دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ليس مجرد خبر عادي أن يعلن رئيس هيئة الإغاثة الإنسانية التركية بولنت يلديريم عدم مشاركة سفينة «مرمرة»، ولا حتى أي سفينة تركية أخرى كما هو شخصيا، في «أسطول الحرية 2» الذي سيبحر خلال أيام لكسر الحصار على غزة.
فــ«مرمرة الزرقاء» التي دخلت التاريخ عندما هاجمها في نهاية أيار من العام الماضي في المياه الدولية الجنود الإسرائيليون، وتقصدوها من دون غيرها من السفن المشاركة، كما تقصدوا قتل أتراك أيضا من دون غيرهم من المشاركين، يراد لها بقرار يلديريم هذا أن تنعى نفسها، وتتحول من «رمز» جهادي إلى مجرد «خردة» سياسية في سوق النخاسة. وبدلا من أن تكون مزارا (باللغة العربية) إذ بها تتحول إلى «مزار» (باللغة التركية) أي «قبر».
الجميع «تقريبا» يطرحون أسئلة ملؤها المرارة حول دوافع هذا القرار. ليس من احد مقتنعا بأن السبب هو عدم جهوزيتها للإبحار. بات الكل يعرف، ومن الصحف التركية نفسها أن الرئيس الأميركي باراك أوباما طلب من رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان، نهاية أيار الماضي، منع مشاركة السفينة في الأسطول الجديد لكسر الحصار عن غزة. وبما أن الموسم كان انتخابيا تأجل القرار التركي إلى ما بعد انتهاء الانتخابات.
هيئة الإغاثة الإنسانية التركية منظمة غير حكومية وكان لها مواجهات مع الحكومة التركية بعد العدوان البحري، حيث اتهم يلديريم بالذات الحكومة بأنها مقصرة في الرد على العدوان وفي فتح تحقيق قضائي. وحينها قال وزير الخارجية أحمد داود اوغلو إن الحكومة لا سلطة لها على المنظمات غير الحكومية.
هيئة الإغاثة واحدة من عشرات الجمعيات التي وفّرت سلطة حزب العدالة والتنمية لها الشروط للعمل وتعزيز نشاطها، لتكون من أدوات النفوذ في الخارج حين تتطلب المصالح التركية ذلك. لكن هذه الجمعيات كبرت، وباتت قادرة على التمرد على الجهات التي احتضنتها، تماما مثلما تمردت «القاعدة» على من أطلقوها في أفغانستان في البداية، ليجدوها بعد ذلك تستهدفهم في 11 أيلول العام 2001.
من المفيد هنا التذكير بأن حكومة حزب العدالة والتنمية لم تكن وراء سفينة «مرمرة» ولا أسطول الحرية في العام الماضي، بل إن بعض نواب الحزب وبمبادرة شخصية كانوا سيشاركون في الأسطول، لكن أوامر من رئيس الحزب حالت دون مشاركتهم. بل إن اتصالات بين أنقرة وواشنطن سبقت العدوان على الأسطول بثلاثة أيام قضت بتغيير اتجاه الأسطول إلى العريش بدلا من غزة، وأبلغت إسرائيل به، لكنها نقضت الاتفاق وتعمّدت الهجوم.
لذا ليس مفاجئا اليوم أن تضغط الحكومة على هذه المنظمة وغيرها لعدم المشاركة في الأسطول. وهذه الخطوة ليست منعزلة بل تأتي في سياق مسار من المبادرات التركية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، مع إدراك أنقرة، وبسبب الهجوم على أسطول الحرية، أن أي دور إقليمي لها لا يمكن أن يتقدم دون عثرات خارج الانسجام مع السياسات الأساسية للغرب.
إذ تتقدم مسيرة التطبيع بين أنقرة وتل أبيب تتراجع مسيرة الشراكة بين تركيا وجوارها من إيران إلى سورية، ومن معهما من قوى في المنطقة.
إنها مفارقة لا تسر صديقا ولا شقيقا، لكن العتب ليس على الأنظمة التي لها حساباتها بل على التيارات الإسلامية في تركيا، ولا سيما الصحف التابعة لها وكتّابها، وكان بعضهم شارك في «أسطول الحرية 1»، في تبريرهم ودفاعهم عن قرار عدم المشاركة لأن الظروف لا تسمح.
كثيرون ربطوا عدم المشاركة، فضلا عن المسار الذي أشرنا إليه، بالوضع في سورية، حيث كان ولا يزال للصحف والمحطات الإسلامية في تركيا دور بارز في التحريض على النظام في سوريا. وهو ما يدفع للتساؤل المرير عما إذا تبدلت الأولويات لدى الحركة الإسلامية في تركيا إلى هذا الحد بحيث بات إسقاط النظام السوري هو عنوان «الجهاد»، فيما دم الشهداء الأتراك التسعة لا يزال ينتظر من ينظفه من عرض البحر من عدوان الطاغوت الصهيوني!
المصدر :
السفير /محمد نور الدين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة