كل قتيل يسقط في شمال لبنان خسارة. لعبة الامم أكبر من كل هؤلاء الذين يتقاتلون على الأرض، لا بل أكبر من معظم محركيهم. تغيرت المعادلة منذ جاهرت واشنطن بأن "القاعدة" اخترقت المعارضة السورية. صار الهم الاميركي الاول ان يتم ضرب "القاعدة" في سوريا والشمال اللبناني. ولو نسي البعض المعادلة الدولية فهذا نائب وزير الخارجية الروسية غينادي غاتيلوف يذكِّر بأن "القاعدة" ومجموعات إرهابية تقف وراء التفجيرات في سوريا.

يمكن أن يُعرِّج المرء أيضا على تصريح لمسؤول اسرائيلي كبير في لواء الشمال نقلت كلامه "فرانس برس" من دون ذكر اسمه. قال "إن إسرائيل قلقة من وصول "القاعدة" إلى هضبة الجولان السورية". هذا في العلن، أما في السر، فيعرف بعض الأمنيين في دمشق وبيروت كيف تقاطر في الشهرين الماضيين مسؤولون أمنيون أميركيون وأوروبيون للوقوف عن قرب على وضع "القاعدة" ودورها في سوريا ولبنان، فيما الأميركيون والبريطانيون يقاتلون "القاعدة" في اليمن.

كان يراد للشمال اللبناني ان يكون مواجها للجنوب. حصل تأجيج مذهبي محلي وإقليمي كبير. تمحور التأجيج حول الهدف الأسمى للمحور الغربي، أي تطويق إيران وضرب جناحيها في سوريا وجنوب لبنان. انقلب السحر على الساحر. (ألم ينقلب سابقا في علاقة "طالبان" وبن لادن باميركا)؟

بدأت المعادلة الدولية تتغير. لم تتغير بعد هي فقط بدأت. تبين ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصعب مما كان متوقعا. قال كلاما مفصليا بعيد عودته رئيسا. أكد من قلب الكرملين حيث كان يمشي كالقيصر او قُلْ كالطاووس، إنه ضد التدخل الدولي في شؤون الدول. شدد على ما قاله من قبله عدد من المسؤولين العسكريين حول الرفض المطلق للدرع الصاروخية. تعامل بوتين مع أميركا والغرب باستخفاف. قرر عدم الذهاب الى قمة الدول الثماني في كامب دايفيد ولا إلى قمة حلف الاطلسي. الشروط الروسية للصفقة الدولية كبيرة، وباراك اوباما يجد نفسه أعجز من أن يحققها وهو يسعى لولاية ثانية.

يتسلح بوتين بأنه لا يزال رئيسا "طازجا"، فيما اوباما تحت رحمة "لوبيات" كثيرة، ونيكولا ساركوزي ترنح وسقط، وأنجيلا ميركيل اصيبت بنكسة انتخابية امام خصومها الاشتراكيين قبل أيام والدول الأوروبية بمجملها تكافح تصحُّر المال في هذه الاوقات الدولية الصعبة. يتسلح بوتين أيضا بتحالف دولي كبير عبر دول البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا)، كما يتسلح إقليميا بحليفين أثبتا انهما ما يزالان أقوى مما اعتقد البعض، الأول، في إيران، أبرزت الانتخابات الأخيرة قوة المحافظين، والثاني، في سوريا بدليل تماسك الجيش السوري حول النظام فيما المعارضة آخذة بالتفكك، ناهيك عن دلالات نتائج الانتخابات الأخيرة.

ما عاد أمام الغرب سوى البحث عن تسويات مع الروس. القيصر الروسي يفرض الشروط لأية تسوية. معادلة القوة تبدو لصالحه. كان أول من جاهر بوجود مسلحين وإرهابيين في سوريا. ها هي "القاعدة" تطل برأسها في سوريا وشمال لبنان، وها هو "حزب الله" يرفع المعادلة الإقليمية الى أقصى درجات توازن الرعب عبر الخطاب الاخير للسيد حسن نصر الله. بات الغرب يقلق فعليا من الصورة المشوشة المحيطة بانتشار "الإخوان المسلمين" في المنطقة خصوصا بعد ان ظهر خلفهم سلفيون، وبعد ان عاد البعض للقول بأن اسرائيل "عدوة" وأنه لا بد من اعادة النظر بمعاهدة كامب دايفيد بين مصر وإسرائيل.

ينتظر كثيرون ان تكون مفاوضات إيران مع الغرب في بغداد (5+1) حاملة بوادر حلحلة. يفسر البعض تلويح دول الخليج بالوحدة وخصوصا بين السعودية والبحرين، والكلام الذي صدر عن القمة الخليجية التشاورية في السعودية قبل يومين ضد إيران، مؤشرا على استياء خليجي من الغزل القائم بين طهران وواشنطن ومن الخط الهاتفي الساخن الذي أقيم بين العاصمتين. كيف لا يشعر الخليجيون بذلك وقد جاءتهم الصدمة الاولى من الحليف الاميركي الذي رفض الطلب السعودي ـ القطري بتسليح المعارضة السورية؟

قد يحصل انفراج في الملف النووي الايراني. هذا مرجح، ولكنه قد لا يحصل أيضا. الأهم أن ثمة تراجعا لافتا للانتباه من قبل المحور الاميركي الغربي خصوصا ان بؤر التوتر التي أسس لها من العراق الى افغانستان صارت ترتد عليه وتؤثر على ناخبيه وسط ازمة اقتصادية خانقة.

في هذا الوقت بالذات، تنفجر طرابلس. ثمة تنسيق أمني دقيق بين جهات رسمية لبنانية وسورية وغربية تفيد بضرورة وقف تمدد "القاعدة" والحركات السلفية في المنطقة... سبق ذلك لقاءات أمنية بين مسؤولين في لبنان وسوريا وبعض دول الخليج (بما في ذلك السعودية نفسها والأمير مقرن بن عبد العزيز يعرف ذلك اكثر من غيره).

كل ذلك يؤشر إلى بداية ضوء أخضر، ذلك ان القادر على ضبط كل هذا التمدد معروف لا بل ومجرب أيضا مهما كانت التصريحات الدولية ضده. أما إذا كان المقصود نصب فخ لسوريا و"حزب الله"، فإن الآتي أعظم.

 

  • فريق ماسة
  • 2012-05-15
  • 10504
  • من الأرشيف

الشمال .. والضوء الأخضر لسورية

كل قتيل يسقط في شمال لبنان خسارة. لعبة الامم أكبر من كل هؤلاء الذين يتقاتلون على الأرض، لا بل أكبر من معظم محركيهم. تغيرت المعادلة منذ جاهرت واشنطن بأن "القاعدة" اخترقت المعارضة السورية. صار الهم الاميركي الاول ان يتم ضرب "القاعدة" في سوريا والشمال اللبناني. ولو نسي البعض المعادلة الدولية فهذا نائب وزير الخارجية الروسية غينادي غاتيلوف يذكِّر بأن "القاعدة" ومجموعات إرهابية تقف وراء التفجيرات في سوريا. يمكن أن يُعرِّج المرء أيضا على تصريح لمسؤول اسرائيلي كبير في لواء الشمال نقلت كلامه "فرانس برس" من دون ذكر اسمه. قال "إن إسرائيل قلقة من وصول "القاعدة" إلى هضبة الجولان السورية". هذا في العلن، أما في السر، فيعرف بعض الأمنيين في دمشق وبيروت كيف تقاطر في الشهرين الماضيين مسؤولون أمنيون أميركيون وأوروبيون للوقوف عن قرب على وضع "القاعدة" ودورها في سوريا ولبنان، فيما الأميركيون والبريطانيون يقاتلون "القاعدة" في اليمن. كان يراد للشمال اللبناني ان يكون مواجها للجنوب. حصل تأجيج مذهبي محلي وإقليمي كبير. تمحور التأجيج حول الهدف الأسمى للمحور الغربي، أي تطويق إيران وضرب جناحيها في سوريا وجنوب لبنان. انقلب السحر على الساحر. (ألم ينقلب سابقا في علاقة "طالبان" وبن لادن باميركا)؟ بدأت المعادلة الدولية تتغير. لم تتغير بعد هي فقط بدأت. تبين ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصعب مما كان متوقعا. قال كلاما مفصليا بعيد عودته رئيسا. أكد من قلب الكرملين حيث كان يمشي كالقيصر او قُلْ كالطاووس، إنه ضد التدخل الدولي في شؤون الدول. شدد على ما قاله من قبله عدد من المسؤولين العسكريين حول الرفض المطلق للدرع الصاروخية. تعامل بوتين مع أميركا والغرب باستخفاف. قرر عدم الذهاب الى قمة الدول الثماني في كامب دايفيد ولا إلى قمة حلف الاطلسي. الشروط الروسية للصفقة الدولية كبيرة، وباراك اوباما يجد نفسه أعجز من أن يحققها وهو يسعى لولاية ثانية. يتسلح بوتين بأنه لا يزال رئيسا "طازجا"، فيما اوباما تحت رحمة "لوبيات" كثيرة، ونيكولا ساركوزي ترنح وسقط، وأنجيلا ميركيل اصيبت بنكسة انتخابية امام خصومها الاشتراكيين قبل أيام والدول الأوروبية بمجملها تكافح تصحُّر المال في هذه الاوقات الدولية الصعبة. يتسلح بوتين أيضا بتحالف دولي كبير عبر دول البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا)، كما يتسلح إقليميا بحليفين أثبتا انهما ما يزالان أقوى مما اعتقد البعض، الأول، في إيران، أبرزت الانتخابات الأخيرة قوة المحافظين، والثاني، في سوريا بدليل تماسك الجيش السوري حول النظام فيما المعارضة آخذة بالتفكك، ناهيك عن دلالات نتائج الانتخابات الأخيرة. ما عاد أمام الغرب سوى البحث عن تسويات مع الروس. القيصر الروسي يفرض الشروط لأية تسوية. معادلة القوة تبدو لصالحه. كان أول من جاهر بوجود مسلحين وإرهابيين في سوريا. ها هي "القاعدة" تطل برأسها في سوريا وشمال لبنان، وها هو "حزب الله" يرفع المعادلة الإقليمية الى أقصى درجات توازن الرعب عبر الخطاب الاخير للسيد حسن نصر الله. بات الغرب يقلق فعليا من الصورة المشوشة المحيطة بانتشار "الإخوان المسلمين" في المنطقة خصوصا بعد ان ظهر خلفهم سلفيون، وبعد ان عاد البعض للقول بأن اسرائيل "عدوة" وأنه لا بد من اعادة النظر بمعاهدة كامب دايفيد بين مصر وإسرائيل. ينتظر كثيرون ان تكون مفاوضات إيران مع الغرب في بغداد (5+1) حاملة بوادر حلحلة. يفسر البعض تلويح دول الخليج بالوحدة وخصوصا بين السعودية والبحرين، والكلام الذي صدر عن القمة الخليجية التشاورية في السعودية قبل يومين ضد إيران، مؤشرا على استياء خليجي من الغزل القائم بين طهران وواشنطن ومن الخط الهاتفي الساخن الذي أقيم بين العاصمتين. كيف لا يشعر الخليجيون بذلك وقد جاءتهم الصدمة الاولى من الحليف الاميركي الذي رفض الطلب السعودي ـ القطري بتسليح المعارضة السورية؟ قد يحصل انفراج في الملف النووي الايراني. هذا مرجح، ولكنه قد لا يحصل أيضا. الأهم أن ثمة تراجعا لافتا للانتباه من قبل المحور الاميركي الغربي خصوصا ان بؤر التوتر التي أسس لها من العراق الى افغانستان صارت ترتد عليه وتؤثر على ناخبيه وسط ازمة اقتصادية خانقة. في هذا الوقت بالذات، تنفجر طرابلس. ثمة تنسيق أمني دقيق بين جهات رسمية لبنانية وسورية وغربية تفيد بضرورة وقف تمدد "القاعدة" والحركات السلفية في المنطقة... سبق ذلك لقاءات أمنية بين مسؤولين في لبنان وسوريا وبعض دول الخليج (بما في ذلك السعودية نفسها والأمير مقرن بن عبد العزيز يعرف ذلك اكثر من غيره). كل ذلك يؤشر إلى بداية ضوء أخضر، ذلك ان القادر على ضبط كل هذا التمدد معروف لا بل ومجرب أيضا مهما كانت التصريحات الدولية ضده. أما إذا كان المقصود نصب فخ لسوريا و"حزب الله"، فإن الآتي أعظم.  

المصدر : سامي كليب/السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة