التطور في علم الاتصالات الذي يعتمد على التكنولوجيا الحديثة المنطلقة بقوة، بفضل البحوث العلمية المستحدثة، قضى على مرحلة الخداع وتزوير الحقائق أو إخفائها.

والمعلومة الصحيحة أصبحت في متناول الجميع، فلم تعد الحدود الجغرافية، ولا الحد من حرية التعبير وفرض الرقابة الصارمة، عوامل قادرة اليوم على توريتها.

الحقيقة لم تعد أسيرة الأنظمة الاستبدادية، ووجهنا القبيح في العالم لن تستطيع عمليات التجميل، التي تعتمد على المال الوفير المبذر والمبتز به من قبل أصحاب المؤسسات المالية والإعلامية، أن تخفي معالمه أو تتستر به على الانتهاكات التي ترتكب بحق الشعوب المغلوبة على أمرها، كما كان في السابق.

لذلك، رجاء اسمحوا لنا أن نعري واقعنا كما هو، ليس انتقاماً أو تشفياً، وإنما محبة للوطن وحرصا على مستقبله المهدد بالموت تخلفاً وجهلاً.

كما إنها دعوة مفتوحة إلى الصدق مع النفس وإيقاظ الضمائر ونزعة الخير الموجودة في كل منا، والتي طال احتباسها في دواخلنا.

هذه المقدمة لا بد منها قبل المشاركة في الجدل الدائر حول إمكانية تحويل منظمة التعاون الخليجي إلى محرك رئيسي لترتيب البيت الخليجي وإصلاحه، ليكون فاعلاً في مواجهة تحديات مصيرية وكارثية قد تلقينا جميعاً في مزبلة التاريخ، فلا مكان لأنظمة تتحدى التطور الإنساني والحضاري الذي يسم عالمنا اليوم.

مجلس التعاون الخليجي أنشئ ـ حسب علمنا ـ بمبادرة كويتية لأسباب أمنية محلية، فقد كانت الكويت في السابق تعتمد على الحماية البريطانية للدفاع عنها، وبعد أن تخلت بريطانيا عن هذه المهمة بسبب الوهن والتفكك اللذين أصاباها شعرت الكويت بأنها في مأزق. فالكويت دولة مستقلة صغيرة محاطة بدول معظمها لا يضمر الخير لها ولتجربتها الفريدة بالحكم في المنطقة، وتصورت أن في هذه الصيغة الخليجية مخرجاً لها من هذا المأزق، وقد قلنا في ندوة علنية أن هذا التوجه ـ أي التقارب بين هذه الدول ـ سيكون محموداً على الرغم من تخوفنا من أنه سيفقدنا شيئاً من مكاسبنا الديمقراطية، لكن على أمل أن يساعد وجودنا في تطوير الأنظمة القائمة إلى الأصلح.

هل كان هذا التفاؤل المحدود في محله؟ أم كان حلماً طوباوياً؟

واقع هذا التحالف يجيب عن ذلك لو تساءلنا ماذا تحقق منذ إنشاء هذا التكتل؟

البعض يعتقد أن الوضع في السابق كان أفضل، فلم تكن هناك قيود كبيرة على النشاط التجاري والعقاري، كما حصل بعد إنشاء هذا التكتل، فضلاً عن أن التنقل في أوروبا غدا أسهل من التنقل بين هذه الدول، وعلى سبيل المثال، تتعرض الصادرات الزراعية الكويتية للتلف على الحدود السعودية من طول الانتظار!

أصحاب التفاؤل المفرط تأملوا أن يؤجل المسار السياسي، ويتم البدء بالمسار الاقتصادي، كما فعلت أوروبا، إلا أن هذا لم يحدث.

من جهة ثانية، لاحظ الجميع أن هناك حركة أمنية نشطة قد تكون مباركة، إلا أن الأحداث برهنت أن التحرك الأمني لم يكن لتوفير الأمن لهذه الدول، بل كان من أجل أمن حكامها، ولحماية عروشهم من غضب شعوبهم.

لقد تحفظت الكويت على هذا التحرك لأن دستورها يمنع ذلك، ويحمي النشطاء السياسيين عند لجوئهم إلى الكويت، في نص قاطع غير قابل للتأويل يعكس تاريخ الشعب الكويتي الذي كان يعتبرهم ضيوفاً حتى في زمن الحماية البريطانية، ومن غير المقبول ـ وفق الدستور ـ لأي قوات خارجية أن تدخل الأراضي الكويتية لاعتقال من تشاء من معارضيها، وهذا يعني أن الشعب الكويتي ساهم من خلال دستوره في صياغة التعاطي مع هذا الشأن وغيره، على العكس مما حاول المجلس إيهامه لنا بتشكيل لجان استشارية من أجل إضفاء صفة «الشعبية» على أعماله، فهذه اللجان الشعبية التي شكلت كانت مغيّبة و«ديكورية» ولم نسمع عن أي اقتراحات صدرت منها ونفذت، ويقال إن هناك تحركاً سلبياً في هذا المجال ينفذ بصمت ولا يمكن استبعاده.

لقد استبشر الكويتيون بطرح فكرة درع الجزيرة، إلا أننا يجب أن نعترف بأن المشروع قد مات قبل أن يولد. فالحق يقال بأن جيوشنا لم تكن بالمستوى المطلوب، لأن تركيبتها اعتمدت على الولاء للنظام وليس للوطن، فاحتل الموالون مناصب «المؤهلين» من العسكريين.

الجيش العماني كان الأفضل، إلا أن الريبة التي انتشرت بين الأعضاء حالت دون الاعتماد عليه بشكل رئيسي، لهذا لم يتمكن درع الجزيرة ـ وكان موجوداً في حفر الباطن على حدود الكويت ـ من تقديم أي مساعدة عسكرية للكويت عندما تعرضت للغزو الصدامي.

ويخجل الفرد من ذكر التعامل مع القوات الكويتية الباسلة التي قاتلت حتى نفدت ذخيرتها، ولجأت إلى حفر الباطن خلال الأيام الثلاثة الأولى، وأنا أخجل من ذكر الأسباب التي أدت إلى التأخر في اتخاذ قرار نجدة الكويت، والتي ذكرها الكاتب الأميركي بوب وودورد في كتابه عن أسرار حرب الخليج.

لقد وقفت شعوب المنطقة مذهولة لعجز حكامها عن حماية الكويت. وأخذت تسأل: أين ذهبت مليارات الدولارات التي صرفت على هذه الجيوش؟ فما صُرف من أموال للتسلح كان مثار استغراب لدى العالم لضخامته بالنسبة إلى عدد أفراده، ولعدم توفر القدرة البشرية للاستفادة منه. ولا داعي للتوسع في هذا الموضوع لأنه يسبّب الألم لكل ذي ضمير حي.

السؤال الذي نود طرحه الآن: ما هذا الوحي الذي ألهم القادة في السعودية والبحرين للمضي في إنجاز الوحدة؟

دعونا نتحدث بصراحة وبواقعية ومن دون حساسية..

لب الموضوع هو الحراك الشعبي في البلدين، والربيع العربي الذي خلق إنساناً عربياً جديداً يتمسك بالكرامة ويرفض الذل والتبعية.

وهنا أيضاً دخل الصراع الطائفي المدمر الذي لف المنطقة العربية وجرّ معه الممثلين الأقوى لهذا الصراع، وهما السعودية وإيران، وكان من الطبيعي أن يستغل هذان الطرفان التوتر الناجم عن ثورات الربيع العربي، فالنظام الذي يعاني خللاً داخلياً أساسياً يجد في خلق عدو خارجي يهدد الدولة مخرجاً لأزمته الداخلية.

ولا يختلف اثنان على أن هذا الصراع الطائفي سوف يدمر الجميع من دون استثناء إن لم يجرِ تطويقه، والتعامل معه بعقلانية. لا أحد يستطيع أن ينكر أن أوضاع الشيعة في البلدين غير مريحة إطلاقاً، فإذا كانوا في السعودية أقلية هم في البحرين أكثرية تاريخية، الحكام سنّة جاءوا من الجزيرة، ومع الأسف تعاملوا مع السكان جميعاً، سنة وشيعة، كغزاة، وفق المنطق القبلي الجاهلي المعروف، وهو أن الأرض ومن عليها للمنتصر، أخذوها بالسيف، ويحتفظون بالسلطة بالسيف.

ومما عقد الأمور في البحرين أن الشيعة أغلبية ساحقة، وكل محاولة لتقليل هذه النسبة بالتجنيس العشوائي لم تنجح، فالحل إذن في دولة واحدة سعودية خليفية يصبح فيها الشيعة أقلية.

إن ثقافة الغزاة منتشرة في جزيرتنا، فالمواطنة غير معروفة، بل هناك تابعية، أي هناك راع لديه أتباع، وموارد الدولة من نفطية وغيرها تعود ملكيتها للحكام وليس للشعب، فليست هناك ميزانية حقيقية، ولا وزير للمالية، وحتى التحويلات المالية للدول العربية تصدر من الحكام إلى نظرائهم، مما أتاح الفرصة لبعض حكامنا العرب ـ هداهم الله ـ إلى تحويل هذه المبالغ الضخمة إلى الحسابات الخاصة لهؤلاء الحكام العرب! والمشاريع التي تنفذ، إن وجدت، فهي باسمهم أو اسم عائلاتهم، وكذلك المدن والقرى والشوارع والجامعات والملاعب وغيرها، ما يعكس الفهم الخاص لهؤلاء.

أموال النفط الطائلة عرّتنا أمام العالم، وأصبحنا مادة للتندر في كل مكان حول التصرف بهذه الأموال بشكل مخجل، من مظاهر بذخ مبالغ فيها إلى قصور ضخمة فخمة وحاشية بالمئات، وهدر الملايين في أماكن اللهو البريئة والمحرمة على حد سواء، لدرجة أن هذه السلوكيات أصبحت مادة خصبة للإعلام المعادي والصهيوني لتشويه سمعة العربي، وما أكثر الأفلام التي تركز على هذه المظاهر السلبية وتضخمها، وخصوصاً في أميركا حيث يسيطر الصهاينة على صناعة السينما فيها.

ويقول البعض إن دولنا مقصرة في مواجهة هذه الحملة وتحسين صورتنا... كيف يمكننا أن نقوم بذلك وحقيقة أوضاعنا معروفة للعالم؟ يريدوننا أن نعطي صورة زاهية مزيفة تقنع العالم ببطلان ما يقال عنا.

والطامة الكبرى، أننا كعرب ومسلمين، ارتبطت صورتنا بالعنف الدامي الذي أصبح في نظر العالم يشكل خطراً على البشرية جمعاء. وأصبحت صيحة مكافحة الإرهاب هي شعار هذه المرحلة.

إن التفجيرات التي تستهدف المباني والأحياء السكنية والأسواق التجارية والأماكن الدينية والقتل العشوائي للأبرياء من أطفال ونساء لا يمكن تبريرها إطلاقاً، لا دينياً ولا إنسانياً، وأن تصبح دول مجلس التعاون الممول الرئيسي لهذا النشاط فهو وضع محرج للغاية، لا سيما أن هذا التمويل حكومي، وشعبي، مبارك رسمياً، بحجة نشر الدعوة الإسلامية في بناء المساجد والمدارس وتحفيظ القرآن وغيرها.. فظاهر هذه النشاطات بريء ومحمود، إلا أن الجهات التي تدير هذه المرافق لها أجندتها الخاصة في بث ثقافة الحقد والكراهية للآخرين، وتحليل دم كل من يخالفها في عقيدتها الحزبية وليس الدينية. لقد أصبحت هذه المؤسسات التي تصرف عليها بعض حكومات مجلس التعاون مرتعاً خصباً للتطرف ما ينافي تعاليم الإسلام التي تعتبر قتل الفرد الواحد بغير حق كقتل البشرية جمعاء.

إذن، ما هو السر في تعاون بعض الحكام العرب مع هذه الأحزاب الدينية المستحدثة؟

هذه الأحداث يجمعها شيء واحد، هو عداؤها للديمقراطية ومشاركة الشعب في السلطة واتخاذ القرار. فالأحزاب الدينية لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالحرية، تريد تربية قطيع يؤمر فيمتثل للأوامر من دون نقاش، وهذا ما يريده معظم الحكام العرب.

أما الحديث عن الوسطية فهو هراء، لأن كل هذه المؤسسات الدينية المنتشرة في العالم تعمل بإدارة الإخوان المسلمين، وتاريخ هؤلاء معروف، فهو أول تنظيم حزبي أدخل العنف إلى المنطقة في تاريخنا الحديث، حيث أنشأ جهازاً عسكرياً سرياً للاغتيالات والقفز على السلطة، كما هو معروف في مصر.

يا حكامنا الأفاضل، إذا أردتم الأمان لكم ولأوطانكم فما عليكم إلا أن تعيدوا النظر في موضوع الاتحاد الخليجي، وتقروا بأن مشروعكم هذا لن يكتب له النجاح.

مجلس التعاون هو في الحقيقة ناد للحكام وحدهم، فكيف يمكن أن يكتسب المناعة ويدافع عن نفسه وهو مجرد من كل أسباب المناعة الحقيقية، أي المواطنة الحقة التي تجند كل فرد للدفاع عن الوطن وبناء مجده؟

إنكم تهدرون المليارات من الدولارات لشراء أسلحة متطورة اعتقاداً منكم بأنها تؤمّن الحماية لكم، والكل يعلم بأن هذه الأموال تذهب هدراً لأن الإمكانات البشرية والعوامل الجغرافية غير متوافرة للاستفادة منها، وعسى ألا يكون الوسطاء العملاء هم المستفيدون من هذه الصفقات كما علمتنا تجاربنا السابقة.

 

 

 

  • فريق ماسة
  • 2012-05-16
  • 13604
  • من الأرشيف

رسالة إلى قادة الخليج: مشروع الاتحاد فاشل ولنستشهد بالتاريخ!

  التطور في علم الاتصالات الذي يعتمد على التكنولوجيا الحديثة المنطلقة بقوة، بفضل البحوث العلمية المستحدثة، قضى على مرحلة الخداع وتزوير الحقائق أو إخفائها. والمعلومة الصحيحة أصبحت في متناول الجميع، فلم تعد الحدود الجغرافية، ولا الحد من حرية التعبير وفرض الرقابة الصارمة، عوامل قادرة اليوم على توريتها. الحقيقة لم تعد أسيرة الأنظمة الاستبدادية، ووجهنا القبيح في العالم لن تستطيع عمليات التجميل، التي تعتمد على المال الوفير المبذر والمبتز به من قبل أصحاب المؤسسات المالية والإعلامية، أن تخفي معالمه أو تتستر به على الانتهاكات التي ترتكب بحق الشعوب المغلوبة على أمرها، كما كان في السابق. لذلك، رجاء اسمحوا لنا أن نعري واقعنا كما هو، ليس انتقاماً أو تشفياً، وإنما محبة للوطن وحرصا على مستقبله المهدد بالموت تخلفاً وجهلاً. كما إنها دعوة مفتوحة إلى الصدق مع النفس وإيقاظ الضمائر ونزعة الخير الموجودة في كل منا، والتي طال احتباسها في دواخلنا. هذه المقدمة لا بد منها قبل المشاركة في الجدل الدائر حول إمكانية تحويل منظمة التعاون الخليجي إلى محرك رئيسي لترتيب البيت الخليجي وإصلاحه، ليكون فاعلاً في مواجهة تحديات مصيرية وكارثية قد تلقينا جميعاً في مزبلة التاريخ، فلا مكان لأنظمة تتحدى التطور الإنساني والحضاري الذي يسم عالمنا اليوم. مجلس التعاون الخليجي أنشئ ـ حسب علمنا ـ بمبادرة كويتية لأسباب أمنية محلية، فقد كانت الكويت في السابق تعتمد على الحماية البريطانية للدفاع عنها، وبعد أن تخلت بريطانيا عن هذه المهمة بسبب الوهن والتفكك اللذين أصاباها شعرت الكويت بأنها في مأزق. فالكويت دولة مستقلة صغيرة محاطة بدول معظمها لا يضمر الخير لها ولتجربتها الفريدة بالحكم في المنطقة، وتصورت أن في هذه الصيغة الخليجية مخرجاً لها من هذا المأزق، وقد قلنا في ندوة علنية أن هذا التوجه ـ أي التقارب بين هذه الدول ـ سيكون محموداً على الرغم من تخوفنا من أنه سيفقدنا شيئاً من مكاسبنا الديمقراطية، لكن على أمل أن يساعد وجودنا في تطوير الأنظمة القائمة إلى الأصلح. هل كان هذا التفاؤل المحدود في محله؟ أم كان حلماً طوباوياً؟ واقع هذا التحالف يجيب عن ذلك لو تساءلنا ماذا تحقق منذ إنشاء هذا التكتل؟ البعض يعتقد أن الوضع في السابق كان أفضل، فلم تكن هناك قيود كبيرة على النشاط التجاري والعقاري، كما حصل بعد إنشاء هذا التكتل، فضلاً عن أن التنقل في أوروبا غدا أسهل من التنقل بين هذه الدول، وعلى سبيل المثال، تتعرض الصادرات الزراعية الكويتية للتلف على الحدود السعودية من طول الانتظار! أصحاب التفاؤل المفرط تأملوا أن يؤجل المسار السياسي، ويتم البدء بالمسار الاقتصادي، كما فعلت أوروبا، إلا أن هذا لم يحدث. من جهة ثانية، لاحظ الجميع أن هناك حركة أمنية نشطة قد تكون مباركة، إلا أن الأحداث برهنت أن التحرك الأمني لم يكن لتوفير الأمن لهذه الدول، بل كان من أجل أمن حكامها، ولحماية عروشهم من غضب شعوبهم. لقد تحفظت الكويت على هذا التحرك لأن دستورها يمنع ذلك، ويحمي النشطاء السياسيين عند لجوئهم إلى الكويت، في نص قاطع غير قابل للتأويل يعكس تاريخ الشعب الكويتي الذي كان يعتبرهم ضيوفاً حتى في زمن الحماية البريطانية، ومن غير المقبول ـ وفق الدستور ـ لأي قوات خارجية أن تدخل الأراضي الكويتية لاعتقال من تشاء من معارضيها، وهذا يعني أن الشعب الكويتي ساهم من خلال دستوره في صياغة التعاطي مع هذا الشأن وغيره، على العكس مما حاول المجلس إيهامه لنا بتشكيل لجان استشارية من أجل إضفاء صفة «الشعبية» على أعماله، فهذه اللجان الشعبية التي شكلت كانت مغيّبة و«ديكورية» ولم نسمع عن أي اقتراحات صدرت منها ونفذت، ويقال إن هناك تحركاً سلبياً في هذا المجال ينفذ بصمت ولا يمكن استبعاده. لقد استبشر الكويتيون بطرح فكرة درع الجزيرة، إلا أننا يجب أن نعترف بأن المشروع قد مات قبل أن يولد. فالحق يقال بأن جيوشنا لم تكن بالمستوى المطلوب، لأن تركيبتها اعتمدت على الولاء للنظام وليس للوطن، فاحتل الموالون مناصب «المؤهلين» من العسكريين. الجيش العماني كان الأفضل، إلا أن الريبة التي انتشرت بين الأعضاء حالت دون الاعتماد عليه بشكل رئيسي، لهذا لم يتمكن درع الجزيرة ـ وكان موجوداً في حفر الباطن على حدود الكويت ـ من تقديم أي مساعدة عسكرية للكويت عندما تعرضت للغزو الصدامي. ويخجل الفرد من ذكر التعامل مع القوات الكويتية الباسلة التي قاتلت حتى نفدت ذخيرتها، ولجأت إلى حفر الباطن خلال الأيام الثلاثة الأولى، وأنا أخجل من ذكر الأسباب التي أدت إلى التأخر في اتخاذ قرار نجدة الكويت، والتي ذكرها الكاتب الأميركي بوب وودورد في كتابه عن أسرار حرب الخليج. لقد وقفت شعوب المنطقة مذهولة لعجز حكامها عن حماية الكويت. وأخذت تسأل: أين ذهبت مليارات الدولارات التي صرفت على هذه الجيوش؟ فما صُرف من أموال للتسلح كان مثار استغراب لدى العالم لضخامته بالنسبة إلى عدد أفراده، ولعدم توفر القدرة البشرية للاستفادة منه. ولا داعي للتوسع في هذا الموضوع لأنه يسبّب الألم لكل ذي ضمير حي. السؤال الذي نود طرحه الآن: ما هذا الوحي الذي ألهم القادة في السعودية والبحرين للمضي في إنجاز الوحدة؟ دعونا نتحدث بصراحة وبواقعية ومن دون حساسية.. لب الموضوع هو الحراك الشعبي في البلدين، والربيع العربي الذي خلق إنساناً عربياً جديداً يتمسك بالكرامة ويرفض الذل والتبعية. وهنا أيضاً دخل الصراع الطائفي المدمر الذي لف المنطقة العربية وجرّ معه الممثلين الأقوى لهذا الصراع، وهما السعودية وإيران، وكان من الطبيعي أن يستغل هذان الطرفان التوتر الناجم عن ثورات الربيع العربي، فالنظام الذي يعاني خللاً داخلياً أساسياً يجد في خلق عدو خارجي يهدد الدولة مخرجاً لأزمته الداخلية. ولا يختلف اثنان على أن هذا الصراع الطائفي سوف يدمر الجميع من دون استثناء إن لم يجرِ تطويقه، والتعامل معه بعقلانية. لا أحد يستطيع أن ينكر أن أوضاع الشيعة في البلدين غير مريحة إطلاقاً، فإذا كانوا في السعودية أقلية هم في البحرين أكثرية تاريخية، الحكام سنّة جاءوا من الجزيرة، ومع الأسف تعاملوا مع السكان جميعاً، سنة وشيعة، كغزاة، وفق المنطق القبلي الجاهلي المعروف، وهو أن الأرض ومن عليها للمنتصر، أخذوها بالسيف، ويحتفظون بالسلطة بالسيف. ومما عقد الأمور في البحرين أن الشيعة أغلبية ساحقة، وكل محاولة لتقليل هذه النسبة بالتجنيس العشوائي لم تنجح، فالحل إذن في دولة واحدة سعودية خليفية يصبح فيها الشيعة أقلية. إن ثقافة الغزاة منتشرة في جزيرتنا، فالمواطنة غير معروفة، بل هناك تابعية، أي هناك راع لديه أتباع، وموارد الدولة من نفطية وغيرها تعود ملكيتها للحكام وليس للشعب، فليست هناك ميزانية حقيقية، ولا وزير للمالية، وحتى التحويلات المالية للدول العربية تصدر من الحكام إلى نظرائهم، مما أتاح الفرصة لبعض حكامنا العرب ـ هداهم الله ـ إلى تحويل هذه المبالغ الضخمة إلى الحسابات الخاصة لهؤلاء الحكام العرب! والمشاريع التي تنفذ، إن وجدت، فهي باسمهم أو اسم عائلاتهم، وكذلك المدن والقرى والشوارع والجامعات والملاعب وغيرها، ما يعكس الفهم الخاص لهؤلاء. أموال النفط الطائلة عرّتنا أمام العالم، وأصبحنا مادة للتندر في كل مكان حول التصرف بهذه الأموال بشكل مخجل، من مظاهر بذخ مبالغ فيها إلى قصور ضخمة فخمة وحاشية بالمئات، وهدر الملايين في أماكن اللهو البريئة والمحرمة على حد سواء، لدرجة أن هذه السلوكيات أصبحت مادة خصبة للإعلام المعادي والصهيوني لتشويه سمعة العربي، وما أكثر الأفلام التي تركز على هذه المظاهر السلبية وتضخمها، وخصوصاً في أميركا حيث يسيطر الصهاينة على صناعة السينما فيها. ويقول البعض إن دولنا مقصرة في مواجهة هذه الحملة وتحسين صورتنا... كيف يمكننا أن نقوم بذلك وحقيقة أوضاعنا معروفة للعالم؟ يريدوننا أن نعطي صورة زاهية مزيفة تقنع العالم ببطلان ما يقال عنا. والطامة الكبرى، أننا كعرب ومسلمين، ارتبطت صورتنا بالعنف الدامي الذي أصبح في نظر العالم يشكل خطراً على البشرية جمعاء. وأصبحت صيحة مكافحة الإرهاب هي شعار هذه المرحلة. إن التفجيرات التي تستهدف المباني والأحياء السكنية والأسواق التجارية والأماكن الدينية والقتل العشوائي للأبرياء من أطفال ونساء لا يمكن تبريرها إطلاقاً، لا دينياً ولا إنسانياً، وأن تصبح دول مجلس التعاون الممول الرئيسي لهذا النشاط فهو وضع محرج للغاية، لا سيما أن هذا التمويل حكومي، وشعبي، مبارك رسمياً، بحجة نشر الدعوة الإسلامية في بناء المساجد والمدارس وتحفيظ القرآن وغيرها.. فظاهر هذه النشاطات بريء ومحمود، إلا أن الجهات التي تدير هذه المرافق لها أجندتها الخاصة في بث ثقافة الحقد والكراهية للآخرين، وتحليل دم كل من يخالفها في عقيدتها الحزبية وليس الدينية. لقد أصبحت هذه المؤسسات التي تصرف عليها بعض حكومات مجلس التعاون مرتعاً خصباً للتطرف ما ينافي تعاليم الإسلام التي تعتبر قتل الفرد الواحد بغير حق كقتل البشرية جمعاء. إذن، ما هو السر في تعاون بعض الحكام العرب مع هذه الأحزاب الدينية المستحدثة؟ هذه الأحداث يجمعها شيء واحد، هو عداؤها للديمقراطية ومشاركة الشعب في السلطة واتخاذ القرار. فالأحزاب الدينية لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالحرية، تريد تربية قطيع يؤمر فيمتثل للأوامر من دون نقاش، وهذا ما يريده معظم الحكام العرب. أما الحديث عن الوسطية فهو هراء، لأن كل هذه المؤسسات الدينية المنتشرة في العالم تعمل بإدارة الإخوان المسلمين، وتاريخ هؤلاء معروف، فهو أول تنظيم حزبي أدخل العنف إلى المنطقة في تاريخنا الحديث، حيث أنشأ جهازاً عسكرياً سرياً للاغتيالات والقفز على السلطة، كما هو معروف في مصر. يا حكامنا الأفاضل، إذا أردتم الأمان لكم ولأوطانكم فما عليكم إلا أن تعيدوا النظر في موضوع الاتحاد الخليجي، وتقروا بأن مشروعكم هذا لن يكتب له النجاح. مجلس التعاون هو في الحقيقة ناد للحكام وحدهم، فكيف يمكن أن يكتسب المناعة ويدافع عن نفسه وهو مجرد من كل أسباب المناعة الحقيقية، أي المواطنة الحقة التي تجند كل فرد للدفاع عن الوطن وبناء مجده؟ إنكم تهدرون المليارات من الدولارات لشراء أسلحة متطورة اعتقاداً منكم بأنها تؤمّن الحماية لكم، والكل يعلم بأن هذه الأموال تذهب هدراً لأن الإمكانات البشرية والعوامل الجغرافية غير متوافرة للاستفادة منها، وعسى ألا يكون الوسطاء العملاء هم المستفيدون من هذه الصفقات كما علمتنا تجاربنا السابقة.      

المصدر : احمد الخطيب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة