دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بعد تمهيد طويل نسبياً، قررت «غرفة عمليات الموك» أن الوقت حان لإجراء المفاصلة مع «جبهة النصرة»، بعدما رفضت الأخيرة التجاوب مع الضغوط كافة، الإقليمية والدولية، التي مورست عليها بهدف دفعها إلى فك الارتباط مع تنظيمها الأم «القاعدة».
وأوعزت «الموك» إلى الفصائل العاملة تحت إمرتها بوجوب الشروع في تحضير الأجواء لإعلان الحرب على «النصرة»، التي تشارف على بناء «إمارتها» في الشمال السوري.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن تصدر فصائل مسلحة عدة تابعة لـ «الجيش الحر» في درعا بيانات في الوقت ذاته، وتتضمّن عبارات متطابقة مفادها رفض التعاون العسكري مع «جبهة النصرة»، واعتبار «الجبهة الجنوبية» بمثابة المكوّن العسكري الوحيد الذي يمثل «الثورة السورية». وكان واضحاً أن هناك جهة ما أوعزت إلى هذه الفصائل إصدار هذا البيان الموحّد، والذي يعتقد أن صياغته تمت في العاصمة الأردنية عمّان، ليعمم بعد ذلك على قادة الفصائل ليقوموا بإصداره باعتباره يمثل وجهة نظرهم.
وأكد لـ «السفير» مصدر محلي من مدينة درعا، متابع لشؤون الفصائل المسلحة، أن «غرفة عمليات الموك» هي من يقف وراء إصدار البيانات السابقة، لأن اجتماعاتها خلال الأشهر الماضية مع المعنيين بأمر الجنوب، من سياسيين وعسكريين، انتهت إلى نتيجة مفادها أن «تجربة ريف إدلب مع جبهة ثوار سوريا وحركة حزم تقتضي إجراء حرب استباقية ضد النصرة، قبل أن تتمكن من توسيع نفوذها في الجنوب والهيمنة على الأرض، كما فعلت في الشمال».
وكانت «السفير» قد أشارت في عددها الصادر في 13 كانون الأول الماضي إلى أن «غرفة عمليات الموك تعقد اجتماعات دورية مع عدد كبير من ضباط الجيش الحر، خصوصاً أولئك العاملين في المنطقة الجنوبية في درعا والقنيطرة»، ولفتت إلى أنه «بالرغم من أن المعلن عن هذه الاجتماعات هو الاتفاق على مواعيد تسليم وتسلّم شحنات الأسلحة التي تقدمها «غرفة الموك» إلى بعض الفصائل، إلا أن بعض المصادر المحلية في مدينة درعا لا تخفي قلقها من أن يكون الهدف هو استقطاب بعض الفصائل وتوحيدها تحت راية واحدة، لتكليفها بمهمة محاربة فصيل إسلامي، يرجّح أنه «جبهة النصرة».
ويلعب بشار الزعبي، قائد «جيش اليرموك»، دور رأس الحربة في حملة «الموك»، التي تستهدف شيطنة «جبهة النصرة» تمهيداً لإعلان الحرب عليها. ويبدو أن الخطة المتبعة تقضي بحشر «النصرة» في الزاوية، ووضعها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما فك ارتباطها مع «القاعدة»، وهو ما ليس بمقدورها القيام به وإلا تكون كمن قرر الانتحار، أو الاستعداد للحرب التي يجري التحضير لها ضدها في الجنوب.
وأصدر الزعبي، أمس الأول، بياناً نارياً اتهم فيه «جبهة النصرة» باستفزاز «الجيش الحر»، عبر اعتقال قادته وتهديدهم بالمفخخات، مذكراً بأن زعيمها أبو محمد الجولاني سبق له تكفير «الجيش الحر» و «الائتلاف الوطني المعارض» في تسجيله الصوتي «ليتك رثيتني».
وأكد الزعبي أن «جيش اليرموك يتبع للأركان وللثورة السورية وليس لأي إمارة أو خلافة».
ويعتبر الزعبي من أكثر الضباط تعاوناً مع «غرفة الموك»، وسبق له الاعتراف بوجودها وأخذ الدعم منها في مقابلة تلفزيونية.
ومبدئياً، لا تعني الحرب إعلان القتال ضد «جبهة النصرة» مباشرة، فهناك خطوات عدة سيجري اتخاذها قبل الركون إلى الخيار العسكري الذي يُعدّ بمثابة الحل الأخير، حيث سيجري العمل على عزل «النصرة»، وممارسة ضغوط على حاضنتها الشعبية، بهدف دفع أبناء درعا المنتمين لها إلى الانشقاق عنها.
كما سيتم تجميد عضويتها في كافة «غرف العمليات العسكرية» التي تقود المعارك في الجنوب، وذلك بحسب ما قال مصدر مقرّب من قائد «جيش اليرموك» لـ «السفير».
وخلال هذه الفترة، ستتم مراقبة رد فعل «جبهة النصرة» على هذه الإجراءات عن كثب، ودراسة الخطوات المقبلة على ضوئها.
غير أن المصدر المقرب من بشار الزعبي أكد، بشكل غير مباشر، أن الاحتمال الذي يرجّحه هو أن تتطور الأمور إلى مواجهة عسكرية بين الطرفين، لأن «جبهة النصرة» لن تستطيع التأقلم مع الواقع الجديد الذي يفرض «الجيش الحر» كقوة منافسة لها.
ولم يصدر عن «جبهة النصرة» أي رد فعل رسمي تجاه البيانات الصادرة عن فصائل «الجيش الحر»، إلا أن القيادي فيها الدكتور مظهر الويس، المعروف بلقب أبو عبد الرحمن الشامي، دعا «دار العدل في حوران» أن «يكون لها الدور الأبرز في الحفاظ على لحمة المجاهدين وتوحيد جهودهم»، مشدّداً على أن «جبهة النصرة» لا تستجدي شيئاً من أحد. ولم يتراجع الويس عن اتهام «الجيش الحر» بالردة، حيث قال «إننا نغزو مع البر والفاجر» في سياق مطالبته بالتوحّد ضد الجيش السوري، وذلك في تغريدات نشرها على حسابه على «تويتر».
وكأنّ تغريدات الويس كانت إيعازاً إلى «دار العدل» للتدخل في الخلاف الحاصل، وهو ما يشير إلى هيمنة «جبهة النصرة» عليها، حيث سارعت إلى إصدار بيان دعت فيه جميع الفصائل العاملة على الجبهات الجنوبية لرأب الصدع والاحتكام إلى «محكمة شرعية» لحل جميع الخلافات القائمة. وجاء في البيان «ندعو جميع الفصائل العاملة على أرض حوران إلى كلمة سواء، تحت مظلة دار العدل، ونُذكِّر بأن حل أي قضية أو خلاف يكون بالاحتكام إلى شرع الله، بعيدًا عن التراشق الإعلامي».
ولكن من غير المتوقع أن تتمكن «دار العدل» من إيجاد حل لهذا الخلاف، لأن الأمر ببساطة بات خارج سيطرة الأطراف، وأصبحت تتحكم به مباشرة «غرفة عمليات الموك» التي تملك الكلمة الفصل في الجبهة الجنوبية، سواء لجهة المساعدات العسكرية وإدخال شحنات الأسلحة أو لجهة التخطيط للمعارك، وبالتالي لا يمكن للفصائل التي تدور في فلكها أن تخالف أوامرها.
المصدر :
السفير /عبد الله سليمان علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة