دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم يخرج لقاء فيينا الأخير بمفاجآت تفتح كوة للأمل أمام السوريين، لا بل إن تصريحات لافروف، وكيري عكست التباينات نفسها بين الموقفين الأميركي والروسي في العديد من القضايا التي تحولت إلى نوع من السفسطة السياسية التي لا تغني ولا تُسمن من جوع، ولا توقف نزف دماء السوريين في كل مكان.
يبذل الروس محاولات فاشلة مع الأميركان، وحلفائهم من خلفهم (الأتراك والسعوديين) لفصل تنظيم جبهة النصرة عن باقي الفصائل الإرهابية، والتي يسميها البعض «المعتدلة» – ولا أدري من أين أتى اعتدالها!! هل هو بطريقة الخطف، أم القتل، أم التقطيع، أم استهداف المدنيين!!! هو أمر غير واضح أبداً، ولا أفق له على الإطلاق- ذلك أن التداخل والتعاون، والتنسيق، لا بل القتال المشترك بين النصرة- وأخواتها قد تحول إلى إنتاج «جيش فتح» جديد لتمييع، وإخفاء اسم تنظيم القاعدة عن الجناح العسكري لما يسمى «معارضة» والذي يقاتل الجيش العربي السوري منذ سنوات، وظل كثيرون يناورون علينا بالإعلام، والسياسة بأن هناك فروقات بين «جيش حر»، وتنظيمات سلفية- جهادية أخرى، من دون أن يذكر أحد «من الشخص المتوحش الذي أكل قلب الجندي السوري»- ألم يكن عضواً فيما سُمي «جيشاً حراً»؟ ثم ألم تقطع جثث الأبرياء في مدينة حمص، وترتكب المجازر ضد عناصر الأمن، والشرطة، والجيش منذ بداية الأحداث تحت لافتة ما سُمي «جيشاً حراً» آنذاك!
الحقائق التي لا يريد البعض مواجهتها أن كل من رفع السلاح، وقاتل دولته، وطعن جيشه في الظهر، ليس إلا شخصاً خارج إطار القانون بكل المعايير الدولية، وأنه لا يطمح بالتأكيد لديمقراطية يريد آل سعود، وآل ثاني، والسلطان أردوغان تصديرها إليه، أو إلى حريات مزعومة، أو حقوق إنسان مفقودة أدرك السوريون بعد فوات الآوان أنه كان لديهم الكثير منها في بلدهم الآمن، والمزدهر، قبل وصول موجة «الخراب والدمار الثورجي» الإخواني- القاعدي إلى بلادهم.
الغزاة الجدد كما هو واضح لم يشبعوا من الدمار الذي لحق في سورية، ولم يشبعوا من دماء السوريين، ولا من أعضائهم البشرية التي تباع- وتشترى لدى حُماة الديمقراطية في معسكرات الذُل، والعار في الأردن، وتركيا، وغيرها من أصقاع الأرض حيث ساهم «الثورجيون» في تشريد السوريين نتيجة تحالفاتهم مع كل مجرمي وقتلة الكرة الأرضية.
دعونا نسأل أنفسنا سؤالاً واحداً: ماذا نحن فاعلون؟
هل سننتظر إدارة أميركية جديدة كي تقرر مستقبل أعرق شعوب المنطقة؟ وتحدد لنا على أي درب نسير، ومن يحكمنا، وأي دستور سوف نسير عليه، وما حقوقنا، وواجباتنا تجاه وطننا، ومستقبل أبنائنا، وإرث أجدادنا؟
أم سننتظر إدارة فرنسية جديدة؟ أم انتخابات في بلدان أخرى- كي نحصل على الرضى- كما يقول البعض؟
يبدو واضحاً أن تعويل موسكو على تغيرات جذرية في المستقبل القريب تجاه ما يجري في سورية ليست واقعية، وهي مجرد أوهام لا أساس لها على الأرض، ونيات موسكو الطيبة لا يلاقيها إلا التكاذب من الرياض وأنقرة الذين يمررون الوقت تارة باسم «هدنة» يستفيدون منها في تعزيز وضع الإرهاب، ومنظماته القاعدية، وتارة أخرى بجولة مفاوضات عبثية مع «معارضات» لا تملك من أمرها شيئاً لأن التفاوض الحقيقي يجري بين دمشق، وحلفائها، وواشنطن، وهي في النهاية لن تصل إلى حلول وسط تحت الضغط الإرهابي، والدموي لكي نُغير جلدنا، واسمنا، وهويتنا، وننسى عروبتنا، لنتحول إلى أبناء طوائف، ومذاهب تتصارع على كراسي لا قيمة لها عندما يضيع الوطن.
إن قراءة موضوعية لاجتماعات فيينا الأخيرة، ونتائجها لا تُبشر بالكثير من التغيير، وتظهر لنا أن المعسكر الآخر يخادع، ويمرر الوقت، ويدير الواقع الراهن بأدواته الإرهابية لتحقيق المزيد من الاستنزاف العسكري، والأمني، والأكثر خطورة الاقتصادي بهدف جلب دمشق لطاولة المفاوضات بشروطه السياسية، وإدخال عملائه، إلى داخل منظومة الدولة السورية ليس من أجل الحل فعلاً، إنما من أجل البدء بالمرحلة الأخيرة أي البدء بالتفكيك التدريجي لهذه المنظومة من الداخل.
الحل ليس بأن ننتظر ماذا يخطط لنا، ومتى سيحصل، وإنما بمقاومته بكل قوة لأن المعركة مع الإرهاب لا حلول وسطاً فيها، ولا تسويات، ذلك أنهم يقدمون في كل يوم لنا نموذجاً (ديمقراطياً) فذاً عن حضارتهم، وتنورهم، وما يجري في الغوطة من قتل متبادل بين أبناء المنطقة نفسها، والإيديولوجيا نفسها، يظهر كم يتمتع هؤلاء بالقدرة، والانفتاح على الرأي الآخر، وكم يحترمون الاختلاف، وكيف يحلون الخلاف؟ هل نعطيكم أمثلة أوضح عمن نتحدث، وعمن نواجه، وأي «ثورجيون» هم هؤلاء، وكيف يفكرون بمستقبل بلدهم، وعقولهم محصورة بـ«باب الحارة»- وإدارتها، وليس بالوطن، والشعب ومستقبل الصراعات الكبرى في المنطقة.
نموذج الغوطة- هو نموذج فجٌّ، وواضح لضحالة هؤلاء، وتفاهة أسبابهم وحججهم، وسقاطة أخلاقهم، ونهجهم الإجرامي بين بعضهم، وضد الآخر الذي رأيناه في «الزارة» حيث بطولاتهم على النساء، والأطفال وليس في الميدان، وحيث قذاراتهم تتدفق أمام أعيننا بروائحها الكريهة كلما حاولنا تلطيف الأجواء، والبيئة منها، والاقتناع أن بالإمكان إيجاد حلول وسط، وتسويات!
الحل إذاً: بأن ندرك أن الحرب العدوانية علينا مستمرة، وهي تريد استنزاف المزيد من دمائنا، وتدمير ما تبقى من اقتصادنا، وقوت يومنا، ومنعنا من أن نتنفس الصعداء، ولا حلول في الأفق مادام دعم الإرهاب مستمراً، وتدفق السلاح والمسلحين مستمراً، والبيانات العنترية الوهابية لم تتغير، وواشنطن مستمرة في أدائها الحالي، ولذلك علينا فعلاً:
1- إيلاء الأهمية القصوى للواقع الاقتصادي الصعب جداً، والغلاء الفاحش الذي يريد أن يفتك بالمواطن السوري كالإرهاب- من خلال العودة لإجراءات الثمانينيات المتشددة تجاه تأمين الحد الأدنى من لقمة العيش، وأساسيات المواطن السوري.
2- الضرب بيد من حديد بأولئك الإرهابيين الأكثر فتكاً بنا، وهم تُجار العملة الصعبة، والمرتبطون بهم، والمضاربون الذين لابد من وقفهم عند حدودهم.
3- إحداث محاكم خاصة تتعلق بالإرهاب الاقتصادي تهتم بمحاسبة أولئك المحتكرين، والمرتشين الذين يساهمون في تجويع الشعب الصامد منذ خمس سنوات.
4- وضع خطة اقتصادية قابلة للتطبيق تأخذ بالاعتبار الظروف الصعبة الحالية، وتضع الأولويات بناء على الحاجات الفعلية.
5- تكليف فريق عمل ميداني حكومي مفوض للتطبيق الصارم، والمنظم لكل الإجراءات الجديدة المتخذة.
إن الادعاء الدائم أنه لا حلول اقتصادية هو إدعاء العاجزين، الذين يريدون استمرار الفوضى في بعض المفاصل من أجل تمرير صفقات مشبوهة على حساب دماء السوريين، ولقمة عيشهم، واعتقادي أن هؤلاء لا يقلون خطورة عمن يحمل السلاح، ويمارس الإرهاب.
ولأننا ندرك جميعاً صعوبة هذه المعركة، وقساوتها، وضراوتها، فإن إيماننا لن يتزعزع في انتصارنا بها، وفي هزيمة الإرهاب الأسود، من خلال اجتراح حلول موضوعية، وعلمية قادرة على أن تخفف قدر الإمكان من آلام السوريين، وتعطيهم جرعة أمل في الخلاص من الإرهابيين، والفاسدين الذين هم وجهان لعملة واحدة.
وسورية مملوءة بالكوادر الخيرة، والإمكانات الكبيرة التي لابد من استنهاضها من أجل سورية التي هي لكل السوريين الخيرين والأبطال، والمدافعين عنها، وعن كرامتها، وعزتها.
المصدر :
د. بسام أبو عبد الله
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة