لا نكتب من باب الشماتة بسعد الحريري، ذلك أن ما حدث معه أمر متوقع، فالنظام السعودي لا يتعاطى إلا بنظرة متعالية وفوقية مع أزلامه وأتباعه، ويتصرف معهم على أساس أنهم مقتنيات ملكية ما داموا يستفيدون من البترودولار، ويصبحون زعماء شكليين بهذا المال، ولا يتقبل السعوديون من أتباعهم أي مجال للمناورة والتكتيك، فالمطلوب تنفيذ الأوامر الملكية السامية! أسوة بكل الرعايا والمقتنيات من دون أي اجتهاد أو تصرف سياسي مرن وفقاً للظروف المحلية.

 

لقد وصفت المخابرات الألمانية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنه «مقامر ومتهور ولديه فائض قوة»، ويبدو من تصرفات الرجل أنه يشعر بدعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب القوي حيث يقود صهره غاريد كوشنير عملية الانقلاب داخل السعودية، وهذا الشعور بفائض القوة نتيجة السيطرة السريعة على المال والإعلام والعسكر، يدفع محمد بن سلمان للاعتقاد أن بإمكانه التصرف خارج الحظيرة السعودية بالطريقة نفسها، فجاء احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية ضمن هذا الإطار في محاولة لتنفيذ مخطط يراد منه ابتزاز لبنان، وتحييد قدرات المقاومة التي هزمت مع حلفائها السعودية ومخططاتها في المنطقة.

 

واضح أن محمد بن سلمان يريد تقديم اعتمادية لدى الولايات المتحدة ليصبح ملكاً جديداً للمملكة الوهابية، مع الاستعداد لدفع ثمن الجلوس على العرش مالياً وسياسياً، من خلال التسديد الكاش لأكثر من ترليون ونصف ترليون دولار، إضافة لتسليم «آرامكو» النفطية للأميركيين، وتصفية القضية الفلسطينية والتطبيع الكامل مع إسرائيل، وهذا ما تكشفه كل الوثائق والتصريحات والتصرفات التي نتابعها.

الآن ما الدروس والعبر المستخلصة من قضية الحريري الابن، واعتقاله؟

1- انتقلت السعودية من ممارسة البلطجة السياسية سراً إلى ممارستها علناً، فمن اعتقال ناصر السعيد وإخفائه وقتله من دون أن تتعرض للمساءلة، إلى اعتقال رئيس وزراء دولة عربية جهاراً نهاراً من دون حياء ولا خجل، وهنا بغض النظر عن موقفنا من شخص الحريري نفسه، ومواقفه المشبوهة وأدواره التي كلف بها في سورية، فالقضية مرفوضة من حيث المبدأ، ولا تشير إلى أي احترام سعودي للقوانين الدولية التي تمنح حصانات للدبلوماسيين، ورؤساء الدول، والحكومات، وغيرهم.

نحن أمام نمط تعاطي جديد للسعودية يؤشر إلى حالة جنون وهستيريا نتيجة الهزائم.

2- إن قول السعودية إنها احتجزت الحريري تحت عنوان أنه يحمل الجنسية السعودية، يطرح أمامنا خلاصة مهمة: وهي منع تولي أي شخصية في مواقع حساسة في الدولة ممن يحمل جنسيتين، لأن هذا الموضوع سيحول رجل الدولة إلى رهينة جنسيته الأخرى غير الوطنية، ويجعله أمام خيار صعب عندما يحدث تصادم في المصالح بين بلده الأصلي والبلد الذي يحمل جنسيته، وهو الأمر الذي راعاه الدستور السوري لعام 2012، ويجب أن نصر عليه في أي تعديلات دستورية قادمة في الدستور السوري.

هنا أدعو كل السوريين لقراءة نص القسم الذي يخص الجنسية الأميركية مثلاً، لنفهم كيف يمكن للشخص أن يكون لديه ولاءان في آن واحد، عندما يكون في موقع المسؤولية وطبعاً أتحدث هنا حصراً عن المواقع الحساسة في الدولة.

3- لقد شكلت السعودية مصدراً لثروة رفيق الحريري الأب، وسعد الحريري الابن، وتذكر العديد من المذكرات أن الراحل رفيق الحريري كان قد قال للرئيس الراحل حافظ الأسد عندما وقع الخيار عليه كرئيس لوزراء لبنان أن «لحم أكتافي من السعودية» وأخشى أنه إذا حدث خلاف سعودي سوري فإنني مضطر للوقوف إلى جانب السعودية؟ وهذا أمر طبيعي لرجل أعمال كبير دخل عالم السياسية، أي أن يحرص على ثروته وعلاقاته، وأن يكون معرضاً للكثير من الضغوط المالية لأخذ مواقف سياسية منه.

يقال في لبنان: إن سعد الحريري قبل بشروط تشكيل الحكومة اللبنانية الحالية نتيجة ظروفه المالية المتردية، ورغبة منه في استثمار موقعه كرئيس للحكومة في تحسين وضعه المالي، ولذلك فإن الدرس المستخلص الثاني: هو أن تسمية رجال الأعمال في مواقع حكومية، أو في مواقع حساسة تجعلهم قابلين للخضوع للضغوط في قراراتهم باعتبار أن أدوات الضغط عليهم سهلة، وممكنة من خلال إيذائهم في مصالحهم الخاصة، وهو أمر يجعل من مصالحهم الشخصية قضية تحتل الأولوية على المصالح العامة للشعب أو للدولة.

4- إذا كان سعد ابن رفيق الحريري قد جرى التعامل معه بهذه الطريقة المهينة والمذلة، فماذا عن جوقة المعارضين السوريين الذين يدعون النضال والديمقراطية من عاصمة الوهابية، وينظرون علينا صباحاً مساء بالحرية، ونسماتها المنعشة الآتية من هناك.

ماذا لو قرروا مثلاً أن يخالفوا محمد بن سلمان، أو السياسة السعودية في شأن سوري معين؟ هل يدرك هؤلاء أي مصير ينتظرهم، وهل ما زالوا مصرين على القول لنا: إنهم حالة «معارضة سياسية» سورية مستقلة ووطنية تريد مستقبلاً زاهراً للسوريين.

أعتقد أن على هؤلاء أن يخرسوا، ويعلنوا أنفسهم جزءاً من مقتنيات البلاط الملكي السعودي أسوة بالخدم والحشم، وليسوا بمستوى أعلى من هؤلاء، وأن يتوقعوا معاملة تليق بمن تآمر على وطنه، وتحول إلى مجرد عميل صغير للبترودولار، تنتقل ملكيته من أمير إلى آخر، ويصبح أداة في البازار السياسي لآل سعود أسوة بسعد الحريري.

دروس كثيرة مستخلصة وهذه بعضها، وما على الذكي إلا أن ينفذ بجلده قبل أن يتحول إلى بازار ابن سلمان.

  • فريق ماسة
  • 2017-11-18
  • 11940
  • من الأرشيف

اعتقال الحريري: الدروس والعبر

لا نكتب من باب الشماتة بسعد الحريري، ذلك أن ما حدث معه أمر متوقع، فالنظام السعودي لا يتعاطى إلا بنظرة متعالية وفوقية مع أزلامه وأتباعه، ويتصرف معهم على أساس أنهم مقتنيات ملكية ما داموا يستفيدون من البترودولار، ويصبحون زعماء شكليين بهذا المال، ولا يتقبل السعوديون من أتباعهم أي مجال للمناورة والتكتيك، فالمطلوب تنفيذ الأوامر الملكية السامية! أسوة بكل الرعايا والمقتنيات من دون أي اجتهاد أو تصرف سياسي مرن وفقاً للظروف المحلية.   لقد وصفت المخابرات الألمانية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنه «مقامر ومتهور ولديه فائض قوة»، ويبدو من تصرفات الرجل أنه يشعر بدعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب القوي حيث يقود صهره غاريد كوشنير عملية الانقلاب داخل السعودية، وهذا الشعور بفائض القوة نتيجة السيطرة السريعة على المال والإعلام والعسكر، يدفع محمد بن سلمان للاعتقاد أن بإمكانه التصرف خارج الحظيرة السعودية بالطريقة نفسها، فجاء احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية ضمن هذا الإطار في محاولة لتنفيذ مخطط يراد منه ابتزاز لبنان، وتحييد قدرات المقاومة التي هزمت مع حلفائها السعودية ومخططاتها في المنطقة.   واضح أن محمد بن سلمان يريد تقديم اعتمادية لدى الولايات المتحدة ليصبح ملكاً جديداً للمملكة الوهابية، مع الاستعداد لدفع ثمن الجلوس على العرش مالياً وسياسياً، من خلال التسديد الكاش لأكثر من ترليون ونصف ترليون دولار، إضافة لتسليم «آرامكو» النفطية للأميركيين، وتصفية القضية الفلسطينية والتطبيع الكامل مع إسرائيل، وهذا ما تكشفه كل الوثائق والتصريحات والتصرفات التي نتابعها. الآن ما الدروس والعبر المستخلصة من قضية الحريري الابن، واعتقاله؟ 1- انتقلت السعودية من ممارسة البلطجة السياسية سراً إلى ممارستها علناً، فمن اعتقال ناصر السعيد وإخفائه وقتله من دون أن تتعرض للمساءلة، إلى اعتقال رئيس وزراء دولة عربية جهاراً نهاراً من دون حياء ولا خجل، وهنا بغض النظر عن موقفنا من شخص الحريري نفسه، ومواقفه المشبوهة وأدواره التي كلف بها في سورية، فالقضية مرفوضة من حيث المبدأ، ولا تشير إلى أي احترام سعودي للقوانين الدولية التي تمنح حصانات للدبلوماسيين، ورؤساء الدول، والحكومات، وغيرهم. نحن أمام نمط تعاطي جديد للسعودية يؤشر إلى حالة جنون وهستيريا نتيجة الهزائم. 2- إن قول السعودية إنها احتجزت الحريري تحت عنوان أنه يحمل الجنسية السعودية، يطرح أمامنا خلاصة مهمة: وهي منع تولي أي شخصية في مواقع حساسة في الدولة ممن يحمل جنسيتين، لأن هذا الموضوع سيحول رجل الدولة إلى رهينة جنسيته الأخرى غير الوطنية، ويجعله أمام خيار صعب عندما يحدث تصادم في المصالح بين بلده الأصلي والبلد الذي يحمل جنسيته، وهو الأمر الذي راعاه الدستور السوري لعام 2012، ويجب أن نصر عليه في أي تعديلات دستورية قادمة في الدستور السوري. هنا أدعو كل السوريين لقراءة نص القسم الذي يخص الجنسية الأميركية مثلاً، لنفهم كيف يمكن للشخص أن يكون لديه ولاءان في آن واحد، عندما يكون في موقع المسؤولية وطبعاً أتحدث هنا حصراً عن المواقع الحساسة في الدولة. 3- لقد شكلت السعودية مصدراً لثروة رفيق الحريري الأب، وسعد الحريري الابن، وتذكر العديد من المذكرات أن الراحل رفيق الحريري كان قد قال للرئيس الراحل حافظ الأسد عندما وقع الخيار عليه كرئيس لوزراء لبنان أن «لحم أكتافي من السعودية» وأخشى أنه إذا حدث خلاف سعودي سوري فإنني مضطر للوقوف إلى جانب السعودية؟ وهذا أمر طبيعي لرجل أعمال كبير دخل عالم السياسية، أي أن يحرص على ثروته وعلاقاته، وأن يكون معرضاً للكثير من الضغوط المالية لأخذ مواقف سياسية منه. يقال في لبنان: إن سعد الحريري قبل بشروط تشكيل الحكومة اللبنانية الحالية نتيجة ظروفه المالية المتردية، ورغبة منه في استثمار موقعه كرئيس للحكومة في تحسين وضعه المالي، ولذلك فإن الدرس المستخلص الثاني: هو أن تسمية رجال الأعمال في مواقع حكومية، أو في مواقع حساسة تجعلهم قابلين للخضوع للضغوط في قراراتهم باعتبار أن أدوات الضغط عليهم سهلة، وممكنة من خلال إيذائهم في مصالحهم الخاصة، وهو أمر يجعل من مصالحهم الشخصية قضية تحتل الأولوية على المصالح العامة للشعب أو للدولة. 4- إذا كان سعد ابن رفيق الحريري قد جرى التعامل معه بهذه الطريقة المهينة والمذلة، فماذا عن جوقة المعارضين السوريين الذين يدعون النضال والديمقراطية من عاصمة الوهابية، وينظرون علينا صباحاً مساء بالحرية، ونسماتها المنعشة الآتية من هناك. ماذا لو قرروا مثلاً أن يخالفوا محمد بن سلمان، أو السياسة السعودية في شأن سوري معين؟ هل يدرك هؤلاء أي مصير ينتظرهم، وهل ما زالوا مصرين على القول لنا: إنهم حالة «معارضة سياسية» سورية مستقلة ووطنية تريد مستقبلاً زاهراً للسوريين. أعتقد أن على هؤلاء أن يخرسوا، ويعلنوا أنفسهم جزءاً من مقتنيات البلاط الملكي السعودي أسوة بالخدم والحشم، وليسوا بمستوى أعلى من هؤلاء، وأن يتوقعوا معاملة تليق بمن تآمر على وطنه، وتحول إلى مجرد عميل صغير للبترودولار، تنتقل ملكيته من أمير إلى آخر، ويصبح أداة في البازار السياسي لآل سعود أسوة بسعد الحريري. دروس كثيرة مستخلصة وهذه بعضها، وما على الذكي إلا أن ينفذ بجلده قبل أن يتحول إلى بازار ابن سلمان.

المصدر : الوطن / د. بسام ابو عبد الله


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة