ثمّة قاعدة تطبع الحياة السياسية اللبنانية: اصغوا إلى ما يقوله النائب وليد جنبلاط أو يفعله. صار مؤشر توازن القوى الداخلي وصمود السلطة والغالبية، قبل استدارته إلى سورية وحزب الله، وبعد دوره في إطاحة الرئيس سعد الحريري. يقال ذلك اليوم حيال ما يقوله عن سورية

أنعشت بضعة مواقف أدلى بها رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط حيال الأحداث الجارية في سورية، بعضها من موسكو والبعض الآخر من لبنان، بعض قوى 14 آذار ممن راهنوا على إجراء الزعيم الدرزي مراجعة للموقع والخيارات التي أضحى عليها في المرحلة الحالية، وتوقعوا أن يمهّد بخطوات مماثلة لاستدارة تعيده إلى هذا الفريق معاكسة لاستدارته عنه قبل سنتين. كذلك ألقت مواقف جنبلاط في قلوب قوى في الأكثرية الجديدة أسئلة غامضة عن مغزى تحوّل غير مألوف له، لأول مرة مذ مصالحته مع سوريا، واتخاذه مواقف لا تكتفي بالتعليق على ما يجري في سوريا، بل تظهره أقرب إلى تفهّم مطالب المعارضة ورفض الحلّ الأمني هناك، فضلاً عن كلامه على محاسبة المرتكبين، مساوياً بين رجال النظام والمسلحين، وإطلاق المعتقلين والتعدّدية الحزبية وحرية التظاهر.

حاول أكثر من طرف في قوى 8 و14 آذار أن يقرأ في مواقف جنبلاط من سوريا ارتدادات محتملة على توازن القوى في لبنان، بين مَن هم في السلطة ومَن هم خارجها، وأن يقرأوا فيها مستبقاً سواه ربما على نحو ما يشاع عنه تطورات في سوريا تفقد الرئيس السوري بشّار الأسد المبادرة، وتجعل سيطرته على بلاده متعذّرة، واستطراداً بداية تهاوي النظام.

ومهما تكن الخلاصة التي يريد كل من قوى 8 و14 آذار التوصّل إليها بعد صدمة المواقف الأخيرة، المفاجئة خصوصاً، للزعيم الدرزي من سوريا، إلا أن ما أطلقه يتصل بملاحظات منها:

1 ـــــ أن ما أعلنه جنبلاط لجريدة حزبه الأنباء يوم 19 تموز، أو من راشيا يوم 25 تموز، وما كان قد قاله من موسكو قبل ذلك يوم 20 تموز عندما تحدّث لأول مرة ـــــ وأول مسؤول في فريق تحالفه ـــــ يصف ما جرى بـ«ثورة»، قد يكون فاجأ الرأي العام اللبناني، إلا أنه كان أفضى به إلى الأسد في لقائه الأخير به في دمشق يوم 9 حزيران.

باستثناء كلمة «ثورة» عن أحداث سوريا، تطرق الأسد وجنبلاط في هذا الاجتماع قليلاً إلى الوضع اللبناني، إلا أن الزائر اللبناني رغب في محادثة الأسد في الأحداث الدائرة في سوريا منذ آذار المنصرم وإبداء رأيه فيها، واستأذنه في مناقشة الموضوع والإصغاء إلى رأيه حيال ما يحدث هناك نظراً إلى تأثر لبنان بها، ثم استفاضا في الحديث عن الداخل السوري، وكلاهما قال ما عنده وأصغى إليه الآخر في ثنائية ما يجري: الدعوة إلى الإصلاح، والاعتداءات المسلحة التي يواجهها النظام.

بالتأكيد، لم يفصح جنبلاط لدى عودته إلى بيروت عن هذا الشقّ في محادثاته مع الأسد، ومع صديقه معاون نائب الجمهورية اللواء محمد ناصيف الذي يمثّل المظلة الواقية له في سوريا رداً على مسؤولين آخرين في القيادة ـــــ وبينهم أمنيون ـــــ لا يبدون ثقة حيال التعامل مع جنبلاط وينظرون إليه بحذر، ويشككون في معظم مواقفه.

إلا أن الانطباعات التي استخلصها جنبلاط ممّا سمعه، حملته على الاعتقاد بأن تسارع الأحداث يحتّم استعجال تنفيذ برنامج إصلاحي شامل يدعمه الرئيس السوري، إلا أن بعض المحيطين به لا يجارون هذا الاستعجال. لم تكتم انطباعات جنبلاط قلقه على النظام تحت وطأة ضغوط الاعتداءات الداخلية والتدخلات الخارجية، لكنه لمس أن الطريقة التي يقارب بها النظام أحداث سوريا، إلى عامل الوقت، لا تلائم تسارع التطورات رغم ما سمعه من الأسد من رغبة جادة في إطلاق عمل الأحزاب والإعلام المستقل.

على أن سورية، لاحظ جنبلاط، لم تتخلص كثيراً، ولا كفاية، من تقويمها التقليدي لدور الأحزاب وواقعها خارج النطاق العقائدي، بما فيها الأحزاب التي أضحت عقائدها منقرضة أو من الماضي. لمّح الزعيم الدرزي يومذاك للرئيس السوري عمّن يقصده بهذا النوع من الأحزاب الجامدة. لم يُخفِ أيضاً رأيه في ضرورة محاسبة بعض المسؤولين الأمنيين عن أخطاء ارتكبوها ضاعفت من وطأة الأحداث وصدام الشارع، فردّ الأسد بأنه عاقب بعض هؤلاء بإقالتهم، أمنيين ومحافظين، من مناصبهم في عدد من المدن وأحلّ سواهم محلهم.

لاحظ في انطباعاته محاولات جرّ سوريةإلى نزاعات مذهبية، ولم يخفِ عن المسؤولين السوريين في تلك الزيارة، كما في زيارات سابقة لهم، فحوى ما كان يحدّث به مَن يلتقيهم في لبنان والخارج، أو يتبادل وإياهم مكالمات هاتفية، كتلك التي تكلم فيها بعد أيام على مقتل أسامة بن لادن مع نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن، وحضّه على ضرورة أن تمنح إدارته الرئيس السوري مزيداً من الوقت لإطلاق برنامج إصلاحي لسوريا. إلا أن جنبلاط ميّز باستمرار بين ما يريده الأسد وما تتشبّث به آلة النظام العجوز والمتصلّبة.

الواقع أن هذا الجانب من ردّ فعل النظام على أحداث سوريا، لمسه أكثر من زائر لدمشق في الأيام الأخيرة قابل مسؤولين سوريين كباراً، ولاحظ وجود فريقين إلى يمين الرئيس وإلى يساره يتجاذبان الطريقة التي يقتضي بها مواجهة هذه الأحداث: الأول يمثله ـــــ إلى ناصيف ـــــ نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع والوزير وليد المعلم والمستشارة الرئاسية بثينة شعبان، يفضّل إيلاء الحوار والإصلاحات الأولوية على الحلول الأمنية. والآخر يمثله الأمين القطري المساعد لحزب البعث محمد سعيد بختيان وتؤازره في موقفه ـــــ تبعاً لطبيعة أدوارها ـــــ الأجهزة الأمنية السورية التي تريد ترجيح الحلّ الأمني على الحلّ السياسي.

بين هذين الموقفين، تسود القيادة السورية جدلية عميقة بين الخيارات المطروحة يميل فيها الرئيس إلى أوّلها، إلا أنه ليس من السهل توقع تجاوز الأسد كلياً حزب البعث وتخطّي مكانته في النظام وتأثيره في القرارات، على وفرة تفهّمه واقعاً جديداً في سوريا هو أن ليس في وسعه العودة بسوريا، كما بنظامه، إلى ما كانا عليه قبل 15 آذار الماضي. ولأنه ليس في وارد دفع الوضع الداخلي إلى مجازفة تقود سوريا إلى فوضى شاملة، احتاج الرئيس ولا يزال إلى فريقي وجهتي النظر المتعارضتين بغية توأمتهما بحلّ ثالث.

2 ـــــ قد لا تكون النبرة التي أطلق فيها جنبلاط مواقفه الأخيرة من سوريا، عبر الأنباء أو من راشيا وموسكو، مماثلة لما حدّث الأسد به. إلا أنه لا يخوض حكماً رهاناً على سقوط النظام، ولا يشعر بأن أحداً ممّن كانوا قد حدّثوه قبل سنوات، من الدول العظمى والنافذة، عن سقوطه المحتمل، عندما كان جنبلاط في المقلب الآخر من دمشق، يريد الآن أيضاً إسقاطه.

لا يكرّر جنبلاط تجربة خبرها بين عامي 2005 و2008، وأدركها من قبله والده الراحل كمال جنبلاط في النزاع المحموم بينه والرئيس حافظ الأسد في اجتماعاتهما الأخيرة الثلاثة في كانون الأول 1975، ثم في كانون الثاني 1976، ثم في اجتماع 27 آذار 1976 الذي أفضى إلى القطيعة الكاملة بينهما. كلاهما، الأب والابن، سعيا إلى التلاعب بالنظام السوري، ولم يخفيا رهاناً حقيقياً على سقوطه، وفي أحسن الأحوال توقع سقوطه المريع من الخارج على وفرة يقينهما بتماسكه الداخلي وقبضة الأمن على السياسة فيه. كان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يرسل عبر خليل الوزير رسائل إلى جنبلاط الأب يشجّعه على رفع نبرته ضد الأسد الأب والمضي في المواجهة، ويرجّح له سقوط نظام الأسد من توقعات دولية معظمها وهمي ومركّب.

وصلت إلى جنبلاط الأب أيضاً رسائل من مصادر لبنانية مختلفة حليفة له كانت تتقاطع عند الفلسطينيين، ولكنها تنطوي على المضمون نفسه. وعندما كان يتسلم بعضها من الوزير السابق عبّاس خلف، يكتفي بهزّ رأسه. لم يسقط النظام السوري حينذاك ولا بعد ذاك، وخسر جنبلاط الأب الحرب والدور قبل أن يخسر الحياة نفسها.

بدوره جنبلاط الابن تلقّى تأكيدات رجّحت له، تحت وطأة مرحلة ما بعد القرار 1559 واغتيال الرئيس رفيق الحريري والشروع في المحكمة الدولية، انهيار نظام الأسد الابن. سمع ذلك من مسؤولين أميركيين كباراً، إلى أن تيقّن بنفسه عام 2006 من وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أن المطلوب تحسين سلوك سورية وليس تقويض نظامها. خسر جنبلاط الابن أيضاً معركة قاسية ضد سورية انتهت بعودته إليها ومصالحتها من أجل المحافظة على الدور والموقع.

 

الاخبار /نقولا ناصيف

 

  • فريق ماسة
  • 2011-07-27
  • 10299
  • من الأرشيف

جنبلاط... بين ما قاله للأسد عن قرب وعن بُعد

  ثمّة قاعدة تطبع الحياة السياسية اللبنانية: اصغوا إلى ما يقوله النائب وليد جنبلاط أو يفعله. صار مؤشر توازن القوى الداخلي وصمود السلطة والغالبية، قبل استدارته إلى سورية وحزب الله، وبعد دوره في إطاحة الرئيس سعد الحريري. يقال ذلك اليوم حيال ما يقوله عن سورية أنعشت بضعة مواقف أدلى بها رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط حيال الأحداث الجارية في سورية، بعضها من موسكو والبعض الآخر من لبنان، بعض قوى 14 آذار ممن راهنوا على إجراء الزعيم الدرزي مراجعة للموقع والخيارات التي أضحى عليها في المرحلة الحالية، وتوقعوا أن يمهّد بخطوات مماثلة لاستدارة تعيده إلى هذا الفريق معاكسة لاستدارته عنه قبل سنتين. كذلك ألقت مواقف جنبلاط في قلوب قوى في الأكثرية الجديدة أسئلة غامضة عن مغزى تحوّل غير مألوف له، لأول مرة مذ مصالحته مع سوريا، واتخاذه مواقف لا تكتفي بالتعليق على ما يجري في سوريا، بل تظهره أقرب إلى تفهّم مطالب المعارضة ورفض الحلّ الأمني هناك، فضلاً عن كلامه على محاسبة المرتكبين، مساوياً بين رجال النظام والمسلحين، وإطلاق المعتقلين والتعدّدية الحزبية وحرية التظاهر. حاول أكثر من طرف في قوى 8 و14 آذار أن يقرأ في مواقف جنبلاط من سوريا ارتدادات محتملة على توازن القوى في لبنان، بين مَن هم في السلطة ومَن هم خارجها، وأن يقرأوا فيها مستبقاً سواه ربما على نحو ما يشاع عنه تطورات في سوريا تفقد الرئيس السوري بشّار الأسد المبادرة، وتجعل سيطرته على بلاده متعذّرة، واستطراداً بداية تهاوي النظام. ومهما تكن الخلاصة التي يريد كل من قوى 8 و14 آذار التوصّل إليها بعد صدمة المواقف الأخيرة، المفاجئة خصوصاً، للزعيم الدرزي من سوريا، إلا أن ما أطلقه يتصل بملاحظات منها: 1 ـــــ أن ما أعلنه جنبلاط لجريدة حزبه الأنباء يوم 19 تموز، أو من راشيا يوم 25 تموز، وما كان قد قاله من موسكو قبل ذلك يوم 20 تموز عندما تحدّث لأول مرة ـــــ وأول مسؤول في فريق تحالفه ـــــ يصف ما جرى بـ«ثورة»، قد يكون فاجأ الرأي العام اللبناني، إلا أنه كان أفضى به إلى الأسد في لقائه الأخير به في دمشق يوم 9 حزيران. باستثناء كلمة «ثورة» عن أحداث سوريا، تطرق الأسد وجنبلاط في هذا الاجتماع قليلاً إلى الوضع اللبناني، إلا أن الزائر اللبناني رغب في محادثة الأسد في الأحداث الدائرة في سوريا منذ آذار المنصرم وإبداء رأيه فيها، واستأذنه في مناقشة الموضوع والإصغاء إلى رأيه حيال ما يحدث هناك نظراً إلى تأثر لبنان بها، ثم استفاضا في الحديث عن الداخل السوري، وكلاهما قال ما عنده وأصغى إليه الآخر في ثنائية ما يجري: الدعوة إلى الإصلاح، والاعتداءات المسلحة التي يواجهها النظام. بالتأكيد، لم يفصح جنبلاط لدى عودته إلى بيروت عن هذا الشقّ في محادثاته مع الأسد، ومع صديقه معاون نائب الجمهورية اللواء محمد ناصيف الذي يمثّل المظلة الواقية له في سوريا رداً على مسؤولين آخرين في القيادة ـــــ وبينهم أمنيون ـــــ لا يبدون ثقة حيال التعامل مع جنبلاط وينظرون إليه بحذر، ويشككون في معظم مواقفه. إلا أن الانطباعات التي استخلصها جنبلاط ممّا سمعه، حملته على الاعتقاد بأن تسارع الأحداث يحتّم استعجال تنفيذ برنامج إصلاحي شامل يدعمه الرئيس السوري، إلا أن بعض المحيطين به لا يجارون هذا الاستعجال. لم تكتم انطباعات جنبلاط قلقه على النظام تحت وطأة ضغوط الاعتداءات الداخلية والتدخلات الخارجية، لكنه لمس أن الطريقة التي يقارب بها النظام أحداث سوريا، إلى عامل الوقت، لا تلائم تسارع التطورات رغم ما سمعه من الأسد من رغبة جادة في إطلاق عمل الأحزاب والإعلام المستقل. على أن سورية، لاحظ جنبلاط، لم تتخلص كثيراً، ولا كفاية، من تقويمها التقليدي لدور الأحزاب وواقعها خارج النطاق العقائدي، بما فيها الأحزاب التي أضحت عقائدها منقرضة أو من الماضي. لمّح الزعيم الدرزي يومذاك للرئيس السوري عمّن يقصده بهذا النوع من الأحزاب الجامدة. لم يُخفِ أيضاً رأيه في ضرورة محاسبة بعض المسؤولين الأمنيين عن أخطاء ارتكبوها ضاعفت من وطأة الأحداث وصدام الشارع، فردّ الأسد بأنه عاقب بعض هؤلاء بإقالتهم، أمنيين ومحافظين، من مناصبهم في عدد من المدن وأحلّ سواهم محلهم. لاحظ في انطباعاته محاولات جرّ سوريةإلى نزاعات مذهبية، ولم يخفِ عن المسؤولين السوريين في تلك الزيارة، كما في زيارات سابقة لهم، فحوى ما كان يحدّث به مَن يلتقيهم في لبنان والخارج، أو يتبادل وإياهم مكالمات هاتفية، كتلك التي تكلم فيها بعد أيام على مقتل أسامة بن لادن مع نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن، وحضّه على ضرورة أن تمنح إدارته الرئيس السوري مزيداً من الوقت لإطلاق برنامج إصلاحي لسوريا. إلا أن جنبلاط ميّز باستمرار بين ما يريده الأسد وما تتشبّث به آلة النظام العجوز والمتصلّبة. الواقع أن هذا الجانب من ردّ فعل النظام على أحداث سوريا، لمسه أكثر من زائر لدمشق في الأيام الأخيرة قابل مسؤولين سوريين كباراً، ولاحظ وجود فريقين إلى يمين الرئيس وإلى يساره يتجاذبان الطريقة التي يقتضي بها مواجهة هذه الأحداث: الأول يمثله ـــــ إلى ناصيف ـــــ نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع والوزير وليد المعلم والمستشارة الرئاسية بثينة شعبان، يفضّل إيلاء الحوار والإصلاحات الأولوية على الحلول الأمنية. والآخر يمثله الأمين القطري المساعد لحزب البعث محمد سعيد بختيان وتؤازره في موقفه ـــــ تبعاً لطبيعة أدوارها ـــــ الأجهزة الأمنية السورية التي تريد ترجيح الحلّ الأمني على الحلّ السياسي. بين هذين الموقفين، تسود القيادة السورية جدلية عميقة بين الخيارات المطروحة يميل فيها الرئيس إلى أوّلها، إلا أنه ليس من السهل توقع تجاوز الأسد كلياً حزب البعث وتخطّي مكانته في النظام وتأثيره في القرارات، على وفرة تفهّمه واقعاً جديداً في سوريا هو أن ليس في وسعه العودة بسوريا، كما بنظامه، إلى ما كانا عليه قبل 15 آذار الماضي. ولأنه ليس في وارد دفع الوضع الداخلي إلى مجازفة تقود سوريا إلى فوضى شاملة، احتاج الرئيس ولا يزال إلى فريقي وجهتي النظر المتعارضتين بغية توأمتهما بحلّ ثالث. 2 ـــــ قد لا تكون النبرة التي أطلق فيها جنبلاط مواقفه الأخيرة من سوريا، عبر الأنباء أو من راشيا وموسكو، مماثلة لما حدّث الأسد به. إلا أنه لا يخوض حكماً رهاناً على سقوط النظام، ولا يشعر بأن أحداً ممّن كانوا قد حدّثوه قبل سنوات، من الدول العظمى والنافذة، عن سقوطه المحتمل، عندما كان جنبلاط في المقلب الآخر من دمشق، يريد الآن أيضاً إسقاطه. لا يكرّر جنبلاط تجربة خبرها بين عامي 2005 و2008، وأدركها من قبله والده الراحل كمال جنبلاط في النزاع المحموم بينه والرئيس حافظ الأسد في اجتماعاتهما الأخيرة الثلاثة في كانون الأول 1975، ثم في كانون الثاني 1976، ثم في اجتماع 27 آذار 1976 الذي أفضى إلى القطيعة الكاملة بينهما. كلاهما، الأب والابن، سعيا إلى التلاعب بالنظام السوري، ولم يخفيا رهاناً حقيقياً على سقوطه، وفي أحسن الأحوال توقع سقوطه المريع من الخارج على وفرة يقينهما بتماسكه الداخلي وقبضة الأمن على السياسة فيه. كان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يرسل عبر خليل الوزير رسائل إلى جنبلاط الأب يشجّعه على رفع نبرته ضد الأسد الأب والمضي في المواجهة، ويرجّح له سقوط نظام الأسد من توقعات دولية معظمها وهمي ومركّب. وصلت إلى جنبلاط الأب أيضاً رسائل من مصادر لبنانية مختلفة حليفة له كانت تتقاطع عند الفلسطينيين، ولكنها تنطوي على المضمون نفسه. وعندما كان يتسلم بعضها من الوزير السابق عبّاس خلف، يكتفي بهزّ رأسه. لم يسقط النظام السوري حينذاك ولا بعد ذاك، وخسر جنبلاط الأب الحرب والدور قبل أن يخسر الحياة نفسها. بدوره جنبلاط الابن تلقّى تأكيدات رجّحت له، تحت وطأة مرحلة ما بعد القرار 1559 واغتيال الرئيس رفيق الحريري والشروع في المحكمة الدولية، انهيار نظام الأسد الابن. سمع ذلك من مسؤولين أميركيين كباراً، إلى أن تيقّن بنفسه عام 2006 من وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أن المطلوب تحسين سلوك سورية وليس تقويض نظامها. خسر جنبلاط الابن أيضاً معركة قاسية ضد سورية انتهت بعودته إليها ومصالحتها من أجل المحافظة على الدور والموقع.   الاخبار /نقولا ناصيف  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة