لا ينسى أبناء جيلي أن تحية العلم كانت، ولا تزال جزءاً أساسياً مما تربينا عليه في مدارسنا، فالعَلمُ ليس قطعة قماش عليها رسوم، ورموز فقط، إنما هو قصة هوية، وانتماء، وتاريخ، وعزة، وكرامة، وتعبير عن تضحيات، ودماء آلاف الشهداء، وتعبير عن الاستقلال الوطني، والأهم القرار الوطني المستقل.

 

ظلت قضية الاستقلال الوطني هاجساً لدى السوريين في مرحلة ما بعد الجلاء عبر نضالات الأحزاب الوطنية، ومواجهة المشاريع الاستعمارية التي كان هدفها دائماً تحويل سورية إلى ألعوبة بيدها، ودفع السوريون عبر أجيالهم ثمناً باهظاً للمحافظة على هذا الاستقلال، والمتمثل بالقرار الوطني المستقل الذي هو تعبير حقيقي عن إرادة الشعب السوري، وتطلعاته، وتضحياته.

 

من منّا لا يتذكر ما قاله الجنرال اللنبي يوم دخل القدس في 9 كانون الأول 1917: (الآن انتهت الحروب الصليبية)، وما قاله (غورو) بعد دخول دمشق في 21/6/1920 أمام قبر صلاح الدين الأيوبي: (ها قد عدنا يا صلاح الدين..)، ولكن التاريخ يخبرنا أن جحافل (غورو) خرجت مهزومة من سورية بنضال وتضحيات أبنائها، ورفضهم لمخططات المستعمر الفرنسي بتقسيمنا إلى ملل، وطوائف وإثنيات، ونيل الاستقلال الغالي على الرغم مما فعله الفرنسي قبل خروجه من اقتطاع أجزاء غالية من سورية، وإعطائها لتركيا ضمن إطار صفقات سياسية كانت غايتها المزيد من الإضعاف لهذه الدولة المركزية الأساسية في المنطقة.

الآن: تخيلوا أنه بعد عقود من الزمن، يخرج علينا سوريون ينتحلون صفة (معارضة) ليدعوا في القرن الحادي والعشرين إلى إعادة احتلال بلادهم من قبل الناتو، وتدمير دمشق، والوقوف أمام قبر (صلاح الدين) مرة أخرى.

تخيلوا أن هناك من يريد إعادة العثمانيين مرة أخرى، والفرنسيين أيضاً عبر أحفاد (غورو) وإرثه المتمثل في (هولاند وفابيوس)، تخيلوا أن هناك (معارضات) تكذب، وتنافق علينا باسم الديمقراطية، والحرية لتعيد لنا كوابيس المندوب السامي، لكن بحلة جديدة اسمها (مجموعة أصدقاء سورية!!).

- للأسف- لم يعد ذلك خيالاً بل هو واقع نعيشه على أرضنا، ونسمعه، ونراه، ونقرؤه في بيانات (المعارضة) المرتهنة للخارج، وإخوانهم في (داعش)، وجبهة النصرة، وفيالق القتلة والمجرمين الأخرى التي تمثل (الناتو) لإعادة احتلال أرضنا، وتسخيرها في خدمته، ولذلك فإن السوريين كل السوريين يناضلون اليوم، ويخوضون معركة الاستقلال الثانية ضد أشكال أكثر قذارة، ودونية، من أشكال الاستعمار القديم، وتتجلى هذه الأشكال بالمظاهر الآتية:

1- المعارضات المرتهنة: وهي تلك المعارضات التي نبتت أمامنا طيلة أربع سنوات من عمر حرب الاستقلال الثانية، عبر شاشات الفضائيات، ومواقع التواصل الاجتماعي، والمؤتمرات، والتصريحات، والانتقال من حضن عثماني، إلى حضن وهابي، إلى أحضان أخرى حسب قيمة الشيكات، والتسهيلات التي تقدم في شكل فاضح للعمالة، والارتهان للخارج، والخطاب الطائفي المنخور، والشعارات الفارغة، حتى إن مشغليهم وصلوا لمرحلة القرف من انحطاطهم السياسي والأخلاقي.

معارضات أصدرت بيانات، وتصريحات تطالب فيها بقصف المدن السورية، وفرض مناطق الحظر الجوي، وتشجيع العقوبات الاقتصادية ضد شعبهم، وتأييد كل أشكال القتلة، والمجرمين، ودعم (أبو محمد الجولاني)، و(أبو سعيد الكندي) و(أبو الأوس البريطاني)، و(أبو هريرة الأميركي)، و(أبو أرسلان التركي)، و(أبو تيمية السعودي)، والقرضاوي، والعريفي، وكل جهلة القرن الحادي والعشرين من أجل بناء ديمقراطية حديثة في سورية كما يدعون، وعبر تدمير أسس ومبادئ الجلاء، والاستقلال، والقرار الوطني المستقل.

مثل هذه الكائنات المستوردة في الفكر، والجهالة، هي أخطر جسور للعبور السياسي إلى احتلال الأوطان، والشعوب مرة أخرى.

2- التنظيمات التكفيرية الإرهابية: وهي الذراع العسكرية للمشروع السياسي فداعش والنصرة وجيش الإسلام وغيرها الكثير مما فرخته هذه الهجمة الاستعمارية الجديدة ليست إلا أدوات ناتوية صهيونية لتنفيذ المخطط المرسوم، وما قيام هذه التنظيمات بالدوس على العلم السوري والفلسطيني ورفع الرايات السوداء إلا دليل على أهدافهم الحقيقية، كما أن تدمير الرموز الوطنية (تحطيم تمثال هنانو في إدلب)، والثقافية والتاريخية والأثرية ليست إلا جزءاً من المخطط الاستعماري الجديد ضد شعوبنا وأمتنا.

إن محاربة هذه التنظيمات الإجرامية واجتثاثها من الأرض السورية هو جزء أساسي من معركة الاستقلال الثانية التي يخوضها الشعب السوري وجيشه البطل، ذلك أن تدمير ركائز الإرهاب وقواه على الأرض هو قطع للذراع الاستعمارية الجديدة الخبيثة المرتبطة بالمشروع الصهيوني.

3- الفكر المتطرف والطائفي: إن الحرب العسكرية الأمنية ضد الإرهاب واستطالاته ستؤتي ثماراً آنية، ولكن المواجهة الفكرية والسياسية والإعلامية هي أكثر اتساعاً وشمولاً ولا بد منها ذلك أن هذا الفكر هو حالة سرطانية إن تركت فسوف تقضي على الجسم كله، ولا إمكانية للتعايش مع هذا الفكر المعادي للإنسانية وقيم البشر والأديان، فالفكر العنصري (الوهابي الإخواني) المتلطي خلف شعارات دينية والمتحجز لقيم الدين الحنيف كرهينة بيده يجب مواجهته، وإسقاطه عبر ثورة ثقافية فكرية تؤكد علمانية الدولة التي تحترم عقائد وأديان مواطنيها وتنهي مسألة احتكار الدين لأغراض سياسية دنيئة، فتلعب على مشاعر البسطاء لتجندهم في حروب هم وقودها وحطبها ولكنها لا تجلب لهم سوى الدمار والتشرد والضياع.

إن أحد أهم أذرع مواجهة هذا النمط الجديد من الاستعمار، وتعزيز جبهتنا في معركة الاستقلال الثانية، هو تعزيز الحوار الوطني السوري السوري، والمصالحات التي تخدم الهدف الإستراتيجي المتثمل بمواجهة الإرهاب الذراع العسكرية للمشروع الاستعماري الجديد.

الحوار الذي يعزز القواسم المشتركة بين السوريين وهي القواسم نفسها التي جمعت آباء الاستقلال الوطني الأول ضد الفرنسيين، ذلك أنه لا يمكن لسوري أن يختلف مع سوري آخر حول الاستقلال الوطني ومحاربة الإرهاب، ورفض التدخل الخارجي والتطلع لدولة علمانية ديمقراطية قوية ومقاومة، وما عدا ذلك ليس إلا هرطقة سياسية تدل على العمالة والخيانة.

إذ إنه ليس لدينا الآن ترف النقاش والسفسطة السياسية والتنظير بشعارات براقة لا ينتمي إليها دعاتها ولا يتمثلونها.

في ذكرى الاستقلال: لا يساورني الشك بأن سورية ستنتصر مرة أخرى على أكاذيب الثورات المدعومة من (الوهابية والصهيونية) المتأسلمة منها، أو الليبرالية المنافقة، أو اليسارية المتاجرة بآلام الفقراء من فنادق دبي، والدوحة واستنبول وأوروبا، وبأننا سننتصر على انحطاط الفاشية الجديدة، ومجرمي الإخوان الشياطين، ومشاريع أمراء النفط، والغاز، لا يساورني الشك في ذكرى نيسان، بأن هذا الشعب العظيم، وجيشه البطل، ومقاومته الشعبية سوف تنجز انتصاراً تاريخياً على قوى الاستعمار الجديدة حتى لو ظهرت بلبوس (المعارضة) أو الوهابية أو الإخوان ونحن من سيقول: «ها قد عدنا يا أحفاد غورو».

  • فريق ماسة
  • 2015-04-15
  • 12127
  • من الأرشيف

في ذكرى الجلاء: السوريون يخوضون معركة الاستقلال الثانية

لا ينسى أبناء جيلي أن تحية العلم كانت، ولا تزال جزءاً أساسياً مما تربينا عليه في مدارسنا، فالعَلمُ ليس قطعة قماش عليها رسوم، ورموز فقط، إنما هو قصة هوية، وانتماء، وتاريخ، وعزة، وكرامة، وتعبير عن تضحيات، ودماء آلاف الشهداء، وتعبير عن الاستقلال الوطني، والأهم القرار الوطني المستقل.   ظلت قضية الاستقلال الوطني هاجساً لدى السوريين في مرحلة ما بعد الجلاء عبر نضالات الأحزاب الوطنية، ومواجهة المشاريع الاستعمارية التي كان هدفها دائماً تحويل سورية إلى ألعوبة بيدها، ودفع السوريون عبر أجيالهم ثمناً باهظاً للمحافظة على هذا الاستقلال، والمتمثل بالقرار الوطني المستقل الذي هو تعبير حقيقي عن إرادة الشعب السوري، وتطلعاته، وتضحياته.   من منّا لا يتذكر ما قاله الجنرال اللنبي يوم دخل القدس في 9 كانون الأول 1917: (الآن انتهت الحروب الصليبية)، وما قاله (غورو) بعد دخول دمشق في 21/6/1920 أمام قبر صلاح الدين الأيوبي: (ها قد عدنا يا صلاح الدين..)، ولكن التاريخ يخبرنا أن جحافل (غورو) خرجت مهزومة من سورية بنضال وتضحيات أبنائها، ورفضهم لمخططات المستعمر الفرنسي بتقسيمنا إلى ملل، وطوائف وإثنيات، ونيل الاستقلال الغالي على الرغم مما فعله الفرنسي قبل خروجه من اقتطاع أجزاء غالية من سورية، وإعطائها لتركيا ضمن إطار صفقات سياسية كانت غايتها المزيد من الإضعاف لهذه الدولة المركزية الأساسية في المنطقة. الآن: تخيلوا أنه بعد عقود من الزمن، يخرج علينا سوريون ينتحلون صفة (معارضة) ليدعوا في القرن الحادي والعشرين إلى إعادة احتلال بلادهم من قبل الناتو، وتدمير دمشق، والوقوف أمام قبر (صلاح الدين) مرة أخرى. تخيلوا أن هناك من يريد إعادة العثمانيين مرة أخرى، والفرنسيين أيضاً عبر أحفاد (غورو) وإرثه المتمثل في (هولاند وفابيوس)، تخيلوا أن هناك (معارضات) تكذب، وتنافق علينا باسم الديمقراطية، والحرية لتعيد لنا كوابيس المندوب السامي، لكن بحلة جديدة اسمها (مجموعة أصدقاء سورية!!). - للأسف- لم يعد ذلك خيالاً بل هو واقع نعيشه على أرضنا، ونسمعه، ونراه، ونقرؤه في بيانات (المعارضة) المرتهنة للخارج، وإخوانهم في (داعش)، وجبهة النصرة، وفيالق القتلة والمجرمين الأخرى التي تمثل (الناتو) لإعادة احتلال أرضنا، وتسخيرها في خدمته، ولذلك فإن السوريين كل السوريين يناضلون اليوم، ويخوضون معركة الاستقلال الثانية ضد أشكال أكثر قذارة، ودونية، من أشكال الاستعمار القديم، وتتجلى هذه الأشكال بالمظاهر الآتية: 1- المعارضات المرتهنة: وهي تلك المعارضات التي نبتت أمامنا طيلة أربع سنوات من عمر حرب الاستقلال الثانية، عبر شاشات الفضائيات، ومواقع التواصل الاجتماعي، والمؤتمرات، والتصريحات، والانتقال من حضن عثماني، إلى حضن وهابي، إلى أحضان أخرى حسب قيمة الشيكات، والتسهيلات التي تقدم في شكل فاضح للعمالة، والارتهان للخارج، والخطاب الطائفي المنخور، والشعارات الفارغة، حتى إن مشغليهم وصلوا لمرحلة القرف من انحطاطهم السياسي والأخلاقي. معارضات أصدرت بيانات، وتصريحات تطالب فيها بقصف المدن السورية، وفرض مناطق الحظر الجوي، وتشجيع العقوبات الاقتصادية ضد شعبهم، وتأييد كل أشكال القتلة، والمجرمين، ودعم (أبو محمد الجولاني)، و(أبو سعيد الكندي) و(أبو الأوس البريطاني)، و(أبو هريرة الأميركي)، و(أبو أرسلان التركي)، و(أبو تيمية السعودي)، والقرضاوي، والعريفي، وكل جهلة القرن الحادي والعشرين من أجل بناء ديمقراطية حديثة في سورية كما يدعون، وعبر تدمير أسس ومبادئ الجلاء، والاستقلال، والقرار الوطني المستقل. مثل هذه الكائنات المستوردة في الفكر، والجهالة، هي أخطر جسور للعبور السياسي إلى احتلال الأوطان، والشعوب مرة أخرى. 2- التنظيمات التكفيرية الإرهابية: وهي الذراع العسكرية للمشروع السياسي فداعش والنصرة وجيش الإسلام وغيرها الكثير مما فرخته هذه الهجمة الاستعمارية الجديدة ليست إلا أدوات ناتوية صهيونية لتنفيذ المخطط المرسوم، وما قيام هذه التنظيمات بالدوس على العلم السوري والفلسطيني ورفع الرايات السوداء إلا دليل على أهدافهم الحقيقية، كما أن تدمير الرموز الوطنية (تحطيم تمثال هنانو في إدلب)، والثقافية والتاريخية والأثرية ليست إلا جزءاً من المخطط الاستعماري الجديد ضد شعوبنا وأمتنا. إن محاربة هذه التنظيمات الإجرامية واجتثاثها من الأرض السورية هو جزء أساسي من معركة الاستقلال الثانية التي يخوضها الشعب السوري وجيشه البطل، ذلك أن تدمير ركائز الإرهاب وقواه على الأرض هو قطع للذراع الاستعمارية الجديدة الخبيثة المرتبطة بالمشروع الصهيوني. 3- الفكر المتطرف والطائفي: إن الحرب العسكرية الأمنية ضد الإرهاب واستطالاته ستؤتي ثماراً آنية، ولكن المواجهة الفكرية والسياسية والإعلامية هي أكثر اتساعاً وشمولاً ولا بد منها ذلك أن هذا الفكر هو حالة سرطانية إن تركت فسوف تقضي على الجسم كله، ولا إمكانية للتعايش مع هذا الفكر المعادي للإنسانية وقيم البشر والأديان، فالفكر العنصري (الوهابي الإخواني) المتلطي خلف شعارات دينية والمتحجز لقيم الدين الحنيف كرهينة بيده يجب مواجهته، وإسقاطه عبر ثورة ثقافية فكرية تؤكد علمانية الدولة التي تحترم عقائد وأديان مواطنيها وتنهي مسألة احتكار الدين لأغراض سياسية دنيئة، فتلعب على مشاعر البسطاء لتجندهم في حروب هم وقودها وحطبها ولكنها لا تجلب لهم سوى الدمار والتشرد والضياع. إن أحد أهم أذرع مواجهة هذا النمط الجديد من الاستعمار، وتعزيز جبهتنا في معركة الاستقلال الثانية، هو تعزيز الحوار الوطني السوري السوري، والمصالحات التي تخدم الهدف الإستراتيجي المتثمل بمواجهة الإرهاب الذراع العسكرية للمشروع الاستعماري الجديد. الحوار الذي يعزز القواسم المشتركة بين السوريين وهي القواسم نفسها التي جمعت آباء الاستقلال الوطني الأول ضد الفرنسيين، ذلك أنه لا يمكن لسوري أن يختلف مع سوري آخر حول الاستقلال الوطني ومحاربة الإرهاب، ورفض التدخل الخارجي والتطلع لدولة علمانية ديمقراطية قوية ومقاومة، وما عدا ذلك ليس إلا هرطقة سياسية تدل على العمالة والخيانة. إذ إنه ليس لدينا الآن ترف النقاش والسفسطة السياسية والتنظير بشعارات براقة لا ينتمي إليها دعاتها ولا يتمثلونها. في ذكرى الاستقلال: لا يساورني الشك بأن سورية ستنتصر مرة أخرى على أكاذيب الثورات المدعومة من (الوهابية والصهيونية) المتأسلمة منها، أو الليبرالية المنافقة، أو اليسارية المتاجرة بآلام الفقراء من فنادق دبي، والدوحة واستنبول وأوروبا، وبأننا سننتصر على انحطاط الفاشية الجديدة، ومجرمي الإخوان الشياطين، ومشاريع أمراء النفط، والغاز، لا يساورني الشك في ذكرى نيسان، بأن هذا الشعب العظيم، وجيشه البطل، ومقاومته الشعبية سوف تنجز انتصاراً تاريخياً على قوى الاستعمار الجديدة حتى لو ظهرت بلبوس (المعارضة) أو الوهابية أو الإخوان ونحن من سيقول: «ها قد عدنا يا أحفاد غورو».

المصدر : الوطن / د. بسام أبو عبدالله


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة