رغم المفاعيل والدلالات الكبرى التي ينطوي عليها ما جرى في مجلس الأمن، إزاء الموقف من النظام في سورية، إلا أن العبارات التي انطوت عليها مواقف مندوبي ومسؤولي الدول القابضة على القرار الدولي وتصريحاتهم، من اشمئزاز وشلل وعدم يأس ورفض، يغلب عليها طابع التوظيف الإعلامي والسياسي وردود الفعل على الفشل، أكثر من أي شيء آخر.

من أجل مقاربة أكثر عمقاً على مستوى الدلالات، ينبغي التذكير بحقيقة التباين الحاد في المقاربة الدولية لما يجري في سورية، وبين ما جرى في بلدان عربية أخرى. "القضية" السورية، ما كانت لتصل الى مجلس الأمن، في أعقاب فشل الجامعة العربية، لولا انسداد أفق الرهانات على التحرك الداخلي لبعض القوى المسلحة، في الساحة السورية نفسها، والتي ثبت أن الرهان عليها كان أكبر بكثير من قدراتها الفعلية.

اللجوء الى مجلس الأمن أخيراً، وأيضاً ما سبق ذلك في الأسابيع القليلة الماضية، يأتي في سياق الرهانات الدولية والإقليمية، وأيضاً المحلية السورية لبعض القوى، على أن ما عجزوا عن تحقيقه في الأشهر الماضية، سينجحون في تحقيقه، عبر مجلس الأمن، بشدة وفاعلية أكثر. الهدف كان، والمتوقع أن يبقى، جعل مسألة النظام السوري وضرورة إسقاطه مسألة دولية بامتياز، وحية وعلى رأس جدول الاهتمام الدولي، بما يشمل حرباً شاملة على النظام، سياسياً واقتصادياً، وأيضاً، في نهاية المطاف، عسكرياً.

الأساس، لدى أصحاب الهجمة على النظام في سورية من عرب وغير عرب، أنهم غير قادرين على التعايش مع واقع بقاء النظام، بسياساته وتحالفاته وامتداداته، وتحديداً مع دخول الوافد الجديد الى المحور الذي يشمل سورية، وهو العراق. تجد الأطراف المعادية للنظام السوري أن في إسقاطه مصلحة استراتيجية، تفوق كل الاعتبارات، وبالتالي لا تقوى على التراجع، مهما كانت الوسائل المتاحة أمامها. يمكن هذه الأطراف أن تتراجع قليلاً أو أن تخفض سقوف توقعاتها، مرحلياً، لكنها تعود لتنتقل الى وسائل ضغط أخرى، إلا أنها لا تريد ولا تقوى على الانكفاء، فالغاية النهائية هي "إسقاط" النظام، ولن تحيد عنها. تشديد الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، على أن "فرنسا لن تيأس"، دليل كاشف وتأكيدي، على مستوى الإحباط، لكنه أيضاً، دليل على أن الهجمة ستتواصل، وإن بأدوات أخرى.

من هنا، يخطئ من يقارب ما جرى في مجلس الأمن، وما سيجري لاحقاً، من دون استحضار النيات الأساسية، المنطلقة من مصالح استراتيجية، والتي تدفع كل أعداء النظام السوري الى مواصلة الحرب حتى النهاية. مع ذلك، المشهد لا يشير الى أن سورية وحيدة في المعركة، من دون حلفاء، ثبت أنهم فاعلون ومقتدرون، ومع النظام، استطاعوا حتى الآن إفشال كل المساعي والجهود التي فُعّلت بشراسة ضد سورية، في الأشهر الأخيرة.

استخدام الفيتو المزدوج الروسي ــــ الصيني في مجلس الأمن، ولمرتين خلال فترة وجيزة، وفي القضية نفسها، يشير الى بداية مرحلة جديدة، تتصل فعلاً بالساحة السورية، لكنها تتجاوزها أيضاً. إحدى الدلالات الكامنة للفيتو تشير الى تغير في المعادلات الدولية والإقليمية، وأهم ما فيها أن موسكو تدرك هذا التغيير، وتتحرك تأسيساً عليه، الأمر الذي يعني قرب تشكل مشهد إقليمي جديد، وخريطة قوى جديدة، في ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط.

مع ذلك، من حق الجميع أن يسأل، عن مرحلة ما بعد السقوط العربي الغربي، في مجلس الأمن، إذ إن الرهانات الأخيرة كانت كبيرة جداً، وتحديداً لدى الأطراف المعادية للنظام في سورية، ومن بين المراهنين كانت إسرائيل، التي واصلت إصرارها في كل مناسبة وعلى لسان معظم مسؤوليها، على أن النظام السوري "سيسقط" لا محالة. السؤال، الإشكالي بالنسبة إلى هؤلاء، ماذا بعد الفيتو الروسي ـــــ الصيني في مجلس الأمن، أي بعبارة أخرى، ماذا بعد وضع سدّ أمام التحرك الدولي، من قبل الدول العظمى الاستعمارية في مواجهة سورية.

هل يتحرك حلف الناتو بمعزل عن قرار يصدر عن مجلس الامن؟ هل يتم اللجوء الى خيارات إقليمية عسكرية ولو إكراهاً لتحقيق ما كان يؤمل تحقيقه عبر مجلس الأمن؟ هل تتجه الأمور نحو تسليم غربي بوجود النظام السوري والانطلاق بمسار تسووي تحت هذا السقف؟ هل يستمر الوضع في سورية على ما هو عليه على قاعدة المراوحة الميدانية، أي أن لا يتمكن الطرفان من الحسم؟ أو أن ما جرى يشكل بيئة سياسية مؤاتية للنظام كي يبادر الى الحسم في المناطق السورية المارقة ضد العصابات المسلحة؟ مرحلة ما بعد مجلس الامن بدأت، ولننتظر إشاراتها.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2012-02-05
  • 8224
  • من الأرشيف

سورية ما بعد الفيتو الروسي ..

رغم المفاعيل والدلالات الكبرى التي ينطوي عليها ما جرى في مجلس الأمن، إزاء الموقف من النظام في سورية، إلا أن العبارات التي انطوت عليها مواقف مندوبي ومسؤولي الدول القابضة على القرار الدولي وتصريحاتهم، من اشمئزاز وشلل وعدم يأس ورفض، يغلب عليها طابع التوظيف الإعلامي والسياسي وردود الفعل على الفشل، أكثر من أي شيء آخر. من أجل مقاربة أكثر عمقاً على مستوى الدلالات، ينبغي التذكير بحقيقة التباين الحاد في المقاربة الدولية لما يجري في سورية، وبين ما جرى في بلدان عربية أخرى. "القضية" السورية، ما كانت لتصل الى مجلس الأمن، في أعقاب فشل الجامعة العربية، لولا انسداد أفق الرهانات على التحرك الداخلي لبعض القوى المسلحة، في الساحة السورية نفسها، والتي ثبت أن الرهان عليها كان أكبر بكثير من قدراتها الفعلية. اللجوء الى مجلس الأمن أخيراً، وأيضاً ما سبق ذلك في الأسابيع القليلة الماضية، يأتي في سياق الرهانات الدولية والإقليمية، وأيضاً المحلية السورية لبعض القوى، على أن ما عجزوا عن تحقيقه في الأشهر الماضية، سينجحون في تحقيقه، عبر مجلس الأمن، بشدة وفاعلية أكثر. الهدف كان، والمتوقع أن يبقى، جعل مسألة النظام السوري وضرورة إسقاطه مسألة دولية بامتياز، وحية وعلى رأس جدول الاهتمام الدولي، بما يشمل حرباً شاملة على النظام، سياسياً واقتصادياً، وأيضاً، في نهاية المطاف، عسكرياً. الأساس، لدى أصحاب الهجمة على النظام في سورية من عرب وغير عرب، أنهم غير قادرين على التعايش مع واقع بقاء النظام، بسياساته وتحالفاته وامتداداته، وتحديداً مع دخول الوافد الجديد الى المحور الذي يشمل سورية، وهو العراق. تجد الأطراف المعادية للنظام السوري أن في إسقاطه مصلحة استراتيجية، تفوق كل الاعتبارات، وبالتالي لا تقوى على التراجع، مهما كانت الوسائل المتاحة أمامها. يمكن هذه الأطراف أن تتراجع قليلاً أو أن تخفض سقوف توقعاتها، مرحلياً، لكنها تعود لتنتقل الى وسائل ضغط أخرى، إلا أنها لا تريد ولا تقوى على الانكفاء، فالغاية النهائية هي "إسقاط" النظام، ولن تحيد عنها. تشديد الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، على أن "فرنسا لن تيأس"، دليل كاشف وتأكيدي، على مستوى الإحباط، لكنه أيضاً، دليل على أن الهجمة ستتواصل، وإن بأدوات أخرى. من هنا، يخطئ من يقارب ما جرى في مجلس الأمن، وما سيجري لاحقاً، من دون استحضار النيات الأساسية، المنطلقة من مصالح استراتيجية، والتي تدفع كل أعداء النظام السوري الى مواصلة الحرب حتى النهاية. مع ذلك، المشهد لا يشير الى أن سورية وحيدة في المعركة، من دون حلفاء، ثبت أنهم فاعلون ومقتدرون، ومع النظام، استطاعوا حتى الآن إفشال كل المساعي والجهود التي فُعّلت بشراسة ضد سورية، في الأشهر الأخيرة. استخدام الفيتو المزدوج الروسي ــــ الصيني في مجلس الأمن، ولمرتين خلال فترة وجيزة، وفي القضية نفسها، يشير الى بداية مرحلة جديدة، تتصل فعلاً بالساحة السورية، لكنها تتجاوزها أيضاً. إحدى الدلالات الكامنة للفيتو تشير الى تغير في المعادلات الدولية والإقليمية، وأهم ما فيها أن موسكو تدرك هذا التغيير، وتتحرك تأسيساً عليه، الأمر الذي يعني قرب تشكل مشهد إقليمي جديد، وخريطة قوى جديدة، في ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط. مع ذلك، من حق الجميع أن يسأل، عن مرحلة ما بعد السقوط العربي الغربي، في مجلس الأمن، إذ إن الرهانات الأخيرة كانت كبيرة جداً، وتحديداً لدى الأطراف المعادية للنظام في سورية، ومن بين المراهنين كانت إسرائيل، التي واصلت إصرارها في كل مناسبة وعلى لسان معظم مسؤوليها، على أن النظام السوري "سيسقط" لا محالة. السؤال، الإشكالي بالنسبة إلى هؤلاء، ماذا بعد الفيتو الروسي ـــــ الصيني في مجلس الأمن، أي بعبارة أخرى، ماذا بعد وضع سدّ أمام التحرك الدولي، من قبل الدول العظمى الاستعمارية في مواجهة سورية. هل يتحرك حلف الناتو بمعزل عن قرار يصدر عن مجلس الامن؟ هل يتم اللجوء الى خيارات إقليمية عسكرية ولو إكراهاً لتحقيق ما كان يؤمل تحقيقه عبر مجلس الأمن؟ هل تتجه الأمور نحو تسليم غربي بوجود النظام السوري والانطلاق بمسار تسووي تحت هذا السقف؟ هل يستمر الوضع في سورية على ما هو عليه على قاعدة المراوحة الميدانية، أي أن لا يتمكن الطرفان من الحسم؟ أو أن ما جرى يشكل بيئة سياسية مؤاتية للنظام كي يبادر الى الحسم في المناطق السورية المارقة ضد العصابات المسلحة؟ مرحلة ما بعد مجلس الامن بدأت، ولننتظر إشاراتها.    

المصدر : يحيى دبوق\ الاخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة