ما الذي يدبّر للشمال؟

غباء الدولة، وقلة امانة غالبية المشرفين على مؤسساتها، وانتهازية غالبية قيادات الشمال.. لا تكفي لتوجيه اصبع الاتهام الى هؤلاء في ما يدبر الآن للشمال، ولمنطقتي طرابلس وعكار على وجه التحديد.

خلال الساعات الـ48 الماضية، انشغل مسؤولون في تيار «المستقبل»، الى جانب قيادات من 14 آذار، في التواصل مع جهات لبنانية وخارجية لنفي تهمة وجود تنظيم مسلح يعمل في مناخ 14 آذار. سعد الحريري مرتاح في الخارج. لا يعوزه اكثر من تغريدة مرة في اليوم او في الاسبوع، حتى يعيد على مسامعنا النشيد اليومي: نحن حزب الكلمة والحوار ولا علاقة لنا بالسلاح!

هذه المرة، لم يكن بمقدور الحريري اقناع احد. اصلاً يعرف خصومه هذا الامر. اما الجديد، فهو أن ما يعرف بـ«البيئة الحاضنة» لتيار المستقبل، ضاقت ذرعاً بهذه السياسة. فهي تعيش تحت وطأة اعنف حملة تحريض يقوم بها تيار «المستقبل» لأبناء الشمال ضد ابناء المناطق الاخرى وضد ابناء الطوائف الاخرى وضد كل شيء. لكنها تجد نفسها متروكة لأمرها في لحظة الشدة. وهو ما كان سيدفع يومياً الناس للتوجه الى من يجيد التشغيل لهذه العدة، بدل الاكتفاء بالاستخدام للتهويل على الآخرين.

السلفيون الناشطون شمالاً، لا يعترفون اصلا بكفاءة الحريري لـ«قيادة اهل السنة». وبالعودة الى أحداث 7 أيار. قالوا «ان الهزيمة سببها قلة التنظيم ولكن سببها الاهم قلة الدين». وهؤلاء هم من يحتل المسرح اليوم، وينشطون باسم التضامن مع المعارضة السورية او ضد ما يصفونه بـ«الاجتياح الشيعي». ولهؤلاء اصوات متفرقة، لكنها بدأت تتقاطع عند انتقاد الحريري ومجموعته. حتى وصل الامر الى نواب وقيادات شمالية من قيادة الفريق الازرق، يرفعون الصوت بأنهم صاروا يفشلون في اقناع الشارع بالتحرك على وقع خطواتهم هم. وهذا ما كشفت ذروته احداث طرابلس الاخيرة، عندما صار «المستقبل»، ومعه قيادة قوى الامن الداخلي، غير قادرين على النطق باسم المعتصمين في الشارع، او باسم المئات من المسلحين الذين ينتشرون في كل الاحياء والأزقة.

سابقاً، كان يحلو لجماعة «المستقبل» تحذير الخصوم: اما نحن او السلفيون المتشددون!. اليوم، لم يعد هذا السلاح ينفع لتهديد احد. لقد ظهرت الوقائع التي تقول بأن الضحية الاولى هو تيار «المستقبل» نفسه. ولسان حال هؤلاء واضح «اذا كان الحريري يريد خوض معركة اهل السنة في لبنان وسوريا، فعليه تحمل المسؤولية اليوم، واذا رفض، فهناك من يقدر على القيام بذلك». بل يذهب المتشددون من هؤلاء الى التلويح بأن «مواجهة نفوذ حزب الله وحلفائه، تحتاج الى عناصر قوة واضحة، وانه لا بد من خلق توازن في السلاح، وبالتالي في القدرة على فرض وقائع سياسية على الارض».

من هنا، وعلى اثر انخراط 14 آذار كليا في الحدث السوري، بات صعباً توقع سياق عام للاحداث شمالاً. بل على العكس، فقد صار منطقياً أن يخرج البعض طارحاً فكرة «الضاحية الشمالية». والمقصود هنا، خلق امر واقع في مناطق تمتد من شكا على الحدود الجنوبية لقضاء طرابلس، وصعوداً نحو الشمال حتى الحدود اللبنانية ــــ السورية، بين قرى عكار ووادي خالد. على ان يتحول المسيحيون جنوب وشرق هذه «الامارة» الى عازل عن بقية اهل البلد، او تحديدا عن «بلاد حزب الله» كما يحلو لهؤلاء القول.

بهذا المعنى، يمكن فهم امور كثيرة تجري منذ بعض الوقت. منها الانخراط التام في المواجهة القائمة في سوريا. وهذا الامر يتم من خلال تحويل هذه «الامارة» الى قاعدة دعم، بالرجال والسلاح وكل ما يلزم، الامر الحاصل الآن، ولو بشيء من التستر. لكن الكلام الذي رافق اشتباكات طرابلس واعتصاماتها، كان واضحاً في الاشارة الى انه آن الأوان للتصرف بوضوح. ولمن يريد فهم المزيد يأتيه «المنظرون لهذه الامارة» ليشرحوا:

«ليس امام اهل السنة سوى المبادرة الى خلق امر واقع، والعمل تماماً كما يفعل حزب الله، من خلال عمليات تدريب وتسليح لكل الشباب وتجنيد الطاقات المدنية وغيرها لخدمة هذا الهدف، ولأجل التفرغ حينها بقوة لخدمة الثورة السورية، لأن في انتصارها خلاصاً لأهل السنة في سوريا ولبنان وكل بلاد الشام. وهذا المشروع له ارضيته الخصبة سياسياً واجتماعياً ومعنوياً، وما ينقصه بعض الامكانات المادية التي يمكن توفيرها مع قليل من التنظيم».

لا يهتم اصحاب هذه الوجهة لكل التحليلات والتفسيرات الاخرى. بل هم يعتقدون ان الجميع تورط اصلا في الأزمة السورية. والحديث عن الاشتباكات التي حصلت خلال الساعات الـ24 الماضية عند الحدود السورية مع مناطق البقاع الشمالي تندرج في سياقه الاشارة الى ان مقاتلين من حزب الله شاركوا في القتال ضد عناصر الجيش السوري الحر، وأن سكان قرى سورية شيعية حصلوا على الدعم العسكري والامني والمالي من حزب الله، وبات بمقدورهم مواجهة الآخرين، ولذلك – يضيف اصحاب هذه الوجهة – صار لزاماً على اهل السنة في لبنان القيام بدورهم الاكمل. اما الدولة ومؤسساتها، فهذا الفريق يريدها ان «تتصرف كما تفعل في المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الله. تقدر على التحرك، لكنها لا تعيق تحرك الآخرين»!.

  • فريق ماسة
  • 2012-05-15
  • 11052
  • من الأرشيف

امارة أهل السنّة في الشمال

ما الذي يدبّر للشمال؟ غباء الدولة، وقلة امانة غالبية المشرفين على مؤسساتها، وانتهازية غالبية قيادات الشمال.. لا تكفي لتوجيه اصبع الاتهام الى هؤلاء في ما يدبر الآن للشمال، ولمنطقتي طرابلس وعكار على وجه التحديد. خلال الساعات الـ48 الماضية، انشغل مسؤولون في تيار «المستقبل»، الى جانب قيادات من 14 آذار، في التواصل مع جهات لبنانية وخارجية لنفي تهمة وجود تنظيم مسلح يعمل في مناخ 14 آذار. سعد الحريري مرتاح في الخارج. لا يعوزه اكثر من تغريدة مرة في اليوم او في الاسبوع، حتى يعيد على مسامعنا النشيد اليومي: نحن حزب الكلمة والحوار ولا علاقة لنا بالسلاح! هذه المرة، لم يكن بمقدور الحريري اقناع احد. اصلاً يعرف خصومه هذا الامر. اما الجديد، فهو أن ما يعرف بـ«البيئة الحاضنة» لتيار المستقبل، ضاقت ذرعاً بهذه السياسة. فهي تعيش تحت وطأة اعنف حملة تحريض يقوم بها تيار «المستقبل» لأبناء الشمال ضد ابناء المناطق الاخرى وضد ابناء الطوائف الاخرى وضد كل شيء. لكنها تجد نفسها متروكة لأمرها في لحظة الشدة. وهو ما كان سيدفع يومياً الناس للتوجه الى من يجيد التشغيل لهذه العدة، بدل الاكتفاء بالاستخدام للتهويل على الآخرين. السلفيون الناشطون شمالاً، لا يعترفون اصلا بكفاءة الحريري لـ«قيادة اهل السنة». وبالعودة الى أحداث 7 أيار. قالوا «ان الهزيمة سببها قلة التنظيم ولكن سببها الاهم قلة الدين». وهؤلاء هم من يحتل المسرح اليوم، وينشطون باسم التضامن مع المعارضة السورية او ضد ما يصفونه بـ«الاجتياح الشيعي». ولهؤلاء اصوات متفرقة، لكنها بدأت تتقاطع عند انتقاد الحريري ومجموعته. حتى وصل الامر الى نواب وقيادات شمالية من قيادة الفريق الازرق، يرفعون الصوت بأنهم صاروا يفشلون في اقناع الشارع بالتحرك على وقع خطواتهم هم. وهذا ما كشفت ذروته احداث طرابلس الاخيرة، عندما صار «المستقبل»، ومعه قيادة قوى الامن الداخلي، غير قادرين على النطق باسم المعتصمين في الشارع، او باسم المئات من المسلحين الذين ينتشرون في كل الاحياء والأزقة. سابقاً، كان يحلو لجماعة «المستقبل» تحذير الخصوم: اما نحن او السلفيون المتشددون!. اليوم، لم يعد هذا السلاح ينفع لتهديد احد. لقد ظهرت الوقائع التي تقول بأن الضحية الاولى هو تيار «المستقبل» نفسه. ولسان حال هؤلاء واضح «اذا كان الحريري يريد خوض معركة اهل السنة في لبنان وسوريا، فعليه تحمل المسؤولية اليوم، واذا رفض، فهناك من يقدر على القيام بذلك». بل يذهب المتشددون من هؤلاء الى التلويح بأن «مواجهة نفوذ حزب الله وحلفائه، تحتاج الى عناصر قوة واضحة، وانه لا بد من خلق توازن في السلاح، وبالتالي في القدرة على فرض وقائع سياسية على الارض». من هنا، وعلى اثر انخراط 14 آذار كليا في الحدث السوري، بات صعباً توقع سياق عام للاحداث شمالاً. بل على العكس، فقد صار منطقياً أن يخرج البعض طارحاً فكرة «الضاحية الشمالية». والمقصود هنا، خلق امر واقع في مناطق تمتد من شكا على الحدود الجنوبية لقضاء طرابلس، وصعوداً نحو الشمال حتى الحدود اللبنانية ــــ السورية، بين قرى عكار ووادي خالد. على ان يتحول المسيحيون جنوب وشرق هذه «الامارة» الى عازل عن بقية اهل البلد، او تحديدا عن «بلاد حزب الله» كما يحلو لهؤلاء القول. بهذا المعنى، يمكن فهم امور كثيرة تجري منذ بعض الوقت. منها الانخراط التام في المواجهة القائمة في سوريا. وهذا الامر يتم من خلال تحويل هذه «الامارة» الى قاعدة دعم، بالرجال والسلاح وكل ما يلزم، الامر الحاصل الآن، ولو بشيء من التستر. لكن الكلام الذي رافق اشتباكات طرابلس واعتصاماتها، كان واضحاً في الاشارة الى انه آن الأوان للتصرف بوضوح. ولمن يريد فهم المزيد يأتيه «المنظرون لهذه الامارة» ليشرحوا: «ليس امام اهل السنة سوى المبادرة الى خلق امر واقع، والعمل تماماً كما يفعل حزب الله، من خلال عمليات تدريب وتسليح لكل الشباب وتجنيد الطاقات المدنية وغيرها لخدمة هذا الهدف، ولأجل التفرغ حينها بقوة لخدمة الثورة السورية، لأن في انتصارها خلاصاً لأهل السنة في سوريا ولبنان وكل بلاد الشام. وهذا المشروع له ارضيته الخصبة سياسياً واجتماعياً ومعنوياً، وما ينقصه بعض الامكانات المادية التي يمكن توفيرها مع قليل من التنظيم». لا يهتم اصحاب هذه الوجهة لكل التحليلات والتفسيرات الاخرى. بل هم يعتقدون ان الجميع تورط اصلا في الأزمة السورية. والحديث عن الاشتباكات التي حصلت خلال الساعات الـ24 الماضية عند الحدود السورية مع مناطق البقاع الشمالي تندرج في سياقه الاشارة الى ان مقاتلين من حزب الله شاركوا في القتال ضد عناصر الجيش السوري الحر، وأن سكان قرى سورية شيعية حصلوا على الدعم العسكري والامني والمالي من حزب الله، وبات بمقدورهم مواجهة الآخرين، ولذلك – يضيف اصحاب هذه الوجهة – صار لزاماً على اهل السنة في لبنان القيام بدورهم الاكمل. اما الدولة ومؤسساتها، فهذا الفريق يريدها ان «تتصرف كما تفعل في المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الله. تقدر على التحرك، لكنها لا تعيق تحرك الآخرين»!.

المصدر : الاخبار /ابراهيم الأمين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة