دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
سوريّان مذبوحان في مدينة أورفة التركية، ينشطان في حملة «الرقة تُذبح بصمت» اعتراضاً على احتلال «داعش» لمدينتهم. مداهمات تطال أتباع التنظيم الإرهابي في اسطنبول. مهاجرون سوريون غرقى في بحر ايجه. هي بعض الأخبار السورية أمس هنا في تركيا.
فقدَ حزب رجب طيب أردوغان، «العدالة والتنمية»، البوصلة منذ سنوات، تتفق مصادر مؤيدة ومعارضة له. ليس خبراً كبيراً الذي يشير الى مشاركة أنقرة في لقاء فيينا السوري. تركيا التي أطلقت النار على قدميها منذ ما سُمّي بـ «الربيع العربي»، لم يعد بإمكانها التراجع، أو القيام بانعطافة كبيرة في سياستها السورية.
الانغماس في الدم السوري يحاصر أردوغان وحزبه، لكنه لم يقتلهما حتى الآن. أردوغان لن يصلي في «المسجد الأموي»، أحرقَ حلب ولم يحتلها. سلبَ ادلب الى حين. تسللت النيران عبر الحدود اليه. «عقرب الإرهاب» يلدغ يمنة وشمالاً. «داعش» في كل مكان. له أتباع ومريدون في النواحي التركية المختلفة. له متعاطفون يعتبرونه رمزا للإسلام السليم!
تقول مصادر في داخل الحزب الحاكم إن أردوغان ورئيس الحكومة احمد داود اوغلو، قادا أنقرة الى حائط مسدود أمام البركان السوري. يذهب بولنت كنش، رئيس تحرير صحيفة «توداي زمان» الصادرة بالإنكليزية، أبعد من ذلك. يقول لـ «السفير» إن «السياسة الخارجية لهما انهارت بالكامل في المنطقة».
في بال الناخبين الأتراك وهم يتوجهون الى صناديق الاقتراع غداً في هذه الانتخابات المفصلية، الكثير من القضايا، والأخبار السورية بينها بالتأكيد، لكنها ليست الحاسمة في قراراتهم على ما يبدو.
للسياسة الخارجية التركية مكانتها في هذه الانتخابات المدعو اليها 56 مليون ناخب. إلا أن العديد من الأتراك مشغولون بمظاهر الاستبداد والاقتصاد والإرهاب، بالإضافة الى الغرائز المتصارعة، ما بين الديني والقومي والعلماني والمذهبي.
ليس مهماً كثيراً بالنسبة للغالبية على ما يبدو أن «تركيا أطلقت النار على قدميها» مع بداية ما سُمّي بـ«الربيع العربي»، كما تقول لـ«السفير» جنان قالسين، النائبة السابقة عن حزب «العدالة والتنمية».
تسخر الصحافية في جريدة «زمان» سيفغي اقارجشما مما يجري قائلة لـ «السفير» إن «من اعتقلوا بسبب اتهامهم بشتم أردوغان، عددهم أكبر ممن اعتقلوا بسبب ارتباطهم بداعش».
«صفر مشكلات» صارت نكتة سمجة. أحمد داود اوغلو، عرابها ومطلقها، لم يعد يجرؤ على ذكرها. الناخبون الأتراك وهم يتوجهون غداً الى صناديق الاقتراع، متأثرون تحديداً بعبء اللاجئين السوريين. استهلكت الورقة «الإنسانية» التي استغلت خلال السنوات الأربع الماضية، وجرى تجديدها بموجات الهجرة الى أوروبا مؤخراً.
تقول اقارجشما إن الإعلام التركي لا يركز حتى الآن كثيراً على خطر «داعش» على الأتراك، ولهذا لم يربط كثيرا حتى الآن ما بين الفشل السوري للخارجية التركية، وامتداد هذه العصابة الى الداخل التركي، مضيفة ان «الإعلام لا يقدم صورة واضحة... لكن البلد يدفع ثمن السياسة السورية الفاشلة».
تعتبر الصحافية في جريدة «زمان»، وهي من الصحف القليلة التي ما زالت تجرؤ على معارضة الحكم الحالي، أن «المشكلة هي ان الناس إما أنها تحب أردوغان، أو تكرهه.. لا حالة وسطية هنا».
وبينما تعتبر اقارجشما أن «السياسة الخارجية ليست قضية مركزية في هذه الانتخابات، وان السياسة السورية لن تتغير إلا إذا سقطت هذه الحكومة ووصل بديل من حزب العدالة والتنمية الى السلطة»، يقول سواش غينج، أستاذ العلوم السياسية في «جامعة فاتح» لـ «السفير» إن حزب أردوغان «فقد القدرة على أداء دور فاعل ووسيط في الأزمة السورية، منذ أن قرر مع بداية الربيع العربي أن يربط نفسه بمسار صعود حركات الإخوان المسلمين في المنطقة».
يتابع سواش غينج أن الخطأ الأكبر لحزب «العدالة والتنمية» أنه لم ينظر الى «الربيع العربي» كفرصة للديموقراطية والإصلاح الحقيقي في المنطقة، بل كفرصة لجماعة الإخوان لخدمة النفوذ التركي ومصالحه في عموم المنطقة.
يقول غينج، وهو من الخبراء الأتراك بالشؤون السورية، إن حزب أردوغان لم يكن مستعداً ليفهم أن المعارضة التي ظهرت ضد حكم الرئيس بشار الأسد، لن تنجح لعوامل عدة، من بينها التصوّر المبكر الخاطئ بأن الأسد سيرحل سريعا لأنه ينتمي الى أقلية مذهبية. لم يتنبه هؤلاء الى جوانب أخرى للمشهد من بينها أن الجيش والأجهزة الأمنية أكثر ولاءً مما ظنوا، وأن هناك تأييداً قوياً للأسد بين أبناء الطائفة "السنية"، يصل الى 40 في المئة (بخلاف ما يتمتع به من تأييد كبير من أبناء الطوائف الأخرى) في حين "أن جماعة «العدالة والتنمية» اعتبروا أنه لا يملك أي تأييد يعتد به في الشارع "السني.
المفارقة، كما يقول سواش غينج، أن أردوغان الآن لديه 40 في المئة نسبة تأييد في الشارع التركي، ولا يريد التخلي عن مقاعد السلطة.
والآن، يقول غينج «باتت روسيا أكثر حضوراً في الشرق الأوسط، وليس في سوريا فقط، فهذا نفوذها الذي يتوسع، وهي ليست أخباراً طيبة لحكم أردوغان. والآن أقول كما قلت قبل عامين، إن إيقاف الحرب أكثر أهمية من إسقاط الأسد، وتحولت بسبب هذا الموقف الى عدوّ للدولة. وأقول أيضا إننا نتحدث الى عبدالله اوجلان (الزعيم المعتقل لحزب العمال الكردستاني المتهم تركياً بالإرهاب) فلماذا تدفعون السنّة في سوريا لمحاربة الأسد وليس الى الحوار؟!».
ويلخّص غينج المشهد الآن قائلاً «ان تركيا أصبحت أكثر عزلة إقليمياً ودولياً. حزب أردوغان الحاكم لم يعد بإمكانه التراجع الآن، لان ذلك سيرتد عليه داخلياً والناس ستقول لماذا فعلتم كل ما فعلتموه في سوريا طوال هذا الوقت؟».
لا يرى غينج ان حزب اردوغان قادر على الاستدارة الكاملة في الشأن السوري، لكن المهم أيضاً ان فرصة حصول اردوغان على حكومة حزب واحد لم تعد متاحة، وبالتالي قد لا تعود السياسة الخارجية حكراً عليه وحده في المستقبل القريب. ولحماية وضعه الداخلي، فإنّ اردوغان يعمد الآن الى إرضاء الأميركيين من خلال خطوات على شاكلة السماح لهم باستخدام القواعد الجوية التركية، على أمل تجنب التعرض لانتقادات من الخارج على الانتهاكات التي تمارسها الحكومة في الشارع التركي. تركيا أيضاً ستدعم التحرشات الأميركية على الساحة السورية في مواجهة الروس. لكن المفارقة أنه في حين ان واشنطن تركز الآن على توفير الحماية للمناطق الكردية في الشمال السوري، فإن تركيا مضطرة الى مجاراتها في ذلك، اذ ان الخيارات أمامها ليست كثيرة.
بولنت كنش، رئيس تحرير «توداي زمان»، يرى أيضاً ان أنقرة باتت بحاجة الى «توجهات جديدة في السياسة الخارجية بعدما انهارت بالكامل سياسات حزب اردوغان واحمد داود اوغلو... نحتاج الى تغيير بنسبة 100 في المئة، وهذه الانتخابات فرصة أمام تركيا لمراجعة سياساتها وإعادة إطلاق مسارات أكثر حكمة مع سوريا بالإضافة الى العراق وليبيا وغيرها من دول المنطقة».
كنش، على غرار كثيرين في تركيا، لا يعتقد أن الانتخابات ستسمح لأردوغان بالحصول على غالبية تكفيه لتشكيل حكومته منفرداً. لكن المشكلة برأي كنش ان اردوغان، كما أظهرت الانتخابات في حزيران الماضي، لا يحتمل فكرة المشاركة مع الآخرين في حكم البلاد، بسبب الخوف من تداعيات الانتهاكات التي ارتكبها وجماعته في الحكم بحق الدستور التركي، ويخافون بالتالي من ملاحقات قانونية ضدهم.
ماذا يعني ذلك؟ يقول كنش ان جماعة اردوغان سيمارسون اللعبة ذاتها التي جرت بعد انتخابات حزيران، ويعرقلون احتمال تشكيل ائتلاف حكومي جديد لمحاولة الانفراد بالسلطة، وهو ما سيخلق أمامهم مشاكل، قد تدفع «قوى غير سياسية» كما وصفها الى التدخل في مجرى الأمور، في إشارة ضمنية على ما يبدو الى ...المؤسسة العسكرية!
جنان قالسين، المسؤولة السابقة عن شؤون السياسة الخارجية لحزب «العدالة والتنمية»، قالت لـ «السفير» إن «سياستنا السورية كانت خطأً بالكامل. لم يكن يجب أن ننحاز لأي طرف. لعبنا كل أوراقنا دفعة واحدة. هذا خطأ. انتفاضات المنطقة كانت بلا رؤوس واضحة. الآن الخطر الأكبر في المنطقة الحرب الدينية. ووزير الخارجية يقود السياسة الخارجية وحده من دون التشاور مع هياكل الحزب الحاكم كما كان يجري سابقاً. احمد داود اوغلو يتحمل المسؤولية عن هذا الفشل. لقد أطلقنا النار على أقدامنا مع الربيع العربي. أتحدث الآن علانية لأن الموضوع بات يمس أمننا القومي، والحزب لن يجرؤ على محاسبة من ورّطنا في الوحل السوري. الولاء للحاكم صحيح، لكن يجب أن يكون بحدود... المتطرفون الإسلاميون الحاليون عادوا بنا الى القرون الوسطى».
«أنا، بعد انتهاء الانتخابات، أستقيل من الحزب»، قالت جنان قالسين.
«أخاف الآن على تركيا من ارتداد النار السورية علينا.. داعش يتحول الى عدو مباشر للاتراك، ولو تراجع حكم اردوغان عن دعمهم، فسيمارسون عنفا أكبر ضدنا»، قال بولنت كنش.
«قادة في الجيش السوري الحر التقيتهم قالوا لي لو عاد الزمن الى الوراء ما ذهبنا الى ما ذهبنا اليه» قال سواش غينج.
«حوّلوا قضية الأسد الى هوس وهذا خطأ. كيف سيكون بإمكانك التراجع عن سياستك الآن؟!» قالت الصحافية سيفغي اقارجشما.
المصدر :
السفير/ خليل حرب
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة