دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
"إذا أراد أحد أن يعرف كيف يجب أن يقاوم فليأت إلى سورية.. وكما أنّ هناك شعوباً كانت خلاّقة وعاملة وبنّاءة، كذلك هو الشعب السوري مهندس ومصمّم للمقاومة، وعلينا نحن الشعوب الذين قرّرنا أن نقاوم أن نتعلم المقاومة من أجل النصر لا المقاومة من أجل أن ننتهي مهزومين كما حدث خلال قرون في التاريخ...".
هذا ما قاله رئيس جمهورية فنزويلا المقاوم هوغو تشافيز خلال زيارته إلى دمشق منذ ما يقارب العامين بعد لقائه الرئيس بشار الأسد، ولم تكن كلماته عبثية أو لمجرّد تسجيل موقف من رئيس يحاول أن يعبّر عن مدى صلابة التحالف بين الطرفين.. لكن الأهمية تكمن في فحوى مضمونها، وخصوصاً أنّ تشافيز قارئ جيد لتاريخ الشعوب وسياسي محنك في قراءة المجريات والعمل على أساسها.
فعندما يطالب شعوب العالم بأن يتعلموا المقاومة من سورية، ذلك لأنها برهنت، ومن خلال قيادتها الحكيمة والرصينة، عن صلابة موقفها وقدرتها على تفجير الألغام المحيطة بها، وتشكيل حلف عالمي مضاد في مواجهة الانحياز الأطلسي وصانعته أميركا المكشوف ضدّ سورية وضدّ قوى المقاومة والممانعة.
بداية تصدّى هذا الحلف للهجمة الغربية المسعورة ضدّ سورية عبر البوابة اللبنانية ما أدى إلى تراجع مهين للنفوذ الأميركي وعملائه، وإلى تسجيل النقطة الأولى لصالح دمشق.
بعد هذا التقدّم الذي أحرزته السياسة السورية، واستجلاب الغرب من جديد إلى ساحتها عبر سفرائه المعتمدين وأتباعه في لبنان الواحد تلو الآخر وبروز قوة إقليمية من جديد في هذا الشرق الأوسط السوري الجديد، بدأ الأميركيون يعدّون العدّة من جديد لبسط هيمنتهم المتآكلة وفرض مخطط جديد لشرق أوسط إسلامي، بريطاني المنشأ، للانتقام من سورية وتفتيتها، وفي الوقت نفسه يكون الإسلاميون سنداً لـ"إسرائيل" في إنشاء "الدولة اليهودية".
بدأوا باستغلال مطالب الشعوب المنادية بالحرية والديمقراطية، فضخوا الأموال لأذيالهم العرب والإسلاميين، وأوصلوهم إلى الحكم في أكثر من بلد عربي، مع دعم إعلامي ممنهج، ليشكلوا الجبهة الأمامية للأطلسي في تطويق سورية والسعي إلى ضربها من أجل إسقاط نظامها المقاوم.
فشكلوا "مجلس اسطنبول"، وأسندوا إلى تركيا مهمة الهجوم الدبلوماسي بادئ الأمر خشية من انكشاف الدور التآمري للأعراب.
راحت تركيا تصدّر المواقف النارية ووصلت إلى حدّ القول "إن صبرها بدأ ينفذ اذا لم تسارع سورية إلى إجراء الاصلاحات"، وأوفدت إلى دمشق أكثر من مرة وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو في محاولة لتمرير المخطط المطلوب.
لكن الردّ كان حاسماً من قبل الرئيس بشار الأسد، عندما حمّله رسالة إلى رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، مفادها أن الأزمة سوف تنقلب على تركيا إذا ما استمرت في سياستها بدعم من تسمّيهم "المعارضين"، وذلك عبر تحريك جبهات عدة تخشاها تركيا.
وبالفعل فإنّ التعنت التركي وغباء قيادته واستمرارها في السياسة نفسها، أدّى إلى انقلاب السحر على الساحر، وتحرّكت أحزاب المعارضة التركية الداعمة للموقف السوري، كما حصلت تحرّكات من قبل بعض الاحزاب الكردية المتعاطفة مع سورية، الأمر الذي دفع تركيا إلى لملمة نفسها والمسارعة والبحث عن مخرج من الأزمة الداخلية التي انفجرت في وجه حكومة أردوغان.
ولم تجد معيناً لها في هذا المسعى إلا إيران، الحليف الأقرب والأوثق إلى سورية، ولهذه الغاية زار أوغلو طهران والتقى عدداً من المسؤولين الإيرانيين، الذين بدورهم عبّروا عن انزعاجم من الموقف التركي وتضامنهم التام والراسخ مع سورية. وأفهم وزير الخارجية علي أكبر صالحي المسؤول التركي رسالة واضحة وصريحة وهي "أن ايران لن تبقى مكتوفة الأيدي إذا ما رأت أنّ خطراً يتهدّد سورية".
وقد وصلت إلى الأتراك الرسالة ذاتها من القيادة الروسية، حيث أعلم المسؤولون في الكرملين نظراءهم في أنقرة بأن موسكو لن تسمح باستفراد سورية واستهدافها وهز استقرارها، وقد تأكد حينها الموقف الروسي عملياً من الزيارة التي قامت بها الحاملات العسكرية البحرية الروسية إلى المياه الإقليمية السورية.
جرّاء صلابة سورية ومنعتها، والدعم الهائل لها من قبل حلفائها الذين يحرصون كلّ الحرص على أن تبقى دولة قوية في هذا الحلف العريض، أتى التراجع التركي الصريح على لسان أوغلو من طهران حين قال: "إنّ تركيا مصمّمة على منع نشوب حرب باردة إقليمية لأنها ستكون بمثابة انتحار للمنطقة بأسرها".
وبذلك تكون تركيا أول المتهاوين في لعبة الدومينو من حلف الأطلسي وأتباعه، ليأتي بعدها دور العرب المربكين والعاجزين عن أيّ فعل.
فبعدما أسقط في يدهم نتيجة قبول سورية المبادرة العربية الأولى والتوقيع بشروطها على بروتوكول بعثة المراقبين العرب، وانكشاف النوايا الخبيثة لبعض الأعراب الذين كانوا يصرّون بداية على إرسال المراقبين، لكنهم بعد التقرير الأول الذي رفعه رئيس البعثة الفريق أحمد الدابي، والذي كشف فيه أنّ هناك مجموعات مسلحة تمارس أعمالاً إرهابية وتستهدف الجيش السوري وقوات حفظ النظام، ما عادوا يريدون هذه البعثة وأعلنوا سحب المراقبين وتعليق العمل بها بعد الضربة القاضية التي وجهها إليهم التقرير المهني للبعثة ورئيسها، وبالتالي كان السقوط الثاني لأعراب الأطلسي في لعبة الدومينو.
عندها لم يجد الغرب بدّاً من إيجاد مخرج دبلوماسي لهزيمة جماعته من الأعراب، فأوكل إليهم المهمّة القذرة التي تمثلت بتجاهل تقرير بعثة المراقبين العرب والذهاب إلى ما أسموه مبادرة ثانية، ضمّتوها بنوداً يعرفون سلفاً أنها ستكون مرفوضة بالمطلق من سورية، وأولها طلب تنحي الرئيس الأسد، وثانيها نقل الأمر إلى مجلس الأمن، وهم على علم مسبق بأنه سيسقط بالفيتو الروسي – الصيني.
وهذا ما حصل بالفعل أول من أمس عندما وقف الأغراب والأعراب يائسين بائسين خائبين ينعتون مجلس أمن لطالما استخدموه لصالح سياساتهم الرعناء الداعمة لـ"إسرائيل"، وفي المقابل رأينا الوقوف المشرّف لروسيا والصين، ومن أمامهما السفير السوري الدكتور بشار الجعفري الذي برهن عن حنكة سياسية ودبلوماسية عز نظيرها، وواجه بصلابته المعهودة كلّ تهجّم وافتراء على بلاده، ووضع النقاط على الحروف حين ذكر "المشمئزين" من الموقف الروسي ـ الصيني، بأنهم استخدموا "الفيتو" أكثر من ستين مرة لمصلحة العدو الصهيوني الذي لم يتورّع يوماً عن ارتكاب أبشع أنواع المجازر والجرائم بحق شعبنا في فلسطين المحتلة، وكذلك ذكّرهم بدعمهم للأنظمة المستبدّة التي يصل بها الاستبداد إلى حدّ منع النساء من حضور مباريات كرة القدم.
وهكذا تهاوت آخر أحجار "الأطلسي" في لعبة الدومينو.
وفي هذه الحال لم يبق أمام هذا الحلف وأذياله إلا لملمة جراحهم، والإعداد من جديد لخطة ربما تنفعهم كي لا يبقوا مكتوفي الأيدي وهم يتفرجون على سورية وهي تنظف شوارعها من مرتزقتهم وتضع هيكلية "حلف دمشق" الذي سيقود المنطقة لآلاف السنين، كما قالها تشافيز من دمشق قبل عامين.
المصدر :
حسين هاشم\ البناء
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة