بينما يتجه «داعش» نحو نهايته في العراق، يتعمّد «التحالف الدولي» إبقاء طريق التنظيم سالكاً نحو جبهات الجيش السوري وحلفائه في كل من البوكمال وجنوب الميادين.

وبالتوازي تتسارع تحضيرات «قمة سوتشي» التي يأمل معدّوها أن تفضي إلى وقف إطلاق نار «دائم» في إدلب، وإلى محادثات مباشرة بين الطرفين السوريين لاحقاً

مع خسارة تنظيم «داعش» لبلدة راوة، آخر معاقله المهمة في القسم العراقي من وادي الفرات، تبدو معركة البوكمال الحامية، آخر المعارك الكبيرة ضد التنظيم الذي احتل لسنوات طويلة آلاف الكيلومترات والبلدات من جغرافية سوريا والعراق. وعند حسم ملف البوكمال، سيبقى التنظيم مسيطراً على عدد من البلدات في محيط الفرات على الجانب السوري، وعلى جيبين صحراويين في العراق وسوريا.

نهاية نفوذ التنظيم وفقدانه الحواضر السكنية الكبرى، يجعلانه يخوض قتالاً عنيفاً على أطراف البوكمال، حيث يدفع بأعداد كبيرة من المفخخات والانتحاريين، إلى جانب الاستخدام الكثيف لمخزونه الكبير من الصواريخ الأميركية المضادة للدروع. وأمام هذا التكتيك العسكري الدفاعي، تحول الجيش بعد تطويق المدينة ودخول أطرافها إلى تكثيف الاستهداف المدفعي، الذي بات يطاول كل أحياء البوكمال. وبالتوازي، يعمل سلاح الجو على استهداف الطريق الواصل بين البوكمال وبادية الميادين، في وقت كثّفت فيه القوات الروسية غارات قاذفاتها الاستراتيجة ضد المواقع الحصينة التي يتمترس فيها التنظيم في محيط المدينة. وتحوي البوكمال عدداً كبيراً من مقاتلي «داعش» الأجانب، وبينهم من خرج من الرقة في صفقة «التحالف الدولي» مع التنظيم.

ومن غير المتوقع أن ينتهي وجود التنظيم بالمطلق بعد خسارته المناطق المأهولة، بل سيكثّف عملياته الأمنية التي بدأت تظهر بكثافة منذ ما يزيد على شهر. الهجمات التي نفذها التنظيم في القريتين (ريف حمص) وفي مطار دير الزور العسكري، والمفخخات التي استهدفت مواقع في ريفي دير الزور والحسكة، هي باكورة العمليات التي قد تشهدها المناطق التي خضعت سابقاً لسيطرة «داعش». ويوم أمس، استشهد نحو 20 مدنياً وجرح عشرات آخرون، جراء تفجير سيارة مفخخة قرب تجمّع لنازحين في منطقة حقل الجفرة النفطي وشركة كونيكو، في ريف دير الزور الشمالي الشرقي. وهذه المرة الثانية التي يتمكن «داعش» من استهداف المنطقة نفسها، خلال الشهر الجاري. وبالتوازي مع التطورات شرقاً، سيطر الجيش على كامل منطقة حويجة كاطع، المحاذية لمدينة دير الزور داخل نهر الفرات، بعد استسلام ما بقي من عناصر «داعش» ضمنها. وذلك عقب مفاوضات طويلة امتدت منذ تحرير أحياء دير الزور، حاول فيها المسلحون التوصل إلى اتفاق يتيح لهم الانتقال إلى بادية الميادين، ومنها نحو البوكمال، لكن الجيش السوري رفضه.

ومن المتوقع أن تستقبل مدينة البوكمال أعداداً إضافية من عناصر «داعش» القادمين من صحراء الأنبار ونينوى العراقية، عبر الضفة الشرقية لنهر الفرات. وبرغم سيطرة «التحالف» على حقل التنك النفطي، وخلوّ الطريق أمام «قوات سوريا الديموقراطية» نحو الضفة المقابلة للبوكمال، لم يجرِ أي تحرك بريّ على هذا المحور. وهو ما يمكن قراءته في ضوء اتهامات وزارة الدفاع الروسية الأخيرة لواشنطن، على أنه إتاحة ممرّ لمسلحي «داعش» العابرين من العراق، نحو جبهات البوكمال وبلدات جنوب شرق الميادين.

وبعيداً عن المعارك مع «داعش»، تزداد حدة أنقرة مجدداً تجاه «وحدات حماية الشعب» الكردية، وخاصة في منطقة عفرين. التصعيد التركي الجديد أتى على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي جدد التشديد على ضرورة «تطهير مدينة عفرين من عناصر (حزب الاتحاد الديموقراطي)»، مضيفاً أن «نصف» سكان تلك المنطقة «هم من العرب... إلى جانب وجود التركمان». وأوضح أن القمة الثلاثية المرتقبة بين تركيا وروسيا وإيران، في سوتشي الروسية، موجبها الرئيسي هو «مسألة إدلب»، مشيراً إلى ضرورة التوصل إلى «وقف دائم لإطلاق النار». ولفت إلى «خيبة أمل» بلاده من تنصّل واشنطن من تنفيذ الوعود التي قطعتها حول الملف الكردي، موجهاً اتهامات إليها بمساعدة تنظيم «داعش»، وموضحاً أن مجازر التنظيم «نشرت من مصادر إعلامية تحت رقابة الدول الغربية... ضمن خطة دقيقة من أجل إعادة تصميم المنطقة».

وكما جرت العادة، فبعد كل توتر أميركي ــ تركي، تحاول أنقرة كسب نقاط جديدة بتقاربها مع موسكو وطهران. ومن المتوقع أن تستضيف مدينة أنطاليا التركية اجتماعاً لوزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران، ضمن التحضيرات لقمة سوتشي، المقررة الأربعاء المقبل. ولفت وزير الخارجية الروسي إلى أن الدول الثلاث، تمكنت من تحقيق تقدم على صعيد المحادثات بين الحكومة السورية والمعارضة، عبر مسار أستانا، معرباً عن أمل بلاده أن تتمكن القمة المرتقبة من «إنهاء الاشتباكات... وإقامة حوار مباشر بين طرفي الأزمة». وتراهن أنقرة على أن يسمح تعاونها النشط مع موسكو، في تحييد «حزب الاتحاد الديموقراطي» عن طاولة التسوية السياسية ونقاشات الدستور التي تخطط روسيا لرعايتها، خاصة أن علاقة موسكو بالحزب تطورت خلال الفترة الأخيرة، على الصعيدين السياسي والميداني.

  • فريق ماسة
  • 2017-11-17
  • 14049
  • من الأرشيف

تحضيرات «سوتشي»: هدنة «دائمة» ومحادثات مباشرة ...«التحالف» يترك طريق «داعش» مفتوحاً نحو البوكمال

  بينما يتجه «داعش» نحو نهايته في العراق، يتعمّد «التحالف الدولي» إبقاء طريق التنظيم سالكاً نحو جبهات الجيش السوري وحلفائه في كل من البوكمال وجنوب الميادين. وبالتوازي تتسارع تحضيرات «قمة سوتشي» التي يأمل معدّوها أن تفضي إلى وقف إطلاق نار «دائم» في إدلب، وإلى محادثات مباشرة بين الطرفين السوريين لاحقاً مع خسارة تنظيم «داعش» لبلدة راوة، آخر معاقله المهمة في القسم العراقي من وادي الفرات، تبدو معركة البوكمال الحامية، آخر المعارك الكبيرة ضد التنظيم الذي احتل لسنوات طويلة آلاف الكيلومترات والبلدات من جغرافية سوريا والعراق. وعند حسم ملف البوكمال، سيبقى التنظيم مسيطراً على عدد من البلدات في محيط الفرات على الجانب السوري، وعلى جيبين صحراويين في العراق وسوريا. نهاية نفوذ التنظيم وفقدانه الحواضر السكنية الكبرى، يجعلانه يخوض قتالاً عنيفاً على أطراف البوكمال، حيث يدفع بأعداد كبيرة من المفخخات والانتحاريين، إلى جانب الاستخدام الكثيف لمخزونه الكبير من الصواريخ الأميركية المضادة للدروع. وأمام هذا التكتيك العسكري الدفاعي، تحول الجيش بعد تطويق المدينة ودخول أطرافها إلى تكثيف الاستهداف المدفعي، الذي بات يطاول كل أحياء البوكمال. وبالتوازي، يعمل سلاح الجو على استهداف الطريق الواصل بين البوكمال وبادية الميادين، في وقت كثّفت فيه القوات الروسية غارات قاذفاتها الاستراتيجة ضد المواقع الحصينة التي يتمترس فيها التنظيم في محيط المدينة. وتحوي البوكمال عدداً كبيراً من مقاتلي «داعش» الأجانب، وبينهم من خرج من الرقة في صفقة «التحالف الدولي» مع التنظيم. ومن غير المتوقع أن ينتهي وجود التنظيم بالمطلق بعد خسارته المناطق المأهولة، بل سيكثّف عملياته الأمنية التي بدأت تظهر بكثافة منذ ما يزيد على شهر. الهجمات التي نفذها التنظيم في القريتين (ريف حمص) وفي مطار دير الزور العسكري، والمفخخات التي استهدفت مواقع في ريفي دير الزور والحسكة، هي باكورة العمليات التي قد تشهدها المناطق التي خضعت سابقاً لسيطرة «داعش». ويوم أمس، استشهد نحو 20 مدنياً وجرح عشرات آخرون، جراء تفجير سيارة مفخخة قرب تجمّع لنازحين في منطقة حقل الجفرة النفطي وشركة كونيكو، في ريف دير الزور الشمالي الشرقي. وهذه المرة الثانية التي يتمكن «داعش» من استهداف المنطقة نفسها، خلال الشهر الجاري. وبالتوازي مع التطورات شرقاً، سيطر الجيش على كامل منطقة حويجة كاطع، المحاذية لمدينة دير الزور داخل نهر الفرات، بعد استسلام ما بقي من عناصر «داعش» ضمنها. وذلك عقب مفاوضات طويلة امتدت منذ تحرير أحياء دير الزور، حاول فيها المسلحون التوصل إلى اتفاق يتيح لهم الانتقال إلى بادية الميادين، ومنها نحو البوكمال، لكن الجيش السوري رفضه. ومن المتوقع أن تستقبل مدينة البوكمال أعداداً إضافية من عناصر «داعش» القادمين من صحراء الأنبار ونينوى العراقية، عبر الضفة الشرقية لنهر الفرات. وبرغم سيطرة «التحالف» على حقل التنك النفطي، وخلوّ الطريق أمام «قوات سوريا الديموقراطية» نحو الضفة المقابلة للبوكمال، لم يجرِ أي تحرك بريّ على هذا المحور. وهو ما يمكن قراءته في ضوء اتهامات وزارة الدفاع الروسية الأخيرة لواشنطن، على أنه إتاحة ممرّ لمسلحي «داعش» العابرين من العراق، نحو جبهات البوكمال وبلدات جنوب شرق الميادين. وبعيداً عن المعارك مع «داعش»، تزداد حدة أنقرة مجدداً تجاه «وحدات حماية الشعب» الكردية، وخاصة في منطقة عفرين. التصعيد التركي الجديد أتى على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي جدد التشديد على ضرورة «تطهير مدينة عفرين من عناصر (حزب الاتحاد الديموقراطي)»، مضيفاً أن «نصف» سكان تلك المنطقة «هم من العرب... إلى جانب وجود التركمان». وأوضح أن القمة الثلاثية المرتقبة بين تركيا وروسيا وإيران، في سوتشي الروسية، موجبها الرئيسي هو «مسألة إدلب»، مشيراً إلى ضرورة التوصل إلى «وقف دائم لإطلاق النار». ولفت إلى «خيبة أمل» بلاده من تنصّل واشنطن من تنفيذ الوعود التي قطعتها حول الملف الكردي، موجهاً اتهامات إليها بمساعدة تنظيم «داعش»، وموضحاً أن مجازر التنظيم «نشرت من مصادر إعلامية تحت رقابة الدول الغربية... ضمن خطة دقيقة من أجل إعادة تصميم المنطقة». وكما جرت العادة، فبعد كل توتر أميركي ــ تركي، تحاول أنقرة كسب نقاط جديدة بتقاربها مع موسكو وطهران. ومن المتوقع أن تستضيف مدينة أنطاليا التركية اجتماعاً لوزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران، ضمن التحضيرات لقمة سوتشي، المقررة الأربعاء المقبل. ولفت وزير الخارجية الروسي إلى أن الدول الثلاث، تمكنت من تحقيق تقدم على صعيد المحادثات بين الحكومة السورية والمعارضة، عبر مسار أستانا، معرباً عن أمل بلاده أن تتمكن القمة المرتقبة من «إنهاء الاشتباكات... وإقامة حوار مباشر بين طرفي الأزمة». وتراهن أنقرة على أن يسمح تعاونها النشط مع موسكو، في تحييد «حزب الاتحاد الديموقراطي» عن طاولة التسوية السياسية ونقاشات الدستور التي تخطط روسيا لرعايتها، خاصة أن علاقة موسكو بالحزب تطورت خلال الفترة الأخيرة، على الصعيدين السياسي والميداني.

المصدر : الماسة السورية/ الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة