قد يتساءل البعض: وهل آن أوان المعركة الأخيرة في إدلب، والجيش السوري لا يزال يقاتل على اغلب الجبهات وعلى مساحات واسعة من الجغرافيا السورية؟

 

والجواب بسيط اذا ما انطلقنا من قواعد التحليل العلمي لقوانين إدارة الصراع، وهي التي تنبئ بتحولات جذرية بدأنا نرى تردداتها على ألسنة زعماء كبار اقليميين ودوليين، بنتيجة المتغيرات الميدانية التي تحصل في الميدان السوري وخصوصًا في مدينة حلب.

 

في حلب بات حي مساكن هنانو في قبضة الجيش السوري، وحسم المعركة في هذا الحي لا تقل اهمية عن حسم المعركة سابقًا في حي بني زيد ذائع الصيت في اجرام مسلحيه.

إنّ كسر شوكة الإرهابيين في حي مساكن هنانو المشرف على قطاعات واسعة بسبب ارتفاعه سيساهم في تقصير زمن الحسم، خصوصًا ان المسافة التي تفصل وحدات الجيش السوري في مساكن هنانو عن وحداته المتمركزة عند دوار الصاخور في الجهة الغربية لا تتجاوز 1.5 كلم، ما يعني ان الجيش السوري يتجه حاليًا الى فصل الأحياء الشرقية الى قسمين شمالي وجنوبي، وهو ما اشرنا اليه في اكثر من مقالة سابقة حيث ستضطر الجماعات الإرهابية الى تشتيت جهدها والقتال دائريًا على اربع محاور قتال في بقعتين منفصلتين، وهذا سيمنع هذه الفصائل من مؤازرة بعضها حيث سيقوم الجيش السوري باستنزافها ناريًا وبشريًا بشكل مستمر والعمل على قضم المناطق شارعًا وراء شارع ومبنىً وراء مبنى ما سيحدث ارباكًا كبيرًا وانهيارات سريعة وتطورات متسارعة في خارطة السيطرة يومًا بعد يوم.

 

أحد التوقعات المستبعدة حتى اللحظة والتي يمكن ان تحصل هي لجوء الإرهابيين الى طلب تسوية تخرجهم خارج حلب باتجاه "مطمر إدلب" حيث يغادر اليه غالبية الإرهابيين الذين يدخلون في التسويات.

الخطوة الثانية للجيش السوري من المتوقع ان تتجه باتجاه جبل بدرو جنوب اتجاه الهجوم الحالي والى الحيدرية شمال اتجاه الهجوم، ولكن هذا لا يعني ان الشيخ سعيد والشيخ لطفي ستكون خارج الضغط إضافةً الى المحاور الأخرى.

 

هذا في حلب المدينة، وبالتوازي مع ما يحصل تستعد وحدات الجيش السوري الى توسيع نطاق السيطرة في ريف مدينة الباب الغربي في ظل تطورات هامة تمثلت بتعرض القوات التركية لقصف جوي أدى الى مقتل ثلاثة جنود اتراك وجرح سبعة آخرين، واكتفاء السلطات التركية بالإستنكار بمقابل مواقف واضحة ومتماسكة للقيادة السورية غير المعنية بتفسير ما حصل، وهو يدل على موقف قوي نابع من ثوابت اساسية مرتبطة بسيادة الدولة على ارضها وشعبها.

 

ما حصل في محيط مدينة الباب هو رسالة واضحة تتزامن مع تقدم وحدات الجيش السوري من غرب مدينة الباب المسافة الكافية لتشكل مع الوحدات المتمركزة شمال كويرس رأسي سهم يشكلان نقطتي ارتكاز صلبتين في الدفاع والهجوم.

 

المتغيرات الناتجة عن معركة حلب ستتزامن معها تحولات كبيرة خلال الشهور القادمة وتحديدًا في محيط العاصمة دمشق، حيث سينتهي بعد عدة ايام خروج مسلحي خان الشيح ما سيُفقد مسلحي ببيلا والحجر السود ومخيم اليرموك اي امل في احداث تواصل مع الجنوب السوري، وهو ما سيفعّل التسوية المجمدة مجددًا ناهيك أنّ انتهاء مشكلة التل عبر تسوية اصبحت مؤكدة سيحصر المعركة في البقعة المتبقية من الغوطة الشرقية الممتدة من دوما الى جوبر. هذه الجبهة التي سيتم تعزيزها بقوات اضافية كانت تعمل في داريا والمعضمية وخان الشيح وفي محيط قدسيا والهامة والتل، سيشكل زجها في المعركة تسريعًا للحسم سواء بالتسوية او بالمواجهة، وانا ارجح التسوية الناتجة عن الضغط وهو ما سيؤدي الى خروج جماعات الإرهابيين الى "مطمر إدلب" على غرار باقي الجماعات التي دخلت في التسوية.

 

في حلب قد لا ينتظر الجيش السوري الإنتهاء من معركة الأحياء الشرقية ليعاود استئناف عملياته غرب وجنوب غرب حلب لتوسيع نطاق السيطرة والأمان في المرحلة الأولى والبدء بتحضير مسرح العمليات للمعركة الكبرى في إدلب واريافها.

من يراقب جغرافيا السيطرة يدرك تمامًا ان ادلب واريافها على المستوى الإستراتيجي ستكون امام معركة تنطلق من ثلاثة اتجاهات:

1-    الإتجاه الأول غرب وجنوب غرب حلب حيث ستكون المعركة على اتجاهين جنوبًا نحو ابو الضهور وسراقب وغربًا نحو تفتناز فالفوعة كفريا، لتنطلق بعدها الوحدات باتجاهين جنوبًا من الفوعة وكفريا نحو بنش فإدلب ومن سراقب باتجاه ادلب.

2-    الإتجاه الثاني سيكون باتجاه ريف حماه الشمالي وصولًا الى التماس المباشر مع خان شيخون ومعرة النعمان ومع خطوط التموضع الكبرى في جبل الزاوية.

3-    الاتجاه الثالث الذي سينطلق من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي باتجاه جسر الشغور تزامنًا مع الإندفاع في سهل الغاب وصولًا الى اريحا.

 

لا سيناريوهات أخرى متعلقة بمعركة ادلب في العناوين، وهي عناوين يدركها المراقبون وباتت مؤكدة بالنظر الى المتغيرات المتسارعة في الميدانين السياسي والعسكري، سوى ان الوقت المستغرق في الوصول الى هذه الأهداف هو في التفاصيل المرتبطة بمفاجآت الميدان التي تعلم الجيش السوري ان يضعها في حساباته سواء في الجانب الميداني او الجانب العسكري.

 

معركة ادلب المرتبطة بمتغيرات سياسية وشيكة في الإدارة الأميركية وربما الفرنسية ترتبط ايضًا بادراك الجماعات الإرهابية ان المعركة العسكرية لم تعد طويلة الأمد، لذلك صرّح شرعي احد اكبر الجماعات الإرهابية ايمن الهاروش من حركة احرار الشام انهم يستعدون لتلقي الصدمة الناتجة عن خسارة معركة حلب ومعارك اخرى، وبذلك فهو يؤكد الإنتقال الى شكل آخر من الصراع وهو اللجوء الى التخفي وتنفيذ عمليات الإغتيال والتفجير في جبهتين اساسيتين حددهما وهما دمشق والساحل، وهو أمر تستعد له القيادة السورية على المستويين الأمني والعسكري.

 

على هامش التطورات لا بل في قلبها، استعداد ايران السماح مجددًا للطائرات الإستراتيجية القاذفة باستخدام قاعدة همدان لإستغلال عامل الوقت والجدوى وتسريع تشكيل الفيلق الخامس - اقتحام الذي سيتولى مهمات اساسية وحساسة في المعارك القادمة، وهو لن يستغرق تشكيله اكثرمن ستة اشهر وهي مدة كافية لدخول الفيلق في عمليات حاسمة الى جانب القوات العاملة حاليًا في الميدان.

  • فريق ماسة
  • 2016-11-26
  • 9817
  • من الأرشيف

آفاق وأبعاد المعركة الأخيرة في إدلب

قد يتساءل البعض: وهل آن أوان المعركة الأخيرة في إدلب، والجيش السوري لا يزال يقاتل على اغلب الجبهات وعلى مساحات واسعة من الجغرافيا السورية؟   والجواب بسيط اذا ما انطلقنا من قواعد التحليل العلمي لقوانين إدارة الصراع، وهي التي تنبئ بتحولات جذرية بدأنا نرى تردداتها على ألسنة زعماء كبار اقليميين ودوليين، بنتيجة المتغيرات الميدانية التي تحصل في الميدان السوري وخصوصًا في مدينة حلب.   في حلب بات حي مساكن هنانو في قبضة الجيش السوري، وحسم المعركة في هذا الحي لا تقل اهمية عن حسم المعركة سابقًا في حي بني زيد ذائع الصيت في اجرام مسلحيه. إنّ كسر شوكة الإرهابيين في حي مساكن هنانو المشرف على قطاعات واسعة بسبب ارتفاعه سيساهم في تقصير زمن الحسم، خصوصًا ان المسافة التي تفصل وحدات الجيش السوري في مساكن هنانو عن وحداته المتمركزة عند دوار الصاخور في الجهة الغربية لا تتجاوز 1.5 كلم، ما يعني ان الجيش السوري يتجه حاليًا الى فصل الأحياء الشرقية الى قسمين شمالي وجنوبي، وهو ما اشرنا اليه في اكثر من مقالة سابقة حيث ستضطر الجماعات الإرهابية الى تشتيت جهدها والقتال دائريًا على اربع محاور قتال في بقعتين منفصلتين، وهذا سيمنع هذه الفصائل من مؤازرة بعضها حيث سيقوم الجيش السوري باستنزافها ناريًا وبشريًا بشكل مستمر والعمل على قضم المناطق شارعًا وراء شارع ومبنىً وراء مبنى ما سيحدث ارباكًا كبيرًا وانهيارات سريعة وتطورات متسارعة في خارطة السيطرة يومًا بعد يوم.   أحد التوقعات المستبعدة حتى اللحظة والتي يمكن ان تحصل هي لجوء الإرهابيين الى طلب تسوية تخرجهم خارج حلب باتجاه "مطمر إدلب" حيث يغادر اليه غالبية الإرهابيين الذين يدخلون في التسويات. الخطوة الثانية للجيش السوري من المتوقع ان تتجه باتجاه جبل بدرو جنوب اتجاه الهجوم الحالي والى الحيدرية شمال اتجاه الهجوم، ولكن هذا لا يعني ان الشيخ سعيد والشيخ لطفي ستكون خارج الضغط إضافةً الى المحاور الأخرى.   هذا في حلب المدينة، وبالتوازي مع ما يحصل تستعد وحدات الجيش السوري الى توسيع نطاق السيطرة في ريف مدينة الباب الغربي في ظل تطورات هامة تمثلت بتعرض القوات التركية لقصف جوي أدى الى مقتل ثلاثة جنود اتراك وجرح سبعة آخرين، واكتفاء السلطات التركية بالإستنكار بمقابل مواقف واضحة ومتماسكة للقيادة السورية غير المعنية بتفسير ما حصل، وهو يدل على موقف قوي نابع من ثوابت اساسية مرتبطة بسيادة الدولة على ارضها وشعبها.   ما حصل في محيط مدينة الباب هو رسالة واضحة تتزامن مع تقدم وحدات الجيش السوري من غرب مدينة الباب المسافة الكافية لتشكل مع الوحدات المتمركزة شمال كويرس رأسي سهم يشكلان نقطتي ارتكاز صلبتين في الدفاع والهجوم.   المتغيرات الناتجة عن معركة حلب ستتزامن معها تحولات كبيرة خلال الشهور القادمة وتحديدًا في محيط العاصمة دمشق، حيث سينتهي بعد عدة ايام خروج مسلحي خان الشيح ما سيُفقد مسلحي ببيلا والحجر السود ومخيم اليرموك اي امل في احداث تواصل مع الجنوب السوري، وهو ما سيفعّل التسوية المجمدة مجددًا ناهيك أنّ انتهاء مشكلة التل عبر تسوية اصبحت مؤكدة سيحصر المعركة في البقعة المتبقية من الغوطة الشرقية الممتدة من دوما الى جوبر. هذه الجبهة التي سيتم تعزيزها بقوات اضافية كانت تعمل في داريا والمعضمية وخان الشيح وفي محيط قدسيا والهامة والتل، سيشكل زجها في المعركة تسريعًا للحسم سواء بالتسوية او بالمواجهة، وانا ارجح التسوية الناتجة عن الضغط وهو ما سيؤدي الى خروج جماعات الإرهابيين الى "مطمر إدلب" على غرار باقي الجماعات التي دخلت في التسوية.   في حلب قد لا ينتظر الجيش السوري الإنتهاء من معركة الأحياء الشرقية ليعاود استئناف عملياته غرب وجنوب غرب حلب لتوسيع نطاق السيطرة والأمان في المرحلة الأولى والبدء بتحضير مسرح العمليات للمعركة الكبرى في إدلب واريافها. من يراقب جغرافيا السيطرة يدرك تمامًا ان ادلب واريافها على المستوى الإستراتيجي ستكون امام معركة تنطلق من ثلاثة اتجاهات: 1-    الإتجاه الأول غرب وجنوب غرب حلب حيث ستكون المعركة على اتجاهين جنوبًا نحو ابو الضهور وسراقب وغربًا نحو تفتناز فالفوعة كفريا، لتنطلق بعدها الوحدات باتجاهين جنوبًا من الفوعة وكفريا نحو بنش فإدلب ومن سراقب باتجاه ادلب. 2-    الإتجاه الثاني سيكون باتجاه ريف حماه الشمالي وصولًا الى التماس المباشر مع خان شيخون ومعرة النعمان ومع خطوط التموضع الكبرى في جبل الزاوية. 3-    الاتجاه الثالث الذي سينطلق من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي باتجاه جسر الشغور تزامنًا مع الإندفاع في سهل الغاب وصولًا الى اريحا.   لا سيناريوهات أخرى متعلقة بمعركة ادلب في العناوين، وهي عناوين يدركها المراقبون وباتت مؤكدة بالنظر الى المتغيرات المتسارعة في الميدانين السياسي والعسكري، سوى ان الوقت المستغرق في الوصول الى هذه الأهداف هو في التفاصيل المرتبطة بمفاجآت الميدان التي تعلم الجيش السوري ان يضعها في حساباته سواء في الجانب الميداني او الجانب العسكري.   معركة ادلب المرتبطة بمتغيرات سياسية وشيكة في الإدارة الأميركية وربما الفرنسية ترتبط ايضًا بادراك الجماعات الإرهابية ان المعركة العسكرية لم تعد طويلة الأمد، لذلك صرّح شرعي احد اكبر الجماعات الإرهابية ايمن الهاروش من حركة احرار الشام انهم يستعدون لتلقي الصدمة الناتجة عن خسارة معركة حلب ومعارك اخرى، وبذلك فهو يؤكد الإنتقال الى شكل آخر من الصراع وهو اللجوء الى التخفي وتنفيذ عمليات الإغتيال والتفجير في جبهتين اساسيتين حددهما وهما دمشق والساحل، وهو أمر تستعد له القيادة السورية على المستويين الأمني والعسكري.   على هامش التطورات لا بل في قلبها، استعداد ايران السماح مجددًا للطائرات الإستراتيجية القاذفة باستخدام قاعدة همدان لإستغلال عامل الوقت والجدوى وتسريع تشكيل الفيلق الخامس - اقتحام الذي سيتولى مهمات اساسية وحساسة في المعارك القادمة، وهو لن يستغرق تشكيله اكثرمن ستة اشهر وهي مدة كافية لدخول الفيلق في عمليات حاسمة الى جانب القوات العاملة حاليًا في الميدان.

المصدر : عمر معربوني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة