تستمر الأطراف الإقليمية والدولية بالتخبط بخصوص القضية السورية في ظل الحديث عن فشل الوساطة الروسية على الجبهة الجنوبية التي تعد الجبهة الأكثر خطراً وسخونة منذ بداية الحرب على سورية،

ولكن التسارع الكبير للانتصارات السورية في الميدان على مختلف الجبهات وصولاً إلى الجبهات الجنوبية حيث انعكس بشكل كبير على المتغيرات السياسية الإقليمية والدولية لجهة مسار الحل السياسي وقطع الطريق على الطرف المعادي لسوريا وحلفائها ما أعجزهم عن القيام بأي مناورة لتحقيق أي مكتسبات سياسية تسمح لهم بالابتزاز السياسي لتحقيق ما عجزت هذه الدول عن تحقيقه في الميدان وهذا ما جعل سوريا نقطة فاصلة في الاستراتيجية الدولية والولايات المتحدة على وجه الخصوص وخاصة قبيل اللقاء المفصلي للرئيسين بوتين وترامب الشهر القادم في العاصمة الفلندية هلسنكي، ليبقى الملف السوري بين مؤثر ومتأثر بالظروف الدولية.

 

كيف يمكن قراءة المشهد الحالي في ظل هذه المتغيرات الميدانية والمستجدات السياسية؟

 

هل يمكن الحديث عن انتصار حقيقي ينقل سوريا إلى الخطوة الأولى نحو المسار السياسي بالارتكاز على نتائج الأحداث في الميدان مع الأخذ بعين الاعتبار موازين القوى؟

 

هل يمكن بالفعل الحديث عن صفقة ستضطر الولايات المتحدة إلى القبول بها وتكون حائطا لا مناص من الاصطدام به تحت عنوان ما يسمى بصفقة القرن؟

 

هل الحالة السورية تقف على أعتاب نهاية الحرب أم أن ما يحدث هو دخول مرحلة مواجهات أو  تخبط إقليمي دولي قد تقرر مصيرها تفاهمات تلوح في الأفق؟

 

بناء على ما تقدم ماهي ملامح المرحلة القادمة، هل تسير نحو التعقيد أم نحو الحلحلة التي لا مفر منها أمام الجميع بعد هذه الحرب الطاحنة على كل الجبهات وفي كل المحافل الدولية  وخاصة بعد طلب مجلس الأمن المجموعات المسلحة مغادرة منطقة العزل والتمديد لقوات الأندوف 6 أشهر أخرى؟

 

الباحث والمحلل السياسي والخبير بالعلاقات الدولية صلاح النشواتي يرى أن ثلاثة ملفات أساسية ترخي بثقلها على طاولة لقاء الرئيسين الروسي والأمريكي في قمة هلسنكي:

 

الملف الأول: وهو محاولة إعادة روسيا إلى مجموعة الثماني، والذي أدى طردها من هذه المجموعة إلى تنشيط الفعاليات الإقتصادية الروسية من سلسلة ملتقى بطرسبورغ الإقتصادي إلى سلسلة فلاوديوفستك في الشرق الروسي الأقصى، بالتالي بناء روسي جديد لأسس تعاون إقتصادي أقليمي خارج الأسس الأمريكية العالمية.

 

الملف الثاني: ملف القرم، والذي تحدث عنه الرئيس الأمريكي في إجابة عن سؤال حول إمكانية الإعتراف بإنضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا بقوله: سنرى، والذي سيوضع على طاولة اللقاء لإنهائه كملف فشلت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن حولت روسيا الوقت في غير صالحها، حيث منحت حق الحصول على الجنسية للفارين من الحرب في أقليم الدونباس، ما شكل ضغطاً بعيد المدى على السياسات الأمريكية ضد روسيا في أوكرانيا.

 

الملف الثالث: الملف السوري، وهو الملف الرئيسي في هذا اللقاء والذي لعب دوراً كبيراً في عقده، وأصبح النقطة الفاصلة في كل الملفات الدولية العالقة فعلياً بين كل من موسكو وواشنطن، حيث تقدم الجيش السوري بمساندة الحلفاء في الجنوب وحسمه للمعارك بسرعة وكفاءة عالية دفعت واشنطن إلى إعادة مجمل حساباتها فيما يتعلق بالملفات الشائكة على الصعيد الدولي، كون التقدم الأخير يعني زيادة التهديد على الأمن القومي للكيان الإسرائيلي والذي ينذر في حال تطور مجريات الجنوب بصدام مع الجيش الإسرائيلي يعيد ترتيب كل المنطقة ويفشل صفقة القرن التي يرعاها صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر.

 

وأردف النشواتي

 

هل يسهم لقاء قمة الرئيسين بوتين وترامب في تحسين العلاقات الروسية الأمريكية

"بالحديث عن هذا اللقاء من جهة الداخل الأمريكي فبكل تأكيد أن المعطيات السابقة وعلى رأسها إنهيار خفض التصعيد في الجنوب السوري، دفع بترامب إلى التقارب مع روسيا، وهي ليست رغبة ترامب منفردة والتي تم تطويقها في بداية إستلامه لمنصبه بإتهامات التعامل مع موسكو وتدخل روسيا في الإنتخابات الأمريكية، وإنما رغبة الأطراف التي إعتمد عليها كلياً وإنصاع لها بشكل مطلق، وتتمثل باللوبي الصهيوني وصقور البنتاغون، وبالرغم من كل محاولات الحمائية للإقتصاد الأمريكي إلا أن ترامب كان قد أيد زيادة مخصصات البنتاغون لتصل إلى محو 700 مليار دولار، تثبيتاً لولايته،

 

أي أننا نتحدث عن عرض أمريكي مقبل في لقاء هلنسكي يشمل هذه الملفات بدفع ومباركة من اللوبي الصهيوني والبنتاغون، وهذا العرض يتمحور بدرجة أساسية حول تفاهم جديد في ما يتعلق بالملف السوري والذي يرتبط بشكل وثيق مع سلسلة الملفات العالقة، حيث تحولت سورية من متأثر في الإستراتيجيات الأمريكية إلى مؤثر فيها وبشكل ملحوظ،

 

 بدأً من الربيع العربي الأخواني الذي تزعمته تركيا إلى الثورات المضادة التي تزعمتها السعودية، وهو ما تضارب في سورية حيث تم إحتواء المعسكر التركي بمسار أستانا مقابل دور تركي في الحل السوري، أما المعسكر السعودي فتتم تصفيته بالكامل حيث تحرير الغوطة الذي تبعه عمليات تحرير الجنوب الحالية، ما أخرج فعلياً السعودية من سياق التأثير المباشر على مستقبل سورية ومجريات الأحداث، وأبقى على كل من تركيا وإيران، بالتالي عقبة حقيقية تقف في وجه الإستراتيجية الأمريكية، والتي بدأت بمهاجمتها من خلال الإنسحاب الأمريكي من الإتفاق النووي مع طهران وتضييق الخناق عليها إقتصادياً لمحاولة الوصول إلى إمكانية عزلها من النطاق الأقليمي وحتى إسقاط نظامها إن أمكن"

 

وإستطرد النشواتي

 

 "أما فيما مايتعلق بالدور التركي فلقاء هلسنكي سيجمع طرفين من أكثر الأطراف حنقة من السياسة الخارجية التركية وممارساتها، حيث تلعب أنقرة على الخط الفاصل لمصالح الطرفين وتحصل على أكبر قدر ممكن من المكاسب، مع عدم قدرة أي طرف الضغط عليها خوفاً من إنزياحها نحو الطرف الآخر، فأي ضغط روسي قد يدفع أنقرة للإنزياح مجدداً نحو الناتو والعكس صحيح، وهو ما سمح لتركيا بزيادة دورها التدخلي في كل من الملفين السوري بالدرجة الأولى بذريعة الأكراد ودعم مجموعاتها المسلحة، وملف القرم بالدرجة الثانية من خلال محاولة الضعط بورقة تتار القرم، أي أن في جعبة الولايات المتحدة الأمريكية عرضاً يتعلق بتحييد الدور التركي والإتفاق حول إنهاء تلاعبه على تناقضات مصالح الطرفين، والذي يشير بوضوح إلى مسعى أمريكي إستراتيجي إلى إنهاء الأدوار للدول الأقليمية في الملف السوري المتمثل بدور كل من طهران وأنقرة، بعد إنهاء الجيش السوري وحلفائه دور الرياض، والتوجه نحو حصر الحل في الملف السوري بين القوى الكبرى أي كل من روسيا وأمريكا، ومحاولة ربط التنازلات فيه بملف صفقة القرن، وبالمنظور العام لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تتوجه إلى فرط وحل التكتلات الإقليمية الناتجة عن الأخطاء الإستراتيجية المتراكمة في السياسة الأمريكية، والتي من المكن أن تمهد لأسس جديدة بشكل غير متعارف عليه بالنسبة للإدارات الأمريكية السابقة، كون سلاح العقوبات الإقتصادية لم يعد يجدي نفعاً كما السابق، فليس بمقدور الرئيس الأمريكي اليوم أن يفرض عقوبات إقتصادية ويجلس في مكتبه البيضاوي وينتظر خضوع الطرف الآخر، بل هذه العقوبات إذا لم تكن ضمن تكتيكات سياسية وعسكرية أخرى من الممكن أن تهدد المكانة الأمريكية عالميا".

 

وأشار النشواتي إلى أن

 

"جوهر لقاء هلنسكي إستراتيجياً يكمن في محاولة جذب روسيا إلى الغرب بدلاً لما وجه الخصوم كلاً على حدى، وليصبح بالإمكان مواجهة الصين وزيادة الضغوطات عليها، ما يعني أن خلوص اللقاء إلى تفاهمات إستراتيجية بين الطرفين قد تستغله واشنطن لإعادة التصعيد في الشرق الأقصى ضد كل من الصين وكوريا الشمالية، والتي ربما تصل إلى درجة الإنقلاب على تفاهمات سنغافورة في 12 من الشهر الماضي بين ترامب وكيم، والهدف الأمريكي الأساسي من الناحية الإستراتيجية يكمن في مقاومة التعددية القطبية المستقلة، نحو ثنائية قطبية روسية أمريكية ضمن القواعد القطبية الأمريكية المعولمة، وإبطال المحاولات الروسية والصينية في خلق قواعد قطبية جديدة في العالم (جيوبولتيكية، جيواقتصادية)، بمعنى آخر خلق شراكة روسية أمريكية (صعبة) في حل الملفات الدولية بديلاً عن مواجهة تغيرات بنيوية في النظام الدولي، وقد ظهرت مؤشرات مثل هكذا خطوات من الخلال الدعوة الأمريكية لروسيا لتكون طرفاً في الحل في أفغانستان، والإعلان الأمريكي عن البقاء في منظمة التجارة العالمية وتراجعها عن الإنسحاب".

 

وختم النشواتي حديثه بالقول

 

 "كل هذه المعطيات ترخي بظلالها بطريقة معاكسة على الملف السوري لتوجهه نحو مستقبل مختلف عن السبع سنوات السابقة، مستقبل تتحدد ملامحه بمواجهات إقليمية وتصفية أدوار، وتسويات دولية كبرى للملف السوري لاحقاً، بالإضافة إلى إعطاء الدور الكبير للأمم المتحدة وهو ماظهر جلياً من خلال دعوة المسلحين في جنوب سورية لمغادرة خط فض الإشتباك وتمديد عمل قوات الأندوف، كحاجة أمريكية لتصحيح صورة واشنطن أمام الرأي العام الدولي بإنقلابها على الشرعية الدولية والمنظمات الدولية".

  • فريق ماسة
  • 2018-07-02
  • 12248
  • من الأرشيف

نهاية أدوار وبداية أخرى... قمة هلسنكي يثقلها الملف السوري

تستمر الأطراف الإقليمية والدولية بالتخبط بخصوص القضية السورية في ظل الحديث عن فشل الوساطة الروسية على الجبهة الجنوبية التي تعد الجبهة الأكثر خطراً وسخونة منذ بداية الحرب على سورية، ولكن التسارع الكبير للانتصارات السورية في الميدان على مختلف الجبهات وصولاً إلى الجبهات الجنوبية حيث انعكس بشكل كبير على المتغيرات السياسية الإقليمية والدولية لجهة مسار الحل السياسي وقطع الطريق على الطرف المعادي لسوريا وحلفائها ما أعجزهم عن القيام بأي مناورة لتحقيق أي مكتسبات سياسية تسمح لهم بالابتزاز السياسي لتحقيق ما عجزت هذه الدول عن تحقيقه في الميدان وهذا ما جعل سوريا نقطة فاصلة في الاستراتيجية الدولية والولايات المتحدة على وجه الخصوص وخاصة قبيل اللقاء المفصلي للرئيسين بوتين وترامب الشهر القادم في العاصمة الفلندية هلسنكي، ليبقى الملف السوري بين مؤثر ومتأثر بالظروف الدولية.   كيف يمكن قراءة المشهد الحالي في ظل هذه المتغيرات الميدانية والمستجدات السياسية؟   هل يمكن الحديث عن انتصار حقيقي ينقل سوريا إلى الخطوة الأولى نحو المسار السياسي بالارتكاز على نتائج الأحداث في الميدان مع الأخذ بعين الاعتبار موازين القوى؟   هل يمكن بالفعل الحديث عن صفقة ستضطر الولايات المتحدة إلى القبول بها وتكون حائطا لا مناص من الاصطدام به تحت عنوان ما يسمى بصفقة القرن؟   هل الحالة السورية تقف على أعتاب نهاية الحرب أم أن ما يحدث هو دخول مرحلة مواجهات أو  تخبط إقليمي دولي قد تقرر مصيرها تفاهمات تلوح في الأفق؟   بناء على ما تقدم ماهي ملامح المرحلة القادمة، هل تسير نحو التعقيد أم نحو الحلحلة التي لا مفر منها أمام الجميع بعد هذه الحرب الطاحنة على كل الجبهات وفي كل المحافل الدولية  وخاصة بعد طلب مجلس الأمن المجموعات المسلحة مغادرة منطقة العزل والتمديد لقوات الأندوف 6 أشهر أخرى؟   الباحث والمحلل السياسي والخبير بالعلاقات الدولية صلاح النشواتي يرى أن ثلاثة ملفات أساسية ترخي بثقلها على طاولة لقاء الرئيسين الروسي والأمريكي في قمة هلسنكي:   الملف الأول: وهو محاولة إعادة روسيا إلى مجموعة الثماني، والذي أدى طردها من هذه المجموعة إلى تنشيط الفعاليات الإقتصادية الروسية من سلسلة ملتقى بطرسبورغ الإقتصادي إلى سلسلة فلاوديوفستك في الشرق الروسي الأقصى، بالتالي بناء روسي جديد لأسس تعاون إقتصادي أقليمي خارج الأسس الأمريكية العالمية.   الملف الثاني: ملف القرم، والذي تحدث عنه الرئيس الأمريكي في إجابة عن سؤال حول إمكانية الإعتراف بإنضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا بقوله: سنرى، والذي سيوضع على طاولة اللقاء لإنهائه كملف فشلت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن حولت روسيا الوقت في غير صالحها، حيث منحت حق الحصول على الجنسية للفارين من الحرب في أقليم الدونباس، ما شكل ضغطاً بعيد المدى على السياسات الأمريكية ضد روسيا في أوكرانيا.   الملف الثالث: الملف السوري، وهو الملف الرئيسي في هذا اللقاء والذي لعب دوراً كبيراً في عقده، وأصبح النقطة الفاصلة في كل الملفات الدولية العالقة فعلياً بين كل من موسكو وواشنطن، حيث تقدم الجيش السوري بمساندة الحلفاء في الجنوب وحسمه للمعارك بسرعة وكفاءة عالية دفعت واشنطن إلى إعادة مجمل حساباتها فيما يتعلق بالملفات الشائكة على الصعيد الدولي، كون التقدم الأخير يعني زيادة التهديد على الأمن القومي للكيان الإسرائيلي والذي ينذر في حال تطور مجريات الجنوب بصدام مع الجيش الإسرائيلي يعيد ترتيب كل المنطقة ويفشل صفقة القرن التي يرعاها صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر.   وأردف النشواتي   هل يسهم لقاء قمة الرئيسين بوتين وترامب في تحسين العلاقات الروسية الأمريكية "بالحديث عن هذا اللقاء من جهة الداخل الأمريكي فبكل تأكيد أن المعطيات السابقة وعلى رأسها إنهيار خفض التصعيد في الجنوب السوري، دفع بترامب إلى التقارب مع روسيا، وهي ليست رغبة ترامب منفردة والتي تم تطويقها في بداية إستلامه لمنصبه بإتهامات التعامل مع موسكو وتدخل روسيا في الإنتخابات الأمريكية، وإنما رغبة الأطراف التي إعتمد عليها كلياً وإنصاع لها بشكل مطلق، وتتمثل باللوبي الصهيوني وصقور البنتاغون، وبالرغم من كل محاولات الحمائية للإقتصاد الأمريكي إلا أن ترامب كان قد أيد زيادة مخصصات البنتاغون لتصل إلى محو 700 مليار دولار، تثبيتاً لولايته،   أي أننا نتحدث عن عرض أمريكي مقبل في لقاء هلنسكي يشمل هذه الملفات بدفع ومباركة من اللوبي الصهيوني والبنتاغون، وهذا العرض يتمحور بدرجة أساسية حول تفاهم جديد في ما يتعلق بالملف السوري والذي يرتبط بشكل وثيق مع سلسلة الملفات العالقة، حيث تحولت سورية من متأثر في الإستراتيجيات الأمريكية إلى مؤثر فيها وبشكل ملحوظ،    بدأً من الربيع العربي الأخواني الذي تزعمته تركيا إلى الثورات المضادة التي تزعمتها السعودية، وهو ما تضارب في سورية حيث تم إحتواء المعسكر التركي بمسار أستانا مقابل دور تركي في الحل السوري، أما المعسكر السعودي فتتم تصفيته بالكامل حيث تحرير الغوطة الذي تبعه عمليات تحرير الجنوب الحالية، ما أخرج فعلياً السعودية من سياق التأثير المباشر على مستقبل سورية ومجريات الأحداث، وأبقى على كل من تركيا وإيران، بالتالي عقبة حقيقية تقف في وجه الإستراتيجية الأمريكية، والتي بدأت بمهاجمتها من خلال الإنسحاب الأمريكي من الإتفاق النووي مع طهران وتضييق الخناق عليها إقتصادياً لمحاولة الوصول إلى إمكانية عزلها من النطاق الأقليمي وحتى إسقاط نظامها إن أمكن"   وإستطرد النشواتي    "أما فيما مايتعلق بالدور التركي فلقاء هلسنكي سيجمع طرفين من أكثر الأطراف حنقة من السياسة الخارجية التركية وممارساتها، حيث تلعب أنقرة على الخط الفاصل لمصالح الطرفين وتحصل على أكبر قدر ممكن من المكاسب، مع عدم قدرة أي طرف الضغط عليها خوفاً من إنزياحها نحو الطرف الآخر، فأي ضغط روسي قد يدفع أنقرة للإنزياح مجدداً نحو الناتو والعكس صحيح، وهو ما سمح لتركيا بزيادة دورها التدخلي في كل من الملفين السوري بالدرجة الأولى بذريعة الأكراد ودعم مجموعاتها المسلحة، وملف القرم بالدرجة الثانية من خلال محاولة الضعط بورقة تتار القرم، أي أن في جعبة الولايات المتحدة الأمريكية عرضاً يتعلق بتحييد الدور التركي والإتفاق حول إنهاء تلاعبه على تناقضات مصالح الطرفين، والذي يشير بوضوح إلى مسعى أمريكي إستراتيجي إلى إنهاء الأدوار للدول الأقليمية في الملف السوري المتمثل بدور كل من طهران وأنقرة، بعد إنهاء الجيش السوري وحلفائه دور الرياض، والتوجه نحو حصر الحل في الملف السوري بين القوى الكبرى أي كل من روسيا وأمريكا، ومحاولة ربط التنازلات فيه بملف صفقة القرن، وبالمنظور العام لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تتوجه إلى فرط وحل التكتلات الإقليمية الناتجة عن الأخطاء الإستراتيجية المتراكمة في السياسة الأمريكية، والتي من المكن أن تمهد لأسس جديدة بشكل غير متعارف عليه بالنسبة للإدارات الأمريكية السابقة، كون سلاح العقوبات الإقتصادية لم يعد يجدي نفعاً كما السابق، فليس بمقدور الرئيس الأمريكي اليوم أن يفرض عقوبات إقتصادية ويجلس في مكتبه البيضاوي وينتظر خضوع الطرف الآخر، بل هذه العقوبات إذا لم تكن ضمن تكتيكات سياسية وعسكرية أخرى من الممكن أن تهدد المكانة الأمريكية عالميا".   وأشار النشواتي إلى أن   "جوهر لقاء هلنسكي إستراتيجياً يكمن في محاولة جذب روسيا إلى الغرب بدلاً لما وجه الخصوم كلاً على حدى، وليصبح بالإمكان مواجهة الصين وزيادة الضغوطات عليها، ما يعني أن خلوص اللقاء إلى تفاهمات إستراتيجية بين الطرفين قد تستغله واشنطن لإعادة التصعيد في الشرق الأقصى ضد كل من الصين وكوريا الشمالية، والتي ربما تصل إلى درجة الإنقلاب على تفاهمات سنغافورة في 12 من الشهر الماضي بين ترامب وكيم، والهدف الأمريكي الأساسي من الناحية الإستراتيجية يكمن في مقاومة التعددية القطبية المستقلة، نحو ثنائية قطبية روسية أمريكية ضمن القواعد القطبية الأمريكية المعولمة، وإبطال المحاولات الروسية والصينية في خلق قواعد قطبية جديدة في العالم (جيوبولتيكية، جيواقتصادية)، بمعنى آخر خلق شراكة روسية أمريكية (صعبة) في حل الملفات الدولية بديلاً عن مواجهة تغيرات بنيوية في النظام الدولي، وقد ظهرت مؤشرات مثل هكذا خطوات من الخلال الدعوة الأمريكية لروسيا لتكون طرفاً في الحل في أفغانستان، والإعلان الأمريكي عن البقاء في منظمة التجارة العالمية وتراجعها عن الإنسحاب".   وختم النشواتي حديثه بالقول    "كل هذه المعطيات ترخي بظلالها بطريقة معاكسة على الملف السوري لتوجهه نحو مستقبل مختلف عن السبع سنوات السابقة، مستقبل تتحدد ملامحه بمواجهات إقليمية وتصفية أدوار، وتسويات دولية كبرى للملف السوري لاحقاً، بالإضافة إلى إعطاء الدور الكبير للأمم المتحدة وهو ماظهر جلياً من خلال دعوة المسلحين في جنوب سورية لمغادرة خط فض الإشتباك وتمديد عمل قوات الأندوف، كحاجة أمريكية لتصحيح صورة واشنطن أمام الرأي العام الدولي بإنقلابها على الشرعية الدولية والمنظمات الدولية".

المصدر : الماسة السورية/سبوتنيك


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة