يتّبع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» استراتيجية «توسيع الموسّع» لتفادي الغارات الجوية ضده وتقليل خسائره جراءها من جهة، ولخلق وقائع جديدة على الأرض من شأنها استباق بعض المخططات التي تستهدف معاقله في الرقة، وإجبار خصومه على خوض المعارك بعيداً عنها.

 ويستفيد التنظيم في سبيل ذلك من عدة عوامل، أهمها عدم وجود إمكانية لدى أي طرف لشنّ هجوم موسع وشامل ضده، فهو ما زال يستغل العمليات المحدودة التي تُشن ضده في هذه المدينة أو تلك، سواء في سوريا أو العراق، من أجل المناورة ومحاولة نقل المعركة إلى مدينة أخرى، وهو غالباً ما نجح في ذلك حتى الآن.

ويستفيد «داعش» أساسا من عدم وجود تنسيق بين خصومه، بحيث إن مسارات الحرب المتعددة ضده فتحت ثغراً تمكن التنظيم من التسلل عبرها، وإحراز تقدم على الأرض، أو على الأقل تفادي تحقيق هزيمة كبيرة ضده. كذلك فإن الموقف المتردد من قبل العديد من الفصائل المسلحة في سوريا حول محاربته، جعل التنظيم يمضي فترة استجمام «جهادية»، مطمئناً بأن ظهره لن يكون عرضة لغدر هذه الفصائل. وقد جاءت دعوة زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري إلى وقف الاقتتال والتوحد بين «فصائل الشام» لتزيد من طمأنينته هذه.

فمن محاولات الهجوم على مدينة السفيرة وبلدة تلعرن في ريف حلب الجنوبي، مروراً بقطع طريق أثريا ـ خناصر في ريف حماه الشرقي، وليس انتهاءً باقتحام قرية مهين في ريف حمص الجنوبي، يبدو تنظيم «الدولة الإسلامية» وكأنه يسابق الوقت من أجل خلق وقائع جديدة، تمكّنه من توسيع مساحات سيطرته على الأرض وتوزيع عناصره على أكثر من مفصل استراتيجي، بغية ممارسة الضغوط العسكرية لتخفيف حدة الهجوم على معاقله في أكثر من مكان، سواء في محيط مطار كويرس الذي لم يعد يفصل الجيش السوري عنه سوى بضعة كيلومترات، أو في الرقة التي بدأت وتيرة الحديث عن قرب «معركة تحريرها» تتزايد، سواء من قبل بعض المسؤولين العسكريين الأميركيين أو من قبل بعض قادة الفصائل المحلية في سوريا، ومن قبيل ذلك إعلان قائد «جبهة ثوار سوريا» أبو عيسى قبل أيام عن قرب الساعة الصفر، أو في ريف حماه، حيث إن إطلاق «جيش الفتح» لما أسماه «غزوة حماه» ـ وإن تعثرت عملياً ـ إلا أن تنظيم «داعش» قرأ فيها قراراً واضحاً بطرده من ريف حماه الشرقي، وهو لم ينسَ بعد أن اجتماع الفصائل ضده في نهاية العام 2013 اضطره إلى الانسحاب من عدة محافظات باتجاه الرقة، حيث عمل على تجميع قواته هناك قبل أن يبدأ هجومه المعاكس الذي مكّنه خلال بضعة أشهر من السيطرة على ضعف المساحات التي انسحب منها إن لم يكن أكثر.

ولا تبدو هذه الاستراتيجية التي يتّبعها التنظيم مستغربة، بل هي طبيعية، لأنها الوحيدة القادرة على تأمين مراكز انتشاره، وعلى تخفيف الضغط عن معاقله التي تتعرض لقصف جوي من أكثر من جهة. وقال خبير متابع لشؤون تنظيم «الدولة الإسلامية»، ويعمل مستقلا كما يقدم نفسه، أن «قيادة التنظيم العسكرية هي قيادة محترفة، وغالبيتها من ضباط القوات الخاصة في عهد (الرئيس العراقي الراحل) صدام حسين ممن تابوا وحسُن إسلامهم، لذلك لا تنقصهم الخبرة الإستراتيجية في مثل هذه المواجهات».

وأضاف أبو الوليد السلفي، الذي تحدث مع «السفير» بواسطة إحدى تقنيات المحادثة عبر الانترنت، إن «هذه القيادة المحترفة لديها أسلوب يمكن تلخيصه بتوسيع الرقعة، ثم العمل الموسع ضمن نطاق واسع بأسلوب الصدمة». ويشرح السلفي فكرة الصدمة بقوله «تفتر العمليات في إحدى الجبهات ثم ما تلبث أن تتوتر من جديد من خلال الخلايا الموجودة في المنطقة، ثم تأتي المساندة من المناطق الأخرى، ما يؤدي إلى إرباك في صفوف الخصم». ويطابق هذا الشرح تقريباً ما حصل قبل أيام في مهين، لأن هذه القرية فترت فيها العمليات بعد أسبوع من سيطرة «داعش» على القريتين في آب الماضي، ثم فجأة قرر إشعال الجبهة فيها، مستخدماً خلايا مبايعة له في داخل القرية ومستقدماً تعزيزات من مراكز انتشاره القريبة، ما أدى إلى بسط سيطرته عليها.

ومن المتوقع أن يستمر «داعش» في الاعتماد على هذه الإستراتيجية، ما دامت الأطراف التي تقاتله، سواء الطرف الذي تقوده واشنطن أو الطرف الذي تقوده موسكو أو بعض الفصائل المناهضة له، لا يستطيع أيٌّ منها، حتى الآن، مباشرة هجوم موسع وشامل ضد مناطق سيطرته الواسعة بما يؤدي إلى منعه من المناورة ونقل المعارك من مكان إلى آخر، فكلما انتزعت منه منطقة سارع إلى مهاجمة منطقة غيرها بما يشبه الباب الدوار أو «لعبة القط والفار». وإذا كان لدى التحالف، الذي تقوده روسيا، أعذار واضحة في عدم القدرة على مباشرة مثل هذا الهجوم الواسع، بسبب وجود مناطق مسيطر عليها من قبل الفصائل الأخرى تفصل جغرافياً بين مناطق سيطرة الجيش السوري ومناطق سيطرة «داعش»، ما يجعل أي عملية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» تتطلب أولاً عملية ضد هذه الفصائل، وعلى رأسها «جبهة النصرة» و«أحرار الشام الإسلامية»، كما أن الجيش السوري لا يمكنه القيام بعملية كبيرة ضد معاقل «داعش» فيما ظهره مكشوف لمناطق تسيطر عليها فصائل تتربص به، فإن الأمر في العراق مختلف، لأن العذر السابق غير موجود لدى التحالف الذي تقوده واشنطن لعدم وجود أي فصائل مسلحة غير «الدولة الإسلامية»، وبالتالي لا توجد أي مناطق فاصلة تمنع القيام بهجوم واسع ضد معاقل التنظيم، إلا أن لعبة التجاذبات في العراق بين مراكز القوى المحلية، ومن ورائها جهات إقليمية ودولية، تكاد تحقق نفس تأثير المناطق الفاصلة في سوريا، وهو ما يستمر «داعش» في استغلاله في البلدين.

  • فريق ماسة
  • 2015-11-02
  • 10375
  • من الأرشيف

«داعش»: استراتيجية «توسيع الموسّع» لمواجهة الضربات ....بقلم عبد الله سليمان علي

يتّبع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» استراتيجية «توسيع الموسّع» لتفادي الغارات الجوية ضده وتقليل خسائره جراءها من جهة، ولخلق وقائع جديدة على الأرض من شأنها استباق بعض المخططات التي تستهدف معاقله في الرقة، وإجبار خصومه على خوض المعارك بعيداً عنها.  ويستفيد التنظيم في سبيل ذلك من عدة عوامل، أهمها عدم وجود إمكانية لدى أي طرف لشنّ هجوم موسع وشامل ضده، فهو ما زال يستغل العمليات المحدودة التي تُشن ضده في هذه المدينة أو تلك، سواء في سوريا أو العراق، من أجل المناورة ومحاولة نقل المعركة إلى مدينة أخرى، وهو غالباً ما نجح في ذلك حتى الآن. ويستفيد «داعش» أساسا من عدم وجود تنسيق بين خصومه، بحيث إن مسارات الحرب المتعددة ضده فتحت ثغراً تمكن التنظيم من التسلل عبرها، وإحراز تقدم على الأرض، أو على الأقل تفادي تحقيق هزيمة كبيرة ضده. كذلك فإن الموقف المتردد من قبل العديد من الفصائل المسلحة في سوريا حول محاربته، جعل التنظيم يمضي فترة استجمام «جهادية»، مطمئناً بأن ظهره لن يكون عرضة لغدر هذه الفصائل. وقد جاءت دعوة زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري إلى وقف الاقتتال والتوحد بين «فصائل الشام» لتزيد من طمأنينته هذه. فمن محاولات الهجوم على مدينة السفيرة وبلدة تلعرن في ريف حلب الجنوبي، مروراً بقطع طريق أثريا ـ خناصر في ريف حماه الشرقي، وليس انتهاءً باقتحام قرية مهين في ريف حمص الجنوبي، يبدو تنظيم «الدولة الإسلامية» وكأنه يسابق الوقت من أجل خلق وقائع جديدة، تمكّنه من توسيع مساحات سيطرته على الأرض وتوزيع عناصره على أكثر من مفصل استراتيجي، بغية ممارسة الضغوط العسكرية لتخفيف حدة الهجوم على معاقله في أكثر من مكان، سواء في محيط مطار كويرس الذي لم يعد يفصل الجيش السوري عنه سوى بضعة كيلومترات، أو في الرقة التي بدأت وتيرة الحديث عن قرب «معركة تحريرها» تتزايد، سواء من قبل بعض المسؤولين العسكريين الأميركيين أو من قبل بعض قادة الفصائل المحلية في سوريا، ومن قبيل ذلك إعلان قائد «جبهة ثوار سوريا» أبو عيسى قبل أيام عن قرب الساعة الصفر، أو في ريف حماه، حيث إن إطلاق «جيش الفتح» لما أسماه «غزوة حماه» ـ وإن تعثرت عملياً ـ إلا أن تنظيم «داعش» قرأ فيها قراراً واضحاً بطرده من ريف حماه الشرقي، وهو لم ينسَ بعد أن اجتماع الفصائل ضده في نهاية العام 2013 اضطره إلى الانسحاب من عدة محافظات باتجاه الرقة، حيث عمل على تجميع قواته هناك قبل أن يبدأ هجومه المعاكس الذي مكّنه خلال بضعة أشهر من السيطرة على ضعف المساحات التي انسحب منها إن لم يكن أكثر. ولا تبدو هذه الاستراتيجية التي يتّبعها التنظيم مستغربة، بل هي طبيعية، لأنها الوحيدة القادرة على تأمين مراكز انتشاره، وعلى تخفيف الضغط عن معاقله التي تتعرض لقصف جوي من أكثر من جهة. وقال خبير متابع لشؤون تنظيم «الدولة الإسلامية»، ويعمل مستقلا كما يقدم نفسه، أن «قيادة التنظيم العسكرية هي قيادة محترفة، وغالبيتها من ضباط القوات الخاصة في عهد (الرئيس العراقي الراحل) صدام حسين ممن تابوا وحسُن إسلامهم، لذلك لا تنقصهم الخبرة الإستراتيجية في مثل هذه المواجهات». وأضاف أبو الوليد السلفي، الذي تحدث مع «السفير» بواسطة إحدى تقنيات المحادثة عبر الانترنت، إن «هذه القيادة المحترفة لديها أسلوب يمكن تلخيصه بتوسيع الرقعة، ثم العمل الموسع ضمن نطاق واسع بأسلوب الصدمة». ويشرح السلفي فكرة الصدمة بقوله «تفتر العمليات في إحدى الجبهات ثم ما تلبث أن تتوتر من جديد من خلال الخلايا الموجودة في المنطقة، ثم تأتي المساندة من المناطق الأخرى، ما يؤدي إلى إرباك في صفوف الخصم». ويطابق هذا الشرح تقريباً ما حصل قبل أيام في مهين، لأن هذه القرية فترت فيها العمليات بعد أسبوع من سيطرة «داعش» على القريتين في آب الماضي، ثم فجأة قرر إشعال الجبهة فيها، مستخدماً خلايا مبايعة له في داخل القرية ومستقدماً تعزيزات من مراكز انتشاره القريبة، ما أدى إلى بسط سيطرته عليها. ومن المتوقع أن يستمر «داعش» في الاعتماد على هذه الإستراتيجية، ما دامت الأطراف التي تقاتله، سواء الطرف الذي تقوده واشنطن أو الطرف الذي تقوده موسكو أو بعض الفصائل المناهضة له، لا يستطيع أيٌّ منها، حتى الآن، مباشرة هجوم موسع وشامل ضد مناطق سيطرته الواسعة بما يؤدي إلى منعه من المناورة ونقل المعارك من مكان إلى آخر، فكلما انتزعت منه منطقة سارع إلى مهاجمة منطقة غيرها بما يشبه الباب الدوار أو «لعبة القط والفار». وإذا كان لدى التحالف، الذي تقوده روسيا، أعذار واضحة في عدم القدرة على مباشرة مثل هذا الهجوم الواسع، بسبب وجود مناطق مسيطر عليها من قبل الفصائل الأخرى تفصل جغرافياً بين مناطق سيطرة الجيش السوري ومناطق سيطرة «داعش»، ما يجعل أي عملية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» تتطلب أولاً عملية ضد هذه الفصائل، وعلى رأسها «جبهة النصرة» و«أحرار الشام الإسلامية»، كما أن الجيش السوري لا يمكنه القيام بعملية كبيرة ضد معاقل «داعش» فيما ظهره مكشوف لمناطق تسيطر عليها فصائل تتربص به، فإن الأمر في العراق مختلف، لأن العذر السابق غير موجود لدى التحالف الذي تقوده واشنطن لعدم وجود أي فصائل مسلحة غير «الدولة الإسلامية»، وبالتالي لا توجد أي مناطق فاصلة تمنع القيام بهجوم واسع ضد معاقل التنظيم، إلا أن لعبة التجاذبات في العراق بين مراكز القوى المحلية، ومن ورائها جهات إقليمية ودولية، تكاد تحقق نفس تأثير المناطق الفاصلة في سوريا، وهو ما يستمر «داعش» في استغلاله في البلدين.

المصدر : السفير/ عبد الله علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة