلس الوطني ردود فعل متضاربة وانتقادات مختلفة»، معلنا انسحابه «فور وقوع الاختيار على مرشح جديد، بالتوافق أو بانتخابات جديدة». وأضاف «لن اقبل أن أكون بأي شكل مرشح الانقسام. وأنا لست متمسكا بأي منصب».

برهان غليون قبل الترشيح، في روما، «حرصا على التوافق ومنعا للانقسام». غليون أعاد بتصريحه هذا النقاش إلى نقطة البدء حول شرعية بقائه، بعد التمديد له لرئاسة ثالثة لمدة ثلاثة أشهر، خلافا لنظام المجلس الداخلي الذي ينص على مبدأ التداول بعد كل ولاية. وكان غليون حاز الرئاسة في اجتماع روما قبل ثلاثة أيام، في اقتراع سري، وليس بالتوافق كما جرت العادة، وفاز على منافسه جورج صبرا مرشح «إعلان دمشق».

غليون كان يرد على المنسحبين أو المهددين بالانسحاب احتجاجا على التمديد مرة ثالثة لرئاسته. وبعد انسحاب فواز تللو من عضوية المجلس احتجاجا على التمديد لغليون، حذت «لجان التنسيق المحلية» حذو العضو المنسحب، وهددت «بتجميد عضويتها والانسحاب من المجلس الوطني، في حال لم تتم مراجعة الأخطاء ومعالجة المطالب التي نراها ضرورية لإصلاح المجلس». ورأت، في بيان، أن المجلس بعد اجتماع روما «في تدهور مستمر، وان هناك غيابا للتوافق على رؤية مشتركة بين المجلس والحراك الثوري». وكان ممثلو «لجان التنسيق المحلية» كخليل الحاج صالح وهوزان إبراهيم وريما فليحان يقاطعون أعمال المجلس الوطني منذ شهرين، احتجاجا على تهميش «الحراك الثوري».

الدعم لغليون جاء من خارج المجلس. رئيس المنبر الديموقراطي ميشال كيلو قال، لـ«السفير»، إن ما «جاء ببرهان غليون على رأس المجلس هو عدم توافر بديل له، وإن غليون قد دافع عن الشعب والديموقراطية في سورية في أحلك الساعات، وانه أفضل من يمكن انتخابه رئيسا للمجلس الوطني».

جورج صبرا، مرشح «إعلان دمشق»، منافس غليون على رئاسة المجلس الوطني في اجتماع روما، لم يكن يرغب في أن يخرج «الخلاف إلى وسائل الإعلام، وإذا لم تكن هناك قدرة على الاستمرار في الوضع الحالي فلا بد من اجتماع للمكتب التنفيذي والأمانة العامة لاختيار رئيس جديد، بالتوافق، على اعتبار أن الخلافات في المجلس هي عدم احترام التداولية، وهناك من يصر على عدم احترام هذه القاعدة، والشباب السوريون في الثورة ليسوا مرتاحين لكسر هذه القاعدة».

وكان مصدر في المجلس الوطني قال لـ«السفير» إن تأييد جماعة الاخوان المسلمين لبرهان غليون، خلال اجتماع روما، قد حسم الموقف لمصلحته. وأشار إلى أن الاجتماع، الذي حضره مباشرة 29 عضوا، وتابعه عضوان من الداخل السوري عن طريق «سكايب»، غاب عنه 10 أعضاء من «الحراك الثوري»، إما لشغور مقاعدهم أو عدم تعيينهم، رغم مطالبتهم بتوسيع تمثيلهم داخل المجلس، وإما لمقاطعتهم لأعمال المجلس واجتماعاته منذ شباط الماضي.

وقال المصدر إن «الاخوان» استطاعوا فرض أكثرية في الهيئة الناخبة لدعم ترشيح غليون عن طريق مسميات أخرى، وتمثيل «الحراك الثوري»، أو مستقلين إسلاميين مقربين منهم، كمطيع البطين، وبشار الحراكي، وطريف العيسى، وأمين عثمان، ومحمد وليد، ومحمد ياسر المصدق الذي يقيم في مكة.

وأعلن أن اجتماع روما أضاع يوما كاملا من المناقشات بسبب الخلافات داخل الكتلة الوطنية، أو «كتلة الـ 74»، التي يرأسها احمد رمضان. وقال إن الإسلاميين وسعوا عبر هذا الخلاف من سيطرتهم على الهيئة الناخبة، بعد أن اقترح «الاخوان» في روما تسوية بين جناحي الكتلة الوطنية المنقسمة بين رضوان زيادة واحمد رمضان، تقوم على تمثيل كل جناح بـ 3 أعضاء في الأمانة العامة وعضو واحد في المكتب التنفيذي.

ولا يبدو أن خلافا سياسيا يقف وراء خلافات الكتلة الوطنية المنقسمة. إذ قال المصدر المعارض السوري إن صراعا على المقاعد، والسيطرة على المجلس، يقفان وراء الانقسام الحالي. ويعارض رضوان زيادة، الذي ابعد في مؤتمر تونس من منصب العلاقات الخارجية، الإبقاء على غليون على رأس المجلس، كما ينتقد أداء «الوطني السوري» في ظل رئاسته. ويحتفظ زيادة بالكتلة الوطنية وتمثيلها، إلى جانب محمد العبد الله وعبد الرحمن الحاج وحنان البلخي، فيما يرأس احمد رمضان كتلة جديدة اسماها «اتحاد التنسيق الديموقراطي»، ويمثلها في المجلس في الأمانة العامة والمكتب التنفيذي للمجلس، إلى جانب عبيدة النحاس وحسان الهاشمي. أما بسمة قضماني فقد خرجت من «الكتلة الوطنية»، وجرى الاتفاق على تمثيلها للنساء في المكتب التنفيذي، على أن يكون مقعدها تداوليا، ويجري تغيير من تجلس عليه كل ثلاثة أشهر.

وفضلا عن الخلافات على المقاعد والرئاسة، يتجه المجلس إلى مواجهة أزمة أعمق وأوسع، بحسب معارض سوري، إذ ان اجتماع روما لم يكرس الوقت الضروري المطلوب لتقييم مرحلة ما بعد اسطنبول «كما أن الأمانة العامة للمجلس، منذ انتخابها في تونس في كانون الأول الماضي، لم تجتمع أكثر من مرة واحدة في اسطنبول، وان المكتب التنفيذي يقوم بأعمالها مخالفا الأصول والقواعد التنظيمية».

  • فريق ماسة
  • 2012-05-17
  • 11429
  • من الأرشيف

أزمـة مجلس اسطنبول تنفجـر

تعرض المجلس الوطني السوري المعارض لنكسة كبيرة أمس، حيث انفجر الخلاف السياسي المستعر بين الأطراف المنضوية فيه، ما يهدد مصير المجلس ومستقبله، الذي اعتبرته مجموعة «أصدقاء الشعب السوري» في اسطنبول في نيسان الماضي «ممثلا شرعيا للسوريين ومحاورا رئيسيا للمعارضة مع المجتمع الدولي». وقد يوجه الخلاف داخل المجلس، الذي تهيمن عليه جماعة «الإخوان المسلمين»، ضربة قاضية لصورة المعارضة الخارجية، التي تظهر يوما بعد يوم أنها لا تزال متشرذمة إلى درجة كبيرة. وفي باريس كتب مراسل «السفير» محمد بلوط ان الخلاف على التمديد لبرهان غليون في رئاسة المجلس الوطني خرج إلى العلن. غليون لا يريد البقاء رئيسا للمجلس الوطني، ويضع «استقالته على الطاولة العربية، ولتجتمع المعارضة السورية ولتخرج من حلقة التنازع والانقسام». وقال غليون، في بيان، «أثارت نتائج انتخابات الرئاسة داخل المجلس الوطني ردود فعل متضاربة وانتقادات مختلفة»، معلنا انسحابه «فور وقوع الاختيار على مرشح جديد، بالتوافق أو بانتخابات جديدة». وأضاف «لن اقبل أن أكون بأي شكل مرشح الانقسام. وأنا لست متمسكا بأي منصب». برهان غليون قبل الترشيح، في روما، «حرصا على التوافق ومنعا للانقسام». غليون أعاد بتصريحه هذا النقاش إلى نقطة البدء حول شرعية بقائه، بعد التمديد له لرئاسة ثالثة لمدة ثلاثة أشهر، خلافا لنظام المجلس الداخلي الذي ينص على مبدأ التداول بعد كل ولاية. وكان غليون حاز الرئاسة في اجتماع روما قبل ثلاثة أيام، في اقتراع سري، وليس بالتوافق كما جرت العادة، وفاز على منافسه جورج صبرا مرشح «إعلان دمشق». غليون كان يرد على المنسحبين أو المهددين بالانسحاب احتجاجا على التمديد مرة ثالثة لرئاسته. وبعد انسحاب فواز تللو من عضوية المجلس احتجاجا على التمديد لغليون، حذت «لجان التنسيق المحلية» حذو العضو المنسحب، وهددت «بتجميد عضويتها والانسحاب من المجلس الوطني، في حال لم تتم مراجعة الأخطاء ومعالجة المطالب التي نراها ضرورية لإصلاح المجلس». ورأت، في بيان، أن المجلس بعد اجتماع روما «في تدهور مستمر، وان هناك غيابا للتوافق على رؤية مشتركة بين المجلس والحراك الثوري». وكان ممثلو «لجان التنسيق المحلية» كخليل الحاج صالح وهوزان إبراهيم وريما فليحان يقاطعون أعمال المجلس الوطني منذ شهرين، احتجاجا على تهميش «الحراك الثوري». الدعم لغليون جاء من خارج المجلس. رئيس المنبر الديموقراطي ميشال كيلو قال، لـ«السفير»، إن ما «جاء ببرهان غليون على رأس المجلس هو عدم توافر بديل له، وإن غليون قد دافع عن الشعب والديموقراطية في سورية في أحلك الساعات، وانه أفضل من يمكن انتخابه رئيسا للمجلس الوطني». جورج صبرا، مرشح «إعلان دمشق»، منافس غليون على رئاسة المجلس الوطني في اجتماع روما، لم يكن يرغب في أن يخرج «الخلاف إلى وسائل الإعلام، وإذا لم تكن هناك قدرة على الاستمرار في الوضع الحالي فلا بد من اجتماع للمكتب التنفيذي والأمانة العامة لاختيار رئيس جديد، بالتوافق، على اعتبار أن الخلافات في المجلس هي عدم احترام التداولية، وهناك من يصر على عدم احترام هذه القاعدة، والشباب السوريون في الثورة ليسوا مرتاحين لكسر هذه القاعدة». وكان مصدر في المجلس الوطني قال لـ«السفير» إن تأييد جماعة الاخوان المسلمين لبرهان غليون، خلال اجتماع روما، قد حسم الموقف لمصلحته. وأشار إلى أن الاجتماع، الذي حضره مباشرة 29 عضوا، وتابعه عضوان من الداخل السوري عن طريق «سكايب»، غاب عنه 10 أعضاء من «الحراك الثوري»، إما لشغور مقاعدهم أو عدم تعيينهم، رغم مطالبتهم بتوسيع تمثيلهم داخل المجلس، وإما لمقاطعتهم لأعمال المجلس واجتماعاته منذ شباط الماضي. وقال المصدر إن «الاخوان» استطاعوا فرض أكثرية في الهيئة الناخبة لدعم ترشيح غليون عن طريق مسميات أخرى، وتمثيل «الحراك الثوري»، أو مستقلين إسلاميين مقربين منهم، كمطيع البطين، وبشار الحراكي، وطريف العيسى، وأمين عثمان، ومحمد وليد، ومحمد ياسر المصدق الذي يقيم في مكة. وأعلن أن اجتماع روما أضاع يوما كاملا من المناقشات بسبب الخلافات داخل الكتلة الوطنية، أو «كتلة الـ 74»، التي يرأسها احمد رمضان. وقال إن الإسلاميين وسعوا عبر هذا الخلاف من سيطرتهم على الهيئة الناخبة، بعد أن اقترح «الاخوان» في روما تسوية بين جناحي الكتلة الوطنية المنقسمة بين رضوان زيادة واحمد رمضان، تقوم على تمثيل كل جناح بـ 3 أعضاء في الأمانة العامة وعضو واحد في المكتب التنفيذي. ولا يبدو أن خلافا سياسيا يقف وراء خلافات الكتلة الوطنية المنقسمة. إذ قال المصدر المعارض السوري إن صراعا على المقاعد، والسيطرة على المجلس، يقفان وراء الانقسام الحالي. ويعارض رضوان زيادة، الذي ابعد في مؤتمر تونس من منصب العلاقات الخارجية، الإبقاء على غليون على رأس المجلس، كما ينتقد أداء «الوطني السوري» في ظل رئاسته. ويحتفظ زيادة بالكتلة الوطنية وتمثيلها، إلى جانب محمد العبد الله وعبد الرحمن الحاج وحنان البلخي، فيما يرأس احمد رمضان كتلة جديدة اسماها «اتحاد التنسيق الديموقراطي»، ويمثلها في المجلس في الأمانة العامة والمكتب التنفيذي للمجلس، إلى جانب عبيدة النحاس وحسان الهاشمي. أما بسمة قضماني فقد خرجت من «الكتلة الوطنية»، وجرى الاتفاق على تمثيلها للنساء في المكتب التنفيذي، على أن يكون مقعدها تداوليا، ويجري تغيير من تجلس عليه كل ثلاثة أشهر. وفضلا عن الخلافات على المقاعد والرئاسة، يتجه المجلس إلى مواجهة أزمة أعمق وأوسع، بحسب معارض سوري، إذ ان اجتماع روما لم يكرس الوقت الضروري المطلوب لتقييم مرحلة ما بعد اسطنبول «كما أن الأمانة العامة للمجلس، منذ انتخابها في تونس في كانون الأول الماضي، لم تجتمع أكثر من مرة واحدة في اسطنبول، وان المكتب التنفيذي يقوم بأعمالها مخالفا الأصول والقواعد التنظيمية».

المصدر : (السفير)


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة