تجزّئ تركيا اهتماماتها بين سورية ولبنان الجارين اللذين يحظيان بأهمية خاصة عندها في ما يتصدر الملف السوري اهتمام أنقرة بسبب تداعياته على الداخل التركي واستقرار المنطقة.

لبنانياً، تبدو العلاقة جيدة مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يصفه الأتراك "برجل التكتيكات القادر على استيعاب الضغوط مهما تراكمت". تواكب هذه النظرة ثقة تركية برئيس الحكومة من جهة وبرئيس الجمهورية ميشال سليمان من جهة ثانية بعد أن عبّرا بطريقة لا تحتمل اللبس عن حرصهما على التزام لبنان بقرارات الشرعية الدولية وبالمحكمة الدولية من أعلى منبر دولي أي مجلس الأمن. وتتمسك تركيا بضرورة تحقيق العدالة عبر مساعدة المحكمة في إتمام عملها شرط عدم زيادة الشرخ بين اللبنانيين أو تشكيلها عقبة أمام العمل الحكومي الذي لا ينبغي أن يهمل ملفات اجتماعية أساسية وفي مقدمها تصحيح الأجور والموازنة العامة وهما يحتاجان الى حلول سريعة وطارئة بنظر المسؤولين في أنقرة.

أما في الشأن السوري، فيشير الاجتماع الرسمي الأول الذي انعقد أمس الأول بين وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو وممثلين عن المجلس الوطني السوري في أنقرة الى سلوك تركي يردّ بشكل غير مباشر على تشبث الرئيس بشار الأسد بطريقته في معالجة الانتفاضة السورية وتجاهله النصائح الدولية، ما دفع تركيا الى البدء بحوار مع المعارضة، لكنه لا يرقى الى مستوى اعتماد هذا المجلس محاوراً وحيداً لتركيا، ومن دون إمكانية تشبيهه بالمجلس الوطني الليبي نظراً الى الظروف المختلفة في سوريا حيث نظام الرئيس بشار الاسد لا يزال ممسكاً بزمام الأمور ميدانياً وحيث لا انقسام جغرافيا بين سلطة ومعارضة على عكس الفرز الجغرافي الذي كان في ليبيا.

لا ترى تركيا مشكلة في وجود هيئة التنسيق المعارضة في الداخل السوري والمجلس الوطني في الخارج لأن الأخير يضم مختلف أطياف المعارضة بمن فيهم "الإخوان المسلمون" وهو يمثل جبهة سياسية متنوعة من المفيد برأي المسؤولين الأتراك الاستماع إليها وقد أعلنوا مراراً أنهم يقفون الى جانب الشعب السوري.

بالعودة الى اجتماعه أمس الأول مع المجلس الوطني السوري، شدد وزير الخارجية أحمد داود اوغلو على ضرورة الحفاظ على وحدة سورية وعدم انقسام المجتمع طائفياً وعدم لجوء المعارضة الى العنف والإبقاء على الاحتجاج السلمي، وقد شدد على هذه النقطة مرارا.

خطوة داود أوغلو ليست إذن منعطفاً اساسياً بل خطوة رمزية، فالحوار مع المجلس الوطني لا يعني البتة اتخاذه محاوراً رسمياً لأنقرة ولا يعني تجميد حوارها مع النظام السوري. إلا ان تركيا باشرت على خطّ آخر حواراً مع جامعة الدول العربية، وهي ترصد ما ستؤول إليه مبادرتها الأخيرة القائلة بالحوار بين المعارضة والنظام، خصوصاً أن النظام السوري من وجهة النظر التركية "لا يصغي الى نداءات الدول وقد عجز مجلس الأمن عن استصدار أي قرار. فالتعويل اليوم على المبادرة العربية وأن يصغي إليها النظام السوري. أما إذا امتنع عن ذلك عندها فستقرر جامعة الدول العربية بنفسها التدابير التي من الممكن اتخاذها سواء بتجميد عضوية سوريا أم سواها من التدابير التي تقرر في أوانها".

لا مهلة زمنية واضحة تضعها تركيا لحسم الأزمة السورية، وتعتبر أن للرئيس الأسد أجندته الخاصة في الحل، وهو ما رشح بعد لقاءاته أخيراً مع شخصيات لبنانية زارته في دمشق: فهو بدأ بإعداد لجنة لصياغة دستور جديد، وهو يسيطر على الأوضاع في البلاد ويخطو صوب الإصلاح على طريقته، وبالتالي فإن جامعة الدول العربية هي التي ستعمد الى تقييم الأمور في انتظار الرد السوري على مبادرتها.

من جهة ثانية، لا تحبذ تركيا خيار توازي الإصلاحات مع الخيار الأمني ولو بوجود حجة تقول بوجود جماعات مسلحة تقتل الجنود والمدنيين، وبالتالي فإن عزل هذه الجماعات وضبطها هو المطلوب وليس قتل المدنيين الأبرياء، فالأولوية بحسب النظام السوري هي للأمن ثم للإصلاح في حين تنعكس الآية عند المجتمع الدولي.

برأي تركيا أن الرئيس الأسد ينبغي أن يقيم التوازن بين الإصلاح والحوار لا بين الإصلاح والأمن. فالحوار مع المعارضة أمر ضروري ومطلوب وهو متعثر لغاية اليوم بسبب القمع الممنهج والعنف المستخدم، وليس ممكناً قيام حوار يترافق مع العنف، خصوصاً مع نيات مبيتة للنظام ومحاولته اجتثاث المعارضة كلياً بحسب المحللين الأتراك في أنقرة.

هذا الواقع يضع تركيا كما بقية دول العالم في حالة انتظار لما ستؤول إليه الأمور، مع هواجس من ان يستمر النظام السوري في اللجوء الى العنف لأن ذلك قد يؤدي الى استفحال الوضع الأمني داخلياً حيث قد تتدهور الأمور، خصوصاً مع تزايد الحديث عن إدخال سلاح الى المعارضة.

لا ترى تركيا حالياً، بحسب محللين أتراك، أي ضرورة للاعتراف بالمجلس الوطني السوري ولا ترى ضرورة لعقوبات تركية على سورية حالياً وإن كانت غير مستبعَدة، وهي إن اتخذت، ستكون اقتصادية.

وإذا كان الغرب يراهن على تشديد عقوباته لا سيما لجهة حظر استيراد النفط، فإن الهم التركي ينصبّ على إنهاء الأزمة السورية عبر قيام إصلاحات حقيقية تفتح الأفق السياسي السوري أمام مشاركة القوى السياسية الأخرى، لأن عجلة التغيير لن تعود الى الوراء بحسب المحللين الأتراك في أنقرة.

  • فريق ماسة
  • 2011-10-19
  • 9886
  • من الأرشيف

صحيفة السفير: اجتماع أوغلو مع المعارضة لا يجمّد الحوار مع النظام السوري

تجزّئ تركيا اهتماماتها بين سورية ولبنان الجارين اللذين يحظيان بأهمية خاصة عندها في ما يتصدر الملف السوري اهتمام أنقرة بسبب تداعياته على الداخل التركي واستقرار المنطقة. لبنانياً، تبدو العلاقة جيدة مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يصفه الأتراك "برجل التكتيكات القادر على استيعاب الضغوط مهما تراكمت". تواكب هذه النظرة ثقة تركية برئيس الحكومة من جهة وبرئيس الجمهورية ميشال سليمان من جهة ثانية بعد أن عبّرا بطريقة لا تحتمل اللبس عن حرصهما على التزام لبنان بقرارات الشرعية الدولية وبالمحكمة الدولية من أعلى منبر دولي أي مجلس الأمن. وتتمسك تركيا بضرورة تحقيق العدالة عبر مساعدة المحكمة في إتمام عملها شرط عدم زيادة الشرخ بين اللبنانيين أو تشكيلها عقبة أمام العمل الحكومي الذي لا ينبغي أن يهمل ملفات اجتماعية أساسية وفي مقدمها تصحيح الأجور والموازنة العامة وهما يحتاجان الى حلول سريعة وطارئة بنظر المسؤولين في أنقرة. أما في الشأن السوري، فيشير الاجتماع الرسمي الأول الذي انعقد أمس الأول بين وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو وممثلين عن المجلس الوطني السوري في أنقرة الى سلوك تركي يردّ بشكل غير مباشر على تشبث الرئيس بشار الأسد بطريقته في معالجة الانتفاضة السورية وتجاهله النصائح الدولية، ما دفع تركيا الى البدء بحوار مع المعارضة، لكنه لا يرقى الى مستوى اعتماد هذا المجلس محاوراً وحيداً لتركيا، ومن دون إمكانية تشبيهه بالمجلس الوطني الليبي نظراً الى الظروف المختلفة في سوريا حيث نظام الرئيس بشار الاسد لا يزال ممسكاً بزمام الأمور ميدانياً وحيث لا انقسام جغرافيا بين سلطة ومعارضة على عكس الفرز الجغرافي الذي كان في ليبيا. لا ترى تركيا مشكلة في وجود هيئة التنسيق المعارضة في الداخل السوري والمجلس الوطني في الخارج لأن الأخير يضم مختلف أطياف المعارضة بمن فيهم "الإخوان المسلمون" وهو يمثل جبهة سياسية متنوعة من المفيد برأي المسؤولين الأتراك الاستماع إليها وقد أعلنوا مراراً أنهم يقفون الى جانب الشعب السوري. بالعودة الى اجتماعه أمس الأول مع المجلس الوطني السوري، شدد وزير الخارجية أحمد داود اوغلو على ضرورة الحفاظ على وحدة سورية وعدم انقسام المجتمع طائفياً وعدم لجوء المعارضة الى العنف والإبقاء على الاحتجاج السلمي، وقد شدد على هذه النقطة مرارا. خطوة داود أوغلو ليست إذن منعطفاً اساسياً بل خطوة رمزية، فالحوار مع المجلس الوطني لا يعني البتة اتخاذه محاوراً رسمياً لأنقرة ولا يعني تجميد حوارها مع النظام السوري. إلا ان تركيا باشرت على خطّ آخر حواراً مع جامعة الدول العربية، وهي ترصد ما ستؤول إليه مبادرتها الأخيرة القائلة بالحوار بين المعارضة والنظام، خصوصاً أن النظام السوري من وجهة النظر التركية "لا يصغي الى نداءات الدول وقد عجز مجلس الأمن عن استصدار أي قرار. فالتعويل اليوم على المبادرة العربية وأن يصغي إليها النظام السوري. أما إذا امتنع عن ذلك عندها فستقرر جامعة الدول العربية بنفسها التدابير التي من الممكن اتخاذها سواء بتجميد عضوية سوريا أم سواها من التدابير التي تقرر في أوانها". لا مهلة زمنية واضحة تضعها تركيا لحسم الأزمة السورية، وتعتبر أن للرئيس الأسد أجندته الخاصة في الحل، وهو ما رشح بعد لقاءاته أخيراً مع شخصيات لبنانية زارته في دمشق: فهو بدأ بإعداد لجنة لصياغة دستور جديد، وهو يسيطر على الأوضاع في البلاد ويخطو صوب الإصلاح على طريقته، وبالتالي فإن جامعة الدول العربية هي التي ستعمد الى تقييم الأمور في انتظار الرد السوري على مبادرتها. من جهة ثانية، لا تحبذ تركيا خيار توازي الإصلاحات مع الخيار الأمني ولو بوجود حجة تقول بوجود جماعات مسلحة تقتل الجنود والمدنيين، وبالتالي فإن عزل هذه الجماعات وضبطها هو المطلوب وليس قتل المدنيين الأبرياء، فالأولوية بحسب النظام السوري هي للأمن ثم للإصلاح في حين تنعكس الآية عند المجتمع الدولي. برأي تركيا أن الرئيس الأسد ينبغي أن يقيم التوازن بين الإصلاح والحوار لا بين الإصلاح والأمن. فالحوار مع المعارضة أمر ضروري ومطلوب وهو متعثر لغاية اليوم بسبب القمع الممنهج والعنف المستخدم، وليس ممكناً قيام حوار يترافق مع العنف، خصوصاً مع نيات مبيتة للنظام ومحاولته اجتثاث المعارضة كلياً بحسب المحللين الأتراك في أنقرة. هذا الواقع يضع تركيا كما بقية دول العالم في حالة انتظار لما ستؤول إليه الأمور، مع هواجس من ان يستمر النظام السوري في اللجوء الى العنف لأن ذلك قد يؤدي الى استفحال الوضع الأمني داخلياً حيث قد تتدهور الأمور، خصوصاً مع تزايد الحديث عن إدخال سلاح الى المعارضة. لا ترى تركيا حالياً، بحسب محللين أتراك، أي ضرورة للاعتراف بالمجلس الوطني السوري ولا ترى ضرورة لعقوبات تركية على سورية حالياً وإن كانت غير مستبعَدة، وهي إن اتخذت، ستكون اقتصادية. وإذا كان الغرب يراهن على تشديد عقوباته لا سيما لجهة حظر استيراد النفط، فإن الهم التركي ينصبّ على إنهاء الأزمة السورية عبر قيام إصلاحات حقيقية تفتح الأفق السياسي السوري أمام مشاركة القوى السياسية الأخرى، لأن عجلة التغيير لن تعود الى الوراء بحسب المحللين الأتراك في أنقرة.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة