كشف آخر استطلاع للرأي اجرته مؤسسة «ايبسوس» ان 85 بالمئة من المسيحيين في لبنان، يؤيدون تفاهم العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، وان نسبة مرتفعة من المكوّنات الاسلامية مثل السنّة والشيعة والدروز لا يعارضون في انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، بما يعني ان عون المقبول من بيئته بنسبة عالية، خصوصاً بعد انسحاب جعجع له، هو ايضاً مقبول في البيئة المسلمة ولو بنسب اقل في المذاهب الثلاثة الاساسية، ولو ان انتخاب الرئيس اللبناني يتمّ عن طريق الشعب، لكان اليوم العماد عون رئيساً للجمهورية باكثرية اصوات اللبنانيين، على عكس ما يحصل بوجود كتل نيابية يتم تحريكها وفق الاهداف والمصالح الخاصة التي يسعى رؤساء هذه الكتل الى تأمينها عن طريق هذا المرشح او ذاك، بمساعدة تفسير مغلوط لمنطوق المادة 49 من الدستور التي تنصّ على كيفية انتخاب رئيس، بحيث تحوّلت هذه المادة الى سلاح تعطيل لعملية انتخاب رئيس تمسك به الاطراف «غير الحريصة على بقاء النظام اللبناني الديموقراطي...» الذي اكتشفه رئيس الحكومة تمام سلام، بعد معاناته الطويلة مع هذه الاطراف والتي جعلته «وحيداً وعاجزاً عن القيام بمستلزمات صمود البلد» على ما ورد في حديثه لصحيفة الشرق الاوسط.

 

هذه الحقائق والمعطيات، ليست خافية على احد من المسؤولين ومن القيادات السياسية، ولكن البعض يتجاهلها لاسباب اصبحت معروفة تماماً، وذلك لسببين، يؤديان بالنتيجة الى مكان واحد، الاول رغبة عند البعض في العودة الى الحكم، والثاني رغبة الطبقة السياسية الفاسدة المتربّعة في الحكم، البقاء في مناصبها التي تؤمّن لها الكثير من الجبنة الحرام التي تملأ بها بطونها منذ عقود، حتى ولو لم يبق سوى الجلد والعظم.

 

رئىس الحكومة الاسبق سعد الحريري، يعرف تماماً ان اكثرية المسيحيين الساحقة هي وليدة تفاهم حزبي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، وأي حريص على الميثاقية الوطنية، وعلى التوازن بين الطوائف، وعلى حقوق كل طائفة ومذهب، عليه ان يكون الى جانب تفاهم عـون ـ جعجع، حتى ولو كان لا يرتاح اليه، وما يصحّ مع الحريري، يصحّ ايضاً مع الرئىس نبيه بري ومع النائب وليد جنبلاط، ومع رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية وجميع الاحزاب والكتل المسيحية الاخرى، او غير المسيحية، الا اذا كانت غاية كل هؤلاء، وغيرهم ايضاً، ان يكون ايصال النائب فرنجية الى قصر بعبدا، بداية «اعتقال جعجع سياسياً» وحصره في قضاء بشري ومنع تمدده الى اي منطقة اخرى شمالية كانت او غير شمالية، على ما اشارت اليه جريدة «اللواء» المعروف عنها انها قريبة من تيار المستقبل ومن المملكة السعودية، «وقد قرأ جعجع بحسّه الاستراتيجي هذه الوقائع فانتفض مرة اخرى كما منذ 30 سنة، ولكن هذه المرة بادوات سياسية لا عسكرية...». ولا تخفي اللواء نقلا عن كواليس قواتية ان «جعجع استشعر يقيناً ان ثمة ما يحاك له من ثلاثي سياسي ـ أمني معروف بالاسماء والالقاب، بهدف استعادة مرحلة ما قبل سجنه...» في اشارة واضحة الى تيار المستقبل، حركة امل، الحزب التقدمي الاشتراكي، سياسياً، وقد افشل جعجع مخططهم بالتفاهم «المفاجأة» مع العماد عون، بحيث اربك هؤلاء، وأربك مخططهم.

 

اذا ثبتت صحة ما اوردته اللواء، يمكن عندها فهم خطوة جعجع السريعة بانسحابه لمصلحة عون، كما تُفهم بالمقابل التدابير التعسفية التي تلحق بالموظفين المسيحيين في وزارات المالية والاشغال والصحة وغيرها من الوزارات والادارات وهو مؤشر خطير لتنامي مواجهة طائفية يجب ان يوضع لها حدّ سريع، قبل ان تتسع ويتم استغلالها لضرب الوحدة الوطنية، وصيغة العيش المشترك، وفي اعتقادي ان السبيل لذلك، قد يكون بالتفكير وطنياً وعقلانياً وميثاقياً، واعتبار ان التفاهم المسيحي ـ المسيحي الذي ارضى الاكثرية الساحقة من المسيحيين، ليس موجّهاً ضد احد، ولا هو تفاهم انعزالي طائفي، بل خطوة وطنية باتجاه الآخر، لتصويب الوضع المأسوي القائم، وهو يمنع اعتقال جعجع سياسياً، وتهميش عون شعبياً.

  • فريق ماسة
  • 2016-02-07
  • 8110
  • من الأرشيف

خطة لاعتقال جعجع سياسياً وتهميش عون شعبياً!

كشف آخر استطلاع للرأي اجرته مؤسسة «ايبسوس» ان 85 بالمئة من المسيحيين في لبنان، يؤيدون تفاهم العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، وان نسبة مرتفعة من المكوّنات الاسلامية مثل السنّة والشيعة والدروز لا يعارضون في انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، بما يعني ان عون المقبول من بيئته بنسبة عالية، خصوصاً بعد انسحاب جعجع له، هو ايضاً مقبول في البيئة المسلمة ولو بنسب اقل في المذاهب الثلاثة الاساسية، ولو ان انتخاب الرئيس اللبناني يتمّ عن طريق الشعب، لكان اليوم العماد عون رئيساً للجمهورية باكثرية اصوات اللبنانيين، على عكس ما يحصل بوجود كتل نيابية يتم تحريكها وفق الاهداف والمصالح الخاصة التي يسعى رؤساء هذه الكتل الى تأمينها عن طريق هذا المرشح او ذاك، بمساعدة تفسير مغلوط لمنطوق المادة 49 من الدستور التي تنصّ على كيفية انتخاب رئيس، بحيث تحوّلت هذه المادة الى سلاح تعطيل لعملية انتخاب رئيس تمسك به الاطراف «غير الحريصة على بقاء النظام اللبناني الديموقراطي...» الذي اكتشفه رئيس الحكومة تمام سلام، بعد معاناته الطويلة مع هذه الاطراف والتي جعلته «وحيداً وعاجزاً عن القيام بمستلزمات صمود البلد» على ما ورد في حديثه لصحيفة الشرق الاوسط.   هذه الحقائق والمعطيات، ليست خافية على احد من المسؤولين ومن القيادات السياسية، ولكن البعض يتجاهلها لاسباب اصبحت معروفة تماماً، وذلك لسببين، يؤديان بالنتيجة الى مكان واحد، الاول رغبة عند البعض في العودة الى الحكم، والثاني رغبة الطبقة السياسية الفاسدة المتربّعة في الحكم، البقاء في مناصبها التي تؤمّن لها الكثير من الجبنة الحرام التي تملأ بها بطونها منذ عقود، حتى ولو لم يبق سوى الجلد والعظم.   رئىس الحكومة الاسبق سعد الحريري، يعرف تماماً ان اكثرية المسيحيين الساحقة هي وليدة تفاهم حزبي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، وأي حريص على الميثاقية الوطنية، وعلى التوازن بين الطوائف، وعلى حقوق كل طائفة ومذهب، عليه ان يكون الى جانب تفاهم عـون ـ جعجع، حتى ولو كان لا يرتاح اليه، وما يصحّ مع الحريري، يصحّ ايضاً مع الرئىس نبيه بري ومع النائب وليد جنبلاط، ومع رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية وجميع الاحزاب والكتل المسيحية الاخرى، او غير المسيحية، الا اذا كانت غاية كل هؤلاء، وغيرهم ايضاً، ان يكون ايصال النائب فرنجية الى قصر بعبدا، بداية «اعتقال جعجع سياسياً» وحصره في قضاء بشري ومنع تمدده الى اي منطقة اخرى شمالية كانت او غير شمالية، على ما اشارت اليه جريدة «اللواء» المعروف عنها انها قريبة من تيار المستقبل ومن المملكة السعودية، «وقد قرأ جعجع بحسّه الاستراتيجي هذه الوقائع فانتفض مرة اخرى كما منذ 30 سنة، ولكن هذه المرة بادوات سياسية لا عسكرية...». ولا تخفي اللواء نقلا عن كواليس قواتية ان «جعجع استشعر يقيناً ان ثمة ما يحاك له من ثلاثي سياسي ـ أمني معروف بالاسماء والالقاب، بهدف استعادة مرحلة ما قبل سجنه...» في اشارة واضحة الى تيار المستقبل، حركة امل، الحزب التقدمي الاشتراكي، سياسياً، وقد افشل جعجع مخططهم بالتفاهم «المفاجأة» مع العماد عون، بحيث اربك هؤلاء، وأربك مخططهم.   اذا ثبتت صحة ما اوردته اللواء، يمكن عندها فهم خطوة جعجع السريعة بانسحابه لمصلحة عون، كما تُفهم بالمقابل التدابير التعسفية التي تلحق بالموظفين المسيحيين في وزارات المالية والاشغال والصحة وغيرها من الوزارات والادارات وهو مؤشر خطير لتنامي مواجهة طائفية يجب ان يوضع لها حدّ سريع، قبل ان تتسع ويتم استغلالها لضرب الوحدة الوطنية، وصيغة العيش المشترك، وفي اعتقادي ان السبيل لذلك، قد يكون بالتفكير وطنياً وعقلانياً وميثاقياً، واعتبار ان التفاهم المسيحي ـ المسيحي الذي ارضى الاكثرية الساحقة من المسيحيين، ليس موجّهاً ضد احد، ولا هو تفاهم انعزالي طائفي، بل خطوة وطنية باتجاه الآخر، لتصويب الوضع المأسوي القائم، وهو يمنع اعتقال جعجع سياسياً، وتهميش عون شعبياً.

المصدر : فؤاد ابو زيد /الديار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة