عقب رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز وجلوس الملك سلمان بن عبد العزيز على عرش المملكة العربية السعودية، تزايدت التوقعات بنهاية شهر العسل بين النظامين المصري والسعودي.

 وعلى مدى أسابيع، شكك مراقبون من الجانبين المصري والسعودي في أن يستمر الدعم السعودي للرئيس عبد الفتاح السيسي، لكن كثيرين بدوا واثقين من أن الملك الجديد لن يفرّط في دعم مصر، وسيسعى لإيجاد صيغة تصالح بين نظام السيسي وجماعة «الاخوان المسلمين».

 ويبدو أن الأوضاع الإقليمية المشتعلة قد دفعت النظام السعودي ليس الى الاستمرار في دعم نظام السيسي فحسب، بل الى تطوير الشراكة الى أبعد مما ذهب إليه الملك السابق.

ومن الواضح أن التحالف السعودي - المصري تحول الى حرب مشتركة يخوضها الجيش المصري بقواته الجوية والبحرية، الى جانب الجيش السعودي، وربما يتطوّر الامر عبر إرسال القوات البرية لقتال الحوثيين إذا لزم الأمر.

وعلى هذا الأساس، فإن الدعم السعودي الذي كان قد توقف بالفعل في عهد الملك عبد الله، استؤنف في عهد الملك سلمان، وهو ما تبدى في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي حين أعلنت السعودية انها ستشارك في دعم الاقتصاد المصري بأربعة مليارات دولار، على شكل استثمارات ومساعدات وودائع في المصرف المركزي المصري، من ضمن دعم خليجي إجمالي وصل إلى 12.5 مليار دولار.

وفي ظل تحالف عسكري يخوض حرباً لا تبدو قصيرة، يبدو تنظيم مناورة استراتيجية كبرى على الأراضي السعودية أمراً بديهياً. وعلى الرغم من أن مناورات مشتركة ضمت مصر والسعودية والإمارات قد أجريت بالفعل قبل حوالي شهرين، إلا أن دخول السعودية ومصر على خط النار في اليمن يستدعي بالطبع درجة أعلى من العمل العسكري المشترك والاستعداد لاحتمالات تطور المعارك.

ولعل مناورة استراتيجية كبرى من هذا النوع، تستدعي بالضرورة دخول قوات ضخمة الى الأراضي السعودية، هو ما تحتاجه الحملة البرية التي لم ينف أحد احتمال القيام بها.

وبرأي البعض فإن مجرد وجود قوات ضخمة لقوى عربية على الأراضي السعودية يمثل ضغطاً حقيقياً على الحوثيين في اليمن، وقد يؤثر في حد ذاته على مجريات الصراع.

على الصعيد الرسمي، قليلة هي الأحاديث عن تفاصيل المناورات المزمع القيام بها. لكن مصدراً عسكرياً مطلعاً قال لـ «السفير» إن مصر والسعودية اتفقتا على تشكيل لجنة ثنائية تضم ممثلين عسكريين عن البلدين لبحث القيام بمناورة استراتيجية كبرى في أراضي المملكة العربية السعودية تضم قوى عربية، وهو نفس ما أُعلن في البيان الرئاسي أمس الأول.

ونفى المصدر العسكري، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن تكون اللجنة الثنائية إحدى خطوات تنفيذ قرار القمة العربية بإنشاء القوة العربية المشتركة، معتبرا أن هذا مسار آخر، حيث ان تنفيذ قرار القمة العربية يفترض ان يتم من خلال اجتماعات رؤساء أركان الدول العربية.

وعن علاقة تلك المناورة بالحرب في اليمن، قال المصدر العسكري ان «الجيوش لا تفصح عن نياتها مسبقاً. ومصر والسعودية قامتا بمناورات مشتركة من قبل ولم تكن هناك حرب، ولا يمكن تأكيد أو نفي علاقة تلك المناورة بالحرب في اليمن، خاصة أن المناورة في إطار البحث بينما الحرب قائمة بالفعل».

ولكن حتى وإن لم يكن قرار القيام بتلك المناورات مرتبطاً بالحرب الجارية في اليمن، إلا أنه بالتأكيد سيؤثر في مجرياتها.

وفي هذا الإطار، قال الوكيل السابق لجهاز المخابرات العامة المصرية اللواء محمد رشاد، في حديث الى «السفير»، إن «قرار الحرب البرية في اليمن لم يتخذ بعد. وبالتالي، ليس معنى القيام بمناورات مشتركة بدء تلك الحرب البرية».

ويوضح ان «الاستعدادات للحرب البرية يجب أن تكون على الأراضي اليمنية. فالتدخل البري في اليمن يجب أن يكون لدعم موقف لا لإنشاء موقف، أي أن يكون هناك توازن عسكري على الأرض في اليمن، وتتدخل القوات لترجيح كفة أحد الأطراف وهو ما لم يتوفر بعد، نتيجة قوة الحوثيين».

ويضيف رشاد أن «المناورات في حد ذاتها قد تكون مجرد تلويح بالقوة وإرسال رسالة قد يكون لها تأثير في حد ذاتها. فوجود قوات كبيرة في السعودية يمثل ضغطا كبيرا على الحوثيين، وهو هدف في حد ذاته حتى لو لم تتدخل تلك القوات».

ويرى رشاد أن قرار الحرب البرية في اليمن معقد جداً.

ويضيف «كنت في اليمن لعام ونصف العام، وكنت قائد سرية مشاة، والطبيعة الجبلية لليمن تجعل القرار صعبا».

ويتابع «القوات العربية لم تتدرب على مسرح العمليات، والحوثيون خصم قوي، لقد خاضوا خمس حروب منذ العام 2004 وتفوقوا فيها، وهم الآن الطرف الأقوى في اليمن، والتدخل سيكون مكلفاً للغاية. هناك جبال، ومن يعتليها، يسيطر ويكلّف المهاجم خسائر فادحة».

ويؤكد رشاد «الضربات الجوية لن تحسم المعركة في اليمن، كما أنّ التدخل البري مغامرة، والطريق الأمثل هو خلق توازن على أرض ثم التدخل المحدود، لترجيح كفة أحد الأطراف ثم التوصل لتسوية سياسية».

أياً كان الهدف من المناورات العسكرية، وإذا ما كانت جزءاً من الحرب في اليمن أم لا، فمن المؤكد أن العلاقات المصرية السعودية ليست كما يشرحها المحللون السياسيون. وليست سريعة التقلب كما يراها البعض. والمؤكد أن الأوضاع الإقليمية المتفجرة والتهديدات المشتركة، والمصالح المشركة أيضا تفرض على الطرفين التجاوز عن الكثير من التفاصيل.

وفي هذا الإطار، يقول معتز سلامة، مدير «وحدة بحوث الخليج العربي» في «مركز الأهرام للدراسات»، لـ «السفير»، ان «العلاقات المصرية السعودية بُنيت على أسس متينة في عهد الملك عبد الله، وأصبح هناك تحالف استراتيجي بين السعودية ومصر».

ويضيف «هناك أفراد من النخبة على الجانبين ما زالوا يفكرون بنفس طريقة الماضي، دون أن يدركوا أن الواقع تجاوز الحساسيات القديمة».

ويرى سلامة ان «التحالف المصري السعودي ترسم خطواته أجهزة الأمن والمخابرات والمؤسسات العسكرية نظرا للأوضاع الحساسة التي تمر بها المنطقة العربية، وهذه الأجهزة لا تعلن عن خطواتها عادة»، لافتاً الى ان «المناورات المزمع إجراؤها، تؤكد أن العلاقات بين البلدين ليست مبنية على الضرورة فقط، ولكنها تحالف استراتيجي، والأغلب أن المناورات مقررة مسبقا. ولكنها في الوقت ذاته تمثل دعما للموقف السعودي في اليمن، وضغطا على الحوثيين للتراجع، وكذلك إذا ما تقرر التدخل البري فسيكون من السهل نقل القوات وتحريكها. فالمناورات قد تكون استعدادا أيضا للعمل البري إذا لزم الأمر».

كلا الطرفين يحتاج الى الآخر. هكذا تجاوزت العلاقات المصرية السعودية الكثير من الخلافات والتقلبات، حتى وصلت الى تحالف عسكري مباشر. ولكن مع تعقد الصراع وتصاعد الأزمات الإقليمية فالتكاليف الناتجة من الحرب قد يصعب اقتسامها.

  • فريق ماسة
  • 2015-04-15
  • 10128
  • من الأرشيف

المناورات المصرية ـ السعودية: تمهيد لمغامرة برّية في اليمن؟

عقب رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز وجلوس الملك سلمان بن عبد العزيز على عرش المملكة العربية السعودية، تزايدت التوقعات بنهاية شهر العسل بين النظامين المصري والسعودي.  وعلى مدى أسابيع، شكك مراقبون من الجانبين المصري والسعودي في أن يستمر الدعم السعودي للرئيس عبد الفتاح السيسي، لكن كثيرين بدوا واثقين من أن الملك الجديد لن يفرّط في دعم مصر، وسيسعى لإيجاد صيغة تصالح بين نظام السيسي وجماعة «الاخوان المسلمين».  ويبدو أن الأوضاع الإقليمية المشتعلة قد دفعت النظام السعودي ليس الى الاستمرار في دعم نظام السيسي فحسب، بل الى تطوير الشراكة الى أبعد مما ذهب إليه الملك السابق. ومن الواضح أن التحالف السعودي - المصري تحول الى حرب مشتركة يخوضها الجيش المصري بقواته الجوية والبحرية، الى جانب الجيش السعودي، وربما يتطوّر الامر عبر إرسال القوات البرية لقتال الحوثيين إذا لزم الأمر. وعلى هذا الأساس، فإن الدعم السعودي الذي كان قد توقف بالفعل في عهد الملك عبد الله، استؤنف في عهد الملك سلمان، وهو ما تبدى في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي حين أعلنت السعودية انها ستشارك في دعم الاقتصاد المصري بأربعة مليارات دولار، على شكل استثمارات ومساعدات وودائع في المصرف المركزي المصري، من ضمن دعم خليجي إجمالي وصل إلى 12.5 مليار دولار. وفي ظل تحالف عسكري يخوض حرباً لا تبدو قصيرة، يبدو تنظيم مناورة استراتيجية كبرى على الأراضي السعودية أمراً بديهياً. وعلى الرغم من أن مناورات مشتركة ضمت مصر والسعودية والإمارات قد أجريت بالفعل قبل حوالي شهرين، إلا أن دخول السعودية ومصر على خط النار في اليمن يستدعي بالطبع درجة أعلى من العمل العسكري المشترك والاستعداد لاحتمالات تطور المعارك. ولعل مناورة استراتيجية كبرى من هذا النوع، تستدعي بالضرورة دخول قوات ضخمة الى الأراضي السعودية، هو ما تحتاجه الحملة البرية التي لم ينف أحد احتمال القيام بها. وبرأي البعض فإن مجرد وجود قوات ضخمة لقوى عربية على الأراضي السعودية يمثل ضغطاً حقيقياً على الحوثيين في اليمن، وقد يؤثر في حد ذاته على مجريات الصراع. على الصعيد الرسمي، قليلة هي الأحاديث عن تفاصيل المناورات المزمع القيام بها. لكن مصدراً عسكرياً مطلعاً قال لـ «السفير» إن مصر والسعودية اتفقتا على تشكيل لجنة ثنائية تضم ممثلين عسكريين عن البلدين لبحث القيام بمناورة استراتيجية كبرى في أراضي المملكة العربية السعودية تضم قوى عربية، وهو نفس ما أُعلن في البيان الرئاسي أمس الأول. ونفى المصدر العسكري، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن تكون اللجنة الثنائية إحدى خطوات تنفيذ قرار القمة العربية بإنشاء القوة العربية المشتركة، معتبرا أن هذا مسار آخر، حيث ان تنفيذ قرار القمة العربية يفترض ان يتم من خلال اجتماعات رؤساء أركان الدول العربية. وعن علاقة تلك المناورة بالحرب في اليمن، قال المصدر العسكري ان «الجيوش لا تفصح عن نياتها مسبقاً. ومصر والسعودية قامتا بمناورات مشتركة من قبل ولم تكن هناك حرب، ولا يمكن تأكيد أو نفي علاقة تلك المناورة بالحرب في اليمن، خاصة أن المناورة في إطار البحث بينما الحرب قائمة بالفعل». ولكن حتى وإن لم يكن قرار القيام بتلك المناورات مرتبطاً بالحرب الجارية في اليمن، إلا أنه بالتأكيد سيؤثر في مجرياتها. وفي هذا الإطار، قال الوكيل السابق لجهاز المخابرات العامة المصرية اللواء محمد رشاد، في حديث الى «السفير»، إن «قرار الحرب البرية في اليمن لم يتخذ بعد. وبالتالي، ليس معنى القيام بمناورات مشتركة بدء تلك الحرب البرية». ويوضح ان «الاستعدادات للحرب البرية يجب أن تكون على الأراضي اليمنية. فالتدخل البري في اليمن يجب أن يكون لدعم موقف لا لإنشاء موقف، أي أن يكون هناك توازن عسكري على الأرض في اليمن، وتتدخل القوات لترجيح كفة أحد الأطراف وهو ما لم يتوفر بعد، نتيجة قوة الحوثيين». ويضيف رشاد أن «المناورات في حد ذاتها قد تكون مجرد تلويح بالقوة وإرسال رسالة قد يكون لها تأثير في حد ذاتها. فوجود قوات كبيرة في السعودية يمثل ضغطا كبيرا على الحوثيين، وهو هدف في حد ذاته حتى لو لم تتدخل تلك القوات». ويرى رشاد أن قرار الحرب البرية في اليمن معقد جداً. ويضيف «كنت في اليمن لعام ونصف العام، وكنت قائد سرية مشاة، والطبيعة الجبلية لليمن تجعل القرار صعبا». ويتابع «القوات العربية لم تتدرب على مسرح العمليات، والحوثيون خصم قوي، لقد خاضوا خمس حروب منذ العام 2004 وتفوقوا فيها، وهم الآن الطرف الأقوى في اليمن، والتدخل سيكون مكلفاً للغاية. هناك جبال، ومن يعتليها، يسيطر ويكلّف المهاجم خسائر فادحة». ويؤكد رشاد «الضربات الجوية لن تحسم المعركة في اليمن، كما أنّ التدخل البري مغامرة، والطريق الأمثل هو خلق توازن على أرض ثم التدخل المحدود، لترجيح كفة أحد الأطراف ثم التوصل لتسوية سياسية». أياً كان الهدف من المناورات العسكرية، وإذا ما كانت جزءاً من الحرب في اليمن أم لا، فمن المؤكد أن العلاقات المصرية السعودية ليست كما يشرحها المحللون السياسيون. وليست سريعة التقلب كما يراها البعض. والمؤكد أن الأوضاع الإقليمية المتفجرة والتهديدات المشتركة، والمصالح المشركة أيضا تفرض على الطرفين التجاوز عن الكثير من التفاصيل. وفي هذا الإطار، يقول معتز سلامة، مدير «وحدة بحوث الخليج العربي» في «مركز الأهرام للدراسات»، لـ «السفير»، ان «العلاقات المصرية السعودية بُنيت على أسس متينة في عهد الملك عبد الله، وأصبح هناك تحالف استراتيجي بين السعودية ومصر». ويضيف «هناك أفراد من النخبة على الجانبين ما زالوا يفكرون بنفس طريقة الماضي، دون أن يدركوا أن الواقع تجاوز الحساسيات القديمة». ويرى سلامة ان «التحالف المصري السعودي ترسم خطواته أجهزة الأمن والمخابرات والمؤسسات العسكرية نظرا للأوضاع الحساسة التي تمر بها المنطقة العربية، وهذه الأجهزة لا تعلن عن خطواتها عادة»، لافتاً الى ان «المناورات المزمع إجراؤها، تؤكد أن العلاقات بين البلدين ليست مبنية على الضرورة فقط، ولكنها تحالف استراتيجي، والأغلب أن المناورات مقررة مسبقا. ولكنها في الوقت ذاته تمثل دعما للموقف السعودي في اليمن، وضغطا على الحوثيين للتراجع، وكذلك إذا ما تقرر التدخل البري فسيكون من السهل نقل القوات وتحريكها. فالمناورات قد تكون استعدادا أيضا للعمل البري إذا لزم الأمر». كلا الطرفين يحتاج الى الآخر. هكذا تجاوزت العلاقات المصرية السعودية الكثير من الخلافات والتقلبات، حتى وصلت الى تحالف عسكري مباشر. ولكن مع تعقد الصراع وتصاعد الأزمات الإقليمية فالتكاليف الناتجة من الحرب قد يصعب اقتسامها.

المصدر : السفير / مصطفى بسيوني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة