دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يعتقد البعض أنّ الدعم العسكري الروسي في سوريا سيؤدي إلى إنهاء الأزمة السورية بسرعة، ويعتقد البعض الاخر أنّ الغرب لن يسكت عن التدخل الروسي في سوريا، وأنّ الغرب يعمل لتهيئة الأجواء من أجل ردّ مناسب على الدعم الروسي لسوريا بهدف توريط روسيا بالوحل السوري، والحقيقة أنّ في كلا الامرين سوء تقدير.
فلا الدعم الجوي الروسي لوحده يستطيع انهاء الأزمة السورية بسرعة لأنّ الأمر يحتاج الى ترجمة فعلية بانتهاز فرصة الدعم الجوي الروسي لتحقيق ما يسمى بكسر التوازن على الارض من خلال تحقيق تقدم للجيش العربي السوري والعمل على استعادة مناطق حساسة خسرها مؤخرًا، وذلك بهدف اضعاف الخصم الداخلي والخارجي وعدم تمكنه من امتلاك اوراق قوة قد تستعمل بالمفاوضات المرتقبة في موسكو. ولتحقيق ذلك نحتاج لبعض الوقت وربما اشهر لان المعركة السياسية والدبلوماسية الدائرة خلف الابواب المغلقه بهدف خلق عالم متعدد الاقطاب والمصالح هي اشد ضراوة من تلك الغارات التي نشهدها على مواقع الارهابيين في سوريا.
من ناحيةٍ أخرى، فان من يعتقد ان الغرب ممثلا ببريطانيا وفرنسا وخصوصا الولايات المتحدة لن يسكت عن الدعم الروسي للجيش العربي السوري وأنّ أميركا في صدد الاعداد لرد قوي على الدعم الروسي الجوي لسوريا فهو مخطئ ايضًا، لان اميركا واوروبا تعانيان من حالة تذبذب بالمواقف وتناقض واضح وانقسام في الرؤى، ومجمل التصاريح التي صدرت مؤخرًا تعبر عن حالة الانفصام السياسي الذي اصاب تلك الدول.
في سياقٍ متصل، عقد اجتماع في العاصمة اللبنانية بيروت بين عدد من الشخصيات اللبنانية التي لا يتجاوز عددها اصابع اليد الواحدة مع مسؤول عربي رفيع المستوى عالم بخفايا الامور ومكلف بالعديد من الملفات الساخنة، وذلك اثناء مرور المسؤول المذكور لساعات معدودة بلبنان، ما دفعني لسؤال المسؤول عن الاحتمالات والتوقعات المنتظرة من ردة فعل أميركا والغرب على الدعم الروسي لسوريا. بادرني المسؤول وبكل ثقة قائلاً: "هذه الامور لن تحصل والتصاريح التي نسمعها من هنا وهناك ليست الا هرطقات ولا تعبّر عن حقيقة ما يجري خلف الكواليس"، واردف قائلا وعلامات الارتياح باديه على محياه، "الغرب والعرب سوف يضطرون للقبول بنتائج العملية العسكرية الروسية السورية التي لن تكون الا لمصلحة سوريا جيشا وشعبا ونظاما، وان روسيا بلد عاش على احترام المبادئ وليس احترام المصالح على حساب المبادئ".
ويضيف المسؤول الرفيع ان الخبراء الروس بمجرد ما وطأت اقدامهم الاراضي السورية، وقبل مقابلة اي من المسؤولين السوريين، ذهبوا من تلقاء انفسهم لزيارة ضريح القائد حافظ الاسد في القرداحة لتقديم التحية العسكرية له".
من هنا علينا فهم حقيقة الحلف الاستراتيجي بين سوريا وموسكو وعلى الرغم من دخول روسيا بكل قواها الا ان الامر سيستغرق بعض الوقت كي تترجم النتائج بكسر التوازن لصالح النظام والجيش العربي السوري، ولا خوف من أميركا لأنّها دخلت مرحلة الكوما الخارجية والانكفاء الى حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية.
يتابع المسؤول كلامه، فيشير إلى أنّ الرئيس التركي رجب طيب اردوغان سيخسر مقاعد اضافية في انتخابات البرلمان التركي ولن يحصد اكثر ممّا حصده في المرة الاولى، فهناك مشاكل داخلية تركية قادمة ستشعل الشارع التركي نتيجة الدور السيء الذي لعبه اردوغان ورئيس الوزراء احمد داوود اوغلو في سوريا وفشل مشروع الاخوان المسلمين في المنطقة، وفشل نظرية صفر مشاكل، وعلى العكس تمامًا فان قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتقديم الدعم الروسي لسوريا كشف زيف مواقف أميركا وتركيا خصوصًا لجهة اللعب بورقة الارهاب واستعمال الارهابيين من قبل أميركا والسعودية وقطر وتركيا واسرائيل بهدف اضعاف دول المنطقة واستنزافها لتأمين المصالح الأميركية.
يستفيض المسؤول بالقول ان الدور الروسي في سوريا سوف يكون ذا تأثير كبير في المنطقة، ما يجعل المتغيرات اسهل واسرع في التحالفات على المستويين الاقليمي والعالمي، والمؤشرات بدأت من خلال رسائل عدّة:
1- الرسالة الروسية ذات النبرة العالية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وصل صداها لتل ابيب التي فهمت جيدا أنّ حدود المناورة الاسرائيلية للعب في الساحة السورية صار ضيّقًا جدًا وأنّها تخضع لاعتبارات جديدة بالغة الدقة.
2- رسالة الصواريخ الروسية العابرة من بحر قزوين عبر ايران والعراق وصولا لاهدافها المحددة بضرب مراكز الارهاب في سوريا سمع دوي انفجارها في كل من انقرة والرياض والدوحة وواشنطن.
3- اختراق المقاتلات الروسية "السوخوي" للمجال الجوي التركي وسيطرة رادارات "السوخوي" على طائرات حلف الناتو فوق تركيا اربك واشنطن واعلن عن جدية روسيا بالعملية العسكرية وضمان نتائجها.
يضيف المسؤول قائلاً: "انتظر النتائج لأنّ النظام العالمي بعد الدعم العسكري الروسي لن يكون كما كان قبل الدعم الروسي، وهناك طاولة قيد الانقلاب بوجه كل من تآمر على سوريا"، وختم المسؤول كلامه بالقول "أستطيع أن أقول لك ان سوريا اصبحت مركزا قويا لرسم سياسات إقليمية وعالمية، وسوريا باتت من القوة بمكان يؤهلها لان تكون مركزًا مؤثرًا لتقرير مصير المنطقة برمّتها، حيث سنشهد الكثير من المتغيّرات الهامة في مراكز القرار لبعض الدول التي راهنت على سقوط سوريا، فهناك الكثير ممن استقال او اقيل او تم اعفاؤه من مركزه والاتي اعظم، لكن اؤكد لك ان سوريا ستبقى متماسكة بقيادة الرئيس بشار الاسد وسيشهد الرئيس الاسد بام عينه وجوهًا جديدة في مراكز القرار العربي والاقليمي، لكن هذه المرة على قاعدة التسليم بان الرئيس بشار الاسد هو الزعيم والقائد العربي في المنطقة والعالم".
وحول ما يشاع من ان التدخل الروسي في سوريا جاء بهدف فرض تسوية بين العرب واسرائيل على ان تبدأ التسوية من سوريا، يجيب المسؤول الرفيع أنّ سوريا رفضت كل التسويات التي لا تعترف بالحق العربي المنادي بازالة الاحتلال عن الاراضي العربية وبحق الشعب الفلسطيني بالعودة الى فلسطين. ويلفت إلى أنّ سوريا دفعت ولم تزل تدفع ثمناً باهظاً نتيجة رفض سوريا لاي تسوية مع العدو الاسرائيلي، ويقول: "اسرائيل لا تريد السلام مع العرب اصلا لان الصراع اتخذ طابعا جديدا في الفترة الأخيرة، والعدو يريد تحويل الامر الى صراع ديني واسرائيل لا تريد ان تعطي شيئا للعرب، ولا للفلسطينيين"، ويضيف المسؤول ان "اسرائيل والغرب ينظرون الينا نحن العرب كهنود حمر ليس اكثر، اذ ليس باستطاعة اي من الدول فرض اي شيء على السوريين، وخبرتي في هذا المضمار كافية للتأكيد على ذلك".
يضيف المسؤول ليس من مصلحة روسيا ممارسة الضغط على الحليف الاستراتيجي سوريا من اجل اقرار تسوية مع اسرائيل التي ترعى مصالح الولايات المتحدة في المنطقة ولا ترعى المصالح الروسية، فهذه المعادله تكفي للقول "من يعتقد ان روسيا جاءت بالسوخوي وبالدبابات وبالصواريخ العابرة من اجل فرض تسوية على السوريين فهو مخطئ جدًا".
روسيا جاءت الى سوريا لحماية النظام السوري الحليف رئيسًا وجيشًا ومؤسسات وللمحافظة على وحدة الاراضي للدولة السورية ولضرب الخطوط التي رسمتها ووضعتها الولايات المتحدة من خلال تحالف وهمي لاستعمال وادارة هذا الارهاب الهادف لتفتيت نظام الحليف السوري خدمة لمصالح أميركا ومقدمة لضرب المصالح الروسية في المنطقة بهدف محاصرة روسيا من خلال ادارتها وسيطرتها على هذا الارهاب والتطرف الديني وصولا للدول المجاوره لروسيا، ما يهدّد الامن الروسي الاستراتيجي، ولان روسيا تجيد قراءة الطالع السياسي والعسكري، فضّلت قطع رأس الافعى خارج المنزل الروسي، فضلاً عن محاربتها داخل البيت الروسي، آخذة بالاعتبار كل الاحتمالات وصولاً للمواجهة اذا اقتضى الامر.
واختتم اللقاء مع المسؤول بجملةٍ تختصر المرحلة، اذ قال "نحن بحاجة لبعض الوقت أقلّه للربع الثاني من عام 2016 لنرى عالمًا جديدًا متعدّد الاقطاب تكون فيه سوريا الاسد اللاعب المؤثر والابرز في المنطقة".
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة