بدأ وزير الخارجية الأميركي جون كيري جولته على الحلفاء، ومعها بدأ كيري ألاعيب السحرة في تسويق الاتفاق مع إيران، الذي يبدو أنّ من ضرورات نجاحه التكتم على مدى التقدّم الذي بلغه، بل والإيحاء بأنه لا يزال في منطقة الخطر،

فما حمله كيري إلى باريس والرياض، وفقاً لمصادر إعلامية مواكبة للزيارتين، قدّم بصفته آخر ما يمكن لواشنطن قبوله، وهو لا يعدو كونه ما تمّ الاتفاق عليه، فجاء لهذا الغرض ما قاله في الرياض عن طهران والحاجة إلى مراقبة أدائها، الإقليمي، والإشارة إلى نظرية الجمع بين متابعة أنشطة إيران الأخرى في الشرق الأوسط عن قرب، والالتزام بأمن دول مجلس التعاون الخليجي، وهو يعلم أن لا تهديد لأمن هذه الدول أصلاً، بل المطلوب تأقلمها مع واقع الحوار والتنسيق مع إيران، الجاهزة دائماً لهذا التعاون والتنسيق، وكذلك حديثه عن المداورة بين الديبلوماسية والضغط بخصوص سورية، و«ربما نحتاج للضغط العسكري»، و«يجب دراسة ذلك»، كأنّ الأزمة في بداياتها والوقت فيه متسع للدرس.

 

وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بدا حزيناً وتائهاً، وأعطت إطلالته المرتبكة صورة عن الخيبة السعودية، عندما لم يجد الفيصل ما يتحدّث عنه إلا سورية وكأنه يقول لكيري، إذا كان أمر إيران محسوماً، فهل يمكن أن نحصل على جائزة ترضية بمنحنا فرصة جديدة في سورية، والمقصود هنا ما كان قد بلغ مرحلة متقدمة من التحضيرات السعودية والتركية والقطرية، لإعلان فك الصلة بين «جبهة النصرة» وتنظيم «القاعدة»، بما يتيح تسويقها في واشنطن كتعبير وازن عن المعارضة المعتدلة التي تبحث عنها واشنطن ولا تجدها، ولم يشبع الفيصل من تخصيص أكثر من نصف وقت كلامه لسورية، وأغلبه للمعارضة المعتدلة، والقصد طبعاً كما هو معلوم «جبهة النصرة» بعد تعريضها لأشعة الفصل الإعلامي عن «القاعدة»، بما يشبه عمليات تبييض الأموال، فتصير إرهاباً نظيفاً.

 

لم يكن كيري قد عاد من رحلته، ولا الفيصل قد وزع مداخلته، حتى نجحت طائرة من دون طيار من سلاح الجو السوري، باصطياد قيادة «جبهة النصرة»، التي كانت تجتمع في أحد مقرّات «الجبهة» في الهييط بريف إدلب، وأسفرت الغارة عن مقتل ثمانية عشر قيادياً بينهم قياديون مؤسّسون في الجبهة ومسؤولها العسكري العام أبي همام الشامي، ومسؤولون كبار مثل أبو مصعب الفلسطيني وعمر العبدالله وأبو زيد محمد وعبد الرحمن سباكة.

 

مشروع «تبييض النصرة» كان شغل الوسط السياسي والإعلامي والأمني لكلّ من قطر والسعودية وتركيا، وبدأ التسويق السياسي والإعلامي، لمساع قطرية بلغت نتائجها النهائية بإقناع «النصرة» بالانفصال عن تنظيم «القاعدة»، بينما امتلأت الصحافة الغربية بتقارير مدفوعة لإطلاق عملية التبييض بالمقارنات المفتعلة بين «النصرة» و«داعش»، وهو ما اشتركت فيه أوساط سياسية وإعلامية لبنانية، وكانت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية قد نشرت تقريراً يكشف أنّ أنواعاً متقدّمة من الأسلحة قد وصلت من التحالف التركي القطري السعودي إلى «جبهة النصرة»، التي قرّرت بعد بدء انهيار وجودها جنوب سورية التمركز في ريفي حلب وإدلب، فجاءتها هذه الضربة القاصمة، لتلحقها بـ«حركة حزم» التي لاقت مصيراً مشابهاً قبل شهور قليلة، وكانت قد تسلمت دفعة من الأسلحة المشابهة لتلك التي ظهرت بين أيدي «النصرة»، وقالت التقارير الغربية إنّ واشنطن كانت هي من زوّدها بها، فيما قالت عن وجودها بأيدي «النصرة» إنها بحصيلة وضع اليد على مستودعات «حركة حزم» التي انتهى أمرها منذ شهور ووقعت مناطق سيطرتها بأيدي «النصرة».

 

«إسرائيل» التي كانت الراعي الأساسي لـ«جبهة النصرة»، وتلقت نبأ إبادة قادتها شمال سورية، بينما هي ترى بأمّ العين تهاوي مواقعها جنوب سورية، ولا تستطيع نجدتها، وكانت تنتظر نجاح المسعى السعودي القطري التركي باعتماد «النصرة» كعنوان للمعارضة المعتدلة، تلقت الضربة الأقسى بقرار القيادة الفلسطينية وقف كلّ أشكال التنسيق الأمني، وهو القرار الذي كان ينتظره الوطنيون الفلسطينيون بفارغ الصبر، والذي يضع «إسرائيل» أمام تحديات جديدة عشية انتخاباتها، وهي تعاني وعكة التوتر مع واشنطن والعزلة الأوروبية، في ظلّ الاعترافات المتزايدة بدولة فلسطين.

 

الخطوة ستكون موضوع متابعة من قيادات فلسطينية أخذت على عاتقها، الضغط لتسريع المصالحات، وإجراءات الوحدة الوطنية، بمجرّد صدور القرار، بما يعني توقع المزيد من التداعيات فلسطينياً، وخصوصاً على العلاقة بين حركتي فتح وحماس.

  • فريق ماسة
  • 2015-03-06
  • 3852
  • من الأرشيف

كيري يسوّق الاتفاق مع إيران بكلام يرضي الرياض... والفيصل التائه سيسلّح «المعتدلة» ؟

بدأ وزير الخارجية الأميركي جون كيري جولته على الحلفاء، ومعها بدأ كيري ألاعيب السحرة في تسويق الاتفاق مع إيران، الذي يبدو أنّ من ضرورات نجاحه التكتم على مدى التقدّم الذي بلغه، بل والإيحاء بأنه لا يزال في منطقة الخطر، فما حمله كيري إلى باريس والرياض، وفقاً لمصادر إعلامية مواكبة للزيارتين، قدّم بصفته آخر ما يمكن لواشنطن قبوله، وهو لا يعدو كونه ما تمّ الاتفاق عليه، فجاء لهذا الغرض ما قاله في الرياض عن طهران والحاجة إلى مراقبة أدائها، الإقليمي، والإشارة إلى نظرية الجمع بين متابعة أنشطة إيران الأخرى في الشرق الأوسط عن قرب، والالتزام بأمن دول مجلس التعاون الخليجي، وهو يعلم أن لا تهديد لأمن هذه الدول أصلاً، بل المطلوب تأقلمها مع واقع الحوار والتنسيق مع إيران، الجاهزة دائماً لهذا التعاون والتنسيق، وكذلك حديثه عن المداورة بين الديبلوماسية والضغط بخصوص سورية، و«ربما نحتاج للضغط العسكري»، و«يجب دراسة ذلك»، كأنّ الأزمة في بداياتها والوقت فيه متسع للدرس.   وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بدا حزيناً وتائهاً، وأعطت إطلالته المرتبكة صورة عن الخيبة السعودية، عندما لم يجد الفيصل ما يتحدّث عنه إلا سورية وكأنه يقول لكيري، إذا كان أمر إيران محسوماً، فهل يمكن أن نحصل على جائزة ترضية بمنحنا فرصة جديدة في سورية، والمقصود هنا ما كان قد بلغ مرحلة متقدمة من التحضيرات السعودية والتركية والقطرية، لإعلان فك الصلة بين «جبهة النصرة» وتنظيم «القاعدة»، بما يتيح تسويقها في واشنطن كتعبير وازن عن المعارضة المعتدلة التي تبحث عنها واشنطن ولا تجدها، ولم يشبع الفيصل من تخصيص أكثر من نصف وقت كلامه لسورية، وأغلبه للمعارضة المعتدلة، والقصد طبعاً كما هو معلوم «جبهة النصرة» بعد تعريضها لأشعة الفصل الإعلامي عن «القاعدة»، بما يشبه عمليات تبييض الأموال، فتصير إرهاباً نظيفاً.   لم يكن كيري قد عاد من رحلته، ولا الفيصل قد وزع مداخلته، حتى نجحت طائرة من دون طيار من سلاح الجو السوري، باصطياد قيادة «جبهة النصرة»، التي كانت تجتمع في أحد مقرّات «الجبهة» في الهييط بريف إدلب، وأسفرت الغارة عن مقتل ثمانية عشر قيادياً بينهم قياديون مؤسّسون في الجبهة ومسؤولها العسكري العام أبي همام الشامي، ومسؤولون كبار مثل أبو مصعب الفلسطيني وعمر العبدالله وأبو زيد محمد وعبد الرحمن سباكة.   مشروع «تبييض النصرة» كان شغل الوسط السياسي والإعلامي والأمني لكلّ من قطر والسعودية وتركيا، وبدأ التسويق السياسي والإعلامي، لمساع قطرية بلغت نتائجها النهائية بإقناع «النصرة» بالانفصال عن تنظيم «القاعدة»، بينما امتلأت الصحافة الغربية بتقارير مدفوعة لإطلاق عملية التبييض بالمقارنات المفتعلة بين «النصرة» و«داعش»، وهو ما اشتركت فيه أوساط سياسية وإعلامية لبنانية، وكانت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية قد نشرت تقريراً يكشف أنّ أنواعاً متقدّمة من الأسلحة قد وصلت من التحالف التركي القطري السعودي إلى «جبهة النصرة»، التي قرّرت بعد بدء انهيار وجودها جنوب سورية التمركز في ريفي حلب وإدلب، فجاءتها هذه الضربة القاصمة، لتلحقها بـ«حركة حزم» التي لاقت مصيراً مشابهاً قبل شهور قليلة، وكانت قد تسلمت دفعة من الأسلحة المشابهة لتلك التي ظهرت بين أيدي «النصرة»، وقالت التقارير الغربية إنّ واشنطن كانت هي من زوّدها بها، فيما قالت عن وجودها بأيدي «النصرة» إنها بحصيلة وضع اليد على مستودعات «حركة حزم» التي انتهى أمرها منذ شهور ووقعت مناطق سيطرتها بأيدي «النصرة».   «إسرائيل» التي كانت الراعي الأساسي لـ«جبهة النصرة»، وتلقت نبأ إبادة قادتها شمال سورية، بينما هي ترى بأمّ العين تهاوي مواقعها جنوب سورية، ولا تستطيع نجدتها، وكانت تنتظر نجاح المسعى السعودي القطري التركي باعتماد «النصرة» كعنوان للمعارضة المعتدلة، تلقت الضربة الأقسى بقرار القيادة الفلسطينية وقف كلّ أشكال التنسيق الأمني، وهو القرار الذي كان ينتظره الوطنيون الفلسطينيون بفارغ الصبر، والذي يضع «إسرائيل» أمام تحديات جديدة عشية انتخاباتها، وهي تعاني وعكة التوتر مع واشنطن والعزلة الأوروبية، في ظلّ الاعترافات المتزايدة بدولة فلسطين.   الخطوة ستكون موضوع متابعة من قيادات فلسطينية أخذت على عاتقها، الضغط لتسريع المصالحات، وإجراءات الوحدة الوطنية، بمجرّد صدور القرار، بما يعني توقع المزيد من التداعيات فلسطينياً، وخصوصاً على العلاقة بين حركتي فتح وحماس.

المصدر : الماسة السورية/ البناء


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة