دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم يكن متوقَّعاً من المؤتمر الذي عُقد في فيينا للمجموعة الدولية لدعم سوريا، أن يخرج بأكثر مما خرج به، بينما تبيّن بشكل واضح، ومن خلال مراقبة الميدان السوري منذ الهدنة ولغاية الآن، أن الروس قد يكونون الوحيدين الذين ما زالوا مؤمنين بالحل السياسي، ويدفعون دفعاً إلى تطبيق المُهَل التي توافقوا عليها مع الأميركيين.
وفي المؤتمر الصحفي لكل من وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، أعاد كل منهما التأكيد على ثوابت أساسية في سياسة دولته الخارجية، باستثناء حديث "عام" لكيري حول مطالبة "جميع الأطراف"، التي لم يسمِّها بعينها، بالابتعاد بنفسها عن "داعش" و"جبهة النصرة"، وهذا إن دلّ على شيء، فعلى أنه لا رغبة حقيقية لدى الأطراف المشاركة في الحرب ضد الدولة السورية، بتحجيم "النصرة"؛ باعتبارها الذراع الأساسي الذي تتكل عليه هذه الأطراف في الحرب ضد الجيش السوري.
واللافت كان أيضاً إعادة التأكيد على أن جميع الأطراف أرادوا سوريا "موحَّدة"، بالرغم من أن الأميركيين أعلنوا مراراً أنهم مع حلّ التقسيم في المنطقة، خصوصاً ضمن نظرتهم إلى مستقبل العراق، ويمكن قراءتها في دعوة جون كيري للروس، في وقت سابق، للقيام بتقسيم "أمني"، وهو وصفة حقيقية وجاهزة لتقاسم نفوذ على الأرض السورية، قد تؤدي بحكم الواقع إلى تقسيم فعلي.
لكن، لماذا يتفق الجميع على "وحدة سوريا" ولا يجد خيار التقسيم آذاناً صاغية؟لأسباب عدّة أهمها:
1- يطرح الأميركيون التقسيم من بين الخيارات المحتمَلة للحلّ، علماً أنه قد لا يكون الخيار النهائي بالنسبة إليهم ولا يسعون إلى فرضه فرضاً، باعتبار أن إدارة الرئيس باراك أوباما لم تتخذ قراراً نهائياًلحل الأزمة في سوريا قبل رحيل الأخير من البيت الأبيض، كما أن إدارته تلقّت الكثير من الانتقادات لما اعتُبر أنه تساهل في الملف النووي الإيراني، لذا فهم غير مستعدين للسير بتفاهمات قد تدفع إلى مزيد من الانتقادات من قبَل خصومهم الداخليين.
2- يفضّل الروس بقاء الدولة السورية موحَّدة، فسوريا - الحليفة الوحيدة في الشرق الأوسط - أقوى بوحدتها، ثم إن قيام دولة سُنّية تضم قلب العراق وقلب سوريا يكون التشدد سمتها، قد تغري دول شمال القوقاز للانفصال، وخلق كيانات سُنّية متشددة هي الأخرى. أقصى ما يمكن أن يقبل به الروس هو "فيدرالية" ضمن الوحدة السورية، لكنها ستعني تقسيماً واقعياً على الأرض، خصوصاً إذا اتخذت الفيدرالية حدوداً طائفية، وفي ظل ضعف الدولة المركزية في سوريا بعد صراع دام سنوات عدّة.
3- لن تقبل تركيا ولا إيران ولا السعودية بهذا السيناريو مطلقاً:
أ- تقسيم سوريا وقيام دولة كردية سيهدد الأمن القومي التركي، وسيعطي دفعاً إضافياً لأكراد تركيا الطامحين للانفصال، لاسيماأن جميع خرائط التقسيم التي أُعلن عنها دمجت بين أكراد سوريا والعراق وتركيا.
ب- السعودية لن تقبل بتقسيم سوريا، بالرغم من الإغراء الذي تشكّله دولة سُنّية مغلقة تضم قلب سوريا وقلب العراق، لكن التقسيم إن حصل فلن يوفّر السعودية ذاتها، فكيف ينسى السعوديون الخريطة التي نشرتها "نيويورك تايمز"، والتي قسّمت السعودية إلى خمس دويلات منفصلة على أساس طائفي وقبلي.
ت- أماإيران، فخيار التقسيم بالنسبة إليها لا يقلّ خطورة عن سقوط الأسد في سوريا، إذ لم ينس الإيرانيون بعد "جمهورية مهاباد" الانفصالية، التي أعلنها الأكراد الإيرانيون عام 1946، وبدعم من الاتحاد السوفياتي، والتي لم تعمّر سوى عشرة أشهر.
والخطورة الثانية بالنسبة لإيران تكمن في أن التقسيم يقطع إمكانية التواصل الجغرافي بين كل من إيران وسوريا ولبنان، إذ ينقطع التواصل الجغرافي الاستراتيجي بين كل من الإيرانيين وحزب الله و"الدويلة العلوية"، بدولة سُنّية هائلة المساحة في الوسط.
وبشكل أكثر أهمية، يمنع التقسيم أي إمكانية للإيرانيين بمدّ الأنبوب البرّي الذي يصل بين إيران والساحل السوري على البحر المتوسط (عبر العراق)، والذي من المفترَض أنه الشريان الذي ستستعمله إيران لبيع الغاز لأوروبا، بدون الحاجة للمرور عبر تركيا.
في الخلاصة، التعقيدات المحيطة بخيار التقسيم الذي يطرحه الأميركيون بين فترة وأخرى يجعله خياراً صعباً جداً، وسيقاتله الجميع، لذا فإن إعلان جون كيري حول الاتفاق على سوريا موحدة كان نوعاً من إعادة المؤكّد، ولم يكن اتفاقاً جديداً يمنع سيف التقسيم الطائفي عن سوريا.
المصدر :
ليلى نقولا الرحباني/ الثبات
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة