الولايات المتحدة «تلفظ أنفاسها» (في لبنان). هذا ما خلص إليه الأستاذ في جامعة «جون هوبكنز»، اريك ادلمان، الذي عمل مساعدا لوزير الدفاع الأميركي بين العامين 2005 و2009، ومارا كارلين التي تحاضر في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة «جون هوبكنز»، وعملت كمديرة شؤون الشرق الأوسط في البنتاغون ومساعدة خاصة لمساعد وزير الدفاع، في تقرير نشره معهد «بيلفير» التابع لجامعة «هارفرد» الأميركية.

وفي تقريرهما الذي حمل عنوان «هكذا خسرت الولايات المتحدة لبنان... مجددا»، رأى الكاتبان في «بيلفير» انه «للمرة الثانية خلال ثلاثة عقود، لا يؤتي استثمار أميركي أساسي، من حيث الوقت والمال والجهد، من أجل تقوية الحكومة اللبنانية ودعم الديموقراطية الفتية في لبنان ثماره»، فـ«حزب الله وطهران ودمشق باتوا يهيمنون الآن على السياسة في لبنان»، لـ«تجد الدبلوماسية الأميركية نفسها عاجزة، حائرة للتوصل إلى طريقة لاستقاء الأفضل من الوضع المتنامي في اضطرابه في المشرق».

بعدها استعرض الدمان وكارلين تاريخ «التدخلات» الأميركية في لبنان منذ ثمانينيات القرن الماضي، الذي غالبا ما «يصيب صناع القرار الأميركيين السابقين والحاليين بألم في أعصابهم»، بدءا من تدخل الولايات المتحدة في العام 1982 «لحقن التوتر بين لبنان واسرائيل»، الذي انتهى بالتفجيرات التي استهدفت «المارينز» في بيروت، مرورا «بجهودها لتعزيز المؤسسات اللبنانية، كتدريب الجيش اللبناني وتزويده بالمعدات»، وصولا الى قرار إدارة رونالد ريغان في العام 1984 «التخلي عن لبنان». وهنا بدا واضحا ان واشنطن «خسرت لبنان لمصلحة الهيمنة السورية».

في العقد ونصف العقد التاليين، منحت الولايات المتحدة مساعدة اقتصادية وكميات صغيرة من المساعدات العسكرية للبنان، ولكن «إجمالا بقي لبنان في المراتب الدنيا على لائحة الأولويات الأميركية».

وحتى العامين 2004 و2005، «بدأت القضايا المرتبطة بلبنان ترمم موقعها على لائحة المصالح الأميركية»، ففي ايلول 2004، مرر مجلس الأمن القرار 1559، الذي دعا «القوات الأجنبية الى الانسحاب» من لبنان و«تفكيك الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها».

ورأى الكاتبان في «بيلفير» ان هذا القرار شكل «ضغطا على سورية ودفعة لتوثيق التعاون الفرنسي الأميركي في الشرق الأوسط بعد جموده عقب حرب العراق».

ثم جاء اغتيال الحريري الأب في شباط 2005. و«بدعم قوي من المجتمع الدولي، تدبر العديد من اللبنانيين أمر إخراج سوريا من لبنان في غضون شهرين فقط»، كما قال الدمان وكارلين، وأشارا الى ان «واشنطن اعترفت سريعا بما سمي ثورة الأرز وكانت متحمسة لدعم لبنان». لكن «دعم المؤسسات اللبنانية الحكومية لتصبح مستقرة وقابلة للمحاسبة، يتطلب إنفاق الموارد في وقت سريع»، وهو «أمر يصعب» تحقيقه بسبب البيروقراطية الأميركية.

أما «الركيزة الثانية في السياسة الأميركية» فهي المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري، في حين ان «الركيزة الثالثة هي منع سورية من إعادة هيمنتها على لبنان».

هنا، استعرض الكاتبان في «بيلفير» السياسة الأميركية حيال سورية التي لم ترق إلى «المطالبة بتغيير النظام في دمشق». من بين الأسباب ان «إسرائيل تفضل الشيطان الذي تعرفه من المجهول الذي قد يؤدي إلى استيلاء إسلاميين على دمشق». وهكذا دعا بعض المسؤولين الأميركيين الى «التقليل من الاهتمام بالوضع في لبنان لكسب دعم دمشق، لمنع تدفق المقاتلين الأجانب الى العراق»؛ وهو ما دفع نظام بشار الأسد «سريعا الى إعادة تعزيز نفوذه في لبنان».

ثم «عُرّي فشل السياسة الأميركية في لبنان» في أيار 2008، عندما «تقهقرت قوى 14 آذار أمام جهود حزب الله لتوسيع دولته داخل الدولة»، والتعبير للكاتبين في «بيلفير».

وبحلول صيف 2008، بات واضحا أن «الديناميكيات تغيرت في لبنان والمنطقة عموما، وبات واضحا أن جهود الولايات المتحدة لدعم حلفائها في لبنان ولمواصلة فرض العقوبات على سورية تضررت بشدة». ولعل «أفضل من قرأ السياسة الأميركية في ذلك الوقت كان وليد جنبلاط».

ما هي إلا أشهر، ودخل باراك أوباما البيت الأبيض، ليتعهد بمد يده الى سورية. «سعدت دمشق، وساد قلق في بيروت. هو رجع صدى ما جرى في 1984. ونزل لبنان إلى مراتب دنيا على لائحة الأولويات الأميركية».

وختم ادلمان وكارلين تقريرهما في «بيلفير» بالقول ان «اللعبة تغيرت بشدة في لبنان. فحتى من دون احتلال عسكري، تدبرت سورية إعادة تعزيز نفوذها في لبنان»،

وهكذا «أصاب» عبد الحليم خدام حين قال في 1983 إن الولايات المتحدة «تلفظ أنفاسها» في لبنان!

القول بأن سورية عادت لتهيمن على لبنان، بعد التشكيلة الحكومية الأخيرة أمر يوافقهما عليه الباحث في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» مايكل سينغ. لكن لدى الرجل نصيحة يقدمها للولايات المتحدة بعدم الاتكال على الديموقراطيات «قبل ان تزهر».

 

وبعدما وصف التشكيلة الحكومية اللبنانية بأنها تشكل «نكسة للمصالح الأميركية في المنطقة»، قال الباحث في «معهد واشنطن» ان صعود حزب الله يؤكد على «الحاجة الى تدخل أميركي قوي مع الديموقراطيات الناشئة»، مستخدما العبارات ذاتها التي استخدمها الكاتبان في «بيلفير» للقول ان «تركيز (إدارة اوباما) على حل القضية الفلسطينية الإسرائيلية، دفع بلبنان إلى مراتب دنيا على لائحة الأولويات الأميركية»، لمصلحة «الانخراط أكثر مع نظام الأسد».

هي سياسة أثبتت «عقمها»، على حد قول سينغ، فالقضية الفلسطينية الإسرائيلية لم تحل، فيما «الرجل الذي أملت واشنطن ان يساعدها على تحقيق السلام (محمود عباس) يسير على ما يبدو نحو مزبلة التاريخ».

وختم سينغ تقريره باستبعاده ان «يستمر الدعم الأميركي للدولة اللبنانية، حيث يمسك حزب الله بوزارتي الدفاع والداخلية»، داعيا الولايات المتحدة الى «مواصلة دعمها لمن يناضلون مع أجل حرية لبنان وسيادته، عبر منع الدعم الإيراني لحزب الله وسوق مرتكبي جريمة اغتيال الحريري إلى العدالة والضغط من أجل عزل نظام الأسد دوليا».

  • فريق ماسة
  • 2011-06-17
  • 12565
  • من الأرشيف

تقريـر لمعهـد أميركـي: «هكذا خسرنا لبنان مجدداً»

الولايات المتحدة «تلفظ أنفاسها» (في لبنان). هذا ما خلص إليه الأستاذ في جامعة «جون هوبكنز»، اريك ادلمان، الذي عمل مساعدا لوزير الدفاع الأميركي بين العامين 2005 و2009، ومارا كارلين التي تحاضر في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة «جون هوبكنز»، وعملت كمديرة شؤون الشرق الأوسط في البنتاغون ومساعدة خاصة لمساعد وزير الدفاع، في تقرير نشره معهد «بيلفير» التابع لجامعة «هارفرد» الأميركية. وفي تقريرهما الذي حمل عنوان «هكذا خسرت الولايات المتحدة لبنان... مجددا»، رأى الكاتبان في «بيلفير» انه «للمرة الثانية خلال ثلاثة عقود، لا يؤتي استثمار أميركي أساسي، من حيث الوقت والمال والجهد، من أجل تقوية الحكومة اللبنانية ودعم الديموقراطية الفتية في لبنان ثماره»، فـ«حزب الله وطهران ودمشق باتوا يهيمنون الآن على السياسة في لبنان»، لـ«تجد الدبلوماسية الأميركية نفسها عاجزة، حائرة للتوصل إلى طريقة لاستقاء الأفضل من الوضع المتنامي في اضطرابه في المشرق». بعدها استعرض الدمان وكارلين تاريخ «التدخلات» الأميركية في لبنان منذ ثمانينيات القرن الماضي، الذي غالبا ما «يصيب صناع القرار الأميركيين السابقين والحاليين بألم في أعصابهم»، بدءا من تدخل الولايات المتحدة في العام 1982 «لحقن التوتر بين لبنان واسرائيل»، الذي انتهى بالتفجيرات التي استهدفت «المارينز» في بيروت، مرورا «بجهودها لتعزيز المؤسسات اللبنانية، كتدريب الجيش اللبناني وتزويده بالمعدات»، وصولا الى قرار إدارة رونالد ريغان في العام 1984 «التخلي عن لبنان». وهنا بدا واضحا ان واشنطن «خسرت لبنان لمصلحة الهيمنة السورية». في العقد ونصف العقد التاليين، منحت الولايات المتحدة مساعدة اقتصادية وكميات صغيرة من المساعدات العسكرية للبنان، ولكن «إجمالا بقي لبنان في المراتب الدنيا على لائحة الأولويات الأميركية». وحتى العامين 2004 و2005، «بدأت القضايا المرتبطة بلبنان ترمم موقعها على لائحة المصالح الأميركية»، ففي ايلول 2004، مرر مجلس الأمن القرار 1559، الذي دعا «القوات الأجنبية الى الانسحاب» من لبنان و«تفكيك الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها». ورأى الكاتبان في «بيلفير» ان هذا القرار شكل «ضغطا على سورية ودفعة لتوثيق التعاون الفرنسي الأميركي في الشرق الأوسط بعد جموده عقب حرب العراق». ثم جاء اغتيال الحريري الأب في شباط 2005. و«بدعم قوي من المجتمع الدولي، تدبر العديد من اللبنانيين أمر إخراج سوريا من لبنان في غضون شهرين فقط»، كما قال الدمان وكارلين، وأشارا الى ان «واشنطن اعترفت سريعا بما سمي ثورة الأرز وكانت متحمسة لدعم لبنان». لكن «دعم المؤسسات اللبنانية الحكومية لتصبح مستقرة وقابلة للمحاسبة، يتطلب إنفاق الموارد في وقت سريع»، وهو «أمر يصعب» تحقيقه بسبب البيروقراطية الأميركية. أما «الركيزة الثانية في السياسة الأميركية» فهي المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري، في حين ان «الركيزة الثالثة هي منع سورية من إعادة هيمنتها على لبنان». هنا، استعرض الكاتبان في «بيلفير» السياسة الأميركية حيال سورية التي لم ترق إلى «المطالبة بتغيير النظام في دمشق». من بين الأسباب ان «إسرائيل تفضل الشيطان الذي تعرفه من المجهول الذي قد يؤدي إلى استيلاء إسلاميين على دمشق». وهكذا دعا بعض المسؤولين الأميركيين الى «التقليل من الاهتمام بالوضع في لبنان لكسب دعم دمشق، لمنع تدفق المقاتلين الأجانب الى العراق»؛ وهو ما دفع نظام بشار الأسد «سريعا الى إعادة تعزيز نفوذه في لبنان». ثم «عُرّي فشل السياسة الأميركية في لبنان» في أيار 2008، عندما «تقهقرت قوى 14 آذار أمام جهود حزب الله لتوسيع دولته داخل الدولة»، والتعبير للكاتبين في «بيلفير». وبحلول صيف 2008، بات واضحا أن «الديناميكيات تغيرت في لبنان والمنطقة عموما، وبات واضحا أن جهود الولايات المتحدة لدعم حلفائها في لبنان ولمواصلة فرض العقوبات على سورية تضررت بشدة». ولعل «أفضل من قرأ السياسة الأميركية في ذلك الوقت كان وليد جنبلاط». ما هي إلا أشهر، ودخل باراك أوباما البيت الأبيض، ليتعهد بمد يده الى سورية. «سعدت دمشق، وساد قلق في بيروت. هو رجع صدى ما جرى في 1984. ونزل لبنان إلى مراتب دنيا على لائحة الأولويات الأميركية». وختم ادلمان وكارلين تقريرهما في «بيلفير» بالقول ان «اللعبة تغيرت بشدة في لبنان. فحتى من دون احتلال عسكري، تدبرت سورية إعادة تعزيز نفوذها في لبنان»، وهكذا «أصاب» عبد الحليم خدام حين قال في 1983 إن الولايات المتحدة «تلفظ أنفاسها» في لبنان! القول بأن سورية عادت لتهيمن على لبنان، بعد التشكيلة الحكومية الأخيرة أمر يوافقهما عليه الباحث في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» مايكل سينغ. لكن لدى الرجل نصيحة يقدمها للولايات المتحدة بعدم الاتكال على الديموقراطيات «قبل ان تزهر».   وبعدما وصف التشكيلة الحكومية اللبنانية بأنها تشكل «نكسة للمصالح الأميركية في المنطقة»، قال الباحث في «معهد واشنطن» ان صعود حزب الله يؤكد على «الحاجة الى تدخل أميركي قوي مع الديموقراطيات الناشئة»، مستخدما العبارات ذاتها التي استخدمها الكاتبان في «بيلفير» للقول ان «تركيز (إدارة اوباما) على حل القضية الفلسطينية الإسرائيلية، دفع بلبنان إلى مراتب دنيا على لائحة الأولويات الأميركية»، لمصلحة «الانخراط أكثر مع نظام الأسد». هي سياسة أثبتت «عقمها»، على حد قول سينغ، فالقضية الفلسطينية الإسرائيلية لم تحل، فيما «الرجل الذي أملت واشنطن ان يساعدها على تحقيق السلام (محمود عباس) يسير على ما يبدو نحو مزبلة التاريخ». وختم سينغ تقريره باستبعاده ان «يستمر الدعم الأميركي للدولة اللبنانية، حيث يمسك حزب الله بوزارتي الدفاع والداخلية»، داعيا الولايات المتحدة الى «مواصلة دعمها لمن يناضلون مع أجل حرية لبنان وسيادته، عبر منع الدعم الإيراني لحزب الله وسوق مرتكبي جريمة اغتيال الحريري إلى العدالة والضغط من أجل عزل نظام الأسد دوليا».

المصدر : جنى سكري -


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة