ثمة اعتبارات كثيرة تحكم قراءة الموقف الروسي من الأزمة السورية، أو بتعبير أدق الاستبسال الروسي "حتى الرمق الأخير" في الدفاع عن الحليف الشرق أوسطي. يُجمع المتابعون للسياسة الروسية على أن موقف الكرملين يستند إلى مروحة حسابات واسعة تبدأ بالبعد الاستراتيجي ولا تنتهي عند العسكري والاقتصادي والسياسي.. وحتى المحلّي الروسي. وبطبيعة الحال لا يمكن أن نغفل، في إطار فهم "الحرب الروسية العالمية" كرمى لعيون سورية، مسألة بالغة الحساسية حدّ إخافة واشنطن والغرب: سياسة "القوى العظمى" (روسيا والصين) تعود بشكل متسارع إلى الشرق الأوسط، منذرة بخطر بالغ على النفوذ الأميركي في المنطقة.

عودة بسيطة إلى تاريخ العلاقات الروسية ـ السورية قد تفيد في رسم معالم الخط الممتد بين موسكو ودمشق ومدى صلابته. أصبحت سورية أحد أهم حلفاء الاتحاد السوفياتي بعد طرد مصر للمستشارين الروس في السبعينيات، غير أن العلاقات الدبلوماسية ما لبثت أن دخلت في حال من البرود إثر انهيار الاتحاد السوفياتي، علماً أن القاعدة العسكرية في سورية توقفت عن العمل في تلك الفترة. واستمرت الحال على هذا المنوال حتى عام 2005، عندما لجأ السوريون مجدداً إلى الحليف الروسي بعدما ازدادت عزلة دمشق الدولية على خلفية الأحداث الجارية في لبنان. وبعد أن سامحت موسكو دمشق بـ75 في المئة من ديونها المستحقة، وصلت نسبة الصادرات العسكرية الروسية لسورية إلى ما بين 7 في المئة و10 في المئة من مجمل الصادرات العسكرية الروسية.

 

ركائز العلاقة..عقود تسليح وأكثر

انطلاقاً من هذا الواقع، يبدو البعد العسكري التجاري للعلاقة الأكثر أهمية وتداولاً بين أوساط الخبراء والمتابعين، ولكنه ليس الوحيد بطبيعة الحال. إذ ثمة اعتبارات كثيرة تمنع روسيا عن التراجع عن موقفها إزاء سورية، تبدأ أولاُ من حسابات محليّة ولا تنتهي عند الأسباب العالمية والتجارية والعسكرية، «يلخصها بشكل أساسي اقتناع الكرملين بأن ليس ما لديه ما يكسبه بعد رحيل الأسد»، حسب ما يشير الكاتب ويل إنغلند في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

يعتبر إنغلند أن" سورية تستمد أهميتها انطلاقاًَ من كونها مستهلكاً رئيسياً للسلاح الروسي ومقر القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، لكن هذا النوع من الاعتبارات الاستراتيجية لا يكفي فقط لتفسير استبسال روسيا في الدفاع عن حليفتها، حيث يبرز عاملان أساسيان لا يمكن الاستهانة بأهميتهما. الأول هو أن الزعماء الروس يودون الحفاظ على ماء الوجه، لا سيما بعدما شعروا بنوع من الإذلال إثر الموافقة على القرار 1973 للتدخل في ليبيا. أما الثاني فمرتبط بالانتخابات الروسية المقبلة، حيث ينظر الرئيس السابق فلاديمير بوتين، المرشح للانتخابات الرئاسية، إلى ما يجري في سورية على أنه "مؤامرة غربية"، وبالتالي فهو يعتقد بأن "روسيا يمكن أن تكون هدفاً". في وقت يتزايد الخوف الروسي من وصول الربيع العربي، لا سيما أن شوارعه شهدت مؤخراً حراكاً مماثلاً، اتهمت موسكو الغرب باستغلاله.

وفي عودة إلى البعد العسكري اللوجستي، تنقل مجلة "لوبوان" الفرنسية عن مدير قسم سورية ولبنان والعراق في "مجموعة الأزمات الدولية" بيتر هارلينغ قوله إن "سوريا تلعب رأس حربة أساسياً للطموحات الإقليمية الروسية في الشرق الأوسط من جهة، وسلاحاً رئيسياً في مواجهة الهيمنة الأميركية".

أما في مجال بيع الأسلحة، فيقول هارلينغ إن "روسيا فقدت كل شيء تقريباً في العالم العربي، وهذا ما يعطيها هامشاً من الحريّة..فعدم شعبيّة مواقفها في الشارع السوري لا يكلفها الكثير، ولذلك استمرت في توريد الأسلحة إلى النظام". علماً أن هذا الشهر تمّ الكشف عن وصول السفينة "وستبرغ ليمتد"، وعلى متنها شحنة "مصنفة على انها خطيرة" إلى طرطوس. وبحسب وسائل إعلام روسية، فإن السفينة تنقل حتى 60 طناً من الاسلحة والمعدات العسكرية المرسلة من قبل الوكالة الروسية العامة لتصدير الأسلحة.

وتردف المجلة مذكّرة بأنه "في الآونة الأخيرة، باعت روسيا حليفتها 46 طائرة من طراز ياك 130، بما يساوي 550 مليون دولار. تضاف إلى 529 مليون يورو من عقود التسليح منذ عام 2010. وفيما تٌفسّر الزيارات الروسية إلى سوريا على أنها "علامة من التضامن" مع الرئيس بشار الأسد، لا بدّ من الإشارة إلى أنها تأتي في إطار الزيارات الدورية المخصصة للبحرية الروسية في المنطقة".

 

توازن قوى أم حرب دونكيشوتية؟

يعتبر دعم روسيا لدمشق على نطاق واسع خطوة للدفاع عن موطئ قدم من حقبة الحرب الباردة في سوريا وإغلاق الطريق أمام تدخل مستقبلي على غرار ما حدث في ليبيا.

في تقرير حمل عنوان "دوار سوفياتي يتحوّل إلى وجع رأس"، كتبت "الغارديان" في افتتاحيتها تقول إن على موسكو أن تأخذ بالاعتبار سؤالين أساسيين يترافقان مع عملية استخدامها "المؤكدة" لحق الفيتو على قرار مجلس الأمن، الأول هو: بوصفها المورد الرئيسي للسلاح إلى سوريا، هل تدعم روسيا الطرف الخاسر، أو بمعنى آخر هل تدافع موسكو عن نظام ساقط حكماً؟ وإذا كانت الإجابة نعم، تضيف"الغارديان"، فإن "موسكو لن تخسر عقداً بقيمة 550 مليون دولار وقعته مع دمشق لبيع طائرة تدريب فحسب، بل ستخسر كذلك القاعدة الوحيدة التي تملكها خارج الاتحاد السوفياتي السابق".

وترى الصحيفة أن السؤال الثاني "أكثر إلحاحاً"، وهو: هل موسكو في صدد خسارة آخر حلفائها في "عالم عربي يتجه نحو الديموقراطية" ستكون فيه سوريا محوراً أساسياً مهما جرى؟

وتضيف الصحيفة قائلة إن الانتفاضات التي شهدتها ليبيا من قبل وتشهدها سوريا حالياً قد "قذفت بالجامعة العربية إلى وسط الحلبة الدبلوماسية"، وفي وقت "دفعت السعودية بنفسها إلى الخطوط الأمامية" في هذه الأزمة، فإن مشروع القرار الذي تقدمت به الجامعة العربية إلى مجلس الأمن، الداعي إلى تنحي الرئيس الأسد وتسليم سلطاته إلى نائبه، يمكن أن يحمل في طياته إمكانية عزل روسيا عن "عالم عربي اعيد تشكيله".

في هذا الإطار، تعتبر الصحيفة أن روسيا ورثت وجودها في الشرق الأوسط من الاتحاد السوفياتي، وهي لم تستطع اكتساب أي أصدقاء جدد، ولذلك فإن خسارة الرئيس الأسد تذهب إلى أبعد من الخسارة المادية.

من جهة ثانية، تغالط الصحيفة البريطانية التصريحات الروسية التي تحذّر من حرب أهلية في سوريا إذا ما تمّ اعتماد قرار بشأنها في مجلس الأمن. الحرب، باعتقاد "الغارديان"، ستقع في حال لم يتحرّك المجتمع الدولي فقط.

الدور الروسي قاربته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية بوصفه "دوراً مزدوجاً" في سورية، فموسكو "تبدو متصلّبة في موقفها لأنّها تخاف من عدم الاستقرار في المنطقة من جهة، ولأنّها تخاف من أن تفقد ماء الوجه إن هي تراجعت عن موقفها من جهة ثانية".

وتساءلت "الإندبندنت" عمّا إذا كان المشروع الروسي الداعي إلى حوار بين المعارضة والنظام يندرج فعلاً في إطار نوايا صادقة لإنهاء الأزمة أم لإجهاض القرار الدولي؟ لتستنتج لاحقاً بأن غياب المعارضة بأطيافها المتعدّدة عن اجتماعات مجلس الأمن يدّل على المراوغة الروسية الهادفة إلى إفشال القرار. ثم تحذّر الصحيفة البريطانية من أن روسيا ليست في "ورطة" سهلة، فمستقبل "حليفتها" معقّد للغاية.

وفي الصحيفة نفسها كتب الصحافي البريطاني روبرت فيسك، تحت عنوان "إلى متى يتشبث الرئيس الأسد بالسلطة؟"، قائلاً إن الجامعة العربية رفعت يديها بعد أن أُصابها القنوط، لكن النظام وأتباعه في حزب البعث لم يتزحزحوا.

ويضيف "في المقابل، هناك دول تراقب الموقف في سوريا، فروسيا عاقدة العزم على عدم الوقوع ثانية في الفخ الذي ينصبه لها الغرب في الأمم المتحدة، حيث سبق أن سقطت فيه عندما عجزت عن الوقوف ضد إقامة منطقة حظر جوي فوق ليبيا الذي أسفر عن انهيار نظام معمر القذافي بشكل مباشر".

من جهتها، اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن "التصريحات الروسية الأخيرة تشي أن موسكو تنأى بنفسها عن شخص الرئيس السوري في محاولة لتحويل الأنظار عن بعض الاتهامات التي تطالها وتحمّلها مسؤولية عدم حماية المدنيين في سوريا"، في وقت وجدت أنّ النقاش حول القضية السورية في مجلس الأمن يعكس الانقسامات العميقة بين الدول التي تريد استخدام هذا السلاح الدولي لمواجهة الحكومات التي تسيء معاملة المدنيين وبين الدول التي لا تريد التدخّل في نزاعات البلدان المحلية.

وفي النهاية، مهما تعددت القراءات للخطاب الروسي ـ الصيني، لا يمكن لأحد ان ينكر بدء تغيّر خريطة نفوذ القوى العظمى في المنطقة، وقد تكون الأزمة السورية أولى وأصعب اختبارات هذه القوى الصاعدة.

  • فريق ماسة
  • 2012-02-01
  • 8414
  • من الأرشيف

لماذا تستبسل روسيا دفاعاً عن سورية ؟

    ثمة اعتبارات كثيرة تحكم قراءة الموقف الروسي من الأزمة السورية، أو بتعبير أدق الاستبسال الروسي "حتى الرمق الأخير" في الدفاع عن الحليف الشرق أوسطي. يُجمع المتابعون للسياسة الروسية على أن موقف الكرملين يستند إلى مروحة حسابات واسعة تبدأ بالبعد الاستراتيجي ولا تنتهي عند العسكري والاقتصادي والسياسي.. وحتى المحلّي الروسي. وبطبيعة الحال لا يمكن أن نغفل، في إطار فهم "الحرب الروسية العالمية" كرمى لعيون سورية، مسألة بالغة الحساسية حدّ إخافة واشنطن والغرب: سياسة "القوى العظمى" (روسيا والصين) تعود بشكل متسارع إلى الشرق الأوسط، منذرة بخطر بالغ على النفوذ الأميركي في المنطقة. عودة بسيطة إلى تاريخ العلاقات الروسية ـ السورية قد تفيد في رسم معالم الخط الممتد بين موسكو ودمشق ومدى صلابته. أصبحت سورية أحد أهم حلفاء الاتحاد السوفياتي بعد طرد مصر للمستشارين الروس في السبعينيات، غير أن العلاقات الدبلوماسية ما لبثت أن دخلت في حال من البرود إثر انهيار الاتحاد السوفياتي، علماً أن القاعدة العسكرية في سورية توقفت عن العمل في تلك الفترة. واستمرت الحال على هذا المنوال حتى عام 2005، عندما لجأ السوريون مجدداً إلى الحليف الروسي بعدما ازدادت عزلة دمشق الدولية على خلفية الأحداث الجارية في لبنان. وبعد أن سامحت موسكو دمشق بـ75 في المئة من ديونها المستحقة، وصلت نسبة الصادرات العسكرية الروسية لسورية إلى ما بين 7 في المئة و10 في المئة من مجمل الصادرات العسكرية الروسية.   ركائز العلاقة..عقود تسليح وأكثر انطلاقاً من هذا الواقع، يبدو البعد العسكري التجاري للعلاقة الأكثر أهمية وتداولاً بين أوساط الخبراء والمتابعين، ولكنه ليس الوحيد بطبيعة الحال. إذ ثمة اعتبارات كثيرة تمنع روسيا عن التراجع عن موقفها إزاء سورية، تبدأ أولاُ من حسابات محليّة ولا تنتهي عند الأسباب العالمية والتجارية والعسكرية، «يلخصها بشكل أساسي اقتناع الكرملين بأن ليس ما لديه ما يكسبه بعد رحيل الأسد»، حسب ما يشير الكاتب ويل إنغلند في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية. يعتبر إنغلند أن" سورية تستمد أهميتها انطلاقاًَ من كونها مستهلكاً رئيسياً للسلاح الروسي ومقر القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، لكن هذا النوع من الاعتبارات الاستراتيجية لا يكفي فقط لتفسير استبسال روسيا في الدفاع عن حليفتها، حيث يبرز عاملان أساسيان لا يمكن الاستهانة بأهميتهما. الأول هو أن الزعماء الروس يودون الحفاظ على ماء الوجه، لا سيما بعدما شعروا بنوع من الإذلال إثر الموافقة على القرار 1973 للتدخل في ليبيا. أما الثاني فمرتبط بالانتخابات الروسية المقبلة، حيث ينظر الرئيس السابق فلاديمير بوتين، المرشح للانتخابات الرئاسية، إلى ما يجري في سورية على أنه "مؤامرة غربية"، وبالتالي فهو يعتقد بأن "روسيا يمكن أن تكون هدفاً". في وقت يتزايد الخوف الروسي من وصول الربيع العربي، لا سيما أن شوارعه شهدت مؤخراً حراكاً مماثلاً، اتهمت موسكو الغرب باستغلاله. وفي عودة إلى البعد العسكري اللوجستي، تنقل مجلة "لوبوان" الفرنسية عن مدير قسم سورية ولبنان والعراق في "مجموعة الأزمات الدولية" بيتر هارلينغ قوله إن "سوريا تلعب رأس حربة أساسياً للطموحات الإقليمية الروسية في الشرق الأوسط من جهة، وسلاحاً رئيسياً في مواجهة الهيمنة الأميركية". أما في مجال بيع الأسلحة، فيقول هارلينغ إن "روسيا فقدت كل شيء تقريباً في العالم العربي، وهذا ما يعطيها هامشاً من الحريّة..فعدم شعبيّة مواقفها في الشارع السوري لا يكلفها الكثير، ولذلك استمرت في توريد الأسلحة إلى النظام". علماً أن هذا الشهر تمّ الكشف عن وصول السفينة "وستبرغ ليمتد"، وعلى متنها شحنة "مصنفة على انها خطيرة" إلى طرطوس. وبحسب وسائل إعلام روسية، فإن السفينة تنقل حتى 60 طناً من الاسلحة والمعدات العسكرية المرسلة من قبل الوكالة الروسية العامة لتصدير الأسلحة. وتردف المجلة مذكّرة بأنه "في الآونة الأخيرة، باعت روسيا حليفتها 46 طائرة من طراز ياك 130، بما يساوي 550 مليون دولار. تضاف إلى 529 مليون يورو من عقود التسليح منذ عام 2010. وفيما تٌفسّر الزيارات الروسية إلى سوريا على أنها "علامة من التضامن" مع الرئيس بشار الأسد، لا بدّ من الإشارة إلى أنها تأتي في إطار الزيارات الدورية المخصصة للبحرية الروسية في المنطقة".   توازن قوى أم حرب دونكيشوتية؟ يعتبر دعم روسيا لدمشق على نطاق واسع خطوة للدفاع عن موطئ قدم من حقبة الحرب الباردة في سوريا وإغلاق الطريق أمام تدخل مستقبلي على غرار ما حدث في ليبيا. في تقرير حمل عنوان "دوار سوفياتي يتحوّل إلى وجع رأس"، كتبت "الغارديان" في افتتاحيتها تقول إن على موسكو أن تأخذ بالاعتبار سؤالين أساسيين يترافقان مع عملية استخدامها "المؤكدة" لحق الفيتو على قرار مجلس الأمن، الأول هو: بوصفها المورد الرئيسي للسلاح إلى سوريا، هل تدعم روسيا الطرف الخاسر، أو بمعنى آخر هل تدافع موسكو عن نظام ساقط حكماً؟ وإذا كانت الإجابة نعم، تضيف"الغارديان"، فإن "موسكو لن تخسر عقداً بقيمة 550 مليون دولار وقعته مع دمشق لبيع طائرة تدريب فحسب، بل ستخسر كذلك القاعدة الوحيدة التي تملكها خارج الاتحاد السوفياتي السابق". وترى الصحيفة أن السؤال الثاني "أكثر إلحاحاً"، وهو: هل موسكو في صدد خسارة آخر حلفائها في "عالم عربي يتجه نحو الديموقراطية" ستكون فيه سوريا محوراً أساسياً مهما جرى؟ وتضيف الصحيفة قائلة إن الانتفاضات التي شهدتها ليبيا من قبل وتشهدها سوريا حالياً قد "قذفت بالجامعة العربية إلى وسط الحلبة الدبلوماسية"، وفي وقت "دفعت السعودية بنفسها إلى الخطوط الأمامية" في هذه الأزمة، فإن مشروع القرار الذي تقدمت به الجامعة العربية إلى مجلس الأمن، الداعي إلى تنحي الرئيس الأسد وتسليم سلطاته إلى نائبه، يمكن أن يحمل في طياته إمكانية عزل روسيا عن "عالم عربي اعيد تشكيله". في هذا الإطار، تعتبر الصحيفة أن روسيا ورثت وجودها في الشرق الأوسط من الاتحاد السوفياتي، وهي لم تستطع اكتساب أي أصدقاء جدد، ولذلك فإن خسارة الرئيس الأسد تذهب إلى أبعد من الخسارة المادية. من جهة ثانية، تغالط الصحيفة البريطانية التصريحات الروسية التي تحذّر من حرب أهلية في سوريا إذا ما تمّ اعتماد قرار بشأنها في مجلس الأمن. الحرب، باعتقاد "الغارديان"، ستقع في حال لم يتحرّك المجتمع الدولي فقط. الدور الروسي قاربته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية بوصفه "دوراً مزدوجاً" في سورية، فموسكو "تبدو متصلّبة في موقفها لأنّها تخاف من عدم الاستقرار في المنطقة من جهة، ولأنّها تخاف من أن تفقد ماء الوجه إن هي تراجعت عن موقفها من جهة ثانية". وتساءلت "الإندبندنت" عمّا إذا كان المشروع الروسي الداعي إلى حوار بين المعارضة والنظام يندرج فعلاً في إطار نوايا صادقة لإنهاء الأزمة أم لإجهاض القرار الدولي؟ لتستنتج لاحقاً بأن غياب المعارضة بأطيافها المتعدّدة عن اجتماعات مجلس الأمن يدّل على المراوغة الروسية الهادفة إلى إفشال القرار. ثم تحذّر الصحيفة البريطانية من أن روسيا ليست في "ورطة" سهلة، فمستقبل "حليفتها" معقّد للغاية. وفي الصحيفة نفسها كتب الصحافي البريطاني روبرت فيسك، تحت عنوان "إلى متى يتشبث الرئيس الأسد بالسلطة؟"، قائلاً إن الجامعة العربية رفعت يديها بعد أن أُصابها القنوط، لكن النظام وأتباعه في حزب البعث لم يتزحزحوا. ويضيف "في المقابل، هناك دول تراقب الموقف في سوريا، فروسيا عاقدة العزم على عدم الوقوع ثانية في الفخ الذي ينصبه لها الغرب في الأمم المتحدة، حيث سبق أن سقطت فيه عندما عجزت عن الوقوف ضد إقامة منطقة حظر جوي فوق ليبيا الذي أسفر عن انهيار نظام معمر القذافي بشكل مباشر". من جهتها، اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن "التصريحات الروسية الأخيرة تشي أن موسكو تنأى بنفسها عن شخص الرئيس السوري في محاولة لتحويل الأنظار عن بعض الاتهامات التي تطالها وتحمّلها مسؤولية عدم حماية المدنيين في سوريا"، في وقت وجدت أنّ النقاش حول القضية السورية في مجلس الأمن يعكس الانقسامات العميقة بين الدول التي تريد استخدام هذا السلاح الدولي لمواجهة الحكومات التي تسيء معاملة المدنيين وبين الدول التي لا تريد التدخّل في نزاعات البلدان المحلية. وفي النهاية، مهما تعددت القراءات للخطاب الروسي ـ الصيني، لا يمكن لأحد ان ينكر بدء تغيّر خريطة نفوذ القوى العظمى في المنطقة، وقد تكون الأزمة السورية أولى وأصعب اختبارات هذه القوى الصاعدة.

المصدر : السفير\ هيفاء زعيتر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة